جرت العادة في مناقشة رسائل الماجستير، أو أطروحات الدكتوراه بنمطية أصبحت أقرب إلى العرف السائد، أو التقليد المُتبع والتي قد تتطابق أو تتجافى مع منهجية البحث العلمي، وهنا وددتُ أن أطرح بعض التساؤلات المتعلقة في صلب المسار العلمي، والنهج الأكاديمي وآلية تطوير خطط وأساليب البحث. في البدء يجب التسليم بأن ما تتم كتابتهُ سواء كان بحثاً لأغراض التخرج بالنسبة لطلبة المرحلة الرابعة (بحوث التخرج)، ام بحثاً لأغراض الترقية العلمية، أو رسالة ماجستير، وصولاً لأطروحات الدكتوراه فأن ما يتمُ إنجازهُ هو عمل علمي يخص الباحثُ حصراً، يعبرُ فيهِ الباحثُ ومن خلالهِ عن نهجه العلمي، وطرق البحث المستخدمة، وحداثة المصادر المستخدمة، وصولاً إلى الاستنتاجات التي تعدُ أهم أجزاء الكتابة. عندها سوف يكون ذلك العمل العلمي سواء كان بحثاً نظرياً، أو تطبيقياً، أو ابتكارا علمياً (وهذا يكون حصراً في الدراسات الأكاديمية العلمية كالطب والهندسةِ وعلوم الحاسوب وغيرها) أي العلوم الصرفة، سيكون ذلك العمل مسجلاً باسم الباحث حصراً. والسؤال هنا يكمن في الدور الكبير والاستثنائي الذي يلعبهُ المشرفِ على تلك البحوث أو الرسائل أو الأطروحات، حين يكون المشرفُ مشرفاً ينتهج المسار العلمي والأكاديمي الصرف، وحين تكون آراؤه وأفكاره، بل حتى بعض استنتاجاته ماثلةٌ في البحث العلمي، بل تشكل المسار البائن في ذلك البحث، وهنا حين لا يتم الإشارة إلى ذلك الرأي أو الأفكار التي يطرحها المشرف أو التنويه عنها بهامشٍ يدرجُ فيهِ بأن تلك الفكرة، أو الإشارة، أو الاستنتاج هو من أفكار المشرف وليس من أفكار الباحث، عملاً بالأمانة العلمية ورصانة البحث العلمي، فأنه قد يُعدُ خللاً في ذلك البحث. كما لا يجب أن ينسب للباحثُ استنتاجا أو رأياً في بحثهِ وهو لا يملك ذلك الرأي، أو لم يتوصل لذلك الاستنتاج. بل من الجائز والشائع أن يختار الأستاذ المشرف عنوان الأطروحة أو الرسالة أيضاً، وهذا يعني بدءاً أن ذلك البحث سيسيرُ وفق نظرة الأستاذ المشرف ومنهجيتهِ العلمية التي ترسخت من خلال تراكم الخبرة، وتنوع وتعمق الأفكار فضلاً عن الخبرة التدريسية الطويلة، وليس وفق أفكار الطالب ذاته. ولو سلطنا الضوء على موضوع لجان المناقشة فأنه من البديهي أن يقوم الأساتذة المكلفون بمناقشة الباحث وإبراز نقاط القوة أو الضعف، ومن الممكن الأخطاء أن وجدت، ومحاولة تعجيلها أو تقويمها وفق النظرة العلمية والنهج الاكاديمي، بعدما يقومون بقراءة العمل ومراجعتهِ والتحضير التام ليوم المناقشة، ومحاولة فهم وإدراك الأسس العلمية التي بُنيت عليها الرسالة أو الأطروحة، وليس على أساس اصطياد الأخطاء لغرض إبراز خبرة الأستاذ المناقش وعمليته. والسؤال المهم في هذا المنحى هو: هل سيكتفي الأساتذة المناقشون بنقاش الباحث دون تصحيح، أو تعديل، أو إضافة؟ والمنطقُ يحكم أن يقوموا بما أسلفنا حتى يأخذ المسار العلمي مجراه، ويتضمن البحث نقاط وإضاءات مفيدة للباحثِ وللمجتمع، وقد تسهم في إنضاج الأفكار وتنوير الباحثين الذين يأتون بعده، كما يمكن أن تكون دليلاً علمياً مبتكراً يصبُ في ترسيخ مبادئ علمية ومنهجية جديدة. والفرق هنا بين المناقشة (كونها بمثابة الامتحان)، وبين الامتحان الفعلي في قاعات الامتحان. ففي الحالة الثانية في الامتحانات الأكاديمية في قاعات الامتحانات، لا يناقش الطالب عن صحة أو عدم صحة الاجابة، بل يتم تقييم الاجابة ليأخذ الطالب استحقاقه عن أجابته، أما في الحالة الأولى فالأمر مختلف تماماً إذا ينبغي هنا كونها هي (جلسة مناقشة)، أن يتم مناقشة الطالب أو الباحث عن بحثهِ، وتحليل وتبيان الغث من السمين، والصواب والخطأ فيما تم كتابته، وأن كانت جلسة المناقشة امتحانا، فهي امتحان بآليات مختلفة، وأسلوبٍ خاص، ومنهجية لا نمطية. وهنا أجدُ من الضروري أن يُطلبُ من الباحثِ أن يشير إلى كل ما تم اقتباسه من الأساتذة المناقشين، ولا يكتفي بالتعديل على عملهِ بكل ما تم من اقتباسات، أو إضافات أو تعديل. وهنا يجب أن تسن بعض الضوابط التي تشير إلى ذلك بوضوح، أو تلزم الباحث بذلك، عملاً بالأمانة العلمية والرصانة المنشودة وكذلك لإعطاء كل ذي حقٍ حقه. وقد يكون من واجب الباحث أن يبادر هو بالتنويهِ عن كلِ فكرةٍ أو معلومة من باب الأمانة العلمية، وأن يشير إلى مصدر تلك المعلومة أو الفكرة مهما كان حجمها، أو دورها التنويري من خلال ذكر المصدر والتنويه عنه. ويمكن أن نصل إلى تلك السبل من خلال ترسيخ نظريات البحث العلمي ومستجداته العلمية والوسائل الرصينة. لأن أسلوب كتابة البحث العلمي شأنها شأن سائر العلوم الأخرى تخضع للتطوير المستمر. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال تدريس مادة البحث العلمي بنظريات البحث الحديثة وعلى ايدي أساتذة متخصصين، بل ومطلعين على طرق البحث العلمي العالمي ونظرياته، بل ومن الممكن أن يتم زجهم في دورات تخصصية في جامعات رصينة لها سبقها في هذا المجال، كي تترسخ أهمية البحث لدى الطلبة، ويتم تعريفهم على النظريات الحديثة والمستوى المتطور في كتابة البحوث، ومن ثَم سيعرفون أهمية الأمانة العلمية والرصانة البحثية ودقة نقل المعلومة، وأهمية الاقتباس ودلالاته العلمية والبحثية، قبل وصولهم لمراحل كتابة البحوث.

نحو تقييم الإجابات العلمية
- التفاصيل
- بهاء محمود علوان
- الطریق الثقافي
- 63