في خريف عام 1962 وعند بائع الصحف المشهور في مندلي “سامي راشد” وقع ناظري على مطبوع جديد يحمل العدد الأول من سلسلة “مختارات من المسرح العراقي” والذي تضمن مسرحيتين الأولى “سترة توصاة” اعداد جعفر علي والثانية “جسمان ومظلة” لسعدون العبيدي. انهمك في قراءة المسرحية بشغف وعلى الغلاف الأخير تعرفت على نبذة قصيرة عن سيرة الكاتب العبيدي.
(هو من مواليد 1935 – العمارة، دبلوم معهد الفنون الجميلة عام 1958 – فرع التمثيل والإخراج، دبلوم التمثيل والإخراج من معهد گلدهول – لندن عام 1962، أستاذ التمثيل في معهد الفنون الجميلة، عضو الهيئة المؤسسة لفرقة مسرح بغداد الفني).
ووفي العدد الثاني من السلسلة نشرت مسرحية “حسن افندي” لطه سالم وقد شجعتني لكتابة مسرحية “البخيل” والتي تختلف كثيراً عن “حسن افندي” وملخصها اب بخيل يحاول ارغام ابنه الزواج من امرأة ثرية للتنعم بما تملكه.. الا ان الابن يرفض ويتمرد على الاب ويختار من يرغب.
وقد قدمت هذه المسرحية في أيار 1969 في مدينة مندلي ولاقت استحساناً وباتت حديث المجالس.
وفي كلية الفنون اثار انتباهي الأداء الرائع للفنان سعدون العبيدي لشخصية الراعي – سموقان – هذه الشخصية الثورية التي تعول كثيراً على الانسان وليس الآلهة.
القاء صوتي ساحر، ثمة ابهار وبما يثير الاعجاب.
صرت اقترب منه واحاوره واطمح واحرص على صداقته واسمع منه الكثير.
وإذ ينتهي العرض المسرحي، ادفع بمقالتي النقدية عن المسرحية الى مجلة الثقافة لصلاح خالص، فيتم نشرها وفيها إشارة اشادة بتمثيل العبيدي.
يؤسس فرقة مسرح الرسالة عام 1972.
عام 1973 يخرج مسرحية أي. بي. سي للكاتب معاذ يوسف.
يفوز في انتخابات الشعبة المسرحية في نقابة الفنانين العراقيين، وله يعود الفضل في اصدار نشرة “مسرحنا” وهي نشرة تطبع بالرونيو وتسلط الضوء على اخبار الفنانين ومقالاتهم المتنوعة في عالم المسرح.
يولي اهتماماً بمسرح الأطفال ويكتب العديد من النصوص التي تلامس عالم الصغار والكبار، ونذكر منها مسرحية “زهرة الاقحوان” التي اخرجها لصالح الفرقة القومية للتمثيل.
وقد اشارت الفنانة الراحلة منتهى محمد رحيم في اطروحتها للماجستير والمعنونة (مسرح الطفل في العراق وخطط التنمية القومية) الى دور الفنان العبيدي وريادته في هذا الميدان. يصدر العبيدي مجموعته المسرحية الأولى وهو لا يزال طالباً في الصف المنتهي في معهد الفون الجميلة “مجموعة مسرحيات” وتضم المسرحيات التالية:
انطلاق - بيت المرضى – جسر العدو – آكلة البشر – طبول الانتصار – انه سيعيش
عام 1968 يصدر مجموعة ثانية وبعنون “اربع مسرحيات” – البداية – مذكرات ميم – ماري – بعد منتصف الليل
عام 1988 يصدر مجموعته الثالثة وبعنون “ثلاث مسرحيات” العيون – عود ثقاب – منقار من حديد
ومن نصوصه المسرحية الأخرى: نور والساحر – لوح الطين – عربة الموت – حبيبتي دزدمونة – البكاء بين يدي زرقاء اليمامة – لون ونغم – أيوب – لن اقلع اسنان ابي.
في الرابع من حزيران عام 2019 نزوره في منزله في الدورة انا ووزير الثقافة الأسبق الأستاذ مفيد الجزائري والدكتور حمودي الحارثي، فيروي لنا بعض من ذكرياته والتي مر عليها اكثر من نصف قرن من الزمان.
كما يحدثنا عن كيفية اعتقاله بعد الثامن من شباط الأسود عام 1963: تم نقلي الى النادي الأولمبي في الاعظمية، حشد كبير من اليساريين والشيوعين.. واذكر منهم د. عبدالجبار عبدالله.
يقول عندما قررت السفر الى سوريا لاحظت من زجاج السيارة مجموعة من الحرس القومي بملابسهم الخاكية، صعد احد افراد الحرس وراح ينادي: سعدون العبيدي لم اجب تكرر النداء للمرة الثانية، التزمت الصمت، في المرة الثالثة شعرت بالاحراج.. وخصوصاً ان الناس في السيارة يعرفونني، لاني كنت اقدم برنامج تلفزيوني بعنوان “شنو شغلك؟”.
في المرة الثالثة وإذ ناداني اضطررت ان اجيب: بنعم
فما كان من الحرس القومي الا ان يرشقني بالقول: نعم وقزل قرط.
نزلت من السيارة، كانوا مجموعة وعلى ما يبدو ان رئيسهم تعاطف معي.
فسألني: الى اين انت ذاهب.
قلت له: الى سوريا .. أسبوع وارجع لتسجيل برنامج هناك.
عندها قال: دعوه يذهب ويعود.
في هذه اللحظات لم اصدق انني نجوت من موت محتم ايضاً.
يضيف كنت عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد الطلبة العام كان الاتحاد يضم كل الاطياف من شيوعيين وقوميين واقليات.
بعدها سارت السيارة باتجاه مفرق ينقسم الى قسمين، احدهما يذهب الى سوريا والآخر الى الأردن.
اغلبية الركاب صاحوا: لنذهب الى الأردن.
التزمت الصمت، لان سوريا ايضاً كان نظامها بعثي مثل العراق بعد 1963.
دخلنا الأردن ومنها الى عالية في لبنان.
وفي رسالتي الى بروك اخبرته انني مثلت دور – هاملت – لشكسبير من اخرج إبراهيم جلال وبمساعدة حقي الشبلي.
واثناء اللقاء مع بروك، سألني: اريد ان أرى كيف مثلت هاملت؟! وبالعربية.
عندها مثل دور هاملت بمهارة وبرعة.
عندها قال له بروك: ابدعت فيما قدمت.. ولهذا سأكتب رسالة الى رئيس جمعية الممثلين في بريطانيا لتنال العضوية فيها.
بعد أيام قلائل اتصلوا به من طرف الجمعية، ولما أراد تقديم مشهد لهم قالوا: ما كتبه عنك بيتر بروك يكفي لتنال العضوية دون تقديم مشهد.
وبهذا أكون العراقي الوحيد الذي نال مثل هذه الهوية في لندن كما حدثنا في هذه الزيارة ايضاً كيف اتصل به صديقه باسل فيضي ذات يوم وفي اعقاب الثامن من شاط 1963 واخبره بان داره مراقبة من قبل الأجهزة الحكومية وان عزيز شريف – الشخصية الوطنية – والذي هو زوج شقيقته عندهم في الدار ويفضل نقله الى مكان آخر اكثر اماناً.
يقول العبيدي قلت لصديقي باسل: دعني اذهب نصف ساعة واعود اليك.
وبالفعل بعد نصف ساعة عدت ومعي حقيبة فيها أدوات مكياج.
رحت امكيج وجه عزيز شريف، واضع له خالاً على خده.
ورحت امازحه: تأمل وجهك في المرآة ملياً، انت لا تعرف من هو صاحب هذا الوجه.
وبسيارتي اقلته الى بيتي.. ومنها الى احدى السفارات ربما السفارة الجيكوسلوفاكية ومنها ليطير الى الخارج.
لاحقاً اصبح وزيراً.. واتصل بي هاتفياً.. قال: انا لن انسى فضلك فيما مضى.
وانا مستعد لارد الجميل لك.