اخر الاخبار

ليس بعيداً عن الشاعر علي فرحان أن يكون قريباً من العشاق، لأنه تعرف جيداً على سرديات الآلهة الكبرى، التي افترشت الأرض واختارت السكن تحت السماء السابعة والشاعر يحمل الشعر وجنون الحياة الذي يجعلها مجيدة بالدنو من كل المعشوقات السابحة في الأمكنة والحدائق والبساتين، النخل حاضر يؤشر لنا بأصوله التاريخية وبدئياته المبكرة جدا ً. شجر مقدس. استفاد علي فرحان وتعرفت عليه مبتكراً أجمل  السرديات وأكثر بلاغة ودلالة. ولأني عرفت ما أدركه علي فرحان عن النخل، لا أكرر ما ذكرته، لكن أمجد الالهة الاولى التي عاشت لحظة التجدد بولادات شرقية كثيرة ومجيدة، ليس المسيح وحده، بل معه ليتو، أـبولو، هي سرديات مكتوبة على ورق العاشق العراقي الذي طاف الأمكنة وترك ممجداته ذات البلاغة، الحب أولاً والعشب الصاعد ملوحاً بطاقة الصاعد من عمق الارض.

دائماً ما يكون العاشق شاعراً وليس بالضرورة أن يكون الشاعر مبتكراً لخفايا العشاق، لكني دائماً ما كشفت مرويات لدى علي فرحان عن اللحظة البدئية الاولى. وهذا توظيف ذكي وحساس ومعقد كذلك. لكن بالنسبة لي أنا الباحث المعني بالأسطورة وأنظمة الديانات البدئية، بي ولع لا يعرفه الا انا بالدور الذي تضفيه الاسطورة على التجربة الشعرية الجديدة التي اتسعت مساحتها في الثقافة العراقية، وصار هذا نوعاً من الملمح البارز لذا وجدت في نص “ ورقة العاشق “ بأن ما أفصح عنه النص كشوف أسطورية، والحقائق تقول غير الذي يقوله الشعر والاسطورة “ كل العشاق لهم قلب واحد “ هل التصور الذي يبثه التخيّل نحو الشعر، لكنه متناقض مع اليومي وأنا أكثر اهتماماً بالمبثوثات الاسطورية في نصوص الشاعر علي فرحان لأن الاسطورة ليست نظاماً من العقائد الحازمة وإنما تتضمن عملاً أكثر مما تتضمن صوراً وتمثيلات. وقد أخذت هذه النظرة تتزايد شيئاً فشيئاً في الانثربولوجيا الحديثة والتاريخ الحديث والدين. وتلك علامة على تقدم جلي. فقد أصبح من القواعد المقبولة قبولاً عاماً. أن الشعائر سابقة للعقيدة، بمعنى التاريخي والنفسي. حتى لو نجحنا في تحليل الاسطورة الى عناصر فكرية حاسمة، فأنا لا نستطيع بهذه العملية التحليلية أن نقع على مبدئها الحيوي لأنه ديناميكي لا ثابت. ولا يمكن وصفه الا من خلال العمل. فالانسان البدائي لا يعبر عن مشاعره وعواطفه برموز مجردة وانما يعبر بطريقة محسوسة مباشرة/ ارنست كاسيير/ مقال في الانسان/ مدخل الى فلسفة الحضارة الانسانية/ ت: د. احسان عباس.

“ ورقة العاشق “ أسست نوعاً من القداسة عبر العلاقة مع الإلهة الاكثر حضوراً وهو الذي ـــــ الاله ـــــ أسس عتبة الفرح الاكثر بلاغة وطاقة حضوره تتبدّى عن الجمال. كل المكونات والعناصر المركزية، وظفها الشاعر علي فرحان، لأنه متشارك مع العشاق بقلب واحد، لم يكتف بهذا، بل أسرع الى لملمة تنوعات الالوان وجعل فيها عديد من الحزم، صاغت أطواقاً للحنان، لكن الشعر متكتم وسري، غير معلن عن المعشوقة التي يطوقها جنون الذكورة. الالوان تباهيات حضورها الأقوى مع الانثى، لا لأن المذكر هو صنعها، بل لأنه المتسيد عندما يذهب نحو الانثى، وكأنه يبث لها شفرات كاشفة عن الجسد الممتلئ بألوانه والمستعد على فيض مفاجئ يسبح فيه المذكر.

الآن اسدّ به بابي وأخرج من بابك

فكما تدرين بقلبينا باب واحدة 

نخرج منها للعالم أوطاناً ونساء

كل مساء// ص102

مثلما للذي في البحر لديه ما ينقذه بلحظات الحرج، ويحقق فوزاً وخلاصاً، ويلوح بانتصاره وسط بحر، مخاوفه كثيرة وذاكرته غنية بمرويات وسرديات عشق.

وللعاشق مع أوراقه غير المعروفة بعددها، يمتلك قدرة أن يوظف طوق الحنان الذي لديه المكون من ألوان تكتمل بزهوها ويلوذ بها، يوظف ما يمكن من امكانات ليجعل منها مسدّاً وجدراناً يغلق بابه، الباب التي وقع عليها علي فرحان ورفع عليها ورقة العاشق ولم ينفرد بالأنا، بل تحمس وأعلن تجاوره مع الأنثى العاشقة التي التقطت بدئية الراموز الدال على الأم الأولى.

الباب أحد الرموز الأكثر تداولاً وحضوراً في الحياة اليومية المعروفة فهي متعددة الوظائف لها علاقة بديمومة الحياة وسيرورتها، الأمن، السلام، مزاولة الحرية بين الشريكين تعبيراً عن الحب. وأعلن العاشق بأنه مستعد لتنظيف باب القلب، لكن حلمه الأكبر الفياض بشعرية العشق والجنون بالأنثى أن لا يحل عليه الليل ويعطل كل ما هو راغب بمزاولته. “ فالليل يزيد الظلمة في عينيك/ ويبلل عيني بماء !! “ في خاتمة النص قوة مجاز ورمزيات سأتحدث عن الكثير منها، فالباب استهلال بدئي في النص واختار له خاتمة النصوص. وواضح بأن علي فرحان جعل منه دخولاً ومنحه الوظيفة اليومية، أو اللحظية بالمغادرة.

بين الباب والليل ثنائية، لم يبتعد عنهما التشارك، ويتعالا عبر الحلم المنتظر لاختبار ورقة التدوين أو التكتم. الليل يتكتم وتستتر وضوح عيني الأنثى، لكن الشاعر، يزاول القلب وكل المذكورات عن الرمزية والمجاز، لأن علي فرحان لا يعطل امكانات الشعر، بل يذهب اليها متحمساً ويأخذها نحو مديات مفتوحة.

المدى المجازي هو غوايات الليل وانفتاح الباب السري الذي يزيد من ظلمة عيني الانثى التي تبلل عيني العاشق بالماء.

يتسع الباب برمزياته ومعانيه من حدود اليومي المعروف الى فضاء الكوني المفتوح، والاسطوري السابح بالاستعارة. الباب طاقة المقدس في الاساطير السومرية والاكدية ومعها اساطير الشرق. لعشتار بابها المعتني بمزاولة أفعاله واشتهاءات الجسد المعاش كاللعب. وبودي الاشارة لكتاب الموسوعي للعالم الاثنولوجي [ باسكال ديبي ] بعنوانه المثير “ الباب/ مقاربة اثنولوجية ] ضم سروداً مثيرة، لأنها كشوفات يتراكم فيها الشعر والتخيلات وتتزاحم بحيث لا يقوى المتلقي القريب من رمزيات الباب على اختيار بعض مما حفل به تاريخ الميثولوجيا وديانات الشرق وازدحم الكتاب الموسوعي بأبواب ذاكرات الالهة والاناث ولعل أهم الحضورات الرمزية للباب هي التي تناغم فيها الشعر والطقوس، وأضفى الاستعاري لما ازدحمت به الاساطير، لتعلن عن الأبواب فيها. واجتهد “ باسكال ديبي “ في حديثه عن لحظة الاغواء والتعرف على جسد الآخر والتقاط ما يتأطر منهما من أوراق العشق. كان ىدم وحواء في الفردوس لم ترد إشارة لوجود باب للدخول، لكن للمغادرة بعد الطرد والاغتسال بماء الليل أو النهار، ليس في الفراديس أوقات الأسماء المتداولة الأول، هذا من خصائص الشعر ومرموزاته الجديدة والمبتكرة وحازت الابواب على معجم فريد من نوعه، تضمن باب ما حصل مع مريم وتأويلات آرتو ولاكان. وعرف الغرب المسيحي الكثير من الأبواب وأقفال النساء لكن الشرق صاغ سرديات غرائبية عن أبواب يسوع التي وقف أمامها نص علي فرحان فيه دلالات متراكمة وسرية وسأشير لنص الباب في الكتاب المقدس.

يجدب فتح الأبواب لأنه المكان الذي لا يبقى فيه أحد/ المكان الذي نمر به، ومنه نرحل، ومنه نقبل الى اللقاءات كافة/ يجب أن نكره الأبواب الموصدة، موصدة في وجه اللقاءات، موصدة في وجه الرحيل، ليكن يسوع للناس جميعاً، ليكن هو الباب العالي، المفتوح لنا على مصراعيه.

الباب هو الكشاف لتفاصيل ورقة العاشق. اشتهاء وجنون وبلل. فالعين ليست للرؤيا بل هي لحيازة المعرفة... وامتلاك الأنثى هو العشق والجنون، الهدوء والصخب وما حصل فلي ورقة العاشق هو الحلم التشاركي، فالليل بظلمته بلل عيني العاشق.

عرض مقالات: