اخر الاخبار

يعتمد القاص في هذه المجموعة (أنين قلب) الصادرة من دار السرد للنشر بغداد 2022.

استخدم القاص تيار الوعي في القصة الاولى (عشاق في مملكة البحر)  وهو ارتياد لمستويات ما قبل التعبير، قد يكون القارئ جاهزاً لتصديق الاوهام في عالم مختلف ومضطرب ومن الطبيعي ان يتفاعل مع بطل قصة!  فلو كانت هذه القصة في مجتمع آخر منسجم ومستقر لتأكد  القارئ بإن القاص يلعب بالحبكة الفنية، ولكن القاص والقارئ في العراق يواجهان الفشل بسبب اختلاف الهويات او وجود نزاعات وثارات عشائرية او اعتبار الحب حراما او الذكورية وازدواجية النظرة للحب من الرجل الى الانثى. الضمير المستخدم في هذه القصة هو الغائب: (كان قرارهما أن يهيما على وجهيهما في هذا العالم الواسع ويطلقا العنان لإقدامهما ان ترحل بهما أنى تشاء ما دام هناك من يلاحقهما ويحاول الفتك بهما”ص7 هذه البداية توحي بإن هناك حالة هروب من المكان لأنهما في خطر! وبما ان الهروب من مكان فيه بشر الى مكان آخر يضم بشر ايضا حتى لو كانوا من جنسية  اخرى لكنهم من جنس البشر لا يعد حلا لمشكلة العاشقين “وجدا نفسيهما أمام بحر واسع لا حدود له” وهما ليسا من المهاجرين لكي يعبرا الى الضفة الاخرى وينعما بالحرية والسعادة ، بل هما يرغبان بكائنات اخرى غير البشر، اي انعدام ثقة بشخصيات القصة “يا أهل البحر جئنا من عالم الانسان. أتقبلون انتماءنا اليكم؟ ..فجأة اضطرب البحر وهاجت وهدرت أمواجه وتعالت وتقاذفت بمد كاسح نحو شواطئه، كأن البحر يمد ذراعيه مرحبا بهما”ص7

القصة تدور احداثها حول حبيبين لا يمكنهما ان يرتبطا بسبب خلاف عميق وثارات قديمة بين عائلتيهما لذلك قررا الهروب، (يوهمنا القاص بحقيقة ووحدانية الحدث ويجعلنا نتعاطف مع الشخصيتين وهو يضمر لنا مفاجأة في نهاية القصة تنفجر عندما يصر الأهل على معرفة سبب هروب العاشقين من اهل لارض.

“عالم البحر اصدر قراره أخيرا بطردهما وذلك لعدم تقديمهما جوابا عن الاسباب التي جاءت بهما إلى عالمهما وامتناعهما عن تقديم أية معلومات تخص أبناء جلدتهم”ص11 هنا ينتقل القاص من الذاتية الى مستوى المأساة العامة، وقد يغمز لمن يبيع نفسه للغريب وينال من ابناء بلده مهما كانت مأساته الخاصة قاسية عليه ان لا يضحي بوطنه وشعبه (وهكذا آثر الحبيبان الرحيل على البقاء كي يبقيا صورة أبناء جلدتهم جميلة وبهية بعيون أهالي مملكة البحر).

كان يمكن ان تنتهي القصة عند هذه الموعظة ولا غبار على فنية القصة وحبكتها لكن القاص اراد ان يجعل في داخل القصة قصة اخرى وهي قد تشكل صدمة ايجابية للمتلقي لتكون واقعية بعيدا عن الحوريات واهالي البحر “ وما أن انتهى الحبيب من قراءة هذه السطور حتى صفقت له حبيبته الجالسة بجانبه تحت شجرة ظليلة وارفة، مباركة ومشيدة بخياله الخصب ككاتب قصة واعد، فضحكا سوية بملء قلبيهما الطافحين بالحب، وأردفت مازحة بأنها تأمل أن لا يمرا بهذه التجربة المريرة”ص12

حياة الناس موضوعا

حكايات وهموم وشخصيات متنوعة تطرح بإساليب متعددة في (أنين قلب) ، وتتواكب القصص مع مختلف الحالات الإنسانية عابرة الالام والأفراح والحسرات والحرمان ، ونحن نقرأ قصص نستشعر الوجع الداخلي للانسان العراقي ومدى غربته، حيث تتشظى الروح في قصة (انين قلب) ولا يجمع الانسان من سنواته المضية الا (صورة تذكارية) وتلاحق شفقتنا بطل قصة (هي والموبايل اللعين) بينما نسعد بقصة ( دعوة لطبق لذيذ) وحينما نريد ان نزج السياسة في  القصة (مكان للذكرى ) وواقعية قصة  (ثرثرة)!

 اما “انين قلب” فهي من القصص الغرائبية ولا تخلو من الغموض ! اقحمنا القاص في دهاليز الروح اولا ، فالبطل يتحدث عن روحه التي تحتضر ويريد لقاء اخيرا بين جسده وروحه لكنه يمنع ، فيقتحم الدهاليز ليصل الى روحه ويحاورها ويقبلها ! لكن السرد ينعطف بنا الى صدمة وهي ان البطل كان يحلم ( افقت من نومي على اثرها فاذا هي قبلة زوجتي) ويتحول اهتمام القاص ومعه القارئ للخروج من اللامألوف الى حالة انسانية مألوفة زوجة مريضة وتصارع الموت (جلست في فراشي، احدق في وجهها الشاحب اتلمس اطرافها فكانت باردة كالثلج، هززت جسدها الضامر لعلي استنطقها فلم تنبس بكلمة... وبعد لحظات توقف كل شيء فما عاد الانين يقرع اذني مرة اخرى فقد سكن قلبي”ص16

قصة تثير سؤالاً عن الحب الذي لا ينتهي بالارتباط، هنا استخدم القاص في وصف المكان الجميل ليسقطه على مشاعر الشخصيات في رحلة مدرسية  لأحدى المناطق الريفية الرائعة “ في يوم نيساني ربيعي جميل، نظمت ادارة المدرسة سفرة مدرسية إلى مدينة الصدور” هنا جاء السرد وصفيا عاطفيا لا يخلو من الدراما وكأن القاص يحمل معه كاميرا لينقل القارئ الى حيث المكان والمشاعر النقية البريئة “كان الطريق محفوفا بالأشجار على أنواعها والاراضي مكتسية بالخضرة والجمال المحفوف بالروعة والخيال .. ورائحة الورد تلاحق هذا الجمال  الاخذ الذي تزفه الطبيعة إلى النفوس العلية لتمنحها فيضاً منعشاً من الحياة اللذيذة” كل شيء جاهز لولادة حب عميق والنهر يفيض بالمشاكسة ويزيد الاقتراب (وهو يعزف اصواتا موسيقية) – ويضع أسماء للبطل والبطلة، ويتعمق القاص بالوصف الجميل وبكمات شاعرية غير مقحمة على السرد لتتصاعد القصة دراميا. في هاتين القصتين يوجد بعد سياسي، واشكالية اقتصادية تعكس اثارها على الشخصيات والعلاقات الاسرية والاجتماعية، مثل هذا الظلم الذي يقع على الابن  الذي يحرم من امه لأن الاب (سركال) ويحدث خلاف مالي بينه وبين اهل زوجته مما يؤدي الى طردها وحرمان الطفل من حنانها لتكون للام ذكرى في مكان.

ويحرص القاص ان يقع في فخ التقريرية او المباشرة حينما يطرح في قصة (ثرثرة) تساؤلات ابن الشارع العراقي عن الفقر والبطالة والظلم وفساد السلطة واستئثار السياسيين بالثروات والرواتب المتضخمة بينما تعاني بطلة القصة من الفقر والعوز ويكشف القاص مقدار الوعي الطبقي الذي يولد من حجم المعاناة. محاور عديدة تم زجها في هذه القصة تخص (كسب المعيشة ومضايقات البلدية لزوجها البائع بالشارع- المدارس الايلة للسقوط- الرواتب الخيالية  للدرجات الخاصة والرئاسات الثلاث – البطالة – الفقر – الانتخابات ) حاول القاص ان يستخدم عبارات تقليدية (امثال) لكسر ايقاع السرد الحزين ، لا اعرف لماذا هذه القصة تذكرني بقصص واعمال غوركي (أين الله).

عرض مقالات: