اخر الاخبار

للتسوق الالكتروني على الشبكة العنكبوتية مواقع خاصة كما أن لتبضع الحاجات من هذه المواقع مظاهر مختلفة، بدءاً من الاطلاع على المنتوجات والتجول بينها ومعرفة أسعارها ومواصفاتها وطريقة شرائها واستهلاكها، وانتهاء باقتناء الحاجات مفردة أو جملة نقدا أو تقسيطا.

ومن بين تلك المواقع متاجر بيع الكتب والتسوق منها كموقع amazon أو good reads أو book depository أو ِAbeBooks أو Bookscouter وغيرها من المواقع التي فيها يجد المتسوق الاف الكتب والجرائد والمجلات وبمختلف العناوين والتخصصات العلمية الصرفة والدقيقة وفي شتى الميادين الانسانية العامة. ولقد أخذت متاجر بيع الكتب الالكترونية تشهد تصاعدا ملحوظا عاما بعد عام بحسب احصائيات الاستهلاك العالمي سواء في نسب الزائرين او معدلات البيع والاقتناء.

وما يجعل متاجر الكتب الافتراضية بهذه الأهمية وهذا التصاعد هو مواكبتها لآخر إصدارات الكتب فضلا عما يتوفر فيها من خدمات تسويقية وأسعار مغرية مع وجود تقييمات لعروض الكتب الأكثر مبيعا إلى جانب ما تتيحه للقراء من الاختيار وكتابة التعليقات أو طرح التساؤلات.

بيد أن هناك خدمة أخرى مهمة، ولعلها الطريق الى سائر الخدمات الاخرى، وتتمثل في ما يضعه  الناشر من نبذة أو ملخص للكتاب الذي يُعرض للبيع. وتستهوي هذه الملخصات القراء تبعا لطبقاتهم، وسواء اقتنى القراء الروايات أو لم يقتنوها، فان المهم بالنسبة الى الناشر هو أن يكون الملخص مقروءا، ففي قراءته دلالة على وجود زائرين للموقع وهذا لوحده يساهم في إدامة عمل الموقع الالكتروني واستمراره.

وبالطبع يحرص الناشر ـــ شأنه شأن أي تاجر يريد ترويج بضاعته ـــ على جعل الملخص جذابا يثير فضول القراء كأن يضمنه عبارة مغرية هنا أو يؤكد على أمر معين هناك لاسيما في عروض القصص والروايات.

وعلى الرغم من هذا الحرص على وضع ملخص مع كل رواية معروضة للبيع، فان الملخصات مجرد نُبذ، وهي لا تعطي صورة مفصلة ولا تكشف عما في الرواية من تفاصيل. وهذه التفاصيل هي التي تجعل المتسوق يبادر الى شراء الرواية. بيد ان هذه الملخصات قد تستهوي بعض القراء لا من ناحية شراء الرواية ورقيا أو الكترونيا، بل من ناحية الاعتياش على ما في سطور هذه الملخصات وجمعها من هذا المتجر وذاك ثم الترقيع فيما بينها بطريقة copy/ paste وصناعة مقالة من دون أن ينتبه هذا القارئ الى ما قد يحصل من تكرار بعض الأفكار فيتشابه اول المقالة مع وسطها أو مع آخرها.

وقد يمتد تطفل هذا القارئ الى تعليقات القراء الزائرين لواجهة عرض الرواية فيضمها الى الملخصات. أمّا لماذا ؟ فلأجل صناعة مقالة ينشرها هذا اللاطش الترقيعي في إحدى الصحف الورقية أو الالكترونية طارحا نفسه للقراء كاتبا. وبعد حين من ممارسة هذا الاعتياش والترقيع يكون قد تأهل ليقدم نفسه للقراء ناقدا.

وبالطبع لا يعرف اللاطش مدى صدق الناشر أو الكاتب في كتابة عرض عن رواية عالمية، لأن مهمته نقل الملخصات من هنا وهناك فقط كما أن اللاطش لا يعلم أن كتابة الرواية لا تتشكل من فكرة في ذهن الروائي يريد أن يكتبها، بل الروائي مهندس يفترض افتراضات ويرسم مخططات أولية ويمضي في كتابتها وكأنه في رحلة استكشاف وتنقيب قد تنتهي به إلى شيء لم يكن يتوقعه أو أن تجبره على ان يسير باتجاه لم يرسمه. فالروائي يبدأ العمل وهو يعرف ما يصنع، ولكنه ينتهي وقد صنعت الرواية نفسها.

إن خطورة اللطش هي في تزايد ممارسته، وصار للاسف واضحا في الاونة الاخيرة كظاهرة غريبة من ظواهر التسول الالكتروني، على كثرة مواقع التسوق وسهولة الوصول إليها. وتساهم في ذلك أيضا بعض المواقع الثقافية وبعض الجرائد المحلية التي لا يهمها النشر لقارئ ساذج يريد أن يصبح كاتبا أو لا مانع لديها من نشر كتابات مدبجة من ملخصات عروض تُجمع من متاجر بيع الروايات.

هكذا يا سادة يا كرام ينمو كتبة نقد الرواية في بيئة افتراضية صالحة لنمو الطحالب، وهكذا يصبح اللطش فناً يسئ للنقد والنقاد والقراء ويستهين بذائقتهم. وما دام الترقيع من ملخصات عروض الكتب مستمرا بلا رادع، فإن حظوظ اللص المرقِّع سترتفع به الى مرتبة ناقد، وربما أكثر كأن يصبح محكماً في إحدى جوائز الرواية.

فاعلم أيها اللاطش أنك مكشوف من لدن نفسك اولا وثانيا من لدن بضاعتك المستهلكة التي تعرضها كأنها من عنديات قراءاتك. وحري بك أن تترك أمر الرواية ونقدها لمن هم أهل لها، وإذا كنت كاتبا للرواية فاعلم أنك ستكون كذاك الغراب الذي أضاع المشيتين أو ذاك الذي بدّل كَارَهُ، فقل مقداره.

إن الترقيع نبت غريب على الثقافة ينبغي اجتثاثه، وعارض خطير لا بد من مواجهته. إنه بدعة ستغدو سنة سيئة إن لم تُقتلع من جذورها ويُقضى عليها في مهدها، وإلا فإن المتطفل المدبج سيظن نفسه كاتبا، وسيخدع غيره، ويكون مخدوعا في نفسه أيضا، فيتصور أنه قادر على النقد بينما ما يقوم به ليس من الادب ولا الكتابة الادبية. ولعل فشل بعض القراء في أن يكونوا كتّابا للرواية أو القصة هو الذي يجعلهم يمارسون اللاطش تدبيجا وترقيعا. والمصيبة ان هؤلاء الذين يقومون بالترقيع يطمحون أن يكونوا كتّابا ونقادا ولكن أنّى للتدبيج والترقيع أن يكون نقدا؟!

فالنقد كما يقول كولن ولسن مثل الصعود الى أعلى التل، يتساقط فيه الضعفاء بينما يواصل الاقوياء التقدم بتؤدة. ومن ثم يستحيل على الناقد أن يكون عمله التلخيص والعرض وكتابة النبذ عن الكتب والروايات لكن القارئ الساذج الذي يريد أن يكون ناقدا لا يعرف ذلك، بل هو يثق بثرثرة ناشري الكتب فيُقدم على حماقة جمع اشتات ما ينشرون من عروض عن رواية ما كي يصنع منها مقالة مرقعة ترقيعا. والغريب أن مثل هذه السلوكيات تنطلي على بعض محرري الصحف فلا يدققون في ما ينشرونه ولمن ينشرون وقد تضطرهم إلى ذلك أسباب غير أدبية.

ومن يأت النقدَ من طرق ملتوية كطريقة متسولي مواقع بيع الكتب، فلن يجد مكسبا يلذ له به عيش، ولا جمالا يرى فيه صناعة أو إضافة.

وصحيح أن سلوكيات مستعملي الشبكة العنكبوتية كثيرة لكن تلك الممارسة التي بها يريد المرء لنفسه ان يبدو ناقدا هي أشنعها ليس لأن النقد براء منها بل أيضا لسهولة اتساعها وهنا يكمن خطرها حتى صرنا نشهد دكاكين لمتسولي المواقع الالكترونية أو اللاطاشة الفهلوية من الذين لا كد لهم في القراءة ولا في الكتابة كونهم يبحثون عن الجاهز واليسير.

وقد لا يعير النقد أهمية لمثل سلوكيات هؤلاء اللطاشين فيغض الطرف عنهم، لانه يعلم ان تلك السلوكيات سرعان ما تنطفيء من تلقاء نفسها، لكن النقد يظل مسؤولا عن خطر انتشارها إن هي لم تجد لها رادعا، وعندها يكون صعبا الحد منها.

إن نقد الرواية والخبرة بعالمها لا يكون عن طريق الاغارة والتطفل واللطش، فهذا أمر منبوذ وتصرف غير مسؤول يطيح بسمعة ممارسه، ويذهب بماء وجهه، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه وقارئا عرف حدود إمكانياته.

عرض مقالات: