اخر الاخبار

العمى المبطن

ملأوا الغرفة عن آخرها وهم يصطفون حول سريري، ربما فات وقت على وقفتهم من دون أن أنتبه لهم فنمت أطول مما ينبغي. لست معتادا على أن يقف أحد فوق رأسي وأنا نائم. كيف لي أن أنتبه ولم يصدر عنهم أي صوت أو حركة؟ تبينوا لي أنهم من دون أقدام حين نظرت إليهم، كيف جاءوا ؟ ربما طووا أجنحتهم حين دخلوا من باب الغرفة. مَن هؤلاء وماذا يريدون مني؟ هل حقا أن معالمهم التي تبينتها هي بالأشخاص انفسهم الذين توقعت مجيئهم إلي: (أبو ذر، بهلول، المعري، قرة العين، روزبة، لاوتسة و سواهم..) ؟ إذن ومن باب الأدب لا ينبغي أن أظل ممداً على السرير وهم واقفون. نهضت ُبانحناء ووقفت إلى جانبهم فلم ينتبهوا لي، وظلوا مستمرين في صمتهم حول سريري من دون أن يعيروا بالاً لوقوفي بينهم، ما تفسير مثل هذا؟  أكاد أحصر التفسير في واحد من احتمالين: فأما أنهم يرون ما لا أرى، أو لم أكن في دائرة تفكيرهم أصلاً. هنا تعقد الموقف بيني وبين نفسي، فهل أن ما حدث حدث فعلاً أم أنه تخييل فحسب من عقل شتّ عن سويته؟ عندئذ كيف أرمم العلاقة بين عقلي وظني، هل أبدأ من الصفر من جديد مثل كلّ مرة، أم أعلن عن عدم تصديقي لكل ما أراه، فهو وهم ملأني بغتة عن آخري.

فاتورة الضحك

دخل إلى مبنى الضرائب العامة من مدخل الاستعلامات فقال لهم :

- طُلب مني أن اراجعكم بصدد راتبي الذي أُوقف منذ شهرين..

- ‏اشار موظف الاستعلامات بأصبعه إلى جهة اليمين حيث التسلسل الطويل للمراجعين على شباك للحسابات. اقترب من الواقفين وقرأ يافطة مقابلة لهم كُتب عليها: المستمسكات اللازمة للمراجعة

اطمأن كثيرا لأنه لم يبرح منزله حتى جلب معه ما هو مطلوب من تلك الأوراق.. و بعد ساعتين من الوقوف في دور الانتظار وصل إلى الشباك، فمدّ أوراقه واستلمها الموظف، بعد لحظات

سلمه الفايل وقال له إلى السيد مدير الحسابات في الغرفة المجاورة.. دخل غرفة المدير انحنى بتحية اجلال وتواضع، ووضع الفايل بهدوء على منضدة المدير ثم تراجع خطوتين إلى وراء.

قرأ المدير الكشف المرفق مع المستمسكات وقال:

- ‏ راتبك تعطل عن الصرف بسبب الضرائب المترتبة عليك في الشهرين الفائتين، فهل توافق على أن تتحمل فاتورة الضريبة لوحدك لأن العداد يشير إلى شريكة معك، ام نستدعي تلك الشريكة إلى هنا للتحاسب الضريبي ..؟

 ‏- لا بأس انا ادفع المبلغ كاملا..

 ‏- و ينبغي ايضا أن تدفع غرامة تجاوز على معدل حصتكم الشهرية المقررة.

 - لا بأس ادفع.. ‏مدّ مدير الحسابات أمامه سجل التعهدات وقال ابصم فوق محل أسمك.. بصم كما طلب منه و لما لاحت بصمة إبهامه بلونها البنفسجي اغتم كثيرا فإن لهذا اللون تداعيات في داخله تثير مرارات عن الخيبة و الخداع. فاستلم فايل المعاملة و قرأ تأشيرة السيد المدير بالحبر الاخضر (المحاسب لإجراء اللازم) :

  سلم الفايل الى المحاسب وانتظر إلى أن ينادوا باسمه .تدافعت أثناء تلك الدقائق في رأسه افكار عن حساباته الشخصية فقد فكر بأن يسدد فاتورة الكهرباء الوطنية فهي مكتنزة بديون سابقة، كما أنه لا يحتمل لجاجة صاحب المولد فينبغي أن يخلص من هذا الهم ويدفع أجرة الخمس امبيرات.. و فكر أن يعرج على الصيدلية لشراء وجبة الأدوية التي تخص الأمراض المزمنة له ولزوجته.. وقبل أن يتخيل حجم سمكة الگطان التي اتفق مع اهل بيته أن يجلبها ويعملها وليمة ثواب لروح أبيه في ذكراه السنوية،قطع صوت المحاسب سلسلة الاحلام البسيطة وهو ينادي باسمه : انظر يا جناب الموظف الكريم، أنه بعد تدقيق الضرائب الشهرية المترتبة عليك فقد بلغت قيمتها ما يستنفذ راتبك لشهري حزيران وتموز الماضيين..

فتفضل هذا هو وصل المحاسبة مع كشف ضريبي مبين فيه تفاصيل ووحدات الضريبة واحدة واحدة وحسب التوقيتات.

- ‏فصرخ بوجه المحاسب : صحيح انا بعت بيتي الطابو واشتريت بيتا في الزراعي لكني تحاسبت ضريبيا حول ذلك وإلا كيف سمحو للمعاملة أن تكتمل في دائرة الطابو ؟

- ‏هي ليست ضريبة على بيع الدار.

- ‏ لكن! ماهي هذه الضريبة التي تأكل راتبي عن ٱخره..؟

- ‏ أنها ضريبة الضحك..

- لكنّا ضحكنا من أجل توازن الالم في نفوسنا، حتى إنا ضحكنا بافراط..

- ‏ لا شيء مجانا..

عرض مقالات: