اخر الاخبار

ولم يأت مشروع القانون بتوضيح وتفسير لكل التعابير التي اوردها الدستور ضمن نص الفقرة اولا من المادة السابعة الخاصة بالحظر، وكان يمكن لقانون الأحزاب السياسية ان ينجز هذه المهمة، لأن بقاء تلك التعابير تحت رحمة السلطة لن يفيد الحال، وسيضع نص حرية الفكر وتأسيس الأحزاب تحت رحمة التفسير السلطة التنفيذية، وهذا الأمر يتعارض مع مفهوم الحرية الفكرية والحرية بشكل عام ، ويتعارض ويتناقض مع مفهوم ومبادئ الحريات التي أوردها الدستور.

أن بنا حاجة لفسحة من الحرية الفكرية التي تجعلنا نؤسس ثوابت للعمل السياسي، وان تكون هذه الضوابط متوازنة ومتساوية لا يمكن ان تكون انتقائية، بالإضافة الى حرية العمل الحزبي بما يحقق مسؤولية المواطن عن تطوير مبادئ الديمقراطية وضمان قبول فكر الأخر والتعارض السلمي، ولهذا فإننا بحاجة ماسة لأن تتسع نصوصنا الدستورية وعقولنا لفسح المجال لكل القوى السياسية  من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وحتى لا تقع تلك الجمعيات والأحزاب تحت رحمة التفسير المغرض والمعارض، وبالتالي تسحق مفهوم الحرية الفكرية، وتتسع حاجة قلوبنا الممتلئة بالتسامح والمحبة لبعض؛ حتى يمكن ان نفكر بما يضمن المستقبل الآمن لأجيالنا القادمة، وصولا الى تأسيس قاعدة عريضة يعمل بموجبها الجميع وفق اسس ومبادئ العمل السياسي المساهم في البناء والتداول السلمي للسلطة ومبادئ العمل الديمقراطي.

الى جانب التأكيد على مفاصل تلك الحرية، فالحرية الشخصية متعددة الجوانب لا يمكن وضعها ضمن أطار محدد، وعلى هذا الأساس أشار الإعلان العالمي  لحقوق الإنسان، حين اعتبر الأساس هو الحماية القانونية للحقوق، وأن لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي وبالتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود، بالإضافة الى حق الإنسان بان يعترف له بالشخصية القانونية ، وأن لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه،   مثلما تؤكد الدساتير الأوربية على تلك الحقوق، ولم تلجأ الى تقييد وتعداد تلك الحقوق، أنما لجأت الى اعتماد حمايتها بشكل مطلق وعام،  فعملية تحديد شكل الحريات يقيد النص، والنص العام مطلق يجري على أطلاقه، مع وجود الضوابط التي تعمل حين يكون هناك تعدي على حريات الآخرين أو تناقض مع مفهوم الآداب العامة.

وليست المشكلة في وجود النص الذي يحمي الحقوق والحريات، فالعديد من الدساتير تدرج تلك النصوص في دساتيرها، إلا إن الممارسات العملية تنحو بعيدا عن الإقرار بها والأيمان بها بشكل حقيقي  واحترام تلك الحرية الشخصية، بل حتى لا تؤمن بتوفيرها وممارستها  وتتجاوز حتى على تلك النصوص، وإزاء تلك الممارسات التي أكثرها  نتاج تراكم الماضي وثقافة التسلط وتفخيم الذات على حساب الأخر، ثقافة الأحسن والأقدر والأكبر، ثقافة القومية الواحدة والدين الواحد والعقيدة الواحدة والمذهب الواحد والحزب الواحد،  نشعر بالحاجة الماسة الى الثقافة الدستورية   والتثقيف الشعبي  والتبسيط  في نشر معاني  الحرية الشخصية ،  وتوضيح معانيها  وممارساتها في الشارع العراقي، وغرسها في أذهان الجيل الجديد يتحصن بها لمستقبله.

ان المتمعن في مفاصل حركة الدولة والهيئات العاملة يلمس تلك الخشية والتردد  في تطبيق مبدأ ضمانات الدستور للحرية الشخصية، وثمة من يدافع مبررا تلك الأفعال المخالفة لمبدأ الحرية الشخصية بالرواسب التي خلفتها الأنظمة البائدة، وثمة من يقول بأن النص الدستوري يخالف الواقع، وثمة من يقول بأن هذه النصوص التي تقر بالحرية الشخصية لا تتعدى ما تريده السلطة وفق مفهومها لمعنى الحرية الشخصية، وفي كل الأحوال فأن التطبيق الواقعي واحترام النص والاعتقاد بأهميته وضرورته في مفصل الحياة اليومية للإنسان العراقي من الأهمية بحيث يشكل أحد أعمدة الانتقال والتطور باتجاه المستقبل المنشود على الأقل لصالح الأجيال القادمة.

إن فقدان الحرية يعدم معاني الحياة الإنسانية، كما أن توفر الحرية دون صيانة لكرامة الإنسان تعديا صارخا على أدميته وكيانه الإنساني،وما يميز الدولة الحديثة اليوم مقدار التزامها بتلك الحريات واحترامها لها، بالإضافة الى صيانتها وحمايتها لحريات الأفراد الشخصية، والحرية الشخصية جزء من الوطنية، ولذا فأنها ليست منوطة بإرادة الشخص فقط، إنما هي مسؤولية والتزام، وضمن هذا الإطار سيكون هناك اعتبار للقيم الإنسانية التي اكتسبها المجتمع، باعتبارها أحد روافد القانون، ولا يمكن أن تكون تلك الحرية الشخصية منفلتة أو من دون ضوابط أو من دون معان إنسانية، ولأن بناء المجتمع  الديمقراطي الموحد يتطلب   وجود تلك الحريات الشخصية مقترنة بالضوابط والمعاني الإنسانية والتي تتعارض حتما مع الفوضى والتسيب والانفلات التي تتناقض مع مفهوم الحرية بشكل عام ، تلك المعاني التي لا تتقيد بديانة معينة ولا بقومية معينة ولا بمذهب معين، فالتقييد بأي شكل من الأشكال تحجيم لقدرة النص الدستوري على الحكم، وإعاقة لجعله لا يجري على أطلاقه.

ومن أهم مهمات المجتمع التضامنية حماية الحرية الشخصية واحترامها، ووفقا لهذا سيوفر لها المناخ الملائم لتطوير المجتمع دون تفاوت ثقافي ودون مخاطر على مستقبله ودون حواجز ومطبات تعيق عملية البناء، وتساهم تلك المهمة ليس في نمو تلك الحرية فقط، بل الى قوة ومتانة المجتمع، والتحصن من الاستحكام القسري والتفرد السلطوي وسيطرة الأمراض الدفينة في عقول الحكام.

لذلك لا بد لمجتمعنا أن يدرك التجارب التي مرت بها بلدان لم تكن بأحسن من حال مجتمعنا  وتتشابه مع أوضاعنا، غير أنها وازنت بين حرية الفرد الشخصية وبين حقوق المجتمع، وأصرت على احترام الحرية الشخصية وحمايتها الدستورية والقانونية،  وساهمت  حمايتها لتلك الحرية في بناء بلدانها بشكل صحيح.

ذلك ان الحرية الشخصية للمواطن العراقي وكرامته مصونة بموجب النصوص الدستورية، وكل تجاوز على الحرية الشخصية والكرامة توجبه المحاسبة القانونية.

عرض مقالات: