اخر الاخبار

الحوارات والمكان والزمان في الرواية:

الحوار بين الشخصيات له مساحة كبيرة جدا في الرواية، فإذا أخذ مساحة كل الرواية فإنها باتت أشبه بالسيناريو، وكأن السارد لسان حاله يقول: «كل أحداث الرواية مع الشخصيات.» وهذا مستحيل، فثمة أمور لابد أن يسردها الراوي بنفسه بمنأى عن الشخصيات كوصف مسرح الأحداث والتعبير عن خلجات الشخصيات. وبناء على ذلك لا يجب أن يفاجئ الروائي القارئ بوجبة دسمة من الحوار بين الشخصيات من دون أن ينبه القارئ به عن طريق سرده في أول الحوار، ويرسم الرتوش الأولية استعدادا لنصب حوار بين الشخصيات كأن يذكر المكان الذي سوف يحدث فيه الحوار أو يذكر حدثا ماضيا له  علاقة بالحوار الآتي.

المنطقية في الحوار وإن كان يخدم الفكرة والحبكة:

ولابد أن يكون الحوار منطقيا، ومنطقية الحوار أصعب ما يواجهه الراوي في روايته، فهو القاسم المشترك مع صعوبة الوصول إلى فكرة مبتكرة والحبكة الجيدة. ولنجاح الحوار لابد أن يمتلك السارد خبرة وثقافة واسعتين، وقد يستعيض السارد عن قلة خبراته وثقافته بالارتكاز على كم هائل من المراجع من جنس نوع روايته نفسه. ومنطقية الحوار بمنزلة جهاز استشعار، لكنه جهاز يستطيع أن يميز به بين الروائي الهاوي والمحترف وشديد الاحترافية.

تنبيهات عن منطقية الحوار:

عند السرد لا تستخدم أحداثا مفتعلة من أجل أن تخدم فكرتك أو حبكتك، وحاذر من صياغة جمل ممكن أن تؤول إلى أكثر من معنى فتتسبب في اضطراب قارئك، وعند عرض وجهة نظر أحد شخوص روايتك حاذر أن تكون قابلة للتأويل، فالروائي الماهر واضح في أسلوبه وطريقة عرض أفكار شخوصه. وقد يخرج الحوار مترهلا مهلهلا، فمثلا أمامنا حوار بين أربع شخصيات، هذا الحوار دائر في مسألة ما، فيحيد الروائي عن تلك المسألة دون مبرر، أو ينقل انفعالات شخصية لم تكن من عادتها إظهار ذلك الانفعال لحسم الأمور والنظر فيها، أو يسرد جمل مبهمة أو قابلة للتأويل، أو لا ينسق حديث الشخصيات الأربع لتتناغم معا، كل هذه المثالب تتسبب في اضطراب الحوار فيخرج مترهلا مهلهلا.

المكان والزمان:

مسرح أحداث الرواية

الأماكن التي تدور فيها الأحداث لابد أن تلتف حول فكرة الرواية وعناصرها وشخصياتها، فالارتباط بين الأماكن والفكرة والشخصيات لابد أن يكون حاضرا لدى الراوي لأن هذا الارتباط يساعده على الخروج بحبكة الرواية إلى بر الأمان.

تطبيق:

الرواية حربية، يكون عندئذ مسرح أحداث الرواية عبارة عن أماكن معسكرات ومخازن أسلحة على سبيل المثال لا الحصر، وقلما ينتقل الراوي من تلك الأماكن إلى أماكن أخرى كأماكن اللهو إلا حين يستذكر البطل جوانب من حياة الماضي، وإذا ذكر يذكر ذلك بصورة عابرة ثم يلتف ويعاود بسرعة إلى مسرح الأحداث.

الأماكن الخاصة بالشخصيات:

إن أماكن إقامة شخصيات الرواية وما بداخلها من محتويات ينم عن طبيعة الشخصيات وسلوكياتها وأسلوب تفكيرها. فالسارد عندما يصف أماكن الشخصيات ومحتوياتها الداخلية لابد أن يضع في اعتباره أمرين، الأول طبيعة الشخصية وسلوكياتها وانفعالاتها مع الأحداث، والآخر وظيفة المكان ومحتوياته في إدارة الفكرة والحبكة معا.

تطبيق:

بطل الرواية لاعب كرة قدم محترف، تكون عندئذ جدران الحجرة التي يمكث فيها تحتوي على صور من إنجازاته، وليس هذا فحسب؛ فلابد أن تشارك تلك الصور في الرواية بحيث تكون جزءا من فكرتها أو حبكتها.

زمن أحداث الرواية:

الزمن إما أن يكون ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا.والراوي قد يحتاج إلى سرد أحداث روايته بالتنقل بين تلك الثلاثية الزمنية. كأن يتذكر أحد أبطال الرواية مشاهدا من أحداث نكسة عام 1967 وتداعياتها السيئة على المجتمع المصري والسوري والفلسطيني آنذاك، ثم بعد ذلك تنشب حرب عام 1973 التي ردت الكرامة إلى المصريين، ثم يستشرف المستقبل فيرسم صورة مستقبلية للمجتمع المصري في ظل هذا الانتصار عكس التداعيات السيئة التي خلفتها حرب 1967.

أدوات الزمن:

لكل زمن أدواته التي تنفعل مع شخصياته، وتنعكس أيضا على عاداته من ملبس ومأكل وسلوكيات. فبالنظر مثلا إلى الإذاعة نجد أنها انتقلت بين مراحل عدة. بدأت بالإذاعة المسموعة عام 1906، ثم البث التلفزيوني عام 1927 باللونين الأبيض والأسود، ثم بعد ذلك نجد في الستينيات أن البث بات بجميع الألوان. والشخصيات تؤدي حياتها اليومية من خلال تلك الأدوات الموجودة في الزمن الذي تعيش فيه، فلا يصح مثلا أن يقص الروائي رواية جرت أحداثها في القرن الثامن عشر ثم نجد الروائي يتكلم عن أحد شخوصه بأنه شاهد مباراة لكرة القدم في كأس العالم، أو تكون أحداث الرواية جرت قبل الستينيات مباشرة ثم نجد الروائي يخبر عن أحد الشخوص بأنه شاهد فيلما ملونا. السؤال: كيف تدرج مقاطعك السردية في ضوء عاملي المكان والزمن؟ الذي يحدد ترتيب المقاطع أو الأحداث عاملان؛ وهما الزمان والمكان. فلابد من معرفة الميقات الذي تسرد فيه، ووقت استغراق الحدث الذي تسرده، والمكان الذي تجري فيه الأحداث، كي تدرجه في المكان الصحيح من روايتك، فقد تتنقل ما بين السرد المتسلسل والسرد المنقطع بناء على تحديد الزمن والمكان. فإذا سردت حدثا في مكان (أ) -وليكن بداية السرد الساعة السادسة- عن شخصية تؤدي عملا يستغرق نحو نصف ساعة، ثم أتبعت ذلك بأن الشخصية خرجت من المكان (أ) إلى المكان (ب) وأجرت مع شخصية أخرى حوارا بدأ من الساعة السابعة، وكان قطع المسافة من (أ) إلى (ب) يستغرق 45 دقيقة تكون قد أخللت بعامل الزمن السردي.

 الوصف:

الوصف لا يخلو عن وصف الشخصيات والأمكنة والأزمنة والأحداث، ولابد أن يؤهل الراوي كل هذه الأوصاف لتشارك في الفكرة والحبكة. فالوصف لا يجب أن يكون وصفا عبثيا؛ فالغرض الأساسي هو القصّ، قصّ عن فكرة تعالج قضية ما، لذلك لابد أن يؤدي الوصف دوره في معالجة تلك القضية. وقد يظن الراوي أنه أجاد وأصاب عندما تمكن من وصف شخصياته أو أماكنه أو أحداثه أو زمانه بكل دقة وإتقان، وفي الحقيقة أنه لم يجد ولم يصب بل إنه عبث بروايته لأن تلك الصفات بعيدة كل البعد عن تأهيل كل ما سبق من وصف للمشاركة في الفكرة الرئيسة للرواية. كما أن الاسترسال في الوصف الذي يشارك الفكرة وعناصرها وحبكتها غير مفيد أيضا، يكفيك من الوصف ما يشق قلب الفكرة وحبكتها. والرواية قد تدور في أماكن عدة، وقد يشاركها العديد من الشخصيات، لذلك عليك وصف المكان الرئيسي وصفا دقيقا، ويكفيك من وصف الشخصيات أبطالها. ولا تستعرض في وصف حروف اللغة العربية وجمالها ظنا منك أنها سوف تزيد روايتك روعة وجمالا، والحقيقة أنك تأخذنا من جو الرواية إلى أحد برامج اللغة العربية.

______________

*روائي خيال علمي

عرض مقالات: