اخر الاخبار

يعرفونه. يعرفون أي رجل اغتالوا. يعرفون ان الأمير قاسم، كان امير النقاء بكل صفحاته و حدوده وزمانه ومكانه.

كان اكبر من وضعه في بيدر حنطة.. بالرجل المزارع الأصيل والمهندس لعالم اخضر.. سواء كان ينبت ازهاره في حقل او يعطي ثماره في كلمة.

سواء ادار حياة الناس في قرية منسية، او في قلب الحدث الثقافي/ مديراً عاماً لدار الشؤون الثقافية في وزارة أولى يقودها مثقف مضيء ومناضل باسل كان صوته ينادينا ويفيدنا بالمفيد.. مفيد الجزائري.

كنت ابارك للمفيد الجزائري، وهو ينتقي بدقة وتأن هذا الرجل النابض بمحبة كل المثقفين، والأكثر جرأة في نقده الادبي والتلفزيوني وفي مقالاته الفكرية النابهة.

جاء من بوابة التاريخ.. من بابل، التقاني قبل ان يبر بوعده مع السيد الوزير.. (توسطني) حتى يقبل المفيد باعفائه من منصب المدير العام. كان طبع التواضع يغلبه، وطبع الانسان النقي يملأ بياض خلقه.

كان صديقاً حميماً، وكانت (وساطتي) لدى السيد المفيد ان يصر على تكليفه في هذه المهمة التي تشكل محور عمل وزارة الثقافة.. وذلك لعلمي ان هذا الأمير قاسم هو خير من يكتب بحبر اخضر صالح للحياة ابداً. كنت مصراً على إقناعه..

 لا محاباة ولا منة، وانما لعلمي وثقتي ان هذا الأمير قاسم عجام خير من يدير هذه المؤسسة الأساس في ثقافة الوطن.

وبدلاً من تلك (الوساطة) التي كلفني بها الأمير، اكدت على حسن الاختيار، وحسن الأداء الذي سيثمر الكثير من المنجزات.. فالرجل بما عرفته عنه، شديد الإخلاص مع نفسه وعمله ومواقفه على حد سواء.. وهذه صفات نادرة لدى رجل واحد.

كان جديراً بالمكان، يملأه بكفاءة عالية، ودراية كاملة بتفاصيل العمل الثقافي المسؤول.

 وعندما بدأ ضوء عمله يملأ مساحة الفراغ ويتسع بقدراته الثابتة ودأبه وحرصه وعقله التنويري الذي خطط لعمل ثقافي استراتيجي. وبدأ خطواته على عجالة مرسومة وداعية ودالة على ان الرجل كان قد راجع الماضي وعرف تفاصيله، وتبين الواقع ومشاغله وثقله كذلك؛ كان لا بد ان يرسم مستقبل الحياة الثقافية عن طريق اصدار كتب نوعية مغايرة لما كان سائداً، ومجلات رصينة واقلام منسية وعقول تعرف كيف تؤثر في وعي قرائها.

كام مملوءاً بالافكار والمشاريع والخطط والاسماء المعرفية والابداعية التي يبني بواسطتها ثقافة الغد العراقي الجميل. كان يقظاً، يقظة تكمن في تاريخ يجمعنا، مثلما يجمع هذا الأمير مع نفسه ومع ثقافته وتجربته وخزين معرفته. لم يأت الى الوظيفة مبتدئاً ولا مجرباً ولا كسولاً، كان على العكس من ذلك يسابق الزمن حتى يجيء بجمرات المعرفة الحية والابداع الاجمل من الجمال. ولأنه بدأ يتخطى المألوف.. وأستعجل الحياة.. استعجلها عن عشق ومسؤولية ونباهة، ولأنه اختار بين النجاح والنجاح ان ينجح ويرسخ هذا النجاح..

لأن قاسم عبد الأمير عجام، الذي ودع ناحية بابلية واراد ان يكرم أهلها بالوادع نهائياً ويحط في بغداد؛ استعجلوه، استعجله القتلة واسكتوا نبض قلبه في 17 أيار 2004، وتركوا قطرات دمه فوق شارع لا ينتهي امتداده بين بغداد وبابل وتلك الناحية الغافية على طيب قلبه.

كانت قطرات دمه، قد تحولت الى زنابق.. كانت الزنابق لا تكتفي بضوء حمرتها، وانما كان عطرها الزكي يملأ الكون بها.

قاسم عبد الأمير عجام، واحد من شهداء الثقافة، استبق كامل شياع في شهادته، وإبراهيم الخياط في موته الجليل.. وسواهم ممن تحتفظ الذاكرة بقاموس حياتهم وخطواتهم التي لا يمكن ان تغيب ذلك.

ان فجر حضورهم سيظل خالداً، وليس بمقدور كل الآثمين قتل الحياة، لأنهم جميعاً نسغ هذه الحياة.

عرض مقالات: