اخر الاخبار

1.شهدت بلادنا أحداثاً وتطورات كبيرة في الفترة منذ انعقاد المؤتمر الوطني العاشر للحزب (كانون الأول 2016)، تركت تأثيراتها العميقة على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والأمني، وما تزال تداعياتها تتفاعل وتؤثر على مسار الصراع المتواصل والمحتدم على خيارات المستقبل، على شكل ومحتوى الدولة، وعلى منهج الحكم ونمط التفكير، وملامح البديل السياسي والاقتصادي – الاجتماعي لنظام الحكم القائم على المحاصصة الطائفية - الاثنية في الإدارة وفي بناء مؤسسات الدولة وتغليب الهويات الفرعية على المواطنة العراقية الجامعة.

  1. وكان أبرز هذه التطورات الانتصار العسكري الباهر الذي حققته القوات المسلحة والتشكيلات الساندة لها بتطهير اراضي الوطن من الإرهاب الداعشي بعد حرب دامية راح ضحيتها عشرات آلاف المواطنين وخلّفت وراءها دماراً هائلاً. لكن نتائج هذا الانتصار لم تتحول إلى دعامة لمواجهة التحديات المختلفة، وفي مقدمتها إعمار المدن المحررة، وتجفيف منابع التطرف والعنف. ولم تُستأصل شأفة الإرهاب بعد.
  2. وأدى تفاقم الأزمة العامة الشاملة، وسياسات القوى المتنفذة القابضة على السلطة والثروة والنفوذ، إلى انطلاق أشكال متنوعة من الحراك الاجتماعي والمطلبي. ومع استفحال الأزمة التي تطحن البلاد، وتفشي الفساد، وتعمق الهوة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع وغياب العدالة الاجتماعية، وتراكم الفعل الاحتجاجي لسنوات طويلة، تصاعدت مشاعر السخط الشعبي ضد منظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد وتفجّرت في تشرين الأول 2019 في انتفاضة شعبية عارمة، لم يشهد العراق مثيلاً لها في تاريخه الحديث، وتصدرتها جموع الشباب الغاضبة، التي جسّد شعارها «نريد وطن» توقها إلى حياة حرة كريمة.
  3. وأعلن حزبنا انحيازه التام إلى الانتفاضة الباسلة، مشاركا فيها وداعما لمطالبها الوطنية المشروعة. ورغم القمع الدموي غير المسبوق للانتفاضة فإنها تمكنت من إرغام القوى المتنفذة والماسكة بالسلطة على الرضوخ لمطلب استقالة الحكومة واجراء انتخابات مبكرة بمعايير وشروط ومنها محاسبة قتلة المتظاهرين والفاسدين، فيما لم تكف هذه القوى عن مساعيها المحمومة للتشبث بمواقعها وإدامة سلطتها غير آبهة بالآثار الوخيمة لاستمرار نهجها على السلم الأهلي ومصير البلاد.
  4. ومع استمرار حالة الاستعصاء السياسي بين القوى المتنفذة، جراء محاولاتها المستميتة لخلق موازين قوى جديدة تحقق مصالح بعضها على حساب خصومه، بلغت حدة الصراعات أحيانا مستوى خطراً، خصوصا مع تغول المليشيات وسلاحها المنفلت.
  5. ومن تجليات الأزمة المستفحلة أيضا، أن أداء مؤسسات الدولة وصل من الضعف والعجز إلى ما يشبه الشلل التام، خصوصا في مجال توفير الخدمات الأساسية. في حين يكاد الفساد الذي استشرى في كل مفاصلها تقريبا، ان يُجهز على ما تبقى من أسسها. وكشف تفشي جائحة كورونا على نحو صارخ عن نواحي القصور والخلل الكبير في النظام الصحي وتهالك بناه التحتية وهشاشتها، فضلاً عن انتشار الفساد فيه.
  6. وأضفت التطورات الدولية والإقليمية في الفترة الأخيرة مزيدا من التعقيد على الوضع الداخلي لتُحوّل العراق، مرة أخرى، إلى ميدان صراع لتصفية حسابات دولية واقليمية، يكون شعبنا ضحيته الرئيسية. كما تزايدت التدخلات الخارجية في الشأن العراقي، ولم تقتصر على الاعتداءات العسكرية والانتهاكات الفظة للسيادة الوطنية، بل تجاوزتها لتشمل تفاصيل في الوضع الداخلي، وأصبحت أحد العوامل المهمة في تعميق الأزمة العامة في البلاد.
  7. وعمّقت التطورات التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة، جراء استفحال الأزمة العامة، القناعة بأن التغيير الشامل بات ضرورة ملحة. كما أوضحت أن لا خلاص من نظام ودولة المكونات وإنهاء المحاصصة إلاّ بتغيير موازين القوى السياسية لصالح البديل المدني الوطني الديمقراطي، ولإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع والدولة على أسس جديدة، تجعلها دولة مواطنين أحرار وليس رعايا، دولة حقوق وقانون ومؤسسات، تؤمّن لهم الحياة الكريمة.
  8. ويستوجب تحقيق هذا الهدف الكبير من الشيوعيين والقوى المدنية والديمقراطية وسائرقوى التغيير الارتقاء إلى مستوى التحديات عبر العمل المثابر على إقامة أوسع اصطفاف للقوى التي تنشد انقاذ العراق مما هو فيه، والمساهمة الفاعلة في الحراك الشعبي والجماهيري متعدد الأشكال، من أجل دفع عملية التغيير قدما حتى الخلاص من منظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد والسلاح المنفلت وتدشين مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

 ملامح  اجتماعية – طبقية 

  1. ان أساس البلاء في بلادنا يتجسد في منظومة المحاصصة والفساد، التي بنهجها وادارتها وتحكمها بمفاصل أساسية في الدولة، أدت إلى تشويه الديمقراطية وتخريب مؤسساتها واضعاف هيبة الدولة وقوة القانون وتكريس انفلات السلاح، وحمت الفاسدين والفاشلين، وحفزت على الترهل واللاأبالية والبيروقراطية والتجاوز على حقوق المواطنين وحرياتهم، وتأجيج الصراعات العبثية والنزعات البدائية.
  2. وعجزت هذه المنظومة عن تبني ستراتيجية اقتصادية وطنية علمية، واطلقت العنان لاقتصاد السوق والخصخصة وتحجيم دور الدولة. وجراء ذلك، وفِي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا، دخلت البلاد في ازمة اقتصادية - مالية، مسببة استنزاف ثروات البلد وتدهورا مريعا في قدراته الإنتاجية وتفاقم معاناة الناس،وتضخم عجز الموازنات العامة ونهب الأموال بأشكال وطرق مختلفة، فيما راح يتعزز دور الفئات البيروقراطية والطفيلية والكومبرادورية،والتي شكلت تحالفات وتفاهمات مع العديد من المتنفذين من صناع القرار السياسي والاقتصادي. وارتباطا بذلك اتسعت الهوة وغدت سحيقة بين ذوي الثراء الفاحش، وغالبية ساحقة تعاني الفقر والجوع والمرض والحرمان والبطالة. كما يتعاظم التدخل الخارجي في شؤون بلدنا على حساب سيادته واستقلاله وقراره الوطني المستقل.
  3. وبينت حصيلة الفترة المنصرمة تفاقم التفاوتات الاجتماعية وتعمق الفرز الطبقي والاجتماعي؛ اذ يلاحظ وجود فوارق كبيرة في مستويات الدخل لصالح الفئات التي راكمت الثروة وحصلت على المداخيل العالية عبر أنشطة ريعية لا صلة لها بالإنتاج، فضلاً عن الإيرادات غير المشروعة المرتبطة بالفساد المالي والإداري.
  4. لقد كان أبرز سمات وخصائص ما يسمى بـ»الاصلاحات» الاقتصادية التي تمت في «المرحلة الانتقالية» بعد الاحتلال والتغيير في 2003، ان الاقتصاد العراقي تحول إلى اقتصاد ريعي بامتياز، تسوده النشاطات الاقتصادية الطفيلية والتجارية الكومبرادورية. وهي كلها نشاطات معرقلة للتنمية، ولتطور العملية الاقتصادية السليمة، كما انها تعوق حتى بناء علاقات انتاجية رأسمالية «عقلانية». وترافق ذلك مع ضعف متنامٍ باستمرار وغير مسبوق في جميع القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية. وإذا كانت عملية «الاصلاحات» والانتقال إلى اقتصاد السوق قد بدأت مباشرة بعد الاحتلال، وقبل الشروع بكتابة الدستور، فإنها لاقت ترحيبا ودعما عند الكثير من القوى والأحزاب السياسية، حيث عملت الاخيرة، عندما امسكت زمام الأمور خلال السنوات اللاحقة من المرحلة «الانتقالية»، على ترسيخ وإدامة هذا المشروع، وتكييفه ليتلاءم مع مصالحها.
  5. واُختزلت «الاصلاحات» الاقتصادية بعملية تحويل الاقتصاد العراقي وبنيته، التي يحتل فيها قطاع الدولة والمختلط الدور المهيمن، إلى «اقتصاد السوق». وسارت هذه العملية، تحت ضغوطات خارجية وداخلية، لم يكن الضغط الشعبي غائبا عنها في اوقات كثيرة. وبالتالي، كانت مآلاتها في النهاية محصلة لصراعات متعددة المستويات. ويمكن اجمال هذه المحصلة بـ: فتح الاسواق العراقية امام التدفقات الكبيرة من السلع الاجنبية، عبر ازالة كل أشكال القيود والعوائق من امامها؛ اهمال واضح لمؤسسات وشركات الدولة العامة خصوصا الصناعية، وعدم تأهيلها وإبقاء قدراتها الانتاجية معطلة، وتحويلها إلى مجرد وعاء ضخم للتوظيف غير المبرر، تمهيداً لتصفيتها وخصخصتها لاحقا. كما رُفعت او قلصت كثيرا أشكال الدعم والاجراءات الحمائية الفعلية عن المنتجات والسلع الزراعية. وارتبط ذلك مع عدم استكمال البنى التحتية القانونية والتشريعية، ومع غياب الهياكل المؤسساتية التي يشترطها اقتصاد السوق المزعوم.
  6. واقترنت عملية «الاصلاحات» المستندة إلى «وصفات» المؤسسات المالية والنقدية الدولية الرأسمالية بسياسة اقتصادية هدفها الرئيسي زيادة انتاج النفط الخام وتعظيم ايراداته. وقد وجدت هذه السياسة تعبيرها الأبرز في جولات التراخيص الخمس. وترافق هذا في النهاية مع توافق شعبي على ابقاء قطاع النفط مملوكا للدولة، وبالتالي على عدم حسم مسألة علاقة «الإصلاحات» بقطاع النفط. وقد مثّل هذا أحد أبرز نتائج الصراعات السياسية التي دارت في تلك الفترة.
  7. وساهمت هذه الحصيلة في النهاية في ترسيخ الطابع الريعي للاقتصاد والدولة. حيث نشأ عنها حالة هجينة، بل وحتى مشوهة، يمكن ان يطلق عليها «رأسمالية الدولة الريعية». ان دولة «الرأسمالية الريعية» هذه شديدة المركزية من ناحية سياساتها المالية العامة. لكنها من ناحية اخرى، تتصارع مع ميل مستفحل لإضعاف الطابع المركزي لإدارة الدولة، ولعمل أجهزتها ومؤسساتها. وذلك لأنها اقترنت منذ البداية بتعددية مصادر القرار، والمعبر عنها بأشكال متنوعة من المحاصصة، خصوصا المكوناتية منها، ووجود السلاح المنفلت. ان هذا التناقض، بين المركزية المالية المستندة على الريع النفطي وبين نهج المحاصصة، تسبب في تشظي بنيوي في تكوين الدولة، وساهم مساهمة كبرى في إضعاف عمل مؤسساتها. فمصالح القوى السياسية التي امسكت بزمام السلطة بعد 2003، قامت على دعامتين: الأولى نهج المحاصصة. والثانية تعميق الطابع الريعي للدولة والمجتمع.
  8. وبسبب هذا الطابع الريعي للدولة، فإن الآليات التي تتم من خلالها عملية توزيع واعادة توزيع الريع النفطي، تعد السبب الرئيسي للحراك في المجتمع العراقي، وللتفاوتات والتوترات التي يشهدها. أي ان عمليات الفرز الطبقي، واللامساواة الاجتماعية بعد 2003، تقوم اساسا على الفروقات في مستوى الثروة والدخل، المتأتيين في نهاية المطاف من تقاسم الريع النفطي. وآليات التوزيع التي يتم من خلالها التصرف بالريع وتوزيعه هي بيد من يسيطر على الدولة واجهزتها، ويرسم سياسات إنفاق الريع وتوجهات السلطة التي تتحكم به. وكان هذا هو جوهر الصراع السياسي، والمُعبّر عنه بنهج المحاصصة، بتجلياته المختلفة.
  9. وسعت القوى السياسية التي تسلمت السلطة جاهدة، من خلال التصرف بموارد ومقدرات الدولة خصوصا الريع النفطي، إلى توليد مرتكزاتها الاجتماعية وتوسيعها من جهة، وفي تكريس شرعيتها السياسية وتعزيز هيمنتها من جهة اخرى. أي ان الدولة والقوى السياسية المتنفذة المسيطرة عليها لعبت دورا كبيرا في عملية تحديد البنية الاجتماعية، وذلك عموما عبر اتباع نفس السياسة التي كانت سائدة قبل 2003، في زمن النظام البائد، والمتمثلة بمقايضة حصص الريع بالولاء. فالعلاقة بين الدولة والمجتمع بقيت معكوسة. وبدلا من ان تتحول الدولة إلى تعبير عن موازين قوى اجتماعية وسياسية، بقيت هي من يتحكم بعملية هندسة المجتمع وتحديد الاتجاهات الرئيسية لحركة قواه وصراعاتها.
  10. وبسبب هذه السياسات، شهد المجتمع العراقي وما زال يشهد، حراكا اجتماعيا مستمرا، تمثلت أبرز معالمه بترسخ مكانة النخب الأوليغارشية (الاقلية الحاكمة الفاسدة)، خصوصا تلك الحفنة القليلة من القيادات السياسية والزعامات الاجتماعية التي تحتكر السلطة الفعلية. وإذا كان الانفاق الحكومي بشقيه التشغيلي والاستثماري، على مدار السنوات الماضية يعتبر أهم آلية للتصرف وتقاسم الريع، بالنسبة للقوى المتنفذة بالدولة، فإن حصيلة اقترانه بنهج محاصصي في تقاسم السلطة والمناصب والنفوذ، وهو نهج يستند إلى إضعاف مستمر لمرتكزات الدولة، كانت تتمثل بنشوء واستبداد شبكات متعددة من علاقات التوزيع والتداول، نُسجت بين شرائح وفئات اجتماعية معينة. وقامت على اساس المصالح المتبادلة، التي ارتبطت بالفساد المالي والاداري الذي ضرب أطنابه في كل مفاصل الدولة.
  11. ان سياسات الأوليغارشية هذه، مهدت الأرضية الرحبة لنشوء شبكات واسعة من العلاقات السياسية والاجتماعية، قائمة على أساس الولاءات والمحسوبية ، مع انزلاق مستمر نحو زبائنية صريحة. حيث عززت ادوار الفئات والشرائح البيروقراطية والطفيلية والكومبرادور التجاري، على حساب الطبقات والفئات والشرائح الكادحة.
  12. ففي السنوات الاخيرة بقيت الدولة الضعيفة أصلا ميدان الصراع المستمر ما بين قوى المحاصصة المختلفة، وذلك بغية زيادة الحصص في مواقع السلطة ومغانمها. وفي مجرى هذه العملية تنامى استئثار بعض القوى والشخصيات المفترض تمثيلها للمكونات، بالحصة الأكبر من المغانم، وتراكمت لديها ثروات ضخمة. فما عادت العملية السياسية متمحورة حول ديمقراطية توافقية تضمن تمثيلا للمكونات، بل انحسرت إلى احزاب وتيارات وجماعات تدعي تمثيل المكونات، فيما تتصارع على السلطة والنفوذ والمال. ثم اختزلت الاخيرة إلى عدد من العائلات والرموز التي استحوذت على السلطة والمكانة والنفوذ. وبغض النظر عن هذا الصراع بين قوى ورموز المحاصصة وداخلها، فإنها تتفق على ان توافقها الجوهري هو ديمومة هيمنتها وسلطتها.
  13. وخلال الفترة ذاتها استمر دور الشرائح البيروقراطية، وعلى الاخص تلك المتموضعة بين الشرائح العليا لموظفي الدولة المدنية والعسكرية. حيث تتمثل قوة هذه الفئات بتمركزها في مفاصل الدولة المهمة، والتي تحصلت عليها في الغالب عن طريق علاقات القرابة والمحاباة والمحسوبية. وبفعل مواقع القوة هذه تحصل هذه الفئات على مصادر دخل عال بفعل الرشاوى وأشكال الفساد المختلفة، إضافة الى رواتبها المتضخمة. كما تنامى دور الفئات الطفيلية وازداد تنوعا، وإن بقي قائما على الانشطة الاقتصادية غير المنتجة، مثل المقاولات الثانوية وعمليات الوساطة والسمسرة والمضاربة. وتعزز أيضا دور الكومبرادور التجاري، وراكم ثروات كبيرة، ارتباطا بخراب الصناعة الوطنية المتزايد، وعدم قدرة المنتجات الوطنية على المنافسة.
  14. وعلى خلفية تعاظم الريوع النفطية نتيجة لزيادة اسعار النفط الخام في السوق العالمية، تنامت سمات الطابع الريعي والخدماتي والتوزيعي للاقتصاد العراقي، التي وظّفتها «النخبة» في توسيع شبكة «الزبائنية» الاقتصادية - الاجتماعية - السياسية، وتطوير آليات الاستيعاب والسيطرة. واستفادت بعض الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية بدرجات متفاوتة من هذه الطبيعة المزدوجة للاقتصاد العراقي: الريعية – الخدماتية. ونمت في إطار ذلك فئة بيروقراطية مرسملة متموضعة في الشرائح البيروقراطية الحكومية والسياسية والعسكرية والأمنية العليا التي تنحدر في الأساس من الفئات الوسطى والفقيرة. إن نقطة تكوين هذه الفئة حدثت جرّاء «حيازتها» لجهاز الدولة. أي انها «تملك» الدولة من خلال «حيازتها» أجهزتها.
  15. ان تشابك انشطة وعلاقات هذه الفئات المستمر مع الأوليغارشية الحاكمة، على مدار السنوات الماضية، قوّى من اواصر تحالفها، وبلور عندها التزامات وتضامنات متبادلة، وولّد وعيا طبقيا بمصالحها المشتركة. فبغض النظر عن الصراعات المستمرة بين القوى السياسية المتنفذة، التي تمثل مصالح الفئات البيروقراطية والطفيلية والكومبرادورية، للحصول على حصة أكبر من المغانم والنفوذ والسلطة، فإن مصالحها السياسية والاقتصادية المشتركة أصبحت شديدة الوضوح اليوم. وهي تتخذ مواقفها اساسا بموجبها. فمشاربها وانتماءاتها المتنوعة قوميا ودينيا ومذهبيا التي كانت تمثل منطلقها في عملية التنافس والصراع، لم تقف عائقا امام استعدادها المتزايد للوصول إلى اتفاقات وتوافقات، تضمن مصلحتها المشتركة في استمرار نهج المحاصصة. والامثلة بخصوص ذلك كثيرة، اهمها موقفها من الحراك الاجتماعي والمطلبي المستمر، والذي تجلى اخيراً في موقفها من انتفاضة تشرين الباسلة او في كيفية التعامل مع ازمة وباء كورونا او الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نجمت عن انخفاض موارد النفط. ففي النهاية، ان هذه التلاوين الكالحة من «برجوازية» البلدان الريعية، لا يجمعها رابط بالبرجوازية التقليدية، سوى وعيها الطبقي بمصالحها، يضاف له انعزاليتها النخبوية ، ورفاهيتها الاستهلاكية الباهظة.

ترسيخ الطابع الريعي للدولة

  1. من ناحية اخرى، ساهمت السياسة التي اتبعت في التصرف بإيرادات النفط، عندما كانت اسعاره مرتفعة نسبيا لسنوات عديدة، وطوال المدة التي سبقت انهيارها الذي صاحب تفشي وباء كورونا، في عملية ترسيخ الطابع الريعي للدولة العراقية. وقد استخدم التوسع غير المبرر في التوظيف الحكومي بغية بناء قاعدة اجتماعية وسياسية اوسع للقوى المتنفذة. فعدد موظفي الدولة تضاعف عدة مرات خلال الـ 18 عاماً المنصرمة، حيث أعلنت وزارة التخطيط ان عدد المسجلين في الجهاز المركزي للإحصاء بلغ اكثر من مليونين ونصف المليون موظف. (هناك تقديرات أخرى تقول بأن عددهم تجاوز ٤ ملايين). وبحسب بعض المختصين، إذا أضفنا عدد المتعاقدين والعاملين بأجر يومي والعاملين في شركات التمويل الذاتي، ومعهم المتقاعدون والمشمولون بالرعاية الاجتماعية، فإن العدد يصل إلى حوالي 8 ملايين مواطن، يتسلمون رواتب من الدولة. ان هذا التضخم الهائل في جهاز الدولة الاداري يمثل أحد أبرز آثار تكريس ريعية الدولة.
  2. ومن جانب اخر تتراكم في بلادنا ملامح أولية، غير واضحة، لإعادة تشكيل وتبلور طبقي. وبالتالي لا يمكن رصدها بدقة، خصوصا في ظل غياب المعطيات والاحصائيات الدقيقة والكافية. كما ان هذه العملية ما زالت غير واضحة المعالم، وهي بدائية الطابع أيضا، وذلك بسبب تدهور القطاعات الانتاجية، وتدني وتائر نموها، وإضعافها المتعمد، سواء في القطاع العام او الخاص. فما زال العائد النفطي، يمثل في المتوسط أكثر 90 في المائة من ايرادات الموازنة العامة، وما يقارب نصف الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي. في حين ساهمت السياسات المتبعة، والازمات الاقتصادية المتتالية، في انحسار الكثير من النشاطات الانتاجية في الصناعة والزراعة.
  3. فقطاع الزراعة ما زال يعاني كثيرا من مشكلات جدية بسبب اغراق السوق بالمنتجات المستوردة، وضعف كبير في الدعم الحكومي، وشح المياه؛ فبحسب الاحصائيات الرسمية، فإن اسهامات هذا القطاع في الناتج المحلي الاجمالي ضئيلة، ولا تزيد على 4,8 في المائة خلال عام 2020 حسب الجهاز المركزي للإحصاء. وعلى الرغم من ان الزراعة تعد المصدر الرئيس لتوفير سبل عيش الفئات الفقيرة والمستضعفة وتوفير فرص العمل للسكان في المناطق الريفية، الذين يمثلون نسبة 30 في المائة من مجموع سكان العراق، فإن تردي واقع الانتاج الزراعي تسبب في انخفاض ملحوظ ـ وإن كان غير موثق بدقة رسميا ـ في أعداد الفلاحين والعاملين في الاعمال الزراعية عموما. ويبرز الاتجاه الواضح لتمايز الفلاحين وإفقار فئات واسعة منهم من الشرائح الوسطى والصغيرة. وتشير بعض التقديرات إلى ان نصف عدد فلاحي العراق دفعتهم الظروف الصعبة إلى ترك الزراعة في السنوات الماضية واللجوء الى مهن ونشاطات اخرى. وقسم كبير منهم هاجروا مع عوائلهم إلى مراكز المدن، خصوصا إلى العاصمة بغداد والبصرة، للعيش في أحياء عشوائية، حيث ظهرت مجددا نماذج من «مدن الصفيح» التي ستفضي أيضا الى إعادة إنتاج الفقر والتهميش بمديات جديدة بكل ما يحمله ذلك من مخاطر اجتماعية على السلم الأهلي.
  4. والمسألة تكاد تكون ذاتها بالنسبة لقطاع الصناعة التحويلية، حيث انه يعاني من اختلالات كبيرة؛ فمساهمته في الناتج المحلي الاجمالي لا تشكل الاّ نسبة متواضعة، بلغت 1,77 في المائة عام 2018. وبحسب احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء، فإن عدد العاملين في المنشآت الصناعية المصنفة كبيرة ومتوسطة وصغيرة، كان يمثل في عام 2018 ما نسبته اقل من (0,4) في المائة من عدد سكان العراق. علما ان قسماً غير قليل من هؤلاء يعمل في منشآت مملوكة للدولة، وجزء غير قليل من تلك المنشآت تكاد تكون شبه معطلة. فيما يشير بعض المختصين، إلى ان هناك، في الفترة التي تلت 2003، قرابة 500 ألف عامل صناعي حكومي من أصل 750 ألف عامل تقريبا، يعملون في القطاع المملوك للدولة، هم فعليا معطلون عن العمل، لكنهم يتقاضون اجورهم ورواتبهم من الموازنة العامة للدولة. بينما تتآكل مصانعهم بسبب الاهمال المتعمد. وبحسب مصدر حكومي فإن 72 في المائة من الشركات والمؤسسات المملوكة للدولة تُعد خاسرة.
  5. ومن جهة اخرى، فإن القطاع الصناعي الخاص الذي لم يتلق اي دعم حكومي ملموس طوال السنوات الماضية، وفي ظل اغراق السوق بالسلع المستوردة، فان عددا كبيرا من العمال الصناعيين قد فقدوا وظائفهم في مصانع وورش هذا القطاع، قد يصل عددهم إلى 800 ألف عامل، فلا يعمل من هذه المصانع والورش الاّ اقل من 10 في المائة، وبطاقات انتاج متواضعة.
  6. وارتفعت معدلات البطالة كثيرا في البلاد بعد الأزمة الاقتصادية التي رافقت تفشي وباء كورونا. فإذا كانت احصائيات وزارة التخطيط تشير إلى انها بلغت حوالي 14 في المائة عام 2018، فإن أكثر من ثلث الشباب (35,5 في المائة) لا يعملون (حسب تقرير لوزارة التخطيط بالشراكة مع البنك الدولي واليونيسيف في تموز 2020). وإذا اخذنا بعين الاعتبار ان مئات الالاف من الشباب يدخلون سنويا إلى سوق العمل، وان جزءا كبيرا من العمالة في القطاع الخاص هي عمالة مؤقتة وغير منتظمة، أدركنا ان الرقم الاخير ليس بعيدا عن الواقع.
  7. ومن جهة اخرى، ما زالت معدلات الفقر والتهميش مرتفعة وتقدرها وزارة التخطيط بحدود 25 في المائة، بعد ان كانت 31 في المائة عام 2020 وترزح مجموعات كبيرة من فئات الشعب المهمشة والدنيا تحت هذا الفقر المدقع، إذ ما زالت تعتاش على فتات الريع النفطي، من خلال انسياقها للولوج في عدد من الانشطة الطفيلية وحتى اللاقانونية. وغالبا مع تقطن هذه الفئات في عشوائيات سكنية، تفتقر إلى أدنى مقومات العيش الكريم، وهي تكاد تخلو من كل أشكال البنى التحتية. وتشير آخر احصائيات وزارة التخطيط عام 2020، الى ان عدد هذه العشوائيات يصل إلى 4000 عشوائية ويقطنها حوالي 3.5 مليون مواطن عراقي. اي ما يقارب 10 في المائة من عدد سكان العراق. فيما اشارت بعض التصريحات الرسمية نهاية عام 2020 إلى ان عدد قاطني هذه العشوائيات يصل إلى حول 7 ملايين مواطن.
  8. وبدل ان تعالج موازنة 2021 ما تراكم من أخطاء وخطايا في السياسة الاقتصادية والمالية، وان تُنصف عامة الناس المحرومين والمحتاجين وليس الأقلية الحاكمة المرفهة والمستحوذة على كل شيء، دُفعت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية إلى ما هو أسوأ، بإجراءات غير مدروسة، منها فرض ضرائب جديدة مباشرة وغير مباشرة على المواطنين، وتخفيض سعر الدينار العراقي امام الدولار، وإلى ارتفاع محموم في الأسعار، خاصة الغذائية والأدوية والخدمات، اضافة إلى خفض القيمة الفعلية للمداخيل والرواتب بما يتراوح بين 25 و30 في المائة.
  9. ولا تزال منظومة المحاصصة والفساد تمنع اجراء الإحصاء السكاني الذي يمكن على أساسه إعداد المشاريع والخطط وتوزيع موارد الدولة، فضلاً عن تشريع القوانين ذات الصلة بالانتخابات والضمان الصحي والاجتماعي وغيرها من الأمور المتعلقة بتوفير معطيات احصائية دقيقة.
  10. والخلاصة، أن الأزمة الشاملة في الاقتصاد العراقي تلقي ايضاً بظلالها على الواقع الاجتماعي، وتتجلى فيه كل أبعادها المأساوية، وتكشف بشكل جلي عن فشل السياسات الاقتصادية المقتصرة على التوازنات المالية (حسب وصفة صندوق النقد الدولي)، في ظل غياب أي إستراتيجية تنموية اجتماعية فعالة يدور الصراع حولها، باعتبارها جزءا عضويا من معركة البدائل.
  11. ان المعطيات في أعلاه وغيرها تؤشر أن البلاد تعاني من أزمة بنيوية شاملة تتمظهر أساسا في بناء الدولة على وفق المحاصصة والديمقراطية التوافقية، وفي طبيعة البنية الاقتصادية الاجتماعية، فيما هي شملت قطاعات مختلفة.

وبحكم طبيعة هذه الأزمة وشموليتها فان الإصلاح ما عاد كافيا للانعتاق منها،  وهذا ما يلقي على عاتق قوى التغيير مهاما  كبرى على طريق الخلاص من  منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، الحاكمة والمتنفذة، واستنهاض القوى وبناء اصطفاف سياسي شعبي واسع لتدشين عملية التغيير الشامل وإعادة بناء الدولة على اسس المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. 

 أزمة منظومة المحاصصة والفساد

  1. وترتبط الأزمة المتفاقمة أساسا بتشبث القوى الحاكمة المتنفذة، الماسكة بعتلات السلطة، والمالكة للقرار السياسي والاقتصادي وللمال والسلاح والإعلام، بنهج المحاصصة الحاضن للفساد، من أجل تقاسم النفوذ ومغانم الدولة تحت عناوين تمثيل المكون الطائفي أو القومي.
  2. وامتدت المحاصصة لتغدو مناطقية أيضا، إلى جانب تفشي الفساد ونهب المال العام، وتداعيات جرائم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى، ووهن الدولة وسلطتها وضعف إمكانية تحقيق قوة القانون وصيانة القرار الوطني العراقي المستقل، اضافة إلى استمرار التوتر في العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، وفوضى انتشار السلاح وتغوّل التشكيلات المسلحة المليشياوية وجماعات الجريمة المنظمة، وضعف البناء المؤسسي للدولة، وعدم ولوج طريق التنمية المستدامة والنهوض بالاقتصاد العراقي وتنويع مصادره وتخليصه من طابعه الريعي وصولا إلى توفير مستوى معيشي مقبول للمواطنين.
  3. وتحولت مجالس المحافظات، التي يفترض انها هيئات ادارية ومحلية يعهد اليها تنفيذ الصلاحيات المالية والادارية ضمن مبدأ اللامركزية الادارية وفقاً للدستور، إلى ميدان صراع محموم بين الكتل والقوى المتنفذة لتكريس الهيمنة عليها، واستخدامها لتحقيق مآربها والاستمرار بنهب المال العام في ظل المحاصصة والفساد، بعيدا عن الرقابة الشعبية، وبتهميش ممثلي القوى المدنية الديمقراطية في هذه المجالس. وتجلى ذلك على نحو صارخ في تمرير البرلمان تعديلا مجحفا على قانون انتخابات مجالس المحافظات في تموز 2019 واعتماد صيغة 1,9 من نظام سانت ليغو، برغم الاعتراضات الكثيرة. وفي اعقاب انتفاضة تشرين أوقف البرلمان عمل مجالس المحافظات لتجاوزها المدة القانونية المحددة لها وهي 4 سنوات. واصدرت المحكمة الاتحادية في مطلع حزيران الماضي قرارا يقضي بأنه لا يجوز للبرلمان الغاء تلك المجالس. كما ان استمرار عملها يمثل خرقا وتجاوزا لإرادة الناخب. ويمهّد هذا القرار لإعادة انتخاب مجالس المحافظات في الفترة المقبلة.
  4. وعمقت حالة الاستعصاء السياسي والاحتقان الاجتماعي من جوانب الأزمة البنيوية العامة، واستفحال حالة الصراع على اتجاهات بناء الدولة، وعلى منهج الحكم ونمط التفكير والإدارة، فيما تتمسك القوى المتنفذة بمنهجها ونمط تفكيرها الذي أثبت فشله، وتناقض مصالحها مع غالبية أبناء شعبنا وخصوصاً الشباب، ومع متطلبات التغيير التي تحتاجها بلادنا والاقتصاد الوطني.

 التمويه على نهج المحاصصة

  1. وفي مواجهة تعاظم السخط الشعبي والحركة الاحتجاجية سعت بعض القوى الحاكمة والمتحاصصة إلى تخفيف خطابها السابق إلى حدود معينة، فراحت تتبنى مفاهيم ومقولات لا تنسجم مع طبيعة تكوينها وخلفيتها السياسية والفكرية، لكنها لم تمسّ في ما تعلنه جوهر الأزمات والبلايا – نظام المحاصصة الطائفية والإثنية. وفي اعقاب انتفاضة تشرين التي هزّت دعائم هذا النظام عملت هذه القوى على خلق كيانات بواجهات مدنية واحزاب تدعي تمثيل الشباب والمنتفضين في مسعى مفضوح لاحتواء الاحتجاجات ومطالبها المشروعة وضمن مناوراتها استعدادا للانتخابات. لكنها، رغم محاولاتها للتمويه على نهج المحاصصة، سرعان ما تعود إلى متبنياتها بخصوص «المكونات» وتحقيق التوازن المطلوب بينها، دافعة إلى الخلف كل ما تتحدث به عن المواطنة. وهي تعمل بنحو واضح على حصر تمثيل «المكونات» الطائفية والقومية بها، والذي غالبا ما تختزله إلى تمثيل احزاب وقوى وأشخاص.

الفساد

  1. غدا الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، ظاهرة سياسية - اقتصادية - اجتماعية تتفاقم باستمرار، وتتعدد أشكال تجليها وتتنوع. ووصل إلى مديات خطرة. وهيأت المحاصصة الطائفية والإثنية الأجواء بشكل كامل لتفشيه، فاتسعت دائرته وتشابكت حلقاته حتى نشأ تشابك مريب بين منظومة الفساد والمتنفذين الفاسدين في أجهزة الدولة ومؤسساتها من جهة، وفئات البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية وأوساط من التجار الكومبرادور وبعض أصحاب المصارف والمتاجرين بالعملة ومالكي الفضائيات ومهربي النفط. وتوسعت هذه الظاهرة لتكتسب أبعادا مجتمعية.
  2. ولا يمكن فصل الفساد المالي والاداري عن نتائج المشروع النيوليبرالي في مجال إعادة هيكلة الطبقات والفئات الاجتماعية لصالح هذا المشروع. فقد تنامى دور الفئات والشرائح المرتبطة بالتهريب وبرأس المال التجاري والمضارب ذي الطابع الطفيلي المرتبط بوشائج مختلفة برأس المال الأجنبي، ولا بد ان يؤدي ذلك إلى استشراء الفساد.
  3. كما يرتبط هذا الفساد بالسياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003؛ ففي ظل انعدام إستراتيجية تنموية واضحة، تمت إزالة الضوابط وحجبت الصلاحيات عن مؤسسات الدولة، وفتح الاقتصاد العراقي على مصراعيه، وجرت تهيئة الأجواء للخصخصة الواسعة من دون أية ضوابط، ما فتح المجال وخلق الشروط لاتساع ظاهرة الفساد.
  4. ويتجلى أحد مظاهر الفساد ونتائجه في مراكمة الثروات عبر استحواذ فئات متنفذة على حصة كبيرة من الدخل النفطي واقتطاعها بطرق مختلفة من خلال تحكمها بالسلطة واستغلالها لخدمة مصالحها.
  5. وإلى جانب غياب تكافؤ الفرص بين المواطنين في إشغال الوظيفة العامة، وتحوّل هذه الوظيفة إلى سلعة تباع وتشترى، وشيوع الرشى والنهب المنظم للمال العام، وتزوير الشهادات، وتهريب العملة إلى الخارج وغيره مما يرافق مزاد العملة، والتهرب الضريبي عبر الفساد، وعدم السيطرة على المنافذ الحدودية وضبط مواردها، والغش في ادخال البضائع المستوردة، وسوء استخدام السلطة لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية، وهدر أموال الدولة بأشكال مختلفة وبضمنها المقننة، كذلك سوء التخطيط للمشاريع وما يسببه من اهدار للأموال.. إلى جانب هذا وغيره طفا على السطح الكثير من الظواهر الاخرى، لعل اخطرها بيع مناصب الدولة العليا والمتاجرة بها، ودفع الملايين والمليارات من أجل الحصول على هذا الموقع او ذاك. وهذه، بشكلها الذي يحصل في بلادنا، ظاهرة غير مسبوقة في العالم. فيما يتواصل الحديث على نطاق واسع عن استمرار تهريب النفط في محافظات عراقية عدة، وتتورط فيه كتل سياسية متنفذة تحميها أذرع ميليشياوية مسلحة. وإلى جانب هذا هناك استحواذ على أراضي وممتلكات الدولة وعقاراتها بطرق ملتوية، وحتى «مقننة» احيانا. ويجري اللجوء في سياق ذلك وعلى نطاق واسع، إلى المركز الوظيفي والقوة. كذلك الاستيلاء عنوة على ممتلكات ودور المواطنين، وخاصة من المهجرين والمهاجرين، وبالأخص دور المسيحيين والصابئة المندائيين، بل وإجبار البعض على التنازل عنها تحت طائلة التهديد.
  6. ولعل من ظواهر الفساد الكبيرة تعطيل الإنتاج الوطني، خاصة في الصناعات البتروكيماوية، واستمرار إنفاق مليارات الدولارات على استيراد الطاقة الكهربائية والغاز بأعذار ومبررات واضحة الأهداف والمرامي والمقاصد. ولم تفلح اي لجنة تحقيقية ذات علاقة في كشف ملف فساد واضح ضمن قضية الطاقة الكهربائية. وتوصلت لجنة برلمانية تحقيقية بملف الكهرباء في مطلع تموز 2021 إلى أن ما صرف على منظومة الكهرباء منذ عام 2006 يبلغ 80 مليار دولار.
  7. وانعكس تفشي ظاهرة الفساد بشدة في حياة الناس ومستوى معيشتهم، وتجلى في انخفاض قدرتهم الشرائية، وفي ارتفاع معدلات البطالة، وزيادة أعداد المهمشين، وفي سوء الخدمات، وتفاقم الأزمات في قطاعات: الكهرباء، الماء، النقل، السكن، التعليم والصحة. وتصاعدت نسبة من يقعون تحت خط الفقر.
  8. ونظرا إلى ذلك شكلت محاربة الفساد وفضح ومحاسبة رؤوسه، ولا تزال، مطلبا أساسيا ملحا من مطالب الحراك الجماهيري، وعنصرا رئيسا في تحقيق الإصلاح والتغيير المطلوبين. وبات التصدي للفساد المالي والإداري المستشري في عموم مفاصل الدولة، أولوية لا بد منها، إلى جانب مواجهة الإرهاب وأعوانه، وفرض سيادة القانون في عموم البلد. كما بات بديهيا أن يتحسس حتى المواطن البسيط أن الإرهاب والفساد وجهان لعملة رديئة واحدة، وحليفان متلازمان في تخريب الوطن.
  9. وجاءت بعض الاحكام القضائية التي اتخذت في جرائم نهب المال العام مخففة ولا تتناسب مع حجمها. في حين لم تمس بعد ملفات الفساد الكبرى، رغم توفر الأدلة وما تؤكده تقارير هيئة النزاهة من وجود انتهاكات كبيرة. وتتعزز قناعة المواطنين بأن جهود مكافحة الفساد لم تأت ثمارها رغم تبدل الحكومات وتشكيل اللجان المتعددة لهذا الغرض.
  10. ان معركة التصدي للفاسدين والمفسدين بما يملكه هؤلاء من إمكانات وتداخلات مع اصحاب القرار والمتنفذين والمافيات المليشياوية، لن تكون سهلة، وان الحد منها والانتصار فيها يتطلبان حشد قدرات كل العناصر والطاقات الوطنية، الرسمية والشعبية، وإطلاق «الحملة الوطنية لمكافحة الفساد» قولا وفعلا، في حملة اجراءات وخطوات ملموسة. وهذا يتطلب أيضا ضمان سيادة حكم القانون، وإقامة دولة المؤسسات واحتكارها للسلاح.

 الحريات وحقوق الانسان

  1. يمثل ملف حقوق الانسان في العراق واحداً من أهم الملفات التي تحظى باهتمام الحزب الشيوعي العراقي؛ اذ تُعد هذه الحقوق من أبرز مقومات عملية التحول الديمقراطي وأسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي يناضل الحزب من أجل تحقيقها وجعلها بديلاً لمنظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد.
  2. لقد عانى العراقيون طيلة السنوات الماضية من استمرار وتصاعد الانتهاكات البشعة لحقوق الانسان وحرياتهم الأساسية التي يكفلها لهم الدستور والقانون. وارتبط ذلك بتفاقم أزمات نظام حكم المحاصصة وصراع قواه المتنفذة على السلطة والنفوذ والمال، وارهاب داعش الدموي، والتدخلات الخارجية في الشأن العراقي، وما رافق ذلك كله من تداعيات كان لها انعكاسات خطرة على اوضاع الحريات وحقوق الانسان.
  3. إن مخاطر جسيمة لا تزال تهدد ملف الحريات، متعددة الأوجه، وأبرزها ما يتعلق ببقاء قوانين موروثة من حقبة الدكتاتورية، فضلاً عن تشريعات جديدة تقرها أو تسعى إلى إقرارها القوى المتنفذة في البرلمان، تتنافى مع روح الدستور الضامن للحقوق والحريات المدنية.
  4. ومن أبرز المخاطر أيضا، انتشار السلاح المنفلت وتنامي دور الميليشيات وما ترتكبه من جرائم بحق الناشطين المدنيين والفاعلين الاجتماعيين والصحفيين وقادة الرأي، فضلاً عما قامت به الجماعات الإرهابية وخصوصا تنظيم «داعش» من انتهاكات صارخة وجرائم شنيعة يندى لها جبين الإنسانية.
  5. وقد ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق المواطنين من قبل أجهزة رسمية وغير رسمية، في ظل افلات مستمر من العقاب وازدراء لمبادئ حقوق الانسان والحريات التي ينص عليها الدستور وغياب التثقيف بها ومراقبة الالتزام بتنفيذها. وبرزت تلك الانتهاكات على نحو صارخ في القمع الدموي للاحتجاجات الشعبية على طول وعرض الوطن، وبلغت ذروتها في المجازر التي ارتكبت بحق المحتجين السلميين في انتفاضة تشرين الباسلة، وراح ضحيتها أكثر من 700 شهيد، وعشرات آلاف الجرحى. واقترنت حملة القمع غير المسبوقة بجرائم اغتيال العديد من الناشطين والاختطاف على أيدي جماعات مسلحة، والتغييب، والتعذيب الجسدي والنفسي للضحايا بعد احتجازهم في معتقلات سرية. ولا يزال مصير العديد من المختطفين مجهولا، ولم يتحقق شيء من وعود الحكومات المتعاقبة بمتابعة ملفاتهم وإنقاذ ارواحهم، في مؤشر على استمرار تدهور أوضاع حقوق الانسان في العراق. وهو ما أكدته التقارير الدورية لبعثة الامم المتحدة في العراق والمنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الانسان، فضلا عن منظمات المجتمع المدني العراقية.
  6. ويرافق كل ذلك نكوص عن استكمال اقامة مؤسسات الدولة الديمقراطية وبنائها على وفق ما جاء في الدستور، حتى أن مفوضية حقوق الإنسان التي أنشئت في 2012 لم تحظ بصلاحياتها الدستورية، ولم تستطع أن تؤدي دورها المنشود بسبب وجود معرقلات عطلت عملها، لعل أبرزها نهج المحاصصة الطائفية والاثنية.
  7. ومن أبرز تجليات هذا الوضع الخطير عدم قيام جهاز الادعاء العام بدوره المطلوب رغم الانتهاكات الصارخة لحقوق وحريات المواطن التي ينص عليها الدستور، وفي مقدمتها الحق في الحياة.
  8. وصار هذا الوضع القانوني والمؤسساتي السيئ مدخلا لمزيد من الانتهاكات، ما يؤشر فشل الدولة ومؤسساتها في فرض هيبتها والقيام بواجباتها.
  9. ومن المقلق في الحياة العامة أن يبقى الأمن والاستقرار والسلام الدائم بعيد المنال، وان يشكل هاجسا يوميا للمواطن ومصدر خوف له، وان يتحول، مع تردي الأوضاع الاقتصادية، إلى دافع قوي للهجرة الى خارج الوطن، وهو ما يحدث للكثيرين من الشباب وذوي الكفاءات الذين يشكلون غالبية المهاجرين.
  10. ويتعرض الصحفيون والاعلاميون إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان، تشمل جرائم الاغتيال والاختطاف، فضلاً عن إقامة الكثير من الدعاوى عليهم من قبل المسؤولين واستخدام قانون العقوبات ضدهم. ويضاف إلى ذلك عدم قدرة المؤسسات الاعلامية المستقلة على الحصول على المعلومات والوصول اليها.
  11. وبعد تصاعد استهداف النشطاء المدنيين الذين برزوا في ساحات الاحتجاج بعد تفجر انتفاضة تشرين إلى حد التهديد المكشوف بالقتل، اُضطر العشرات منهم إلى مغادرة محافظاتهم إلى اقليم كردستان وخارج العراق للحفاظ على ارواحهم وحماية عائلاتهم.
  12. ورغم مرور أربع سنوات على هزيمة تنظيم داعش الإرهابي عسكريا فان التركة الثقيلة لمجازره البشعة لا تزال ماثلة. وفي مقدمتها المصير المجهول للمئات من النساء الإيزيديات والمسيحيات اللائي تعرضن إلى الخطف بعد استباحة مناطقهن، فضلاً عن انتهاكات فظة لحقوق الانسان رافقت الحرب ضد داعش. كما أن مشكلة نزوح ملايين العراقيين من ديارهم بعد اجتياحها من عصابات داعش وبقاء مئات الآلاف منهم في مخيمات لاجئين، وفي ظروف معيشية قاسية، لم تُحل بشكل إنساني وعادل إلى الآن. وهي تعد واحدة من أكبر المعضلات التي تهدد جهود بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.
  13. ان هذه المعطيات وغيرها الكثير، خصوصا ما يتعلق بانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية، وفي مقدمتها حقوق المرأة والطفل والشغيلة، تؤشّر بإلحاح ضرورة العمل على الغاء كافة القوانين والتعليمات التعسفية التي تحد من ممارسة حرية التعبير عن الرأي والمعتقد، وتسعى إلى حصر العمل النقابي والمهني في أطر محددة. وهو ما يستوجب الدفاع عنها بحزم، وفضح الانتهاكات ومن يقف وراءها، والمطالبة بمحاسبتهم امام القضاء وإنزال القصاص العادل بهم.
  14. ويقينا أيضا ان للرأي العام ومنظمات المجتمع المدني دور كبير في هذا كله، لا بد من ان تنهض به.
  15. ان مسؤوليتنا كشيوعيين في هذا الظرف العصيب هي النضال بثبات، دفاعا عن حريات وحقوق الإنسان الأساسية، وفي مقدمتها الحق في الحياة، وإعلاء قيم وثقافة حقوق الانسان في الحياة السياسية والمجتمع. فهو شرط أساسي لا غنى عنه في نضال القوى المدنية الديمقراطية من أجل بناء الدولة ومؤسساتها على أسس صحيحة، بإقامة دولة القانون والمؤسسات الحقة، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

 الحراك الاحتجاجي الاجتماعي

  1. ان الاوضاع الكارثية التي عاشها البلد في السنين الماضية وتزايد إدراك الناس ـ بتجربتهم الخاصة ـ حقيقة مشاكلهم، أديا إلى مراكمة الوعي بمسببات شقائهم، وحفزا مجاميع كبيرة منهم على رفض الواقع القائم ومنظومة الحكم وإدارة البلاد المسؤولة عمّا آلت إليه الأوضاع والتحرك صوب التغيير. وهو ما تجسد في حراك احتجاجي متعدد الأشكال انطلق منذ أكثر من عقد من السنين وشمل فئات وقطاعات اجتماعية واسعة، وتطور متصاعدا ليتكلل بتفجير انتفاضة تشرين الباسلة التي شكلت منعطفا فارقا في حياة البلاد السياسية، وليضع التغيير والقطيعة مع نهج المحاصصة والطائفية السياسية على جدول أعمال المهمات الملحة أمام شعبنا.
  2. كما شهدت الفترة الماضية تصاعدا في الحراك المطلبي، وشمل ذلك قطاعات وفئات واسعة مطالبة بتوفير فرص العمل وتثبيت الاجراء والعقود، وبتوفير الخدمات ومحاسبة الفاسدين في قطاعات الدولة في المحافظات وغيرها، وهي مرشحة لأن تتصاعد مع استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية وتزايد نسب الفقر والبطالة.

 انتفاضة تشرين 2019

  1. وكانت اسباب اندلاع الحركات الاحتجاجية وتواصلها منذ 25 شباط 2011، وصولاً إلى انتفاضة تشرين واستمرار الحراك الشعبي حتى الآن، تكمن أساسا في طبيعة منهج ومنظومة الحكم وآليات إدارة الدولة، وتفشي الفساد، وحالة اللادولة، والمشاكل المتفاقمة الاقتصادية والمالية والمعيشية والصحية، والتدخلات الأجنبية الواسعة وتغييب إرادة العراقيين واستقلالية القرار الوطني، وانفلات السلاح. وهي لا تزال مرشحة لأن تتفاقم مع إصرار المتنفذين على التمسك بذات المنهج الفاشل، وعجزهم عن تقديم حلول لما راكمته منظومة المحاصصة والفساد من أزمات.
  2. وجاءت الانتفاضة الشعبية في الأول من تشرين 2019، التي وصلت أعداد المساهمين فيها في بغداد وبقية المحافظات المنتفضة والداعمين والمتضامنين معها إلى الملايين، على خلفية فرز اجتماعي – طبقي، وانعكاسا لواقع متردٍ، ولتناقضات احتدمت وتراكمت، ولهوّة سحيقة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع، ولغياب العدالة الاجتماعية واحتكار السلطة من قوى الطائفية السياسية وأقلية حاكمة فاسدة ومنبوذة. وكانت الانتفاضة في جوهرها صراعا طبقيا تخوضه مختلف الطبقات والفئات والشرائح الكادحة والفقيرة من أجل مصالحها او دفاعا عنها.
  3. ولم تكن الانتفاضة مقطوعة عن الحركة الاحتجاجية في شباط 2011 ثم في 2015 وما بعدها، وما راكمته من تجربة وخبرة وما فرضته من حقائق. كما انها لم تكن بعيدة عن جهد حزبنا الشيوعي والقوى والشخصيات المدنية والديمقراطية والوطنية الأخرى، التي بيّنت في وقت مبكر المخاطر الناجمة عن مواصلة القوى المتنفذة التشبث بالمحاصصة، منتجة الأزمات وحامية منظومة الفساد المتشابكة مع المتنفذين الحاكمين.
  4. وسجّل مسار الانتفاضة اتساع دائرة القوى والشرائح الاجتماعية المشاركة فيها. وتحققت في مجرى الانتفاضة اوسع مشاركة للطلبة منذ عقود في فعاليات الاحتجاج الجماهيري، وكان وقعها كبيرا حيث عززت صفوف الانتفاضة ورفعت معنويات المنتفضين، وعُدّت مساهمة متميزة ومأثرة جديدة اجترحتها الجماهير الطلابية العراقية. كما كانت مساهمة المرأة العراقية بارزة في مختلف أنشطة وفعاليات الانتفاضة. ورُصدت إسهامات من جانب غالبية الاتحادات والنقابات المهنية والأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني في الانتفاضة، ومشاركتها المنتفضين مطالبهم السلمية المشروعة. وشكّل موقف نقابة المعلمين دعما كبيرا للطلبة، شجعهم على المضي في اسناد الانتفاضة رغم كل الضغوط التي مورست للتضييق عليهم والحد من مشاركتهم. وتجدر الاشارة أيضا إلى دور نقابة المحامين.
  5. واجتذبت مشروعية وعدالة مطالب الانتفاضة، بأبعادها الاجتماعية والوطنية، وبسالة المنتفضين السلميين وشجاعتهم الفائقة في مواجهة القمع الدموي، اقساما واسعة ومتنامية من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية ومن ابناء العشائر، الذين وفروا لها الدعم وحتى الحماية كما حصل في بعض المحافظات. كما تعاطف معها كثيرون في صفوف القوات المسلحة والأمنية، وتجلى ذلك بصيغ مختلفة.
  6. وغدت الانتفاضة، في نهاية المطاف، انتفاضة غالبية أبناء الشعب مقابل أقلية معزولة، تريد إدامة هيمنتها وحكمها بالقمع والقتل.

 انحياز حزبنا إلى الانتفاضة

  1. وقد أعلن حزبنا انحيازه التام إلى الانتفاضة السلمية ومطالبها العادلة، وأعلن دعمه لها ومشاركته فيها. واستشهد عدد من رفاقه واصدقائه ضمن أكثر من 700 من الشباب المنتفضين العزّل الذي سقطوا برصاص القوات الأمنية وميليشيات وجماعات مسلحة اقترفت مجازر دموية بحقهم، اضافة إلى اصابة أكثر من 30 ألفاً بجروح.

وتضامنا مع الانتفاضة واحتجاجاً على القمع الممنهج وصمت مجلس النواب وعدم قدرته على محاسبة القتلة، قدم نائبا الحزب في مجلس النواب استقالتهما، وفعل مثلهما الشيوعيون اعضاء مجالس المحافظات. كذلك سخّر الحزب طاقاته واعلامه ونشاط منظماته ورفاقه واصدقائه، داخل الوطن وخارجه، لمساندتها وصولا إلى تحقيق اهدافها. كما عبّر عن ادانته الشديدة للقمع والقتل العمد والخطف والاغتيال والتضييق على بعض الفضائيات والاذاعات وإغلاق عدد منها.

  1. وتعرضت الانتفاضة والحركة الاحتجاجية إلى حملة واسعة منظمة، ساهمت فيها جهات عدة، رسمية وغير رسمية، بهدف شلها وإخراجها من المعادلة السياسية وإطفاء جذوتها. ولجأت السلطة في تعاملها مع الانتفاضة إلى اسلوبين: الأول هو تصعيد العنف ضدها قتلا واغتيالا واختطافا بأدوات القمع المختلفة وبزعم خدمتها أجندات خارجية، والعمل على تخريبها ومحاولات شيطنتها وتشويه صورتها ودفعها نحو مسارات وممارسات عنفية منفلتة تُسهّل قمعها، وذلك من خلال تسريب وزرع عناصر مندسة داخلها، ترتبط بأجهزة السلطة المختلفة مباشرة او بصورة غير مباشرة، وشراء الذمم والاختراق السياسي. والاتجاه الثاني تجلى في السعي إلى كسب الوقت من خلال تقديم حزم «إصلاحية»، وإطلاق وعود لا تحظى بصدقية، وعرض خرائط عمل بتوقيتات زمنية، والمراهنة على تعب وملل المنتفضين وانحسار الدعم الجماهيري للانتفاضة. غير ان نهج الحكومة ومراهناتها والقوى الداعمة لها فشلت وانتهت إلى طريق مسدود، ولم يؤدّ القمع بالذات الاّ إلى زيادة إصرار المحتجين على نيل حقوقهم كاملة، وإلى تعاظم التعاطف والدعم الشعبيين لهم. وفرضت الانتفاضة على الحكومة ورئيسها في النهاية تقديم الاستقالة، وهو ما تحقق بدماء الشهداء وتضحيات المنتفضين وضغط الجماهير ودعم الغالبية الساحقة من أبناء شعبنا.
  2. ورغم ان استقالة حكومة عادل عبد المهدي تحت ضغط الحراك الشعبي المتصاعد كانت انتصارا ساطعا للانتفاضة، لكنها كانت خطوة أولى لا بد منها للبدء بتنفيذ خارطة الطريق المفضية إلى دحر نهج المحاصصة ومنظومة الفساد. وبعدها بات مطلوبا المباشرة بتشكيل حكومة جديدة انتقالية، ذات مواصفات حددت خصائصها مطالب المنتفضين، لتتولى تنفيذ مهام محددة تمهد لانتخابات مبكرة، وتتمتع بصلاحيات واسعة يمنحها مجلس النواب، لإنجاز مستلزمات الانتقال في غضون فترة زمنية قصيرة.

 من دروس الانتفاضة

  1. ان انتفاضة تشرين 2019 الباسلة تشكل واحدا من أهم الاحداث والتطورات في تاريخ الدولة العراقية منذ قيامها عام 1921. وهي تمثل، ومعها الحركة الاحتجاجية عموما بعد 2003، تجارب نضالية لشعبنا بالغة الثراء في انجازاتها ودروسها، وهي جديرة بالدراسة المعمقة وبإجراء مراجعة مسؤولة لمساراتها واستخلاص العبر من تجربتها، لجهة ردم الثغرات ومعالجة النواقص، وتأمين صحة وسلامة الشعارات المرفوعة وواقعيتها، والابتعاد عن العدمية في المواقف، والبحث الجدي في تنسيق الخطوات والشعارات والأساليب النضالية. كذلك العمل من أجل انبثاق الأطر القيادية الجماعية في كل ساحة، وعلى امتداد ساحات الاحتجاج والاعتصام في ارجاء الوطن، وضرورة اليقظة والحذر من محاولات قوى الفساد والمحاصصة، الهادفة إلى حرف الانتفاضة عن أهدافها وسلميتها، وتأليبها ضد الأحزاب والقوى والشخصيات التي وقفت إلى جانبها وشاركتها في الفعل والقول، وقدمت التضحيات والشهداء على طريق تحقيق أهدافها العادلة.
  2. والانتفاضة تمرين ثوري ولحظة تفجر للاحتقان والاستعصاء السياسي والاجتماعي، وصراع اجتماعي وطبقي بين اقلية متحكمة مرفهة، وغالبية محرومة ومهمشة. وهي قد نقلت الوعي الاجتماعي خطوات متقدمة الى امام وانعكس ذلك في إقامة هذه العلاقة الوثيقة بين القضايا الخاصة والعامة. كما انها كسرت حواجز الخوف والتردد والتابوهات.
  3. ولقد هزّت الانتفاضة منظومة المحاصصة والفساد وعرت رموزها وارعبت المتنفذين، وعززت ثقة الجماهير بنفسها وقدرتها على اجتراح المآثر ونيل حقوقها والدفاع عن مصالحها، وفرضت التغيير على جدول العمل.
  4. ان المنتفضين وهم يبدعون في الجمع بين مختلف اشكال وأساليب النضال والعمل السلمية، قد رسخوا روح التصدي والاقتحام والإصرار على تحقيق المطالب العادلة، واسهموا على نحو جلي في إعادة الروح والحيوية الى المواطنة العراقية الجامعة.
  5. لقد بيّنت الانتفاضة ان المواطنين، بعد 18 من السنين العجاف، يرفضون العيش كما في السابق. وان من الوهم الاعتقاد بإمكان ان تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الأول من تشرين الأول 2019. وأكدت ان الحكام لن يتمكنوا بعد الآن من الاستمرار في الحكم بالمنهج والأساليب ذاتها. فقد كشفت فشل المنهج المتبع في إدارة الدولة والحاضن للفساد والفاسدين، وحالة الاستقطاب الحاد في المجتمع ودرجة الاحتقان فيه، وعرّت هذا وذاك حتى النخاع.
  6. وشددت الانتفاضة على ان المطلوب ليس تطويق الأزمات واحتواؤها، بل إيجاد حلول جذرية لها، بما يؤمّن التصدي لأسّ الأزمات، أي نظام المحاصصة، ومعالجة معضلته.
  7. وقد حققت انتفاضة تشرين الكثير، وفرضت حقائق في المعادلة السياسية العراقية يصعب تجاهلها. ولذا تستمر محاولات ومساعي قوى متعددة بدعم خارجي، لإضعافها وتشتيت قواها بمختلف الأشكال، بما فيها اللجوء إلى القوة. وهو ما حصل عبر تنفيذ عدد من الحملات ضدها، بضمنها فرض رفع الخيم واحراقها في ساحات الاحتجاج والتظاهر، والمذابح التي شهدتها الناصرية في شباط 2021 وغيرها من محافظات الوطن، وتزايد جرائم الاغتيالات والاختطاف والتعذيب التي تستهدف الناشطين وافلات القتلة ومن يقف وراءهم من العقاب، والاستهتار بدماء المتظاهرين وارواحهم وتجاهل مطالب المحتجين وحقهم الدستوري في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي.

 آفاق الحركة الاحتجاجية

  1. إن عوامل اندلاع الحركات الاحتجاجية، بما فيها انتفاضة تشرين 2019، ما زالت قائمة، واضيفت اليها تداعيات الأزمة المالية والاجراءات الاقتصادية للحكومة، وما نجم عن ذلك من صعوبات جدية لملايين العراقيين الذين يعتمدون على الكدح اليومي في توفير لقمة العيش لأنفسهم ولعوائلهم، إلى جانب ما سببته جائحة كورونا. بل ان هذه العوامل مرشحة لأن تتفاقم مع إصرار المتنفذين على التمسك بذات المنهج الفاشل، وعجزهم عن تقديم حلول لما راكمته منظومة المحاصصة والفساد من أزمات.
  2. وهو ما يؤكده استمرار الفعاليات الاحتجاجية في بغداد وعموم المحافظات في الأشهر الأخيرة، ومبادرة شرائح اجتماعية ونقابية إلى تنظيم تظاهرات واعتصامات مطلبية كبيرة امام الوزارات للمطالبة بحقوقهم المشروعة. فيما بقي شباب انتفاضة تشرين يواصلون نشاطهم الاحتجاجي بأشكال مختلفة.
  3. ان هذا كله يجعل من نهوض الحركة الاحتجاجية مجددا، وتعاظم زخمها، أمرا ممكنا بدرجة كبيرة، وقد يأخذ أشكالا متعددة وأنماطا جديدة وغير مسبوقة، على خلفية الأزمة المتفاقمة واتساع الهوة بين الأقلية الحاكمة المتنفذة والمرفهة، وبين أغلبية ساحقة من الشعب تعيش الحرمانات والمآسي، وتعاني شظف العيش.

 انتخابات مجلس النواب 2018

  1. جرت الانتخابات في 12 أيار 2018 وسط تحديات كبرى كان البلد يواجهها آنذاك، وفي ظل احتدام الصراع بين الكتل المتنافسة وتشظي عدد منها وإعادة تأسيس اخرى جديدة. لكن السائد كان بناء الكتل على الأسس ذاتها، وإن أعلن بعضها عن برامج أو غيّر من تسمياته.
  2. وتجدر الاشارة إلى ان انتخابات 2018 جرت في ظل تعديلات مجحفة على قانون الانتخابات، كانت تهدف إلى إبقاء المتنفذين في مواقعهم، وإدامة هيمنتهم وسيطرتهم على مركز القرار. كما بقيت إدارة مفوضية الانتخابات قائمة على المحاصصة على الرغم من المطالبات الواسعة بتشكيلها على أسس الكفاءة والمهنية والنزاهة، وان تكون حيادية حقا في عملها وتقف على مسافة واحدة من الكتل المتنافسة. وتحت الضغط الشعبي اتخذ مجلس النواب قرارات منها اعتماد العد والفرز الالكتروني للإسراع في اعلان النتائج، بعد ان اعتُبر ان العد والفرز اليدوي يسهل مهمة المزورين والفاسدين ومن يمتلكون المال السياسي في شراء أصوات الناخبين.
  3. وبعد اعلان المفوضية النتائج الأولية للانتخابات اُثير بشأنها الكثير من الشكوك والطعون، ومن ضمنها ما يتعلق بإحراق صناديق الاقتراع في مخازن المفوضية في جانب الرصافة ببغداد لإخفاء التزوير، بالإضافة إلى الكثير من حالات التزوير في عدد من المحافظات وصفت بأنها كبيرة وواسعة. وأقدم مجلس النواب السابق، الذي فقد نحو ثلثي أعضائه مقاعدهم البرلمانية، على جملة إجراءات وسط حملة وضجيج إعلامي صاخب، شاركت فيه بعض الأطراف التي ظهر انها لم تحصل على ما كانت تتوقعه من مقاعد في البرلمان الجديد وفقدت العديد منها. ومن تلك الإجراءات القرار الذي اتخذه مجلس النواب في 28 ايار 2018، وكان نصابه وقتها موضع تساؤل، بإلغاء جزئي لنتائج الانتخابات. وعاد المجلس بعد اكتمال نصابه بصعوبة، إلى إقرار التعديل الثالث لقانون الانتخابات رقم 45 لسنة 2013 المعدل، وبموجبه أعاد العد والفرز اليدوي ليكون شاملا، فيما ألغى الانتخابات في الخارج والتصويت الخاص في الإقليم والحركة السكانية. وسبق هذا إقدام مجلس الوزراء، اعتمادا على تقرير اللجنة الخاصة المكلفة من قبله، على اتخاذ جملة من القرارات ذات الصلة. وأثار هذا كله جدلا بشأن مدى انسجام هذه المواقف والاجراءات والقرارات مع الدستور، ومع قانوني الانتخابات والمفوضية، ومع صلاحيات السلطات الثلاث. وتباينت مواقف الكتل السياسية في التعاطي مع هذه المستجدات والتطورات، وذهب البعض مسرعا نحو الدعوة إلى اعادة الانتخابات، متظاهراً بالحرص على العملية الانتخابية وشفافيتها وترصين الديمقراطية، علما ان هذه الأصوات لم تسمع سابقا في حالات مماثلة، حصلت في انتخابات سابقة.
  4. وأعلن حزبنا أن لا تزكية للعملية الانتخابية بقضّها وقضيضها، وانه على اطلاع بما حصل في بعض المحافظات وفي مخيمات النزوح وبعض بلدان المهجر، ويدرك من هي القوى التي تستطيع التلاعب والتزوير، وتتوفر على إمكانات تتيح لها ذلك. وانعكس ذلك على العديد من المرشحين ومن بينهم مرشحو حزبنا. وأكد رفض ممارسات التزوير والغش وشراء أصوات الناخبين واستخدام المال السياسي ومؤسسات الدولة واجهزتها، وإدانتها جملة وتفصيلا، سواء في تلك الانتخابات ام سابقاتها.
  5. ونبّه الحزب إلى أن ما أقدم عليه البرلمان يُعد سابقة غير محمودة النتائج، ولا توفر الأرضية السليمة والسلسة للتداول السلمي للسلطة، وستترك أثرها على الحياة السياسية في البلد. وكان يمكن معالجة الخروقات بالطرق القانونية السليمة المعتمدة، وليس باتخاذ اجراءات بعد انتهاء عملية الانتخاب والاعلان الأولي للنتائج.
  6. وجاء قرار المحكمة الاتحادية ليتضمن القبول بفقرات التعديل الثالث، فيما رُفضت الفقرات التي تخص إلغاء الانتخابات. وفي ضوئه جرت إعادة العد والفرز يدويا للصناديق المطعون فيها في كل المحافظات والخارج، بإدارة المفوضين المنتدبين (القضاة). وانتهت العملية من دون تغييرات كبيرة (6 مقاعد من أصل 329 مقعدا) على نتائج الانتخابات كما اعلنتها المفوضية المعلقة اعمالها، وفقاً للعد والفرز الالكتروني.
  7. واظهرت النتائج ان الانتخابات لم تغيّر على نحو حاسم موازين القوى، ولكنها اشّرت تغييرا معينا يوحي بأن بقاء الحال أصبح صعبا. وأنتجت الانتخابات كتلا متوسطة متقاربة في عدد مقاعدها، ما أوجب عليها الدخول في مفاوضات صعبة لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر.
  8. وكشفت النتائج أيضا، وكما جرى في انتخابات سابقة، ان التصويت والاختيار الواضح لم يحصل على اساس البرامج وما يمكن للكتل ان تقوم به، وظل متأثرا في حدود معينة كبيرة بالانتماءات الفرعية والمناطقية، فيما لعب المال السياسي والموقع الوظيفي في الدولة وامتلاك الفضائيات دورا في التأثير على توجهات الرأي العام، مثلما كانت التدخلات الخارجية واضحة أيضا في تفضيل هذه الكتلة على تلك والانحياز إلى وجوه وعناصر معينة.
  9. وكان الجانب الآخر المهم هو نسبة المقاطعين المرتفعة قياساً إلى من لهم الحق في التصويت والتي وصلت إلى 80 في المائة في عموم البلاد. وهم أساسا اتخذوا هذا الموقف تعبيرا عن التذمر والسخط على ما يجري في البلد وعلى مآلات الأوضاع السيئة، وعدم ثقتهم بالقوى المتحاصصة والفاسدة المهيمنة على السلطة وانطلاقاً من تجارب مريرة في انتخابات سابقة شابها التزوير والتلاعب الفاضح بالنتائج ومصادرة إرادة الناخبين.
  10. لقد كانت رسالة المواطنين في انتخابات 2018 واضحة في دلالاتها، اذ أكدت رفضها لمنهج الحكم ونظام المحاصصة الطائفية – الاثنية، باعتبارهما أس المشاكل والأزمات، وانه لا بد من الاستجابة لإرادة التغيير كحاجة ملحة لم تعد تتحمل التأجيل.

 تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2018

  1. وبعد الانتخابات بدأ «ماراثون» بلورة الكتلة البرلمانية الأكبر على طريق تشكيل الحكومة الجديدة. وبالنظر إلى ما افرزته من نتائج غير حاسمة بشأن موازين القوى لعدم حصول أي من الكتل الفائزة على مقاعد برلمانية كافية لتأهيلها لتشكيل الكتلة الأكبر، ومن ضمنها تحالف «سائرون» الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد، استمر الصراع بين تلك الكتل اشهراً عدة قبل تدشين عمل السلطة التشريعية وانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وتشكيل الحكومة. وفي هذا السياق ظهرت على نحو بارز وربما أكثر من أي وقت مضى، ظاهرة انتقال النواب من كتلة إلى اخرى، من دون أي اعتبار للكتل التي فازوا في الانتخابات تحت عناوينها.
  2. ورغم حالة استقطاب القوى والكتل السياسية والتحالفات التي تبلورت في كتلة الاصلاح والإعمار وكتلة البناء، لم يتمكن أي من الطرفين من القول انه هو الكتلة الأكبر، وان يحسمها لصالحه. ومن بين اسباب ذلك حالة الصيرورة والحراك والانقسام التي مرت بها معظم الكتل السياسية، بما في ذلك حالة الاختلاف الحاصل في اقليم كردستان بين قواه وأحزابه. وارتباطا بهذا، وبدلا من اللجوء إلى تحديد الكتلة الأكبر وفق تفسير المحكمة الاتحادية المثير للجدل، رفضا او قبولا، جرى اللجوء إلى التفاهمات والتوافقات بين الكتل الرئيسة، التي تعرضت هي الاخرى إلى بعض الاختلالات.
  3. وكان واضحا ان هناك من يريد الاستمرار في المنهج المحاصصي ذاته مع اجراء بعض التغييرات الطفيفة التي تطال بعض القضايا الشكلية، أي «محاصصة محسنة».
  4. وخضعت تلك العملية لعوامل شد وجذب عدة، منها التظاهرات الجماهيرية التي انطلقت في صيف 2018 وسقف مطالبها. كما رافقها شراء واسع للذمم والمناصب، ودفع الملايين والمليارات من أجل الحصول على هذا الموقع او ذاك. ولم يكن ما حصل بعيدا عن التدخلات الخارجية السافرة والفجة وسعي اصحابها إلى ترتيب البيت العراقي على وفق ما يريدون ويشتهون، وما يخدم مصالحهم هم.
  5. وفي ما يتعلق بحزبنا فإنه حدد مواصفات ومعايير الحكومة التي كان يجري العمل من أجل تشكيلها، وان تكون حكومة كفاءات وطنية عابرة للطائفية، بلا محاصصة ولا فساد، يتمتع افرادها بالكفاءة والخبرة والنزاهة. وأكد ان تحقيق ذلك يرتبط إلى حد كبير بقدرة الحراك الشعبي والجماهيري على المواصلة والضغط، وقطع الطريق امام الفاشلين والفاسدين لمنعهم من الرجوع إلى موقع القرار والحكم، على وفق المنهج السابق الولاد للأزمات. كما أعلن انه إذا لم يتحقق تشكيل الحكومة وفقا لما هو مؤشر أعلاه، فان الأبواب ستبقى مفتوحة للعمل الدستوري السلمي الديمقراطي الجماهيري المعارض، داخل البرلمان وخارجه.
  6. وبسبب حالة الانقسام وعدم التوافق بين الكتل السياسية الرئيسة، تنافس عدد من المرشحين على رئاسة مجلس النواب وعلى منصب أحد نوابه وعلى رئاسة الجمهورية، فيما حصل التوافق والدعم المتعدد لتولي عادل عبد المهدي منصب رئاسة مجلس الوزراء. وشهد تشكيل حكومته صراعا حاميا ورافق مجمل العملية الكثير من الأحاديث والأقاويل بشأن وزراء تحوم حولهم شبهات متنوعة، وحول بيع للمناصب، لكن لم يتم التدقيق في ذلك في اتجاه النفي او التأكيد وفقا للإجراءات الدستورية والقانونية.
  7. وأعلن حزبنا انه سيدعم كل اجراء تقدم عليه الدولة ومؤسساتها وسلطاتها الثلاث، ينطوي على ما فيه مصلحة للناس، وخدمة للوطن وتقدمه وازدهاره وتحقيق أمنه واستقراره وسيادته الكاملة وقراره الوطني المستقل. وانه سيعارض ما يتقاطع مع مشروعه الوطني الديمقراطي، ومع الانحياز إلى المواطنين والكادحين منهم بشكل خاص.
  8. وفشلت حكومة عادل عبد المهدي بعد تشكيلها في 24 تشرين الأول 2018 فشلاً ذريعاً في تنفيذ ما تضمنه منهاجها الحكومي من وعود، واستمر تدهور الاوضاع المعيشية وتزايد نسب البطالة والفقر وتفشي الفساد. وعندما انتفض الشعب وشبابه على وجه الخصوص في الأول من تشرين 2019، وبدلاً من الاستجابة لمطالبهم المشروعة، لجأت تلك الحكومة واجهزتها الأمنية، وفي تواطؤ مفضوح مع ميليشيات وجماعات مسلحة، إلى القمع الدموي للمنتفضين السلميين. لكنها اُجبرت مع تصاعد الانتفاضة، ورغم المحاولات اليائسة للتشبث بالسلطة، على تقديم استقالتها.

 تحالفات الحزب

  1. بيّن المؤتمر الوطني العاشر للحزب المنعقد أواخر 2016 انه أمام انسداد أفق حل الأزمة السياسية المطبقة على البلاد، وإصرار المتنفذين على نهجهم ومواقفهم، أصبح التغيير ضرورة موضوعية ملحة، وان المطلوب هو تغيير المنهج واساليب الإدارة ونمط التفكير. كما شدد على ان التغيير المطلوب لن يتحقق الاّ ببناء بديل يضع حدا لنظام الطائفية السياسية ويفتح أفقا وفضاءً لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية.
  2. واوضح المؤتمر العاشر في الوقت ذاته ان تغييرا بهذه السعة والأهمية يحتاج إلى مقاربات متعددة وانفتاح أوسع، ويحتاج إلى قوى جديدة وتحالفات قادرة على إحداث تغيير حقيقي في تناسب القوى الفاعلة، وليس إعادة انتاج نظام المحاصصة. كما أكد ان الوصول إلى دولة المواطنة والقانون والمؤسسات والديمقراطية الحقة، يستلزم نضالا متواصلا ومتراكما، وتحالفات واصطفافات مدنية وطنية عابرة للطوائف، وحشد طيف واسع من القوى الداعمة للإصلاح والتغيير.

  التحالف مع القوى المدنية والديمقراطية

  1. وحرصت اللجنة المركزية في اجتماعيها التاليين (نيسان وكانون الأول 2017) على وضع التوجهات وتحديد الآليات، الكفيلة بتحقيق الهدف المتمثل في اقامة أوسع اصطفاف مدني ديمقراطي وطني، لتشكيل تلك الكتلة الكبيرة العابرة للطوائف والقادرة على إحراز نجاحات ملموسة في انتخابات مجالس المحافظات ومجلس النواب.
  2. وانطلاقا من ذلك شدد الحزب، كما جاء في البلاغ الصادر عن اجتماع لجنته المركزية في كانون الأول 2017 «على مواصلة العمل مع التيار الديمقراطي والانفتاح على سائر القوى المدنية والديمقراطية، وهو ما تجسد في تشكيل «تحالف القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم).
  3. وتنفيذا لهذه الوجهة بذل الحزب جهداً كبيراً لتوحيد صفوف القوى المدنية والديمقراطية وتجسد ذلك في تشكيل «تحالف القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) وفي عقد مؤتمره العام ومؤتمراته المحلية في بعض المحافظات، وتوسيع صفوفه وترسيخ بنائه. وكان أن اصطدمت جهود الحزب لتوسيع «تقدم»، والانفتاح على فضاء وطني أوسع انطلاقا من التقديرات والتوجهات السياسية أعلاه، بصعوبات غير قليلة، وبرزت مواقف متقاطعة لأطرافها سواء في شأن انضمام أعضاء جدد، او في خصوص التوجه لبناء الكتلة الوطنية الكبيرة العابرة للطوائف والمناهضة للفساد والمتطلعة إلى الإصلاح.

وبصبر ونفس طويل، وحتى عشية الموعد النهائي لتسجيل التحالفات الذي حددته المفوضية العليا للانتخابات في مطلع كانون الثاني 2018، انتظرت قيادة الحزب ان يحسم بعض حلفائه في «تقدم» موقفهم من مسألة التحالف الوطني الواسع بعد تلقي دعوة من حزب الاستقامة  والتيار  الصدري لتشكيل تحالف انتخابي تحت مسمّى «عابرون» (تغير اسمه لاحقاً إلى «سائرون»). وجاء موقفهم آخر المطاف سلبيا حسب اجتهادهم الخاص، فيما كانت أطراف اخرى قد اتخذت قرارها قبل ذلك، وأصبحت عمليا خارج صفوف «تقدم».

 تحالف سائرون

  1. وامام هذه الحالة التي لم يكن حزبنا يريدها، والتي سعى إلى تلافي وقوعها حرصا على بقاء «تقدم» وعلى تماسكها وتوسع صفوفها والتوجه سوية نحو الفضاء الوطني الواسع، لم يبق له الاّ ان يحدد موقفه وفقا للآليات الديمقراطية التي يحددها نظامه الداخلي. وكانت حصيلة الاستفتاء الحزبي الداخلي الذي نظمته اللجنة المركزية تأييد أغلبية كبيرة خيار التحالف الوطني الواسع، متمثلاً في تحالف «سائرون». وذلك ما تجسد من ثم في اعلان هذا التحالف في 12 كانون الثاني 2018.

وتألف التحالف من ستة أحزاب: الحزب الشيوعي، حزب استقامة، حزب التجمع الجمهوري، حزب الشباب للتغيير، حزب الدولة العادلة، حزب الإصلاح والتغيير. وجاءت قائمة سائرون في الموقع الأول في الانتخابات بحصولها على 54 نائبا، من بينها مقعدان لحزبنا، فيما فشلت أطراف سائرون الأخرى في الحصول على أي مقعد.

  1. وإذ وافق الحزب على المشاركة في تحالف سائرون فانه اكد حرصه الدائم على مواصلة وإدامة علاقاته مع القوى والشخصيات المدنية والديمقراطية وقوى التيار الديمقراطي وأطره، معبّرا عن أسفه لعدم حصول قناعات لدى بعضها في خوض الانتخابات معاً في إطار سائرون، واختارت أطرا انتخابية اخرى. واشار إلى ان هناك مساحة واسعة من المشتركات التي يمكن العمل فيها سوية، وتطويرها بأشكال وصيغ متعددة.
  2. وأدى الضغط في عامل الوقت إلى عدم توفر الفسحة الزمنية اللازمة لمواصلة وتوسيع دائرة النقاش داخل حزبنا وبينه وبين القوى والأحزاب المدنية الأخرى لانضاج الموقف ولخلق قناعات مشتركة، ما كان له آثار سلبية لاحقة على مجمل عملية التحالف وفهم مرتكزاتها السياسية والفكرية كونها تتعلق بتحالف سياسي - انتخابي بين قوى مختلفة أيديولوجيا على أساس برنامج واهداف مشتركة محددة، تبلورت خلال اشتراكها في الحراك الشعبي والتظاهرات التي امتدت لقرابة سنتين، ولا يشمل الميدان الأيديولوجي إذ يظل كل حزب أو طرف متمتعا بكامل استقلاليته في التعبير عن فكره والترويج له.
  3. وتجدر الاشارة إلى ان تحالف سائرون لم ينبثق فجأة ومن دون مقدمات، بل جاء كإحدى ثمرات الحراك الشعبي والاحتجاجي، الذي انطلق في تموز 2015 واستمر بمشاركة واسعة من المدنيين، ومنهم الشيوعيون وأصدقاؤهم، وكذلك طيف واسع من المواطنين ومن التيار الصدري. ففي مجراه نشأت وتوطدت في ساحات الاحتجاج وفي فعاليات الحراك، علاقات تعاون وتنسيق وتوافق على شعارات ومطالب مشتركة، تدعو للإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد وتوفير الخدمات وتخفيف معاناة الفئات الشعبية، واقامة دولة المواطنة - الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية.
  4. وقام تحالف سائرون على أسس برنامجية، منها: القضايا الوطنية ومكافحة الفساد وتحقيق المطالب الشعبية وتبني إقامة الدولة المدنية واعلاء شأن المواطنة، اضافة إلى قضايا ذات صلة بالعدالة الاجتماعية.
  5. لقد انبثق أساساً بين الحزب الشيوعي وقوى سياسية مدنية أخرى من جهة، وحركة سياسية واجتماعية شعبية واسعة ذات فكر إسلامي من جهة أخرى. وكان يتمتع بقدرة تعبوية كبيرة وإمكانية تطوير العلاقة ومضامينها السياسية والبرنامجية في حال تم تعزيز المشتركات وتعميقها، وتفعيل قواعد عمل التحالف المتفق عليها وآلياته.
  6. وكان حزبنا يدرك جيداً ان توسيع دائرة المشتركات يتطلب جهودا مثابرة وصبورة، وحرص كل الأطراف المعنية على تنمية ذلك، مع إمكانية حصول اختلافات في وجهات النظر والتقدير في هذا الموقف او ذاك.
  7. إلاّ أن مجريات عمل سائرون أشّرت (كما جاء في البلاغ السياسي عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب في 4 - 5 حزيران 2020) حقيقة انه لم يحصل ارتقاء بالعمل إلى مستوى ما عُلّق عليه من آمال، وما يجسد بشكل مقنع أهدافه البرنامجية، وبضمنها في المحاور والملفات التي كان يُنتظر من تحالف سائرون أن يكون مبادرا ومحركا رئيسا فيها. ومن ذلك ما يتعلق بقضايا الاصلاح وتشريعاته وخطواته، وتجاوز التقاسم المحاصصي للمناصب العليا في الدولة، وتشريع قانون انتخابي عادل ومنصف، وتجهيز ملفات الفساد، والممارسة الفعالة للدور الرقابي واستخدام ادواته البرلمانية لمحاسبة الفاسدين.
  8. ان التحالف لم يؤثر على مواقف حزبنا من تلك القضايا التي كان له فيها رأي خاص، كما ان الحزب عمل من أجل أن تكون الأفعال متطابقة ومنسجمة مع أولويات برنامج سائرون الإصلاحي. ومن ذلك مثلا الموقف من التعديلات الاقصائية لقانون انتخابات مجالس المحافظات التي رفضها حزبنا، وفي شأن مفاوضات وتوزيع مناصب الوكالات والدرجات الخاصة على أسس تحاصصية لا تمثل قطيعة مع الممارسات السابقة لها. وكان لحزبنا، أيضا، موقفه الخاص بشأن قانون انتخابات مجالس المحافظات وقانون المحكمة الاتحادية. كما ان غياب النشاطات والفعاليات السياسية المشتركة لأطراف تحالف سائرون على المستوى الجماهيري، وضعف الترويج لبرنامج التحالف، جعل واقع حال التحالف لا ينسجم مع برنامجه، ومع الآمال التي علقت عليه.
  9. كما برزت تقاطعات سياسية أخرى في الموقف من تشكيل الحكومة المؤقتة وآليات تحقيق ذلك. واتخذ الحزب موقفا واضحا منحازا إلى مطالب المنتفضين ودان اي مسعى، من اي جهة، لإلحاق اي ضرر او أذى بهم. وبرزت أيضا على نحو بيّن التباينات في ترتيب الأولويات السياسية العامة.
  10. ونشير إلى ان برنامج سائرون وما أشّره من مهام وتطلعات بقي متقدما على الممارسة الفعلية للتحالف. كما غابت اجتماعات هيئته القيادية، ولم يكن هناك حرص على التشاور المطلوب وخصوصا في مواقف مهمة وحساسة. ولا بد من الإقرار بأنه كانت هناك نقاط ضعف جدية في إدارة التحالف.
  11. وحرص الحزب على تأكيد الاستقلالية الفكرية والسياسية والتنظيمية، وواصل طرح وجهات نظره الخاصة ومواقفه المستقلة.
  12. وعلى خلفية اتجاهات تطور التحالف وعمله وادائه، باتت الإيجابيات المتوقعة لهذا التحالف تنحسر، علما أنه لم يغب عن الحزب مطلقا حقيقة أن التحالف هو وحدة وصراع، وتتم إدارة الصراع في اطار التحالف طالما كانت المحصلة تميل لصالح الإيجابيات على المستويات السياسية وتحقيق تقدم ومنجز وطني واجتماعي واقتصادي باتجاه التنمية والعدالة الاجتماعية، وأن الحزب يمتلك حرية القرار في الاستمرار في التحالف أو الخروج منه.
  13. وهذا ما حصل فعلا ففي مجرى الانتفاضة الشعبية، قدم ممثلا الحزب في مجلس النواب في 27 تشرين الأول 2021، استقالتهما تضامنا ودعما للانتفاضة، واحتجاجا على القمع ضدها وعجز مجلس النواب عن فعل مؤثر لدعم مطالبها وإيقاف القتل الممنهح ضد المنتفضين. وبهذا لم يعد الحزب ممثلا وعضوا في الكتلة النيابية لسائرون.
  14. ان تحالف سائرون وأسسه البرنامجية تجربة مهمة في تاريخ بلادنا السياسي، وجديرة بالتوقف الموضوعي عند كافة جوانبها وهي التي مثلت لقاء نوعيا بين أطراف مدنية واخرى إسلامية التوجه، ساهم في تبديد بعض التصورات الخاطئة والمواقف الاقصائية الشائعة في اقسام شعبية غير قليلة من المجتمع إزاء المدنيين، والشيوعيين على وجه الخصوص، وفي كسر بعض الحواجز السياسية والثقافية والنفسية القائمة بينهم وبين المتدينين، وفي السعي إلى تكريس ثقافة القبول بالاختلاف في الفكر. ذلك ان تحالف سائرون قام بالأصل على احترام الاستقلالية الفكرية والسياسية لكل طرف، والعمل على أساس المشتركات السياسية التي تضمنها برنامج التحالف.
  15. ولم يكن التحالف في إطار سائرون عائقا امام الحزب لمواصلة جهوده من أجل تطوير التعاون والتنسيق مع القوى والشخصيات المدنية والديمقراطية والسعي لتحقيق وحدة عملها.
  16. وأكد الحزب انه إذ لم يعد سائرون بالنسبة له قائما كتحالف، كما نشأ عشية انتخابات 2018، فإنه يحرص على إدامة علاقاته مع مختلف الأحزاب والقوى الوطنية، وعلى نحو متكافئ ويحترم استقلالية كل طرف والحق في الاختلاف والتباين في الموقف والأسلوب وآليات العمل. وهذا يشمل القوى الوطنية، التي يتقاسم معها الحزب مواقف ورؤى معينة، مع الاحتفاظ بحق الاختلاف والتباين السلمي الديمقراطي.
  17. وأحد اهم الدروس في تجربة سائرون ان هناك قضايا معينة يمكن التنسيق والتعاون بشأنها، من دون دفع ذلك إلى أطر تحالفية، لأنها تحتاج إلى مقاربات أخرى لها علاقة بمنهج الأداء السياسي وطبيعة الأطراف ونمط ادارتها، ولا يكفي في هذا الشأن تشابه المنحدر الاجتماعي لطبيعة جمهور القوى المتحالفة.

 أداء الحكومة المؤقتة ومجلس النواب

  1. جاءت حكومة الكاظمي (أيار ٢٠٢٠) في ظروف محتدمة، بعد الفشل في تمرير مرشحين آخرين بسبب إصرار الكتل المتنفذة على نهج المحاصصة، وكمحصلة لتوازن القوى ولتوافقات داخلية وخارجية، وتشبث كتل عدة بالمحاصصة الطائفية والاثنية والمناطقية، وتدخلات خارجية جمة في الشأن العراقي، من دون اغفال للحقائق التي فرضتها انتفاضة تشرين ٢٠١٩ وعموم الحركة الاحتجاجية.
  2. وجرى على نطاق واسع اعتبارها حكومة انتقالية بمهام محددة، تتلخص أساسا في تهيئة ظروف مناسبة لإجراء الانتخابات المبكرة العادلة، والاستجابة إلى مطالب المنتفضين وبضمنها تقديم قتلة المنتفضين السلميين إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، ووقف الاغتيالات وعمليات الاختطاف وكل الملاحقات ضدهم، والتصدي لجائحة كورونا والتخفيف عن كاهل المواطنين عموما وخاصة منهم الكادحون والفقراء وذوو الدخل المحدود، واتخاذ خطوات جادة وملموسة للتصدي للفساد المستشري، وتدشين عملية تفكيك الدولة العميقة، والتطبيق الفعلي لمطلب حصر السلاح بيد الدولة ممثلة بالقوات الامنية الرسمية الدستورية، واجهاض خطط ومشاريع الإرهابيين، والحفاظ على سيادة الدولة العراقية وتأمين استقلالية القرار الوطني العراقي ومنع التدخلات الخارجية في شؤون بلدنا.
  3. وأعلن الحزب انه سيكون داعماً لخطوات الحكومة التي تلبي فيها المطالب العادلة لانتفاضة تشرين، وما يستجيب لهموم وتطلعات الناس والكادحين والفقراء ومصالح الشعب والوطن العليا، فيما نقف معارضين لغيرها.
  4. وعكس ما انجز من منهاجها الحكومي وخطواتها الإمكانات والمساحات التي يمكن لها التحرك فيها، والتوازنات التي تحكم إجراءاتها. وظهر جليا ان يديها غير طليقتين تماما في تنفيذ ما تعلن من توجهات ومشاريع، وهي غير جادة في متابعة تنفيذ بنود وفقرات ما ألزمت نفسها به. فيما عكست خطوات اخرى أقدمت عليها أنها غير مدروسة كفاية، ولَم توفر المستلزمات الضرورية واللازمة للمضي بها إلى النهاية.
  5. واذ لا يمكن فصل عمل الحكومة عن مقدمات مجيئها، وعن نهج الحكم وأزمته المستعصية والظروف الاقتصادية والمالية والصحية والسياسية التي رافقتها، واجواء عدم الثقة بين الدولة ومؤسساتها والمواطنين وبينهم وبين الكتل السياسية المتنفذة، فان عملها اظهر حالة التردد وعدم الوضوح والحزم.
  6. ولم تقدم الحكومة على خطوات فعلية تطمئن المواطنين ولم تستجب للمطالب العادلة للمنتفضين والمساهمين بالحراك الاحتجاجي كما وعدت. وكان في إمكان الكاظمي الإقدام على خطوات أكثر حزماً بعد تغييرات قام بها في بعض الأجهزة الامنية والعسكرية. ورغم فشل الحكومة في تنفيذ وعودها فإنها لا تزال مصرة على مواصلة ذات النهج الخاطئ والسياسة الاقتصادية التي عمّقت التفاوت الاجتماعي والهوة بين الغنى الفاحش للأقلية الحاكمة المترفة والفقر المدقع وشظف العيش الذي تعاني منه الغالبية الساحقة للشعب.
  7. ومن جانب آخر فان عمل مجلس النواب اتسم بالمماطلة والتسويف في الإقدام على تشريعات تصب في مصلحة عامة الشعب، منها تشريع قوانين للضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، وتلبي مطالب الحركة الاحتجاجية والمنتفضين، فيما سارع اعضاؤه إلى تمرير ما يلبي مصالح القوى المتنفذة وكتلها. وكان ما اتخذه من قوانين او قرارات في غالبيتها هامشية او ثانوية. نشير هنا أيضا إلى حالة التأويل والانتقائية لمواد الدستور والخروج عن روحها ومضمونها وبقاء العديد منها معلقا جراء العجز في تشريع القوانين المطلوبة، او لاجتهادات تفرضها موازين القوى داخل مجلس النواب.
  8. وتميز أداؤه الرقابي بضعف واضح، وهذا يشمل أداء لجان المجلس عموما رغم التفاوت بينها. لقد انشغل مجلس النواب عموماً بالصراعات السياسية والتخادم التحاصصي، وابتعد كثيرا عن دوره المنصوص عليه دستورياً، التشريعي والرقابي. كما انه فشل في استقدام ومحاسبة اي مسؤول تسبب في قتل المنتفضين، ولم تستطع اي من لجانه او نوابه كشف ملف فساد او استجواب مسؤول حكومي سوى ما يقل عن اصابع اليد الواحدة. واللافت هو هذا الشلل في طور المجلس الرقابي، وهذا ليس بعيدا عن مصالح الكتل المتصارعة الممثلة فيه.

لقد تحول كثيرون من أعضاء مجلس النواب بالفعل إلى أعضاء مجلس بلدي وانشغلوا عن المسؤولية الرئيسية لهم بالانغماس في الفساد وكسب النفوذ والاصوات. وهذا ما أرادته الكتل المتنفذة المتحاصصة بأن لا يكون لمجلس النواب واعضائه دور في الحراك السياسي والتشريعي الاّ عبر رؤساء الكتل السياسية. وتجسّد ذلك في تمرير قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020.

 انتخابات «مبكرة» وقانون انتخابي جديد

  1. وفي الوقت الذي كانت الانتخابات «المبكرة» تعد مطلبا أساسيا لانتفاضة تشرين باعتبارها الطريق السلمي والدستوري لتدشين عملية التغيير وإحداث اصطفاف جديد في مجلس النواب، يعكس الإرادة الحرة لشعبنا والناخبين وخياراتهم، جرت المماطلة والتسويف اذ تم تأجيلها إلى 10 تشرين الأول 2021، ولذا فإنها لم تعد انتخابات مبكرة.
  2. ولإجراء انتخابات بهذه الأهمية وتُعلق عليها آمال كبيرة، كان لا بد من توفر شروط ومعايير تومّن لها ان تكون حرة وعادلة ونزيهة ومعبرة بصورة حقيقية عن إرادة الناخبين – المواطنين. ولذا جاءت المطالبة بإصلاح كامل المنظومة الانتخابية: قانون انتخابات منصف وعادل، ومفوضية انتخابات كفوءة ومستقلة فعلا في مركزها وفي كافة مكاتبها واقسامها ودوائرها، وتوفير المستلزمات اللوجستية (السجلات الانتخابية، البطاقة البايومترية وغيرها)، والاشراف الدولي الفاعل، وتعديل قانون المحكمة الاتحادية، إلى جانب توفير أجواء آمنة ومستقرة، بعيدا عن قرقعة السلاح وتغوّل المليشيات، والتطبيق الحازم والفاعل لقانون الأحزاب السياسية، خاصة منع مالكي السلاح والفاسدين ومن صدرت احكام قضائية بحقهم من المشاركة في الانتخابات، وتقنين عملية تمويل الحملات الانتخابية، ومحاصرة المال السياسي.
  3. وبعد جدل واعتراضات وخلافات أقر مجلس النواب القانون الجديد للانتخابات، رقم 9 لسنة 2020، معتمدا الدوائر المتعددة بعد ان كانت المحافظة دائرة انتخابية واحدة.
  4. ويمكن ان تدفع هذه التعديلات باتجاه تغذية التقوقع الطائفي والقومي والمناطقي والعشائري على حساب الاعتبارات ذات البعد الوطني، وتفسح في المجال لهيمنة أصحاب السلاح والمال السياسي والنفوذ.
  5. ان اعتماد هذه الدوائر بحد ذاته لا يستند إلى معايير وأسس واضحة، وهو يختلف من محافظة إلى أخرى، وواضح ان القانون فُصّل على مقاسات الكتل المتنفذة، وفي توزيع الدوائر أيضا.
  6. وقد اوجد اعتماد هذه الدوائر إشكالات فنية ولوجستية عديدة في ما يتعلق بالسجل الانتخابي والبطاقة التموينية.
  7. كما أن القانون ألغى القوائم مستبعدا التمثيل النسبي لصالح الترشيح الفردي والفائز بأعلى الأصوات، من دون أن يتضمن اية ضوابط وآليات تضمن التمثيل الواسع للنائب الفائز وعدم اقصاء ممثلي شرائح اجتماعية وتيارات فكرية وسياسية مؤثرة في المجتمع.
  8. وكمثال على ما يعنيه اعتماد نظام «الفائز بأعلى الاصوات»، بدلاً من التمثيل النسبي، من انتهاك كبير لحقوق الناخبين بمصادرة اصواتهم، قد لا يحتاج الفائز في دائرة انتخابية يبلغ عدد المصوتين فيها 100 ألف ناخب سوى 10 آلاف صوت، بسبب كثرة المرشحين وتوزع اصواتهم. وهو ما يعني إهدار وعدم احتساب الاصوات المتبقية، أي 90 ألف صوت!
  9. ولَم يتم أيضا تجاوز إشكاليات التصويت الخاص، وتحديد ملموس لشكل وطريقة انتخابات المواطنين العراقيين في الخارج، التي الغيت بقرار من مفوضية الانتخابات، بينما جرى رفضه على نطاق واسع، وعدّ مخالفا للدستور وحق العراقيين جميعا، في الداخل والخارج، في المشاركة بالانتخابات.
  10. ودعا حزبنا إلى اعتماد المحافظة على الاقل دائرة انتخابية واحدة، وتوزيع المقاعد وفقا للباقي الأقوى او سانت ليغو الأصلي. وأكد في الوقت نفسه ان نظام التمثيل النسبي واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة هو النظام الانتخابي الافضل، اذ يعزز الهوية الوطنية. كما انه الطريقة المثلى لتجسيد مبدأ مشاركة المرأة بنسبة لا تقل عن 25 في المائة.
  11. ومع تعمق الأزمة السياسية والاجتماعية، وفي ظل الأجواء المعقدة والمثقلة بالأزمات والمخاطر، وتصاعد عمليات الاغتيال والاختطاف والترويع التي تستهدف نشطاء الانتفاضة والحركة الاحتجاجية وافلات المجرمين من العقاب، اضافة إلى تفشي الفساد وعدم محاسبة رؤوسه، وتردي الأوضاع المعيشية للناس، خصوصا الكادحين، بفعل تزايد الفقر والبطالة وغياب الخدمات الأساسية، لم يعد الحديث عن توفير أجواء مؤاتية لإجراء انتخابات حرة نزيهة سوى وهم تفضحه الوقائع اليومية المأساوية ومعاناة الملايين المريرة.

 مقاطعة الانتخابات

  1. وانطلاقا من ذلك جاء اعلان الحزب تعليق المشاركة في انتخابات تشرين الأول، في بيان اللجنة المركزية الصادر في 9 ايار 2021، حيث اعتبر أن مشاركته لا يمكن أن تتم دون توفر الشروط الضرورية لضمان اجراء انتخابات نزيهة عادلة نريد لها، انسجاما مع ما عبرت عنه إرادة انتفاضة تشرين، ان تكون رافعة للتغيير المنشود. وأكد الحزب أنه ما لم تتوفر بيئة انتخابية آمنة، عبر قانون انتخابات عادل ومفوضية انتخابات مستقلة حقا، واجراءات تمنع استخدام المال السياسي، وتوقف انفلات السلاح، وتحاسب رؤوس الفساد، وما لم تتم الاستجابة لمطالب المنتفضين العادلة والكشف عن منفذي أعمال الاغتيال ومن يقف وراءهم.. ما لم يتحقق هذا فإن المشاركة في الانتخابات لن تكون سوى عملية اعادة انتاج للمنظومة السياسية ذاتها، منظومة المحاصصة والفساد، ولاّدة الأزمات والمآسي.
  2. وارتباطا بذلك واستجابة لتطورات الواقع، قررت اللجنة المركزية العودة إلى تنظيمات الحزب، لاتخاذ قرار جماعي عبر استفتاء اعضائه كافة بشأن المشاركة في الانتخابات او مقاطعتها. وقد تم ذلك بالفعل اوائل تموز 2021، وجاءت نتائج الاستفتاء الذي كان تجسيدا للممارسة الديمقراطية الداخلية، مؤيدة المقاطعة بأغلبية واضحة.
  3. وأكد الحزب ان مقاطعة الانتخابات في ظل الأزمات الخانقة الراهنة لا تستهدف العملية الانتخابية كممارسة ديمقراطية، وأنها بالنسبة إلى الشيوعيين أحد أساليب العمل السلمي من أجل التغيير، الذي يستدعي الجمع بين كل أشكال الكفاح الجماهيري والسياسي والفكري والاقتصادي. كما انها ترتبط كشكل من أشكال الكفاح، بالهدف الواضح للحزب في التغيير الرامي إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية.
  4. وعندما دعا الحزب إلى المقاطعة فإنما كان يدعو إلى تغيير المسار السياسي بالقطيعة مع نهج المحاصصة والطائفية السياسية، الذي قامت عليه العملية السياسية المأزومة، وتحقيق الديمقراطية التي يهددها من يلجؤون إلى المال السياسي والسلاح المنفلت والتزوير واشاعة ثقافة الفساد، ومن يلتفون على أية امكانية لإنقاذ البلاد من الهاوية التي تنحدر نحوها.
  5. ومن خلال المقاطعة دعا الحزب جماهير شعبنا المكتوية بنار المحاصصة والفساد، وعوائل شهداء انتفاضة تشرين وقادتها الشجعان وشبابها الابطال وكل داعميها الوطنيين، ودعا سائر قوى الشعب الحية وكل من يعز عليهم مستقبل البلاد ووجهة تطورها الاجتماعي السلمي، إلى توحيد الجهود والنضال من أجل اصلاح كامل المنظومة الانتخابية، وسن قانون انتخابي عادل، وتحقيق شروط اجراء الانتخابات النزيهة، التي تعبر فيها أوسع جماهير الشعب عن ارادتها الحرة، دون تلاعب وتزوير، في اختيار ممثليها الوطنيين الحقيقيين.
  6. ومع اعلان قرار مقاطعة الانتخابات أهاب الحزب بمنظماته ورفاقه وأصدقائه ان يعملوا بنشاط على تفعيل الحراك الجماهيري، وتصعيده وتنويع أساليبه السلمية في مواجهة التحديات، والانفتاح على أوسع الجماهير والسير في طليعتها، دفاعا عن حقوقها وحرياتها، وتحفيزا لكفاحها من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
  7. ان الانتخابات المبكرة كان يراد منها ان تكون إحدى الروافع المهمة للخلاص من منظومة المحاصصة والفساد، وازاحة جميع المسؤولين الذين أوصلوا العراق إلى حافة الهاوية. وشدد الحزب على ان عدم تأمين متطلبات اجراء انتخابات عادلة ونزيهة وذات صدقية، سيقود إلى تفاقم السخط والتذمر الشعبيين، وتزايد اعداد المواطنين العازفين عن المشاركة في الانتخابات، ومن شأن فقدان ثقة الشعب بإمكانية التغيير السلمي الديمقراطي عبر الانتخابات أن يعرض البلاد إلى مخاطر جسيمة، وهو ما ستتحمل مسؤوليته القوى المتنفذة بإصرارها على عدم تلبية مطالب المنتفضين وغالبية أبناء الشعب، وتطلعهم إلى انتخابات حرة نزيهة وعادلة.

 من دلالات انتخابات تشرين الأول 2019

  1. في أجواء خلت من تأمين مستلزماتها ومتطلباتها، جرت الانتخابات في (10) تشرين الثاني بعد سنتين من المطالبة بها. وكما كان متوقعا فقد تميزت بمقاطعة واسعة، رغم التحشيد الواسع لها، داخليا وخارجيا، واللجوء الى اثارة العواطف والتجييش الطائفي والمناطقي والعشائري، ودغدغة مشاعر المواطنين الدينية، فيما كان هناك استخدام واسع للمال السياسي ولموارد الدولة ومؤسساتها وشراء الأصوات وبطاقات الانتخابات.
  2. واظهرت النتائج ان نسبة المشاركة، التي اعتبرتها جهات ومؤسسات دولية يركن اليها الأدنى منذ عام 2005، وهي في كل الاحوال أدنى من النسبة الرسمية المعلنة، جاءت لتؤكد صحة التوقعات بشأن عمق الهوة الفاصلة بين الشعب ومنظومة الحكم، وانعدام ثقة الناس بقدرة هذه المنظومة على رسم وتطبيق نهج سياسي، يستطيع تغيير الواقع المأساوي القائم.
  3. ومن جانب آخر، وعلى الرغم من بعض الاجراءات الايجابية التي اتخذتها مفوضية الانتخابات، مترافقة مع دور القوات الأمنية في تأمين أجواء انتخابية أكثر أمنا، بما سد بعض منافذ التزوير، فان حقائق ووقائع كشفت عن خروقات في العملية الانتخابية وثغرات جدية في عمل المفوضية.
  4. وكان أبرز ما أفرزته الانتخابات بنتائجها المعلنة، أنها سحبت التأييد من بعض القوى المتنفذة، ومنحت حصة لمستقلين وتشرينيين، وان هذا جاء مصداقا لحقيقة أن الانتفاضة ما زالت فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي.
  5. كما انه عكس بوضوح الرسالة البليغة التي وجهها الملايين من أبناء الشعب الى القوى المتنفذة الحاكمة، من خلال المقاطعة التي بقيت واسعة، رغم كل ما بُذل من جهود وضغوط ومناشدات من طرف قوى مختلفة. ومما له دلالة عميقة أن القوى المقاطعة شملت فئات اجتماعية مختلفة، أي أنها كانت عابرة للحدود الطائفية والاثنية.
  6. وفي خضم الأوضاع القائمة المتحركة والتفاعلات والتدخلات الخارجية المحتملة، يتوجب تأكيد حقيقة أن تغليب التفاهمات والتوافقات في سياق منهج المحاصصة ذاته، لا بد أن يؤدي الى تخادمات متقابلة لن تعني سوى تكريس الأزمة العامة المستعصية، وتعظيم حالة السخط الشعبي جراء ذلك.
  7. وبشأن تشكيل الحكومة الجديدة فقبل كل شيء تتوجب الإجابة على الأسئلة الملحة حول ماهية هذه الحكومة، وتركيبتها، ومشروعها، وبرنامجها، وقدرتها على إجراء أية إصلاحات جدية. علما ان تشكيل هذه الحكومة بات ضروريا أن ينطلق من مبدأ الأغلبية السياسية، وان يجسد حقيقة الرسالة البليغة التي وجهها ملايين العراقيين الى القوى المتنفذة الحاكمة بمقاطعتهم وعزوفهم عن المشاركة في الانتخابات. 
  8. وقد بيّن سير عملية الانتخابات أن الحاجة مازالت قائمة وملحة لاصلاح المنظومة الانتخابية، بما يبعدها عن المحاصصة ويجعلها أكثر استقرارا ومهنية وكفاءة، وأقدر على حفظ أصوات الناخبين وخياراتهم، وتأمين انتخابات حرة ونزيهة.
  9. من ناحية أخرى فان وجود كتلة في البرلمان متمسكة بخيار التغيير، وساعية الى تحقيق أهداف الانتفاضة، يمثل نجاحا يأتي كثمرة لانتفاضة تشرين الباسلة وللضغط الشعبي المتعاظم الذي تمثل المقاطعة أحد أبرز تجلياته، فضلا عن دور عدد من المرشحين الفائزين وجهودهم التي أكسبتهم ثقة الناس. ومن المؤكد أن تأثير كتلة كهذه يكون أكبر اذا ما نسقت عملها مع الحراك الاحتجاجي خارج البرلمان، وهو ما يتعين على دعاة التغيير القيام به، وتوحيد جهودهم على أرضية المطالب الشعبية لاحداث التغيير المنشود.
  10. لقد بات جليا أنه ما من اصلاح وتغيير من دون إنهاء نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، ومحاربة الفساد، وتلبية حاجات الناس الأساسية، ومن دون الكشف عن قتلة المتظاهرين ومن يقف وراءهم وانزال القصاص العادل بهم، الى جانب انهاء السلاح المنفلت وضمان السيادة الوطنية. فهذا وحده هو السبيل الى تحقيق التغيير الشامل، واقامة البديل المتمثل بدولة المواطنة والقانون والمؤسسات والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.

 الأوضاع في إقليم كردستان والعلاقة مع الحكومة الاتحادية

  1. يعيش إقليم كردستان منذ سنوات أوضاعا صعبة وتعقيدات سياسية وأزمات اقتصادية واجتماعية حادة. وهذا ليس بعيدا عن الوضع العام المتردي في العراق ككل، وما يواجهه من تحديات ومن حالات استعصاء، إلى جانب التدخلات الخارجية في شؤون الاقليم.
  2. وإلى جانب العوامل الذاتية التي فاقمت الأزمات في الاقليم، ومنها سوء آلية الإدارة والتخطيط السياسيين، واستشراء الفساد، والصراعات السياسية بين الأحزاب الكردستانية، هناك عوامل موضوعية أخرى ساهمت في تعقيد الأوضاع، أبرزها إشكالية العلاقة مع الحكومة الاتحادية.
  3. إلى جانب هذا، شهد إقليم كردستان تطورات في مجال الاعمار والبنى التحتية، فضلاً عن أن الإقليم يتمتع باستقرار أمني نسبي يؤهله لمزيد من التقدم. لكن غياب الاستقرار السياسي والتوجهات الاقتصادية السليمة، فضلاً عن قمع التظاهرات ومنعها، من شأنها ان تؤدي إلى حالات من الاحتقان الاجتماعي ورفع وتيرة التذمر والسخط، وبالتالي تكدير الأوضاع العامة في الإقليم، وهو ما يحصل بين فترة وأخرى.
  4. فالإنجازات التي حققها الاقليم خلال السنوات الماضية لا تنفي ضرورة اجراء مراجعة نقدية لثغرات وإشكاليات تجلت في الصراع على السلطة داخل الاقليم، وفي استشراء الفساد، وحالة التفاوت في توزيع الدخل، وسوء استخدام السلطة، وعدم استكمال توحيد ادارتي اربيل والسليمانية، والتدخل الحزبي المفرط في شؤون الإدارة والعمل الحكومي.
  5. وتتأثر الصراعات الداخلية في الإقليم بعوامل محلية واقليمية، وتهديدات وتدخلات مباشرة من دول الجوار بينها العدوان العسكري التركي والقصف الايراني لأراضي الاقليم بشكل يكاد يكون دورياً. فيما يتسم الوضع في المناطق المشمولة بالمادة 140 باحتقانات جدية، ومسعى واضح من جانب القوى الإرهابية والشوفينية وذات النزعات القومية الضيقة لتأجيج الاوضاع.
  6. وتُعد الأزمة الاقتصادية في جوهر الإشكاليات والصعوبات التي يعاني منها. فبعد سنوات من الاستقرار الاقتصادي والأمني، عانى الإقليم بعد عام 2014 تداعيات الحرب ضد تنظيم «داعش»، ثم أعقب ذلك انهيار اسعار النفط في النصف الثاني من ذلك العام. وبدأت بوادر الأزمة الاقتصادية في الاقليم تتشكل بالتزامن مع قرار الحكومة الاتحادية إيقاف صرف رواتب موظفي الاقليم، على خلفية النزاع على واردات النفط والمنافذ الحدودية.
  7. وتجاوزت مديونية الإقليم 27 مليار دولار في العام 2020، فيما تعلن حكومة الإقليم بانها غير قادرة على دفع رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين بشكل منتظم، وأصبحت هذه الرواتب رهينة لمبيعات النفط وايرادات الاقليم، بسبب طبيعة اقتصاده الريعي. وجرى تقليص الرواتب بنسبة تتراوح بين 15 في المائة إلى 25 في المائة.
  8. وحسب دراسة «مركز الدراسات المستقبلية» فان عائدات النفط تشكل 34 في المائة من ايرادات إقليم كردستان. وتأتي نسبة 42 في المائة (غير ثابتة) منها من الموازنة المالية الاتحادية، وهي موارد مستحصلة من النفط أيضا. وهذا يعني أن حوالي 76 في المائة من مصادر ايرادات الإقليم تعتمد على النفط بشكل مباشر أو غير مباشر.
  9. ووفقا للأمم المتحدة، تضاعفت مستويات الفقر في إقليم كردستان منذ عام 2018، وبات نحو ثلث العائلات في الاقليم يحصلون على أقل من 400 دولار شهريا. وأدت جائحة كورونا إلى تعميق الأزمة الاقتصادية مع ارتفاع معدلات البطالة. ومن التحديات الأخرى التي يواجهها الاقليم عدد النازحين داخليا من محافظات أخرى في العراق والمقيمين في مخيمات، ويتجاوز نصف مليون نازح، بالإضافة إلى أكثر من 250 ألف لاجئ من سوريا.
  10. وجراء تلك الأزمة الاقتصادية وتزايد الاستياء والتذمر الشعبيين نشطت الحركات الاحتجاجية في الإقليم خلال السنوات الماضية، وشهدت كردستان أعنف احتجاجات في كانون الأول 2020، حيث تصاعدت التظاهرات في مدينة السليمانية وجرى حرق مقار احزاب ومؤسسات أمنية، ونتج عن الصدامات مع القوات الأمنية سقوط عدد من الشهداء وعشرات الجرحى. ورغم ان السبب الظاهري لتلك الاحتجاجات هو تأخر دفع رواتب الموظفين، لكن جوهرها يكمن في سنوات من سوء الإدارة والفشل في تنويع الاقتصاد وانتهاج سياسة تنموية واضحة. ورافق هذا الوضع استمرار انتهاك الحريات وقمع المتظاهرين وترويع الصحفيين.
  11. إن معالجة الأزمة الراهنة تتطلب القيام بإصلاحات سياسية تعزز الديمقراطية وتضمن للمواطنين حرية التعبير والاحتجاج، وممارسة الشفافية في الكشف عن الإيرادات والنفقات العامة، وخاصة في مجالات النفط والغاز وواردات الكمارك والمنافذ الحدودية، والتصدي بحزم لمظاهر الفساد، وإنهاء مظاهر نظام الإدارتين السابق، وخصوصا في مجال قوات البيشمركة والأمن، والتركيز على البناء المؤسسي.
  12. والحاجة قائمة أيضا إلى وضع سياسة اقتصادية جديدة، بعيداً عن شروط صندوق النقد الدولي ونهج الخصخصة المطلقة وتكريس الاقتصاد الريعي الأحادي الجانب، وبما يحقق تنويع قاعدة الاقتصاد وتوظيف العوائد النفطية لأغراض الاستثمار والتنمية ومكافحة البطالة.

 العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم

  1. ظلت علاقة حكومة الإقليم بالحكومة الاتحادية خاضعة للتجاذبات السياسية، وبعيدة عن الأسس التي رسمها الدستور العراقي. واتسمت العلاقة في كثير من الأحيان خلال السنوات الماضية بالجفاء والتشنجات، ما القى بآثارها شديدة الوطأة على مواطني الإقليم، وعلى العراقيين عموما، حيث أدت إلى ازدياد النزعات القومية والطائفية.
  2. ومن أبرز نقاط الخلاف بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية حصة الإقليم في موازنات الدولة. فأصبحت هذه الحصة رهينة للعلاقات السياسية الهشة بين الطرفين، وليست قائمة على التزامات متبادلة استراتيجية وثابتة على وفق الدستور. وهو ما يجعلها عرضة لمخاطر الإيقاف والقطع بناء على التجاذبات السياسية.
  3. ولم يبذل أي من الطرفين، خلال السنوات الماضية، من الجهد ما يكفي لمعالجة الملفات العالقة، مثل تشريع قانون النفط والغاز، وتطبيق المادة 140 في الدستور، وإدارة المناطق المشتركة، وإدارة المنافذ الحدودية، وغيرها. بل وحدث العكس، حيث اتخذت مواقف وخطوات من جانب الأطراف جميعا، أسهمت في صب الزيت على النار وتأجيج المشاعر. فالمسؤولية هنا مشتركة، والجميع من القوى صاحبة القرار يتحملونها بهذه الدرجة أو تلك.

 أزمة استفتاء اقليم كردستان

  1. وتطورت تلك العلاقة المتأزمة لتبلغ نقاطا حرجة غداة إعلان قيادة الإقليم المضي قدما في إجراء الاستفتاء في 25 أيلول 2017. وأثار ذلك ردود فعل قوية وصلت حتى المناوشات العسكرية، كما أطلق سجالات متبادلة داخليا وخارجيا، وشجّع دولا وأوساطا خارجية على دسّ أنوفها في قضايانا الوطنية.
  2. وفي حينها، كان حزبنا قد حذر بشكل واضح من المضي في إجراء الاستفتاء، مستندا في ذلك إلى جملة عوامل ومبررات من ضمنها عدم توفر الأجواء المناسبة محليا ودوليا لاستقلال الإقليم.
  3. ان حزبنا يرى في الإطار الاتحادي الصيغة المناسبة لتجسيد مبدأ حق تقرير المصير في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة، ولما يضمنه الدستور من حقوق وصلاحيات واسعة للإقليم. وبشكل عام فإن حق تقرير المصير يتضمن الاتحاد الطوعي، وكذلك الانفصال وتشكيل الدولة المستقلة، ولكن هذا الخيار الاخير لا يعني انه الصيغة الأنسب القابلة للتحقيق ولتأمين حقوق الشعب المعني. فهناك صيغ متعددة دون الانفصال؛ الحكم الذاتي والفيدرالية وغيرهما.
  4. وكان الحزب ولا يزال وسيبقى مؤمناً بحق تقرير المصير للشعب الكردي ولكل الشعوب، صغيرها وكبيرها. وقد سعى في كل الظروف إلى تجسيد هذا الشعار العام في تجليات خاصة، تنسجم مع الواقع السياسي القائم وظروف المجتمع وما يحيط بهما من تطورات وتفاعلات خارجية، وما يرتبط بهذا وذاك من توازنات قوى على الارض العراقية. لذا فان حزبنا، وهو يحرص على احترام ارادة الشعب الكردي وطموحه المشروع، صاغ مواقف وشعارات محددة تعكس ضرورة تطمين الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في الحكم الذاتي، ثم في الحكم الذاتي الحقيقي وصولاً إلى الفيدرالية لإقليم كردستان، التي ثبتتها قوى المعارضة العراقية في برامجها ومواثيقها قبل التغيير وسقوط الدكتاتورية، ثم اُرسيت بعد التغيير في قانون ادارة الدولة اولاً، وفي الدستور الدائم الذي أُقر لاحقا في عام 2005.
  5. لقد مثّلت أزمة الاستفتاء أحد تجليات الأزمة العامة التي تعصف بالعملية السياسية ونهج المحاصصة الطائفية والإثنية المنتج للأزمات والملازم لدولة المكونات. وتتحمل القوى النافذة في الإقليم المسؤولية عن نشوء وترسيخ هذا النهج على حساب بناء دولة المواطنة. كما تتشارك هذه القوى، مع القوى المتنفذة المتحكمة بالسلطات الاتحادية ، في الالتفاف على تطبيق العديد من مواد الدستور عبر الصفقات والمساومات والاتفاقات السرية والمعلنة، بعيدا عن مصالح الشعب وارادته ورغبته في الاستقرار والبناء والتنمية المستدامة وبناء نظام المؤسسات الدستورية التي تعتمد المواطنة بدلا من المحاصصة.

 تعزيز النظام الفيدرالي (الاتحادي)

  1. لقد بيّن الصراع الذي دار بين القوى المتنفذة في منظومة المحاصصة حول مشروع موازنة 2021، وما يتعلق تحديداً بحصة الاقليم، انه بعد 18 سنة من نص الدستور على ان جمهورية العراق دولة اتحادية (فيدرالية)، هناك بين هذه القوى من يبدي عدم ارتياح للنظام الفيدرالي ويسعى إلى قضم صلاحيات الإقليم. وما ساعد على ذلك انه لم تُشرّع قوانين ضامنة تعزز هذا البناء الاتحادي الديمقراطي، مثل تشريع قانون تشكيل المجلس الاتحادي،وكذلك تشريع قانون النفط والغاز، بما يوضّح الرؤى والصلاحيات الخاصة بالحكومة الاتحادية والاقليم. ذلك ان لكل منهما صلاحياته ووظائفه التي يفترض ان لا تتمدد على حساب الاخرى، وكان من شأن تنظيمها وتشريعها ان يحل الكثير من الإشكالات القائمة التي تواجه بلدنا اليوم، والتي كانت تحل سابقا بالصفقات والاتفاقات السياسية الضامنة لمصالح الكتل السياسية. وهذا ما أضعف التقيد بالدستور والقوانين ذات الصلة.
  2. ان حكومتي المركز والاقليم مدعوتان إلى فتح حوار شامل وجدي وصريح وشفاف لإنهاء الملفات العالقة كافة، عبر اتفاقات رسمية وليس سياسية – حزبية، لا سيما بشأن الموازنة والنفط وعائداته والكمارك، وعلى أساس فهم مشترك للدستور. وهذا سيضمن أيضا ان لا يقع شعب الاقليم ضحية للمواقف السياسية والممارسات الخاطئة، من اية جهة جاءت.
  3. ان العلاقة بين الطرفين يجب ان تبنى على أساس مصالح المواطنين في عموم العراق وفي الاقليم، لا على تفاهمات ومصالح القوى الحاكمة المتنفذة. كما انها تتطلب تفعيل اواصر الصلة والحوار، وتخليصهما من التعثر والانتكاسات المستمرة، وأيضا فتح الباب واسعاً للمساهمة في عملية الإصلاح والتغيير وإعادة بناء المنظومة السياسية العراقية، بما يرسّخ الديمقراطية ومؤسساتها وقيمها، ويعزز أواصر التآخي بين الشعبين العربي والكردي ومختلف أطياف الشعب العراقي.

 اصلاح المنظومة العسكرية والأمنية في العراق

  1. يكتسب هذا الموضوع أهميته البالغة بالنظر إلى الأوضاع التي يمر بها البلد، في ظل هشاشة الوضع الأمني واستمرار السلاح المنفلت وتزايد الاعتداءات الإرهابية، وما يحيط بكل ذلك من تطورات إقليمية ودولية، وما تتطلبه مستلزمات التصدي الناجع لداعش والإرهاب ودحرهما، والدفاع عن الوطن وسيادته واستقلاله وصيانة مصالح الشعب.
  2. ان هذا الإصلاح ضرورة وطنية يشمل توجهات ومقاربات عدة، تتعلق بتطوير القوات العسكرية والأمنية، ورفع كفاءتها وقدراتها وامكاناتها وجهوزيتها وتدريبها، وان يشمل ذلك مختلف الصنوف والتشكيلات، إضافة إلى مواصلة تسليحها وتنويع مصادر السلاح.
  3. ومن جانب آخر، تبرز مهمة إعادة بناء المنظومة كأمر ملح، وعلى أساس عقيدة وطنية قوامها الإخلاص للوطن والولاء له وليس لأي عنوان آخر. وهذا إلى جانب إدراك منتسبي المنظومة العميق لمهامهم الدستورية، ومواصلة التوعية بذلك بما يقود إلى قناعة راسخة، بأنها ليست أداة قمع للمواطنين، بل على العكس تماما عليها حماية حقوقهم الدستورية. وهذا يتطلب المزيد من التدريب وإقامة الورش التطبيقية بشأن الدستور وما يتضمن من حقوق وواجبات. كذلك الاطلاع الجيد على لوائح حقوق الانسان والتقيد بها، والانطلاق أولا وأخيرا من حقيقة ان المواطن وكرامته وحقوقه مصانة وغير قابلة للانتهاك تحت أي مسمى، بما في ذلك حقه في التعبير السلمي عن مواقفه وآرائه، وفي الاحتجاج والتظاهر.
  4. وتتطلب إعادة بناء المنظومة أيضا تخليصها من الفاسدين والمرتشين و»الفضائيين» وغير الكفوئين، وإبعادها عن المحاصصات عَلى اختلاف أنواعها، وعن الولاءات لهذه الجهة السياسية او تلك، وإسناد المسؤوليات فيها إلى العناصر الكفوءة والمهنية والنزيهة والمخلصة والوطنية، والمستعدة للتقيد بأحكام الدستور والقوانين. كما يتوجب إصدار قانون خدمة العَلم وفق أسس جديدة تعزز روح المواطنة والولاء للوطن وخدمة الشعب.

كما تتطلب خطوات الإصلاح العمل الفوري على انهاء مظاهر التجاوز على الدستور والقانون، وانهاء أي تحرك خارج سياق منظومة الدولة الرسمية والسياسات ويتعارض مع احكام الدستور العراقي. وان يُصار في نهاية المطاف إلى التطبيق الفعلي لشعار حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها وفقا للدستور، وإنهاء أي وجود للتشكيلات المليشياوية على اختلاف تسمياتها وعناوينها.

  1. ويتوجب على القائد العام للقوات المسلحة أيضا أن يتحمل مسؤوليته كاملة في السيطرة وتوجيه المؤسسات العسكرية والأمنية على اختلاف صنوفها وتشكيلاتها، لإنهاء التجاوزات والخروقات التي تهدد السلم الأهلي والسيادة الوطنية، وتصادر دور الدولة، وفي التحكم بالقرار العملياتي فيها.
  2. ويتوجب ان تقود هذه الإجراءات والخطوات إلى جعل منظومات الدولة العسكرية والأمنية، لا غيرها، مسؤولة عن حفظ الامن والنظام، وعن التعامل مع المتظاهرين والمحتجين والمعتصمين، وإبعاد الحمايات الشخصية والمليشيات وسواها عن هذه المهمة، وان يكون قرار التعامل ووجهته نافذا وساري المفعول على صعيد بغداد والمحافظات كافة.
  3. ان حصر السلاح بيد الدولة يعني في ما يعنيه:

- الغاء أي وجود عسكري مسلح خارج إطار مؤسسات الدولة ويتعارض مع الدستور.

- وضع حد للتجاوز على القانون وسلطته وللعمل تحت أي اسم خارج منظومة الدولة الرسمية.

- وقف عسكرة المجتمع، وسحب الأسلحة ووضع معايير وضوابط صارمة لحيازته.

- التصدي بحزم لجماعات الجريمة المنظمة وعصابات السطو المسلح وتجار المخدرات، ولعصابات اختطاف المواطنين واغتيالهم، والتدخلات العشائرية «ودكات» بعضها.

  1. وهنا تتوجب الإشادة بالتضحيات الجسام التي قدمها افراد الجيش العراقي ومختلف التشكيلات العسكرية والأمنية الوطنية الأخرى، والمتطوعون في الحشد والبيشمركة وابناء المناطق التي ابتليت بداعش، وبتصدي الجميع لمنظمات الإرهاب وتحقيقهم النصر عليها، والذي يعود الفضل في تحقيقه قبل كل شيء إلى ابناء الشعب عموما، بصمودهم وتحملهم الصعاب وتقديمهم الدعم المعنوي والمادي للمقاتلين على اختلاف عناوينهم.
  2. لقد كان الثمن الذي دُفع لقاء تحقيق النصر العسكري الكبير غاليا، ولذا يتوجب الحفاظ عليه وتطويره باتجاه حسم فصول الإرهاب في بلدنا. ان لمكافحته وتجفيف منابعه وتخليص بلدنا من شروره، مقاربات متعددة متكاملة: سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية واعلامية.
  3. وأصبح الآن واضحا ان الحاجة ماسة إلى المزيد من الجهد الاستخباري والأمني، وإلى تكامله مع مختلف الفعاليات والانشطة العسكرية في منازلة الإرهاب ومنعه من تجديد نشاطه وتجميع صفوفه ورفع معنويات عناصره. وهنا تأتي اهمية تحقيق الوحدة الوطنية، ومعالجة ما برز من ثغرات كبيرة في الفترات الماضية، وتوطيد السلم الاهلي. وان السعي إلى ذلك لا يستقيم ابدا مع أي خطاب او دعوات إلى الكراهية والتفرقة وإثارة الضغائن، وتأليب المواطنين العراقيين ضد بعضهم، وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية والشوفينية.
  4. وفي هذا السياق لا بد من ردم الهوة بين المواطن ومؤسسات الدولة، خاصة العسكرية والامنية، وإعادة اجواء الثقة وتحقيق التواصل والتعاون. وهذا يتطلب، من بين أمور عدة، تعزيز الحريات وتجنب التضييق عليها تحت أي عنوان او مسمى، وتجنب اتخاذ قرارات او الإقدام على تشريعات من شأنها التضييق على ما نص عليه الدستور من حقوق وحريات.
  5. ان على الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم والحكومات المحلية ان تُقدم على معالجة ما خلّفته الحرب ضد داعش ومنظمات الإرهاب الاخرى، وفترات انتعاش روح البغضاء والطائفية. ومن ذلك السعي الحثيث إلى إعمار المدن المخربة، واعادة الحياة الطبيعية اليها، وإرجاع النازحين من مخيمات البؤس والفاقة والجوع والمرض والبرد القارس والحر اللاهب إلى مدنهم وقراهم. كذلك الكشف عن مصير كافة المختفين قسرا والمخطوفين والمغيبين، وإطلاق سبيل من بقي منهم على قيد الحياة فورا.
  6. كما نشدد على ان تهتم الدولة ومؤسساتها بتضحيات المقاتلين ومعاناتهم مع عوائلهم، وان تقدم لهم كل أشكال الدعم، وتسهل حصولهم على حقوقهم بعيدا عن البيروقراطية والتمييز.
  7. ان من شأن تحقيق مهنية المنظومة العسكرية – الأمنية وانضباط منتسبيها وتقيّدهم بمهامهم الدستورية وابعادها عن التدخلات الحزبية والسياسية في شؤونها، كذلك وحدة القرار في عملياتها ومركزيته، ان يؤدي إلى طمأنة المواطنين ويسهم في تحقيق الاستقرار، ويبعث إلى العالم رسائل تؤشر استعادة الدولة هيبتها وسلطتها وقوة القانون.
  8. ومن شأن هذا أيضا المساهمة في تهيئة الأجواء السياسية المناسبة وانهاء حالة الاستعصاء السياسي، وتعزيز إمكانات حفظ سيادة العراق وتأمين استقلالية القرار الوطني العراقي، وفي تحقيق النصر الكامل على داعش الإرهابي. كما ان ذلك سيسهم في تهيئة شروط ومستلزمات انهاء الوجود العسكري الأجنبي على ارضينا.

 إنهاء الوجود العسكري الأجنبي

  1. رفض حزبنا اللجوء إلى الخارج والاستعانة به عسكريا للخلاص من النظام الدكتاتوري المقبور. وعندما وقع الاحتلال الامريكي لبلادنا، عملنا مع غيرنا من القوى السياسية على إنهائه واستعادة السيادة العراقية كاملة.
  2. وفي خضم المعركة ضد داعش والإرهاب اُضطرت الحكومة العراقية إلى الاستعانة بالدعم اللوجستي والتدريب، وفي توفير الغطاء الجوي للقوات العراقية المسلحة.
  3. وقد أكد حزبنا مرارا موقفه الرافض للوجود العسكري الأجنبي وبناء قواعد في بلادنا، وميّز بين هذا وبين حاجات المعركة ضد الإرهاب والتي لم تنته فصولها تماما.
  4. وفي هذا السياق فان التطلع هو إلى تمكين القوات العراقية، على اختلاف صنوفها، من القدرة على إنجاز المهام المكلفة بها دستوريا، في حفظ أمن وسيادة واستقلال البلاد والدفاع عن مصالح الشعب والوطن.
  5. ان انجاز هذه المهمات وثيق الصلة بتوفر الإرادة السياسية وتقوية وتعزيز الوحدة الوطنية، وتوطيد عمل مؤسسات الدولة، واستكمال بنائها الدستوري. وأن تكون هذه المؤسسات، قولا وفعلا، بوتقة للوحدة الوطنية، لا يعلو فيها صوت على صوت الوطن والمواطنة وخدمة الشعب.
  6. ويرى حزبنا أن إنهاء كل وجود عسكري أجنبي على أرض بلادنا، هو مطلب وطني وهدفٌ ينبغي العمل بجد على تحقيقه، وتوفير شروط ذلك ومستلزماته، وأهمها تحقيق اجماع وطني عراقي على ضرورة انهاء هذا الوجود، وتعزيز الوحدة الوطنية وأجواء الثقة بين مختلف أطياف ومكونات شعبنا، إلى جانب تعزيز قدرات قواتنا المسلحة تسليحا وتدريبا وجاهزية، والنأي ببلادنا عن الصراعات والمحاور في المنطقة.
  7. ولا بد من الإشارة هنا إلى رفضنا أي تدخل خارجي في شؤون بلدنا من أية جهة او طرف، وتشديدنا على ان يحترم الجميع حقوق العراق ومصالحه وسيادته وقراره الوطني المستقل.

 قضايا اقتصادية – اجتماعية

  1. يعاني بلدنا من أزمة اقتصادية ومالية ومعيشية متراكمة، فاقمها تفشي وباء كورونا وشحة واردات النفط الخام المصدر جراء انخفاض أسعاره عالميا وانخفاض انتاجه، فيما تتضاعف نسب البطالة والجوع والفقر. وتشير تقديرات حكومية إلى ان نسبة الفقر قد زادت بسبب جائحة كورونا لتصل إلى 30%، ما أدى إلى دفع أكثر من مليوني عائلة تحت خط الفقر.
  2. وترتبط الأزمة بمجمل النهج الذي سارت عليه إدارة الاحتلال والحكومات العراقية التي اعقبته، وبسوء إدارة الدولة ومؤسساتها، وغياب الإدارة الاقتصادية والمالية السليمة، وبتفشي الفساد وعدم الكفاءة وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وضعف البناء المؤسسي للدولة، وما ارتبط بذلك كله من هدر للأموال والوقت، وضياع فرص ثمينة للتنمية وللانطلاق الفعلي لعملية الاعمار والبناء والاستثمار والسير على طريق التنمية المستدامة.
  3. وفشلت الحكومات المتعاقبة ومعها ذوو الاجندات الخاصة المدججون بالسلاح والمتماهون مع مشاريع خارجية، في توفير بيئة سياسية وامنية وتشريعية مناسبة لانطلاق عملية استثمار حقيقي وجاد، سواء للرأسمال الوطني ام الخارجي، في مشاريع إنتاجية صناعية وزراعية وخدمية، يمكن ان تشكل ركائز للنهوض ولبناء الاقتصاد المتنوع والمتعدد المداخيل. كما فشلت في إعادة اعمار المصانع والمعامل والاعتماد على القطاعين الصناعي والزراعي.
  4. لقد تعمق الطابع الريعي للاقتصاد العراقي في ظل الحكومات المتعاقبة منذ التغيير عام 2003. ويعتبر العراق البلد الأكثر اعتمادا على تصدير النفط كمصدر للدخل بين جميع الدول في منظمة اوبك للدول المصدرة للنفط.
  5. وجرى تجاهل كل المقترحات والحلول التي من شأنها ترشيد استخدام الإيرادات النفطية وتوجيهها نحو الاستثمار والتنمية، عوضا من استنزافها في تمويل المصروفات الحكومية الجارية والانفاق الاستهلاكي العام والخاص. ولم تبادر تلك الحكومات، على سبيل المثال، إلى تشكيل الصناديق السيادية التي تحفظ مصالح ليس الجيل الحالي فقط، بل والأجيال القادمة، وتعمل على تنميتها عبر مشاريع منتجة ومجدية اقتصاديا.
  6. وأدت توليفة الفساد وسوء الإدارة وغياب الرؤية الاقتصادية الاستراتيجية إلى ضياع عشرات المليارات من الدولارات، كما حدث في جولات التراخيص وعقود النفط وادارتها والعقود مع شركات قطاع الكهرباء والهاتف النقال وغيرها، سواء في العراق ككل ام في إقليم كردستان.
  7. ان ما نشهده اليوم هو حصيلة هذا كله، تضاف اليه جرائم الإرهابيين، وتداعي هيبة الدولة وسلطة القانون، والانفلات الأمني، وتغوّل المجاميع السياسية المليشياوية، وغياب خطط التنمية، والنهب الذي تعرضت له أموال الدولة وعقاراتها، وتفشي الفساد على مستوى المؤسسات والافراد، وفشل وتلكؤ المشاريع التي كان بعضها وهميا. كذلك إبقاء أبواب العراق وحدوده مفتوحة بضغط من أحزاب ومليشيات وسياسيين متنفذين، لإدخال السلع بشكل غير شرعي أضر كثيرا بالمنتج الوطني الصناعي والزراعي وبواردات الدولة.
  8. كل هذا وغيره ساهم في مفاقمة ظواهر الأزمة الاقتصادية والمالية وتداعياتها، وحدّة التوترات الاجتماعية والفرز الطبقي، وتفاقم الهوة بين الأقلية الغنية والغالبية المسحوقة والمحرومة، وتردي حياتهم ومعيشتهم. ومن ذلك ازمة تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين رغم اعتماد الاقتراض الداخلي والخارجي، ما رفع مديونية العراق.

 المديونية

  1. يعاني الاقتصاد العراقي ارتفاعاً عالياً في المديونية، الداخلية والخارجية، التي تبلغ حوالي 120 مليار دولار، فضلا عن ديون معلقة لثماني دول تعود إلى ما قبل العام 1990 وتبلغ 40 مليار دولار. وتجلت في الفترة الماضية مخاطر استراتيجية الحكومة بتمويل العجز عبر الاقتراض الاجنبي وما يترتب عليه من شروط مجحفة.

وتشير الأرقام المتوفرة إلى ان المديونية الخارجية ارتفعت من 50 مليار دولار في عام 2018 لتبلغ 81 مليار دولار في 2020 (أي بنسبة 60 في المائة)، فيما تبلغ الديون الداخلية 50 مليار دولار. وترتب على ذلك تزايد الاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الرأسمالية الأخرى. ورغم التوقعات بانخفاض المديونية الخارجية نسبيا في 2021 جراء دفع العراق أكثر من 11 مليار دولار من ديونه، فإنها لا تزال مرتفعة على نحو مقلق يكبّل العراق بالمزيد من القيود التي تهدد استقلاله الاقتصادي والسياسي.

وحسب مصدر رسمي حكومي جرى تخصيص 9 تريليونات دينار في موازنة العام المقبل 2022 لتسديد اقساط وفوائد ديون، وهو ما يمثل أكثر من 5 مليارات دولار.

ويتطلب خفض المديونية إرادة سياسية وإصلاحات اقتصادية وإدارة سليمة للوضع الاقتصادي والمالي، وتطوير الإيرادات غير النفطية، ومكافحة الفساد والسيطرة على الإنفاق العام ومنع تمدده والتركيز على الأولويات فيه، دون التأثير على الفئات والشرائح الاجتماعية الفقيرة، وعدم وقف المشاريع الكبرى التي يفترض أن تستنهض الاقتصاد، وتؤمن مصادر بديلة للموارد وفرصا للعمل.

 الواقع الصحي والبيئي و»تحديات»كورونا

  1. كشفت مأساة حريق مستشفى ابن الخطيب في بغداد وفاجعة حريق مركز النقاء في الناصرية، اللذين راح ضحيتهما عشرات المواطنين الابرياء، مدى التدهور الخطر للنظام الصحي كحصيلة طبيعية للتدهور السياسي في البلاد ومدى الاستهتار بأرواح الناس في ظل نظام المحاصصة والطائفية السياسية والفساد.
  2. واضافت جائحة كورونا تحديا جديدا للواقع الاجتماعي عموما ولواقع الصحة في العراق على وجه الخصوص، حيث كشفت مجددا عن عجز النظام الصحي عن التصدي للمشكلات الصحية، والتي ستزيد بفعل ما يشهده العالم بشكل متكرر من ظهور امراض واوبئة تفتك بالبشرية.
  3. ولا تعد الصحة أولوية في العراق؛ اذ تبلغ حصة قطاع الصحة 4,4 في المائة في موازنة 2021، بالمقارنة مع حصة الأمن والدفاع التي بلغت 16,8 في المائة من اجمالي التخصيصات. وتجدر الاشارة إلى ان منظمة الصحة العالمية توصي بتخصيص 10 في المائة على الأقل من ميزانية الدول لقطاع الصحة.
  4. وكشفت بيانات منظمة الصحة العالمية في 2019 أن الحكومة أنفقت خلال السنوات العشر السابقة مبلغا أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيرا، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الإنفاق 161 دولارا بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولارا في لبنان.
  5. وبسبب غياب قطاع الصحة عن أولويات الحكومات المتعاقبة، لا يوجد في العراق سوى 249 مستشفى حكوميا، هذا عدا عن توزيعها الجغرافي المتفاوت وتركزها في بعض المحافظات دون غيرها. ويتمثل التخلف عن باقي المنطقة في معدل أسرة المستشفيات، إذ يبلغ 1,2 سرير فقط لكل ألف نسمة.
  6. ويشير تقرير الوضع البيئي والصحي في العراق الصادر عن وزارة الصحة عام 2019 إلى أن تلك المؤسسات ليست كلها بذات الكفاءة وتحتاج إلى تأهيل، اذ تعاني من الإهمال وغياب التأهيل والتطوير لمرافقها طوال العقود الثلاثة الماضية، فضلا عن النقص في الأجهزة والمستلزمات. وعلى الرغم من اعلانات متكررة عن سعي وزارة الصحة لبناء مؤسسات صحية جديدة فان قلة التخصيصات المالية والفساد والأوضاع الأمنية جعلت هذا مجرد أحلام. ولم تسجل الوزارة أي إشارة إلى بناء مستشفى جديد سوى انشاء مستشفى واحد كان ضمن حملات الإعمار، في حين جرى تأهيل وتوسيع 14 مستشفى ضمن منحة مالية لإحدى المنظمات الدولية أو غيرها من الجهات المتبرعة. ويتلكأ انجاز الكثير من المشاريع الصحية بسبب الفساد، ولم يجر افتتاح عدد من المستشفيات بضغوط من الفاسدين بالرغم من انجازها وتوفر اجهزتها الطبية التي تهالكت أو اندثرت. ويترافق ذلك مع مساعي قوى متنفذة إلى خصخصة قطاع الصحة، في ظل انعدام العدالة الصحية وحرمان الفئات الفقيرة من الخدمة الصحية الجيدة وتلبية احتياجاتها الملحة من علاج ودواء.
  7. وتشير الاحصائيات الرسمية لعام 2018 إلى ان عدد الأطباء بلغ 11749 طبيب اختصاص، و21687 طبيبا غير اختصاص، وذوي المهن الصحية 73876 شخصا. وكان عدد الاطباء 0,83 فقط لكل ألف نسمة، أي أقل بكثير من الدول المماثلة في الشرق الأوسط. فقد بلغ العدد في الأردن، على سبيل المثال، 2,3 طبيب لكل ألف نسمة. وتشير المعايير التي حددتها منظمة الصحة العالمية إلى انه يجب ان يكون لكل 100 ألف مواطن 23 ممرضا. أي أن العراق بحاجة إلى أكثر من مليون وخمسمائة ألف ممرض لتغطية جميع العراقيين! هذا بالإضافة إلى النقص الكبير في التخصصات الأخرى من أطباء او ذوي مهن صحية.
  8. إن الواقع البائس والمأساوي للقطاع الصحي في العراق، الذي كشفته بشكل صارخ جائحة كورونا، يحتاج إلى وقفة جادة وعاجلة وتبني خطط واستراتيجيات واضحة، على أن تجري تعبئة كل الإمكانيات المالية والبشرية من أجل النهوض بهذا القطاع المهم.
  9. وفي مواجهة جائحة كورونا، على الرغم من الجهود الجبارة التي بذلها الكادر الصحي والإداري، فإن الوضع المتردي للخدمات الصحية والإمكانات الشحيحة التي تم رصدها حالت دون السيطرة على انتشار الوباء وتفشيه بين العراقيين. ولجأت السلطات إلى الحظر الأمني كإجراء وقائي، ولكنه فشل ولأسباب عدة، منها عدم التزام الكثير من المواطنين خصوصا من الفقراء والمعدمين، الذين يعتمدون على العمل اليومي من أجل سد قوت يومهم ولم يتلقوا أي دعم حكومي.
  10. ومن جانب اخر يواجه العراق كارثة بيئية ذات آثار خطرة على حاضره ومستقبله. فقد أدت الحروب والصراعات وسوء الإدارة والفساد بشكل مباشر إلى تدهور البيئة والخدمات التي تدعمها، وتجاهل المشكلات البيئية وتراكمها. ومن بين أبرز التحديات البيئية: الانخفاض الحاد في موارد المياه العذبة، وتفاقم التصحر، وتزايد التلوث البيئي، وتدهور الغطاء النباتي، وتراجع التنوع البيولوجي، والمخاطر التي تواجهها سلالات الحياة البرية والاجناس المحلية، وفقدان الأنواع المستوطنة الأصلية، وعدم التخلص من النفايات السامة للحروب ومخلفاتها.
  11. إن بلادنا تواجه كارثة بيئية ستكون لها آثار اقتصادية واجتماعية وصحية وخيمة، خصوصا بالارتباط مع عدم التناسب بين النمو السكاني المتزايد وانتاج الغذاء، آخذين بالاعتبار ان 92 في المائة من الأراضي في العراق معرضة للتصحر أو متأثرة بواحدة من درجاته.
  12. وحسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 2019، فان أكثر من 150 منطقة ساخنة بيئياً في العراق تتطلب الإصلاح وإعادة التأهيل، من بينها أكثر من عشرين منطقة تحتاج إلى التدخل الفوري، منها مناطق في الأنبار ومحافظتي المثنى وذي قار، بسبب تكرار مواسم الجفاف مع انخفاض تدفق المياه في دجلة والفرات، إلى جانب سوء إدارة الموارد المائية، الذي أثر كثيرا على الأراضي الزراعية وعرّضها للتملّح. ويفاقم هذه المشكلة الإهمال الحكومي المتعمد للزراعة وتجريف آلاف الدونمات الزراعية وتحولها إلى أراضٍ جرداء.
  13. ويتفاقم التلوث البيئي على نحو خطر مع استمرار مشكلات مزمنة بسبب غياب أية معالجات او خطط جادة من قبل الحكومات المتعاقبة وتفشي الفساد المالي والاداري. ويسجل العراق منذ سنوات معدلات عالية جدا بانبعاثات الغاز السامة، الناجمة عن استخراج النفط واحتراق الغاز وتوليد الطاقة الكهربائية التي تسهم محطاتها بتلويث مياه الأنهر وتنفث سمومها في الجو. وإلى جانب ذلك هناك كثرة السيارات ومولدات الكهرباء الصغيرة، فيما لا يوجد أي توجه جدي لتطوير وسائط النقل العام أو البحث عن بدائل مناسبة لاستخدام الوقود. وتشهد الأحياء السكنية والشوارع تكدس النفايات، في تجلٍ صارخ لعجز الحكومات المتعاقبة المبتلاة بالفساد وسوء الإدارة عن معالجة هذا الملف وتدوير النفايات والتخلص منها بما ينسجم مع البيئة والحفاظ على صحة المواطنين. وأصبحت كل هذه المشاكل المتراكمة تمثل اليوم تحدياً كبيراً للبيئة العراقية.
  14. ولا تزال النفايات السامة من مخلفات الحروب، وبقايا وآثار الأسلحة الكيمياوية والجرثومية، والألغام المزروعة في مختلف مناطق البلاد، تشكل مخاطر صحية وبيئية كبرى، ولم ترتق الاجراءات المحدودة التي اتخذت حتى الآن إلى مستوى التصدي الفاعل لها ومعالجتها على نحو حاسم رغم مضي 18 سنة على انتهاء الحرب في 2003.
  15. وقُدّرت خسائر العراق نتيجة للتدهور البيئي عام 2008، بأكثر من 8 مليارات دولار، أي ما يعادل 7 في المائة من الناتج المحلي، واحتل ملف تدهور الموارد المائية نصفها تقريبا، بحسب وزارة البيئة في تقرير لها عام 2014.
  16. وفي مواجهة المخاطر الكارثية التي تهدد البيئة والمياه في العراق، دعا حزبنا إلى وضع استراتيجية بيئية تتناسب وحجم هذه المخاطر، وزيادة قيمة وحجم الموارد المادية والمالية المخصصة للبيئة، وإطلاق حملة شاملة لحمايتها. كما طالب بسن قوانين جديدة وتطبيق النافذ منها لمنع التجاوز على الثروات الحيوانية الطبيعية والبرية والمائية. واقترح وضع خارطة للتوزيع الإقليمي للمؤسسات الصناعية والزراعية، ومواقع التوسع السكني، بما يكفل إبعاد الصناعات الملوثة للبيئة والمضرة بصحة السكان عن المدن، وبما يمنع تلوث الأنهار. وفي هذا السياق، تتزايد الحاجة إلى الشروع بإنشاء محطات تصفية وتدوير النفايات لحماية المياه والأجواء من التلوث بالنفايات الكيمياوية والمياه الثقيلة وغيرها، والاهتمام بالطمر الصحي، وتوفير الدعم اللازم للإسراع في تنفيذ برامج حصر المناطق التي تعرضت للتلوث وتنظيفها. ولا بد من وضع وتنفيذ برامج عاجلة للتخلص من مخلفات الحروب السابقة، الداخلية والخارجية، ونفاياتها السامة، ومن الألغام وبقايا وآثار الأسلحة الكيمياوية والجرثومية، وتنظيف البيئة من نفايات المواد المشعة والكيماوية والبيولوجية واليورانيوم المنضب، والإفادة في ذلك من دعم المجتمع الدولي ومنظماته المتخصصة.
  17. ومن الضروري أن تقترن هذه التوجهات الملحة بإيلاء المزيد من الاهتمام والدعم للبحوث والدراسات والمسوحات المتعلقة بالواقع البيئي في العراق وسبل النهوض به، والاهتمام بالتعليم والثقافة البيئيتين.

 حال التربية والتعليم

  1. مازال واقع التربية والتعليم يعاني من إشكاليات عميقة تحول دون تطوره. ولم تشكل التخصيصات المالية لها في موازنة 2021 سوى 7,5 في المائة، اي انها تراجعت حتى بالمقارنة مع عام 2009 عندما بلغت حصتها في الموازنة 8,34 في المائة. وهي نسبة بسيطة بالمقارنة مع ميزانية الدفاع والداخلية، وتكشف على نحو فاضح موقف طغمة المحاصصة والفساد من قطاع التعليم وإصرارها على دفعه إلى مرتبة متدنية في جدول أولوياتها. كما ان الجزء الاعظم من هذه التخصيصات تذهب كأجور ورواتب للكوادر التعليمية والإدارية، أي ما نسبته 92 في المائة. وهذا أثّر بشكل كبير على البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، فضلا عن استقطاب الكفاءات ورصانة المناهج التعليمية، وهذا أدى في مرات عديدة إلى أن يخرج العراق من تصنيفات عالمية معنية بالتعليم العالي.
  2. ومن جانب آخر هناك منحى متسارع في خصخصة التعليم، عبر سلسلة من الإجراءات والتسهيلات التي قدمت للقطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال من أجل تشكيل جامعات وكليات أهلية، بلغ عددها 72 في 2019، فيما توجد 37 جامعة حكومية عدا المعاهد. وتتميز الجامعات الاهلية بارتفاع أجورها وتكاليف الدراسة فيها لتصل أحيانا إلى أكثر من 12 مليون دينار في السنة الواحدة للتخصصات الطبية. وتبنّت وزارة التعليم العالي نهجاً يُعد تمهيدا لخصخصة مؤسسات التعليم الحكومية، حيث أوجدت أشكالاً أخرى إضافة لقناة القبول العام والمسائي، وهي قناة القبول الموازي، ولكن بأجور تقول انها رمزية ولكنها لا تقل كثيرا عن أجور التعليم الأهلي. وبالتالي أصبح التعليم سلعة تخضع لقوانين السوق الحرة والتجارة.
  3. كما أدت السياسات غير المدروسة، والتي لا ترتبط باحتياجات المجتمع من التخصصات العلمية والانسانية، وهدفها الأساسي هو الربح، إلى قبول طلاب بأعداد هائلة دون مراعاة كيف سيحصلون على وظيفة في سوق العمل، وما هو الاحتياج الفعلي لهم في المجتمع، حتى ان وزارة الصحة اعتذرت عن قبول كل مخرجات التعليم من بعض التخصصات الطبية في مؤسساتها في إحدى السنوات الماضية.
  4. وتزايدت على نحو واضح مظاهر عدم احترام استقلالية الحرم الجامعي حيث تسعى بعض الجهات السياسية إلى فرض ضوابطها ومعاييرها على حساب استقلالية الجامعة. ومع ان البرلمان قد شرّع قانون الخدمة الجامعية في 2012 الاّ أن الحكومة لم تلتزم بتطبيقه بعد مرور سنتين على تشريعه. وبخصوص اختيار رؤساء الجامعات وعمادات الكليات وكبار الموظفين فيها فإن وباء المحاصصة كان له الدور الحاسم في هذا الأمر.
  5. اما التعليم الابتدائي والثانوي فانه ليس أفضل حالا، حيث اثّرت القرارات المتسرعة وغير المدروسة في أحيان كثيرة على استقرار المسيرة التعليمية. فمثلا لم تقُد دراسة تقسيم فروع الدراسة الثانوية إلى أدبي وعلمي (احيائي وتطبيقي)، وبالتنسيق مع وزارة التعليم العالي، إلى تحسين مستوى مخرجات الثانوية العامة. بل بالعكس أدى ذلك في بعض الأحيان إلى فوضى في القبولات وعدم إنصاف آلاف الطلبة. ومازالت المدارس الابتدائية ذات الدوام الثلاثي والثنائي مستمرة، حيث يصل عدد الطلبة في الصف الواحد أحيانا إلى أكثر من 80 طالبا، خصوصا في المناطق الفقيرة وذات الكثافة السكانية العالية. في حين ما زال عدد ليس بالقليل من الطلبة متواجدين في صفوف من طين او كرفانات جاهزة بسبب عدم إكمال البنايات المدرسية، حيث تشير تصريحات رسمية نيابية الى أن العراق بحاجة إلى أكثر من 15 ألف بناية مدرسية، فضلا عن صيانة وإعادة إعمار المئات منها التي لم تعد صالحة للاستخدام.
  6. وخلص مسح أجرته منظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في 2020 إلى أن 75 في المائة فقط من الأطفال في المدارس الابتدائية وأقل من 50 في المائة في المدارس الثانوية، قد أتموا فعليا الدراسة.
  7. لقد فرضت الجائحة عبئاً اضافياً على القطاع التعليمي، حيث أدى تعطيل الدوام في المؤسسات المختلفة والتحول إلى التعليم الالكتروني دون وجود بنية تحتية وكوادر تعليمية مؤهلة، إلى حرمان ملايين التلاميذ من تلقي تعليم بمستوى جيد. وتشير دراسة أجراها المجلس النرويجي للاجئين، الى أنه منذ تفشي جائحة كورونا في شباط 2020، تم إغلاق آلاف المدارس في العراق. وبيّنت أن ذلك أثّر على أكثر من 10 ملايين طفل في أنحاء العراق تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 17 عاما. فيما تشير دراسة لمؤسسة مجتمع مدني محلية إلى ان 83 في المائة من مجموع 6305 أطفال نازحين تركوا بدون تعليم خلال الفترة الماضية.

 الطبقة العاملة والشغيلة والعمالة غير المنظمة

  1. تقدر القوى العاملة بحوالي 10 ملايين حسب مجموعة البنك الدولي، حوالي 58 في المائة منهم يعملون في القطاع الخاص، وعلى وجه التحديد في قطاعات العمل غير المنظمة. وهذه أصبحت معضلة تواجه العمالة في العراق، حيث تغيب أية ضمانات لهؤلاء في حالة التعطل أو المرض أو الإصابات، وغالبيتهم العظمى من الشباب. وعلى الرغم من وجود قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015، والذي يُعد قانونا جيدا بالمقارنة مع قوانين العمل في المنطقة، الاّ ان هناك صعوبات كبيرة تحول دون تطبيقه، حيث هناك ضعف واضح في جهاز التفتيش التابع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وضعف واضح أيضا في دور نقابات العمال التي هي أيضا تعاني من مشاكل بنيوية تحول دون أن تأخذ دورها في الدفاع عن العمال. وأيضا يتوجب تأشير حالة عدم الاستخدام السليم للموارد المالية لصندوق التقاعد والضمان الاجتماعي .
  2. وتشير إحصائيات حكومية إلى أن أكثر من ربع مليون عامل فقط مشمول بالضمان الاجتماعي عام 2019. وهو عدد قليل جدا، ويؤكد ضعف تطبيق القوانين الناظمة لبيئة العمل، ويجعل أغلب العاطلين خصوصا حملة الشهادات يبحثون عن فرص عمل في القطاع الحكومي، الذي أصبح مترهلا ولا يستوعب جميع القوى العاملة في العراق.
  3. وتعاني هذه الشريحة الواسعة من العمال من ظروف عمل سيئة دون وجود أية ضمانات تساعدهم على الاستمرار في المستقبل. وهم غالبا ما يعملون في قطاعات البناء والصناعة والخدمات والتي تعاني أصلا مصاعب كبيرة تهدد استمرارها. وتضاف إليهم اعداد هائلة من العاملين بعقود متنوعة مع الدوائر الحكومية التي لا تطبق معهم قوانين العمل والضمان الاجتماعي، ما يجعلها أكثر جهة تنتهك حقوقها القوانين العراقية المنظّمة لهذا القطاع. كما ان أعدادا كبيرة منها انخرطت في صفوف القوات الامنية او التحقت بمجاميع مسلحة أو هم يعملون بأجور زهيدة بحثاً عن لقمة العيش.
  4. وجعلت جائحة كورونا حياة الكادحين أمام خيارين لا ثالث لهما، أما الموت من الجوع أو الموت بالمرض، اذ لم تول الحكومة اهتماما بهذه الشرائح ولم تضع البدائل المناسبة لهم في حالة تعطل أعمالهم وفرض حظر التجوال. ولم تكن المنحة التي وزعت عليهم كافية ولم يتسلمها أغلبهم في الوقت المناسب، في ظل ارتفاع الأسعار وغياب الحماية الاجتماعية الكافية لهم.
  5. وكشفت وزارة التخطيط في 2020 عن ارتفاع نسبة البطالة في العراق إلى نحو 40 في المائة بعد ان كانت في عام 2019 تصل إلى 22 في المائة. وعزت أسباب ذلك إلى الظروف التي رافقت انتشار وباء كورونا.
  6. ويشار إلى ان الفئات الكادحة والمهمشة ساهمت بشكل متميز في انتفاضة تشرين وكانت تشكل عمادها. وظهرت شعاراتها ومطالبها بشكل جلي خلال الأيام الأولى للانتفاضة، حيث كانت المطالبة بالعمل والضمان وتحقيق العدالة الاجتماعية من أبرز الشعارات التي رفعت فيها.

 الفلاحون والريف

  1. يبلغ عدد سكان الريف في العراق 11 مليونا و790 ألف نسمة، بنسبة 30 في المائة من مجموع السكان. وحسب تقرير للجهاز المركزي للإحصاء في 2019 شكلت نسبة البطالة في الريف حوالي 13,2 في المائة. ويفتقر الكثير من سكانه إلى مستلزمات العيش الكريم، حيث تفتقد الكثير من مناطقه، المراكز الصحية الكافية أو المؤسسات التعليمية المناسبة، وعدم توفر كوادر كفوءة قادرة على تقديم الخدمات، فضلا عن السياسات الاقتصادية العبثية التي أدت إلى ضعف الإنتاج الزراعي والاعتماد بشكل أو بآخر على المنتجات الزراعية المستوردة. على سبيل المثال العراق خرج من قائمة أكبر خمس دول لديها نخيل وإنتاج تمور، فيما كان يتربع على عرش هذه القائمة لسنوات.
  2. ولم تفلح جميع المبادرات التي أطلقتها الحكومات العراقية السابقة في إنقاذ الريف من واقعه المزري. فالفساد والمحسوبية أديا إلى هدر مليارات الدنانير والتي ذهبت إلى جيوب الفاسدين، فيما يعاني الفلاح عدم دفع مستحقاته او تأخر تسليمها، بالإضافة إلى نقص حاد بتوفير السماد والبذور والتطوير الزراعي والمكننة وأخيرا المياه. كما تعرض عدد كبير من الأراضي الزراعية إلى التجريف وتحولت إلى مناطق سكنية، بدون وجود أي رادع. وفاقمت هذا الوضع العوامل البيئية من تصحر وجفاف وقلة الأمطار، والتي أدت إلى ان تعيش مناطق الريف أوضاعا صعبة، فلا يجد أبناء الريف حلا سوى ترك أماكنهم والتوجه إلى المدن، أو الانخراط في أحد تشكيلات القوات الأمنية.

 النساء والطفولة

  1. شاركت نساء العراق بقوة أسوة بالفئات الاجتماعية الأخرى في الاحتجاجات الجماهيرية في الفترة 2015 - 2021، وتعرضت كما الآخرين إلى التنكيل والعنف والاختطاف والترهيب وحتى القتل العمد.
  2. وبقي الحال كما هو عليه بل أنه صار أسوأ من ذي قبل في ما يخص شريحة الأرامل والمطلقات والعاملات والفلاحات والعاطلات عن العمل. وتواصل القوى المتنفذة تكريس مفاهيم بعيدة عن احترام حقوق المرأة ومكانتها الاجتماعية.
  3. ويواصل حزبنا نضاله من أجل نيل المرأة العراقية جميع المكاسب التي تنادي بها. فعلى الرغم من كل ما تحقق على صعيد حقوق المرأة، مثلاً «قانون العمل» و»قانون الناجيات الإيزيديات»، إلاّ ان دور المرأة لا يزال مغيباً إلى وقتنا الحالي. فقد غابت التشريعات اللازمة لحفظ حقوقها وكرامتها، ولم تحصل على كامل حقوقها في المناصب التنفيذية المهمة، وبقي التهميش واضحاً للنساء مجتمعياً.
  4. وتبقى الحركة النسوية في العراق تطالب بوضع استراتيجية لمناهضة العنف ضد المرأة والأطفال ومنحها الحق الكامل في ممارسة الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبتشريع قانون مناهضة العنف الأسري.
  5. وعلى صعيد المرأة في الريف، التي تشكل نسبة ثلث النساء في العراق، لم تشهد السنوات الاربع الماضية تطوراً في الارتقاء بهذه الشريحة المهمة، فبقيت مهمشة بدون حقوق.
  6. ولم تتساو الأجور في ميادين العمل بين النساء والرجال، فيما لم تكن الفرص متكافئة أمامهن للحصول على وظائف وأصبحت حكراً على الرجال. وتبين إحصائية حكومية ان نسبة النساء العاملات في المناصب الادارية في العراق لا تتعدى 22 في المائة.
  7. وتؤكد المسوحات الاحصائية لوزارة التخطيط لعام 2020 ان نسبة النساء تبلغ 49,5 في المائة من مجموع السكان، وتبلغ نسبة الشابات 22,3 في المائة.
  8. وفيما يخص التشريعات والنصوص الدستورية، ومع ان المرأة أخذت حيزاً مناسباً فيها، لكنها بقيت حبراً على ورق. ومع ان العراق قد صادق بأوقات مختلفة على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تضمن المساواة للمرأة في العمل والأجور وحماية حقوقها وحقوق الطفل، لكن هذه الاتفاقيات لم تطبق ولو جزئياً.
  9. وبقي حال المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة بعيداً عن الهموم السياسية لذلك لم تلعب ذلك الدور الحقيقي في تبني قضايا المرأة باستقلالية تامة. وجرت في السنوات الأخيرة محاولات كثيرة مشبوهة لتعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 لغرض الانقضاض على الحقوق المدنية التي حصلت عليها الحركة النسوية. فيما لم تُفعّل حتى الآن الاتفاقات والقرارات الدولية الخاصة بالنساء ومنها قرار مجلس الأمن المرقم 1325، حول المرأة والسلام والأمن، الذي صادقت عليه الحكومة العراقية وشكلت لجنة للعمل على تنفيذه.
  10. وفيما يخص حقوق الطفولة، فان هناك الكثير من الشواهد التي تبين حجم المآسي. ويمكن القول بهذا الشأن ان «لا تعليم، لا صحة، لا رعاية للموهوبين، عمالة الأطفال مستمرة، لا قوانين تحمي الطفولة».
  11. وخلال الفترة منذ المؤتمر الوطني العاشر للحزب، تمكنت الحركة النسوية من رفع سقف المطالب عالياً، فيما يشير الواقع إلى ضعف الاستجابة من قبل القوى المتنفذة الفاسدة. ومن ضمن ذلك، إصرار هذه القوى في البرلمان على منع تمرير قانون العنف الاسري.
  12. ولا يزال الزواج المبكر عنصر تحد للمجتمع المدني النسوي. فلم يجر الحد من هذه الظاهرة على الرغم من حالات الطلاق الكبيرة التي يعلن عنها مجلس القضاء الاعلى. وإلى جانب ذلك ارتفع مؤشر الاصابات الخطيرة بأمراض السرطان والوفيات أثناء الولادة والإجهاض وكذلك المعاملة غير الانسانية اثناء الفحوصات والتوليد، واستمرار حالات ختان الإناث، الذي اعتبرته الامم المتحدة انتهاكا صارخا لحقوق الانسان، وشكلا من العنف الشديد ضد الفتيات. فيما تستمر جرائم القتل بحجة غسل العار وحالات الزواج «النهوة».
  13. وتظهر نتائج المسوحات الاحصائية أن نسبة عالية من النساء لا تحصل على تعليم كاف. وتبيّن آخر احصائية نشرت عام 2017 ان نسبة 33,2 في المائة فقط من الفئة العمرية 15 - 17 سنة، التحقن بالتعليم الإعدادي.
  14. إن المرأة في العراق تعيش أوضاعاً مأساوية لا يمكن معالجتها ما لم تتكاتف الجهود الوطنية لجميع القوى والأحزاب المدنية والديمقراطية وكل القوى الساعية إلى التغيير. فمن دون المرأة لا يمكن بناء دولة المواطنة والمؤسسات والقانون وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية.

 الشباب

  1. تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن الشباب يشكلون نسبة أكثر من نصف سكان العراق، وان الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة بلغ 45 في المائة من مجموع السكان ذكوراً وإناثاً. بواقع 15 مليوناً و428 ألف نسمة عام 2018، والفئة العمرية 10 - 30 تمثل 14 في المائة من الشعب العراقي. في المقابل تتصاعد نسب البطالة والفقر والأمية والأمراض بينهم. وعانى الشباب في الفترات الماضية من ضعف دورهم في المجتمع، وغابت تنمية قدراتهم ومواهبهم في مختلف المجالات، وكبرت الفجوة بينهم في الريف والحضر وكذلك بين مدينة وأخرى.
  2. ولا توجد إلى الآن احصائية شاملة لعدد العاطلين عن العمل، لكن التصريحات الرسمية تؤكد أن العدد الحقيقي للعاطلين قد يصل إلى 4 ملايين شخص ، فيما تشير مصادر حكومية إلى أن عدد المنتسبين في صفوف القوات الأمنية المختلفة يصل إلى مليون وربع المليون شخص جلّهم من الشباب .
  3. وكشف الجهاز المركزي للإحصاء عام 2018 أن نسبة البطالة بين الشباب للفئة العمرية بين 15 إلى 29 سنة بلغت 22,6 في المائة، بارتفاع عن المعدل الوطني بلغ 74 في المائة. كما ان البطالة لدى الذكور لهذه الفئة بلغت 18,1 في المائة، في حين بلغت لدى الإناث نسبة 56,3 في المائة.
  4. وأظهرت هذه الاحصائية أيضا أن نسبة معدلات مشاركة الشباب في القوى العاملة بلغت 36,1 في المائة. وشكل الذكور الشباب نسبة 61,6 في المائة مقابل 8,8 في المائة للشابات.
  5. وتبيّن احصائية في 2019 ان عدد المنشآت الصناعية الكبيرة بلغ 670 فقط يعمل فيها أكثر من 135 ألف شخص لم تحدد نسبة الشباب منهم، وأن معدل البطالة بين الشباب من الفئة العمرية 15 - 24 عاما يصل إلى (22,7) في المائة.
  6. ويشير مسح الفتوة والشباب الصادر عن الجهات الحكومية عام 2019 الى أن نسبة 61 في المائة من الشباب في الفئة العمرية 18 - 30 شاركوا في انتخابات 2018، ما يعني حضوراً كبيراً للشباب في الحياة السياسية. كما يبيّن ان معوقات مشاركة الشباب في الحياة السياسية تكمن في ان النظام السياسي والاجتماعي لا يوفر فرصة لمشاركتهم. وتأتي هيمنة كبار السن على الحياة السياسية بالمرتبة الثانية، فيما جاء الإحباط وعدم الإيمان بأن الوضع سيتغير بالمرتبة الاخيرة.
  7. ومعروف أيضا ان النسبة الأكثر تعرضاً للإرهاب من الفئات العمرية هم الشباب. فيما انخرطت أعداد كبيرة منهم تطوعاً في صفوف القوات الامنية الرسمية وغير الرسمية لغرض مقاتلة تنظيم داعش الإرهابي.
  8. وبسبب الأوضاع الصعبة التي يمر بها البلد، فأن نسبة الشباب الذين يواصلون دراستهم والتعلم متدنية. لكنها ارتفعت في الأعوام الاخيرة بسبب متطلبات سوق العمل، كون الشهادة الجامعية بوابة للحصول على فرصة عمل. في المقابل، هناك تراجع حقيقي في الالتحاق بالمدارس المهنية (تجارة، صناعة، زراعة، تدريب منزلي) بالمقارنة مع عدد الطلبة في الاعداديات الحكومية والأهلية للفروع العلمية والادبية.
  9. ولا بد من الاشارة إلى ارتفاع نسبة المدخنين والمدمنين على تعاطي المخدرات ومتناولي الكحول بين صفوف الشباب. ويرى مختصون أن هذه الظاهرة سببها المصاعب الناجمة عن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى ضعف الوعي الثقافي والتعليمي وضعف المؤسسات الحكومية المعنية بهذه القضايا.
  10. وبحسب بيانات وزارة الشباب والرياضة فإن مجموع المراكز الشبابية هو 192 فقط منتشرة في عموم العراق. وان نسبة مرتاديها لا تتناسب مع عددها أصلاً لأسباب كثيرة، منها بعدها عن مدنهم، وعدم تأهيلها أو وجود انشطة ترغب الشباب في الانضمام اليها.
  11. وزادت في الآونة الأخيرة نسبة الشباب الراغبين في الهجرة الى خارج البلد طمعاً في الأمن والحصول على لقمة العيش وغيرها من الظروف التي توفرها بلدان المهجر.
  12. ولم تشهد الحركة الشبابية حضوراً واضحاً لمنظماتها المدافعة عن حقوق الشباب، فضلاً عن غياب الدور للنوادي والمراكز الشبابية وكذلك الفرق الثقافية والفنية والرياضية. فيما غاب التحسن في المستوى المعيشي لهم وزادت البطالة وانخفضت نسبة العمل وقلت الاجور وزادت التهديدات وارتفعت نسبة الهجرة بين صفوفهم وغابت فرص الخريجين بالحصول على العمل. ولم يجر الاهتمام بالمتميزين منهم. ولم نشهد توظيف أي من الطاقات الشبابية في مناصب الدولة المختلفة، ومنها وزارة الشباب والرياضة. وغاب تمثيلهم في مجلس النواب برغم تخفيض سن الترشح في الدورات السابقة.
  13. لقد ساهمت قوى التحاصص في بث سموم الطائفية وشوّهت مفاهيم المواطنة والقيم الإنسانية وأشاعت روح التفرقة بين القوميات والطوائف. كما لجأت في مناسبات عدة إلى بث المفاهيم الشوفينية بينهم.
  14. وأضحى الشباب هُم الشغل الشاغل في السياسة العراقية بعد موجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في 2011 و2015 وانتفاضة تشرين 2019، بعدما غُيّب الشباب لفترات طويلة، وأصبحوا وقوداً للانقسام الطائفي العرقي، ومادة خاما للإرهاب والتطرف، فلم يكن امامهم سوى أمرين، اما اللجوء إلى المليشيات المسلحة او الالتحاق بوظيفة تدر عليهم مكسبا ماليا معينا.
  15. وهناك اسباب كثيرة لغياب دور الشباب في صناعة القرار السياسي، وفي مقدمتها عدم وجود رؤية واضحة المعالم توحد الصوت الشبابي. كما تتحمل القوى السياسية المتنفذة المسؤولية عن ذلك من خلال محاولاتها تشتيت القوى الشبابية ومنعها من الاتفاق على المشتركات وترك الخلافات، بدءاً من كتابة النصوص الدستورية، وصولاً إلى إقرار القوانين المشرعة، مروراً بتنفيذ الفعاليات السياسية المختلفة. وتعمل القوى التي تمتلك المال والسلاح الخارج عن القانون على إقصاء الشباب من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية عبر إشاعة التفرقة الطائفية وعسكرتهم وحرمانهم من حق العيش بكرامة وحق التعبير عن الرأي، بل انها استخدمت الطاقات الشبابية لتنفيذ أجنداتهم المتخلفة.
  16. وخلت التشريعات العراقية منذ تأسيس مجلس النواب من القوانين التي تصب في مصلحة الشباب. وأبقى المتنفذون الشرط الذي يقضي ان يكون عمر المرشح إلى مجلس النواب فوق 25 عاما.
  17. وفي المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابي التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات وقع الجهد الأكبر على الشباب في استعادة ما سلمته القوى المتحاصصة للإرهابيين. إذ رخصت الدماء لأجل الوطن، فهبت الجموع الشبابية لتلبية نداء العراق. وسجلت أروع معاني البطولة والفداء في تحرير الأرض، مع توجيه صفعة جديدة إلى القوى الطائفية التي سعت لتقسيم البلاد. وهنا أيضا حاولت هذه القوى ان تسجل الانتصار لحسابها وتغيّب الشباب وما قدموه من تضحيات، دفاعا عن الشعب والوطن.
  18. وبعد قيام انتفاضة تشرين الباسلة، سعت القوى المتنفذة إلى وضع موطئ قدم لها بين صفوف المنتفضين وشراء ذمم رخيصة لشباب غير واعين لخطورة المرحلة. كما عملت، ضمن أجندتها الخبيثة لضرب الانتفاضة، على تمرير شعار مضلل بأن جميع الأحزاب فاسدة. لكن قطاعات واسعة من المنتفضين بدأت تعي أهمية تنظيم صفوفها بتشكيل أطر سياسية والتوجه للتنسيق مع القوى الوطنية والمدنية.
  19. وسيبقى وضع الشباب يكتنفه التعقيد ما لم تكن هناك ستراتيجية واضحة للنهوض بهذا القطاع المهم والحيوي واستثمار كامل الطاقات الشبابية في بناء البلد وتطويره. وتبرز ضرورة الاستجابة الفورية والفعلية لمطالب الشباب المنتفض المشروعة، ومعالجة جرحى الانتفاضة ورعاية عوائل شهدائها ومحاسبة من تسبب في قتلهم وكشف المتسببين بذلك. كما تتصدر أولويات هؤلاء الشباب فضح كبار الفاسدين ومن تسبب بهدر الثروة الوطنية ومحاسبتهم.

 الطلبة

  1. لا يختلف حال الطلبة كثيراً عن وضع أقرانهم من الشباب مع التراجع الخطر الذي شهده قطاعا التعليم والتربية بعد التغيير، اذ تراجع مستوى التعليم وزادت نسبة الأمية «القراءة والكتابة» حتى بالنسبة للدارسين في الصفوف الابتدائية والمتوسطة، وجاء تصنيف الجامعات العراقية في مستويات متدنية نسبة إلى الجامعات العالمية.
  2. وواجه الطلبة صعوبات كثيرة بالتعلم نظراً لتراجع المناهج الدراسية العلمية والمختبرات والأقسام الداخلية وندرة الأنشطة اللاصفية وكبت واضح للحريات الطلابية ومنع منظماتهم المعبرة عنهم من العمل المهني مع غياب قانون الاتحادات الطلابية.
  3. ويواجه الطلبة واقع تردي البنى التحتية وأزمة الطلبة النازحين وغياب الحلول والحريات الطلابية، وتزايد الانتهاكات التي يتعرضون إليها داخل المؤسسة التعليمية والتربوية. كما أن المناهج الدراسية لا تخلو من التمييز الطائفي. وتتفاقم ظاهرة التسرب من الدراسة وخطرها الذي يهدد التعليم ومستوى وعي الأجيال القادمة.
  4. وتوجب الإشارة إلى انعدام وجود خطط مدروسة لإدارة العملية التربوية حيث تتخذ القرارات ارتجالاً في كل عام، إضافة إلى استمرار ارتفاع أجور الدراسة المسائية والأهلية والتعليم الموازي على الرغم من تدني الوضع المعيشي للطلبة وعوائلهم.
  5. وحين شارك الطلبة في انتفاضة تشرين المجيدة لم تأت مشاركتهم الاّ عند ادراكهم أن أي اصلاح للعملية التربوية والتعليمية لن يتحقق إلاّ بإجراء إصلاح حقيقي شامل. وهذا ما دعاهم إلى تبني مطالب الانتفاضة بشكل تام دون الاكتفاء بالمطالب الخاصة بهم فقط. وعلى هذا الأساس كان حراكهم في قلب الانتفاضة وتقدموا صفوفها. وسجلوا مواقف بطولية سيخلدها التاريخ عندما نظموا الإضرابات والتظاهرات احتجاجا على التسويف والمماطلة وعمليات القتل والترهيب التي مورست بحق المتظاهرين من قبل قوى الفساد. وسُجّلت انتهاكات جسيمة بحق الطالبات والطلبة المشاركين في الانتفاضة وبأساليب عدة.
  6. ورغم هذه المساهمة الكبيرة للطلبة في الانتفاضة، والتي كانت بحق مفخرة للشعب العراقي، إلاّ ان جزءاً كبيراً منها كان يخص المطالب السياسية العامة، فيما يبقى الواقع الطلابي مهمشاً اذ تنعدم المساواة وتكافؤ الفرص الدراسية. وهناك الآن الخشية من استمرار غض النظر عن مجانية التعليم مع انتشار التدريس الأهلي وتفوقه على التعليم الحكومي.
  7. وينبغي في هذه الحال إجراء اصلاح شامل في المناهج الدراسية بما ينسجم مع روح العصر ومتطلبات التنمية الوطنية واضفاء الطابع الانساني عليها، مع ضرورة إعادة تأهيل الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى بما يتلاءم وتعزيز مكانتها.
  8. ويمكن حل المشاكل الطلابية من خلال عقد مؤتمر وطني عام برعاية الحكومة العراقية يجمع مختلف المتخصصين من أساتذة وأكاديميين وذوي الخبرة والتجربة، بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحادات والمنظمات الطلابية ومنظمات المجتمع المدني واعضاء لجان التعليم والتربية في مجلس النواب، بهدف وضع حل استراتيجي للنهوض بالواقع التربوي والتعليمي والخروج بقرارات ملزمة التطبيق للحكومة ووزارتي التعليم العالي والتربية.

 الثقافة والمثقفون

  1. لا يمكن عزل التدهور الذي أصاب قطاع الثقافة في العراق عن مجمل التدهور الشامل الذي أصاب الواقع العراقي. إذ يعاني هو الآخر أزمة بنيوية، شأنه في ذلك شأن بقية قطاعات المجتمع.
  2. فمن ناحية، أهملت الحكومات المتعاقبة قطاع الثقافة، بما فيه من بنى تحتية وإمكانيات بشرية، حيث تناقصت ميزانية وزارة الثقافة إلى أقل من (0,5) في المائة من عموم ميزانية الدولة. ولم تُصرف تلك الأموال الشحيحة على إعادة إعمار البنى الثقافية التي خربتها الحروب والإهمال. كما أكل الفساد نصيباً كبيراً من تلك التخصيصات.
  3. ومن ناحية أخرى، عانى المثقف العراقي من حالة يأس وجمود سيطرت عليه بفعل الأزمات المتراكمة، وهيمنة خطابات التعصب الطائفي والإثني. كما خلق المال السياسي، المتراكم من سرقة ثروات البلد، جيشاً من المثقفين «التقليديين» التابعين لنهج القوى المتنفذة.
  4. ويمكن الإشارة إلى بعض عناصر وسمات الأزمة الثقافية، وهي بالطبع جزء من الأزمة الاجتماعية. ومن ضمنها «غياب» أو تغييب دور المثقفين، وهو ما يعكس الخلل في موقف النخب السياسية من المثقف وإبداعه. وهناك أيضا غياب الدعم الحقيقي من جانب الدولة ومؤسساتها للإنتاج الابداعي، وتخلي الدولة عن مسؤوليتها في انشاء البنى التحتية للثقافة وتوفير شروط ازدهارها. ولابد من الإشارة إلى معاناة المثقفين من تأثير ثقافة الإعلام واحساس المثقفين بالتهميش على يد الحكام المتنفذين واستمرار نظرتهم الأحادية التبسيطية للثقافة الإبداعية وتصوراتهم الشعبوية المبتذلة في فهم دور المثقف وخصوصيته. وأخيرا، انسحاق المثقف تحت وطأة الاحساس بالإحباط والعزلة وطاحونة اللهاث وراء العيش على نحو يستنزف طاقته الابداعية.
  5. وكشفت انتفاضة تشرين عن فرز واضح بين المثقفين الذين انحازوا اليها وقدموا الدعم لها بأشكال مختلفة، وكان موقفهم يمثل امتداداً لدورهم النشيط في الحراك الاحتجاجي منذ انطلاقه في 2011، واولئك الذين اختاروا الوقوف ضدها، إلى جانب السلطة وقواها المتنفذة، وعملوا على خلق ثورة مضادة لمواجهة الانتفاضة ووأدها.
  6. إن الحاجة إلى الاصلاح الثقافي ضرورة ملحة كجزء من الاصلاح كقضية مجتمعية. وهو يعني إعادة الاعتبار إلى الثقافة كجزء اساسي من حياة الناس، ومصدر لا ينضب لمتعتهم وفائدتهم، وحاجة لا غنى لهم عنها، وذلك من خلال توفير شروط نموها وتطورها.
  7. لذا فان ثمة ضرورة ملحة إلى إعادة بناء المشهد الثقافي الإبداعي في بلادنا. وهذا يتطلب إقامة مشروع ثقافي وطني إنساني النزعة وديمقراطي المحتوى يكون حاضنة لكل التيارات الداعية إلى تكوين هوية وطنية منفتحة متجددة تحترم التعددية الثقافية والفكرية والتنوع القومي وتتفاعل مع سائر روافد الفكر العالمي وتياراته.
  8. ان الثقافة، نشاطا وانتاجا، ينبغي ان تستعيد استقلالها الذي سلبه اياها النظام البائد، وأن تعود شأنا يخص المجتمع أولا ومنتجي الثقافة قبل غيرهم. وهذا يعني احترام أجهزة الدولة استقلال الثقافة، وكفّها عن التدخل في العمل الثقافي وعن السعي للهيمنة عليه وتوجيهه، وتركها أمر الانتاج الثقافي لمبدعي الثقافة أنفسهم. وهو في الوقت نفسه لا يعني تخلي الدولة عن واجب رعاية الثقافة وحفز تطورها، ودعم منتجيها وناشطيها، وتشجيع العمل الثقافي بوجه عام.

 الواقع الرياضي

  1. تردى الواقع الرياضي خلال الفترة الماضية وتميز بتراكم كل مظاهر الفساد والتخريب وعيوب المرحلة السابقة. اذ جرى تقسيم الأندية الرياضية على أساس طائفي وقومي واثني وحزبي وحتى عائلي، وتفشى الفساد على نحو غير مسبوق وسط المسؤولين الرياضيين وتم التلاعب بالأموال. وظهر إلى السطح ما يسمى بـ»أندية المنحة»، التي تشكل حسب المنح الحكومية السنوية لتغيب حال عدم توفرها.
  2. وأنتج هذا الوضع فعاليات رياضية مكوناتية بعيدا عن تنمية الحس الوطني، وتجلى ذلك في المؤسسات الرياضية كالاتحادات وفروعها واللجنة الأولمبية. وأدى ذلك إلى ضعف القدرة والفشل في إدارة العمل الرياضي. وبرزت ظاهرة التسقيط الشخصي والسعي بطرق متعددة لإفشال العاملين النشطاء والأكفاء.
  3. وجراء هذا الوضع أصيب القطاع الرياضي بالتسيب والفساد وإهدار المال العام والفشل في تحقيق النتائج والنمو والنجاح، وهيمنة فاشلين على قيادته، مع غياب الإشراف الحكومي وضعف تطبيق القوانين والتشريعات النافذة التي تنظم عمل المؤسسات الرياضية.

 الأمن الغذائي

  1. زادت الأزمة الاقتصادية والمالية والتداعيات الناجمة عن جائحة كورونا من هشاشة الأمن الغذائي، الذي يتحقق عندما تتوفر لجميع المواطنين إمكانية الحصول مادياً واقتصادياً واجتماعياً على الأغذية، وجودة المنتجات من الناحيتين الصحية والتغذوية، وضمان تمتعهم بحياة موفورة الصحة والنشاط.
  2. ويعاني 1,9 مليون عراقي على الأقل، أو ما يعادل 5,7 في المائة من السكان، من الحرمان من الغذاء وعدم الحصول على ما يكفيهم من الطعام كل يوم. وهناك 4 ملايين عراقي آخرين معرضون لانعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى معاناة واحد من كل أربعة أطفال من توقف النمو البدني والفكري بسبب نقص التغذية المزمن، بحسب تقرير عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في آب 2020.
  3. ويمثل المعدل المرتفع للنمو السكاني، الذي يبلغ 2,9 في المائة سنويا، تحديا كبيرا للأمن الغذائي. فقد ازداد عدد السكان من 23,5 مليون نسمة في عام 2000 إلى 40 مليونا و 150 الف نسمة في عام 2021، ما يعني زيادة بنسبة 71 في المائة في غضون 20 عاماً.
  4. وشكّل سوء إدارة موارد الدولة والفساد، فضلا عن تدهور الأوضاع الأمنية والصراعات السياسية على النفوذ والمال، عوامل كابحة لعملية سيطرة العراق على أمنه الغذائي. وأدى انخفاض التخصيصات المالية لوزارة التجارة، التي بلغت 142 مليون دولار في 2019 وذهب معظمها لتغطية أجور موظفيها، إلى الحد من قدرات هذه الوزارة التي يفترض أن تلعب دورا مهما في عملية تأمين الغذاء. هذا فضلا عن طريقتها التقليدية والتي لا تخلو من البيروقراطية وانتشار الفساد في التعامل مع القطاع الفلاحي، والذي يعتمد بشكل أساسي على الحكومة في توفير الأسمدة والبذور والمعدات وفي تسويق منتجاته. وهو ما يجعل أي خلل في التخصيصات المالية أو في آليات توزيعها يؤثر بشكل مباشر على قدرات الفلاحين على زراعة أراضيهم وتوفير المواد الغذائية.
  5. كما تمثل زيادة التصحر والتراجع الكبير في الموارد المائية وعمليات التجريف والتوسع العمراني عوامل اضافية معرقلة للإنتاج الزراعي. وأثّر احتلال تنظيم داعش الإرهابي لأراض شاسعة، عُرفت بالخصوبة والقدرة على توفير قدر لا بأس به من المحاصيل الزراعية، بشكل كبير على إنتاجية العراق للمواد الغذائية.
  6. من جانب آخر، يعتمد غالبية أبناء الشعب على مفردات البطاقة التموينية، والتي تساهم في توفير قدر بسيط من الغذاء للمواطنين، إلى جانب مساهمتها في التحكم بأسعار السوق. ولكن هذا النظام اُهمل بشكل كبير، وعملت الحكومات المتعاقبة على تخفيض تخصيصاته، فضلا عن الفساد في عقود توريد المواد الغذائية والتوزيع. وبالتالي تعثرت البطاقة التموينية وتباعدت الفترات التي توزّع فيها، لتصل في أفضل الحالات إلى 8 وجبات في السنة الواحدة، مع تقليص مفرداتها إلى أربع مواد أساسية فقط.
  7. ونتيجة لكل هذه العوامل يعتمد العراق بشكل متزايد على الاستيرادات لتلبية الاحتياجات الغذائية المحلية. فقد ارتفعت القيمة الإجمالية للاستيرادات الزراعية من 1,7 مليار دولار في عام 1985 إلى 11 مليار دولار في 2017. ورغم أن هنالك بوادر نمو في القطاع الزراعي في ظل زيادة إنتاج التمور والفواكه والخضروات، فإن 60 - 70 في المائة من الخضراوات المستهلكة لا تزال تُستورد من البلدان المجاورة.
  8. كما أدى تعطل الإمدادات في الأسواق المحلية بسبب الأزمة الناجمة عن جائحة كورونا والقيود المفروضة على الحركة، والتي تعيق تجارة المواد الغذائية، إلى زيادة أسعار هذه المواد وانخفاض توافر الغذاء.
  9. إن الاعتماد بشكل متزايد على الاستيرادات الغذائية لتلبية الطلب المحلي المتصاعد، بسبب تدهور الانتاج الزراعي والمعدل المرتفع للنمو السكاني، يمثل خطرا كبيرا على الأمن الغذائي، خصوصا مع تذبذب اسعار النفط العالمية.
  10. إن التصدي للتحديات البنيوية والناشئة التي تهدد الأمن الغذائي في العراق يتطلب وضع السياسات والممارسات البيئية السليمة التي من شأنها أن تعيد الزراعة العراقية إلى سابق عهدها، وتضمن الإمدادات الغذائية للفئات الأكثر ضعفا. ولا يمكن تحقيق ذلك من دون إصلاح سريع على مستوى المؤسسات والسياسات، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، ومراقبة الأسواق وأسعار الأغذية، وتعزيز القطاع الزراعي، وتوفير بيئة معيشية مناسبة للفلاح، وحماية المنتج الزراعي الوطني من المنافسة الاجنبية، فضلاً عن تعزيز وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان للتصدي للفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.

 المياه

  1. لقد عانى العراق في السنوات الاخيرة من انخفاض متواصل وتراجع كبير في تدفق المياه إلى أراضيه. وهو يعتمد في تأمين حوالي (70 في المائة) من وارداته المائية على دول الجوار. فقد سعت تركيا إلى تنفيذ مشاريع سدود عملاقة باشرت تشغيلها، ما أدى إلى انخفاض غير مسبوق في منسوب مياه نهري دجلة والفرات. كما لجأت إيران إلى قطع روافد الأنهر القادمة عبر حدودها أو تحويل مسارها إلى داخل أراضيها. لذا فإن العراق يواجه معضلة كبيرة تتطلب جهودا استثنائية واستخدام كل الوسائل الدبلوماسية والقانونية المتاحة في ظل عدم وجود اتفاقيات تضمن الحصص المائية بين العراق وجيرانه، وعدم التزام الدولتين بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

 سياسة اقتصادية بديلة

  1. ان المخرج من الأزمة الاقتصادية يكمن اليوم في التوجه الجاد والملح نحو تنويع الاقتصاد، والتقليل التدريجي من الاعتماد على واردات النفط التي تشكل الآن بحدود 95 في المائة من الموازنات العامة ونفقات الدولة، وفي إنماء القطاعات الوطنية الإنتاجية وحماية المنتج الوطني، واصلاح القطاع العام وتحسين إدارته، وتقليص الصرفيات العامة إلى الحدود الدنيا، وانشاء الصناديق السيادية وخفض رواتب ومخصصات وامتيازات الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والدرجات الخاصة، وإلغاء المخصصات والامتيازات. كذلك التعامل مع ظاهرة «الفضائيين» في الدولة، والبالغة رواتبهم أكثر من (12) ترليون دينار لمدة ثلاثة أشهر. كذلك حسن جباية الواردات من عقارات الدولة والمنافذ الحدودية والكمارك والاهتمام بالسياحة الدينية والأثرية، وفرض الضريبة التصاعدية على المشاريع والشركات والأفراد، ووقف الهدر العام، وتقليص النفقات العسكرية والتوقف عن تضخيم المؤسسات العسكرية والأمنية، والمكافحة الجادة للفساد، واسترداد الأموال المنهوبة. إلى جانب مراجعة عقود التراخيص بما يضمن مصالح العراق ويؤمّن تجنيبه تبعات التذبذب في أسعار النفط.
  2. كما يتوجب التدقيق في عمل نافذة بيع العملة في البنك المركزي، التي تعادل مبيعاتها الشهرية البالغة أكثر من ثلاثة مليارات دولار، إيرادات العراق النفطية، إن لم تزد عليها، ووضع حد لحالات الفساد فيها ولتسرب الأموال إلى الخارج، والعمل بصورة مكثفة على وضع نهاية عاجلة لأزمة الكهرباء المستمرة، ولقضية استيراد المشتقات النفطية في الوقت الذي تتوفر فيه كل مستلزمات الصناعات البتروكيماوية، بما يمكّن العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي في انتاجها.
  3. ويفترض هذا أيضا التوقف عن الركض وراء سراب سياسة السوق المفتوحة والليبرالية الجديدة. فما يسمى بـ»الاصلاحات»، التي روجت لها «الورقة البيضاء» الحكومية، تضمنت فيضا من المغالطات الفكرية، نابعا من تمسّك حادّ وجاد بنهج نيوليبرالي صارخ يقود إلى تحويل الاقتصاد الوطني إلى ذيل تابع، وتعزيز توجهاته كاقتصاد متخلف وأحادي الجانب، وتطبيق وصفة صندوق النقد الدولي حول الخصخصة ورهانها الخائب.
  4. لهذا فان بلادنا تحتاج إلى جملة من الاصلاحات المناسبة لظروفنا الملموسة، تستند على الموضوعات الاتية:

ـ الإصلاح المنشود يجب ان يكون جزءاً من رؤية إستراتيجية، تُحدد أهدافها بوضوح وبعيدا عن أية رطانة.

ـ الدولة في هذه المرحلة ينبغي ان تلعب دورا متوازنا ومتكاملا مع السوق، لا ان تكون طرفا ثانويا ومهمشا كما يريد صقور الليبرالية الجديدة.

ـ القطاع الخاص المحلي في العراق وبسبب أوضاعه المعروفة، يحتاج خلال وقت طويل إلى الدولة ودعمها، ومن الخطأ – في ظروفنا الراهنة - طرح الأمور من منطلق أولوية قطاع على حساب آخر، بل من خلال الوحدة الجدلية والتأثير المتبادل والاستفادة من كل القطاعات: الحكومي، الخاص، التعاوني، المختلط.. الخ.

ـ الانتقال من الطابع الريعي والأحادي الجانب للاقتصاد العراقي إلى الاقتصاد المنتج، وتنويع الاقتصاد وتحريره من الاعتماد المفرط على عوائد النفط. وهو ايضاً مدخل سليم إلى تأسيس حياة ديمقراطية حقيقية. وهذا يتطلب التطبيق الفعال لسياسة نفطية وموجهة بإستراتيجية اقتصادية ورؤية مستقبلية بعيدة المدى وواضحة الأهداف ومتناسقة داخليا. كما يتطلب مواجهة قوى الضغوط الداخلية كما قوى الضغوط الخارجية.

ـ ان منظومة المحاصصة والفساد لا مصلحة لها في الإقدام على ذلك. لذا فلا مفر من فرض هذا الاستحقاق الوطني عبر الضغط الجماهيري والحراك متعدد الأنماط والأشكال، المناطقي والمحلي والوطني.

ـ وفي كل الأحوال نشدد على عدم إلقاء تبعات الأزمة المالية والاقتصادية على الطبقات والفئات والشرائح الفقيرة والمعدمة وذوي الدخل المحدود والكادحين عموما، فيما الحاجة تتزايد إلى تقديم الدعم والإسناد لهم، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، يضمن للمواطنين احتياجاتهم المعيشية الأساسية.

ـ لقد حان الوقت لاعتماد سياسة اقتصادية ومالية بديلة لمشروع اقتصاد السوق المنفلتة والنهج الليبرالي، سياسة تأتي في مصلحة غالبية أبناء الشعب وليس مصلحة الأقلية المتحكمة اليوم في كل شيء، والتي فشلت تماما في إدارة موارد البلد وإطلاق تنمية مستدامة. وهذا يتطلب إرادة وعزما سياسيين، وكتلة بشرية فاعلة داعمة للتغيير السياسي ورافعة للنهوض، بما يضع بلدنا على السكة الصحيحة للبناء والأعمار والاقتصاد القوي المتنوع.

 البديل المدني الديمقراطي

  1. إن تغيير ميزان القوى لصالح الطبقات الشعبية والقوى المعنية بالتغيير الديمقراطي الحقيقي يستوجب إنجاز عدة مهام مترابطة ومتلازمة، من بينها:

- مهمة تطوير وتنظيم وتوحيد الحركة المطلبية للجماهير الشعبية، وذلك عبر مساعدتها على بناء أدوات الدفاع الذاتي وتحصينها ضد محاولات الاحتواء والتهميش، وبلورة آليات وأشكال للتضامن فيما بينها. ويجب أن يرتكز هذا البناء على نبذ أي هيمنة عليها من أي طرف كان.

- مهمة توحيد القوى الديمقراطية في إطار اصطفاف يستهدف إقامة نظام ديمقراطي حقيقي.

  1. يعمل الحزب على استنهاض قوى المجتمع الحية، شعبيا وسياسيا لتحقيق المشروع الوطني الديمقراطي الذي بلور ملامحه في فترات مختلفة، وظل يطوّره وفقا لمستجدات الوضع السياسي وموازين القوى والمهام الآنية والمستقبلية التي تقف امام شعبنا ووطننا.
  2. إن ملامح المشروع الذي يناضل الحزب من أجله تتجسد أساسا في:
  3. إقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات، وأمام القانون، وتوفر لهم فرصا متكافئة بغض النظر عن الجنس والعرق والقومية واللون والدين والمذهب والمعتقد والرأي الفكري والسياسي والوضع الاقتصادي والاجتماعي.
  4. فيها يتم احترام التنوع والتعددية للمجتمع العراقي، وتحقيق وحماية الحقوق القومية والسياسية والثقافية لجميع أطياف الشعب العراقي.
  5. الدولة المنشودة تكفل مبدأ المواطنة، وحماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني، وحرية التعبير والاجتماع والتظاهر والاحتجاج السلميين. ولكل فرد فيها حرية الفكر والضمير والعقيدة والرأي.
  6. دولة يُحترم فيها الدستور والقانون، ويتم فيها تداول السلطة سلميا، وتُضمن حقوق الإنسان على وفق ما جاء في لائحة حقوق الإنسان العالمية.
  7. تتجسد فيها الديمقراطية، كنظام وآليات حكم ونهج وممارسة، وحريات عامة وخاصة، وضمان التمتع بها في مؤسسات وقوانين.
  8. ويتم فيها الفصل بين السلطات الثلاث، وفصل المؤسسات الدينية والعشائرية والعسكرية عن السياسية، وعدم توظيف الدين لأغراض سياسية.
  9. فيها تكون المؤسسات العسكرية والأمنية خاضعة للإدارة المدنية المنتخبة ديمقراطيا بما يضمن وحدة القرار، ويحصر السلاح بيد الدولة ولا مكان فيها للسلاح المنفلت والمليشيات.
  10. إن أداء الدولة المدنية الديمقراطية لمهامها يوجب ان تكون دولة ذات سيادة كاملة وتمتلك قرارها الوطني المستقل، دولة مؤسسات وقانون، وان توفر لمواطنيها الحياة الحرة الكريمة، والضمان الاجتماعي والصحي الشاملين، ويتحقق فيها قدر من العدالة الاجتماعية. فهي دولة لا انفصام فيها بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية.
  11. فيها تسود قيم السلام والتسامح والقبول بالآخر المختلف، ويُحرّم الترويج لكل أشكال التعصب، والعنصرية والشوفينية والانغلاق.
  12. تُسند فيها الوظيفة العامة، في المؤسسات العسكرية والأمنية، على وفق معايير المواطنة والكفاءة والنزاهة والوطنية، بما يضمن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
  13. في الدولة المدنية الديمقراطية يكون للرأي العام ومؤسساته دوره المطلوب في الرقابة الشعبية والضغط لصيانة مصالح الشعب والوطن العليا، وفيها دور مطلوب أيضا لمنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والمدافعة عن حقوق الانسان.
  14. إن التوجه نحو إقامة الدولة المدنية الديمقراطية يفرضه سير الأوضاع في بلدنا، والحاجة إلى انقاذها ووضعها على طريق التطور والتقدم والرفاه. وان الطريق إلى ذلك يتحقق عبر نضال متواصل ومتراكم، وتحالفات واصطفافات شعبية وطبقية ووطنية، وتغيير موازين القوى لصالح المشروع الوطني الديمقراطي ومؤيديه ومناصريه.
  15. ان مستقبل التحول المدني - الديمقراطي لمجتمعنا، والتأسيس لبناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على قاعدة العدالة الاجتماعية، انما يقترن بنشاط القوى المدنية والديمقراطية القادرة على إنتاج وترسيخ وعي جديد وثقافة سياسية ديمقراطية بما يمكّن من تجاوز الثقافة والممارسات الشمولية وتفكيك النظام المحاصصي الطائفي – الإثني، وبالتالي تحقيق التغيير المنشود.

 علاقات الحزب

  1. حدد الحزب في مؤتمره الوطني العاشر (1 - 3 كانون الأول 2016) انه يناضل من أجل إقامة دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
  2. وشدد المؤتمر على اهمية وضرورة السير على طريق الاصلاح الحقيقي والشامل تحقيقا للتغيير في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مبيّنا عزم الحزب على العمل بمثابرة لتحقيق اصطفاف شعبي وسياسي واسعين، دعما لذلك ولحشد المزيد من القوى المتبنية لهما والداعمة.
  3. واسترشادا بهذه الوجهة جاءت مبادرات الشيوعيين ونشاطاتهم في حلقات ودوائر عدة.
  4. وتتوجب الإشارة إلى ان التحالفات والائتلافات هي بالنسبة للحزب تعبير عن حاجة موضوعية، لا عن رغبة ذاتوية، وأن غايتها هي تحقيق هدف أو مجموعة أهداف مشتركة، آنية أو تغطي مرحلة قد تمتد فترة زمنية طويلة نسبيا. فهي، بعبارة أخرى، مطلوبة لتحقيق هدف يحتاج إلى قوى تفوق ما يمكن للحزب تأمينه في مقطع زمني محدد.
  5. وتنهض أمام الحزب مجموعة من الأهداف والتوجهات، التي تتطلب حشد المزيد من القوى لتحقيق الهدف الأساس، وهو كسر احتكار السلطة وتغيير موازين القوى، وصولا إلى نبذ المحاصصة الطائفية والاثنية ومكافحة الفساد والتصدي للإرهاب والتطرف، وتحقيق اللحمة الوطنية وفتح آفاق رحبة واعدة على طريق بناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات.
  6. وان الحزب، وهو يتوجه إلى بناء تحالفاته ويسعى إلى توسيع دائرة المشتركات، يحرص على الحفاظ على استقلاله السياسي والفكري والتنظيمي، وممارسه حقه في تبيان آرائه ومواقفه في القضايا غير المتوافق عليها.

 استنهاض التيار الديمقراطي

  1. وفي هذا السياق يواصل الحزب جهده لتفعيل التيار الديمقراطي، ببعديه الاجتماعي اليساري والديمقراطي، وتوسيع وتطوير نشاطاته وعلاقاته، وانتظام عمل لجان التنسيق للتيار، وعمل مختلف مؤسساته وأطره وعقد اجتماعاتها الدورية ومؤتمراته. ويسعى الحزب إلى مد جسور التعاون والتنسيق مع أطراف وقوى التحالف المدني الديمقراطي، ومختلف القوى والهيئات والشخصيات المدنية والديمقراطية.

 العلاقة مع القوى المدنية

  1. وضمن توجهه يسعى الحزب إلى إقامة علاقات منفتحة مع مختلف القوى المدنية التي يتقاسم الحزب معها العديد من المشتركات.
  2. وفِي هذا السياق وبمبادرة من بعض الأحزاب والقوى المدنية بضمنها حزبنا الشيوعي، كان هناك مسعى إلى تنسيق وتوحيد جهد وعمل القوى والشخصيات المدنية التي يجمعها عدد من المشتركات، منها التطلع إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، دولة مواطنة ودستور وحياة برلمانية وتداول سلمي للسلطة، وتجريم الإرهاب والتطرف والتكفير والفساد.
  3. ورغم عدم الوصول إلى صيغة جامعة توحد عمل القوى المدنية، فان الحزب يواصل سعيه إلى إقامة وإدامة العلاقات مع مختلف الأطراف وتنمية المشتركات والتنسيق والتعاون. وأيضا الانفتاح على القوى التشرينية التي ساهمت في الانتفاضة، وإقامة علاقات التعاون والعمل معها، سواء تلك التي انتظمت في أطر سياسية، أو غيرها من قوى الانتفاضة الواسعة.

 العلاقة مع الفضاء الوطني الواسع

  1. انطلاقا من ظروف بلدنا وما يتسم به من تعددية سياسية وفكرية، ينفتح حزبنا على كافة الأحزاب والقوى الوطنية العراقية الأخرى، تلك التي لم تتلطخ أيديها بالدم العراقي وتنهب المال العام، والتي تتقاسم معه الهم الوطني المشترك وتعمل على إنقاذ البلد مما هو فيه اليوم، وتتطلع إلى حياة آمنة مستقرة كريمة يسود فيها العدل والقانون والمساواة، بعيدا عن التطرّف والإقصاء والتهميش والتكفير والتمييز بين المواطنين، وتعتبر الحوار البناء السلمي تحت سقف الدستور سبيلا لحل الخلافات إن وجدت.
  2. وفي هذا الإطار يعمل الحزب باستمرار على تعزيز علاقاته مع الأحزاب والقوى الكردستانية أيضا، التي يتقاسم معها المشتركات والتطلعات الوطنية والديمقراطية وبضمنها ما يخص مصالح شعب الإقليم.
  3. وقد أشّرت الفترة الماضية وجود إمكانات لتحرك مشترك لمعالجة قضايا سياسية محددة وذات أبعاد اجتماعية أيضا.
  4. أن الحزب ومنظماته ورفاقه، وهم يعملون ضمن دوائر مختلفة ومتعددة، على يقين راسخ بعدم وجود تعارض وتقاطع بين تلك الدوائر، فهي مكملة لبعضها طالما أن الهدف واضح ومحدد، وآليات العمل منسجمة معه.

التغيير المنشود وسبل تحقيقه

  1. بينما تستمر حالة الاستعصاء السياسي وتنامي أزمة نظام الحكم في العراق، وعجز القوى المتنفذة عن إيجاد الحلول لها، تنمو الكتلة الجماهيرية المتطلعة للتغيير وتكبر، ويتعاظم تأثيرها يوماً بعد آخر.
  2. فالأزمة التي تواجهها البلاد هي بطبيعة الحال أزمة بنيوية، ترتبط اسبابها ليس فقط بأسلوب التغيير الذي تم عبر الحرب والاحتلال، وبالتركة الثقيلة للنظام المباد، وانما أيضا بطبيعة نظام الحكم الجديد ونهجه المستند إلى المحاصصة الطائفية – الاثنية في قيادة الدولة، وتغليب الهويات الفرعية على قاعدة المواطنة العراقية الجامعة وقيمها، وتوظيف الدين لخدمة مطامح سياسية ومصالح اقتصادية ضيّقة. كذلك اتسامها بتفاعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة فيها، وبما تعرض اليه وطننا من عنف وتخريب وموجات إرهابية دامية.
  3. وبات واضحاً، أن الصراعات المحتدمة التي شهدت فصولها السنوات الماضية ترتبط بشكل جوهري بالصراع على شكل الدولة وهويتها وماهيتها، وعلى طبيعة النظام السياسي والاقتصادي - الاجتماعي الجديد.

 دور النضال الجماهيري في تحقيق التغيير

  1. يدرك ابناء شعبنا أن الاحتجاج والتظاهر السلميين هما من أهم آليات التغيير الديمقراطية، وهو ما كفله الدستور العراقي. ولعبت الحركات الاحتجاجية في العراق، ومنذ العام 2011، دورا بارزا في دفع العملية السياسية نحو مسار الإصلاح والتغيير. وتوجه الملايين من أبناء شعبنا إلى سوح الاحتجاج والتظاهر والاعتصام، في صولات عديدة وصولا إلى انتفاضة تشرين في العام 2019 رافضة الواقع المأساوي وحالة التردي على مختلف الصعد، متطلعة إلى حياة أفضل.
  2. ورفعت تلك الحركات الاحتجاجية شعارات عديدة، منها ما هو مطلبي يخص الخدمات والمعيشة، ومنها ما هو سياسي: «الشعب يريد إصلاح النظام». لكن الطابع السياسي للشعارات أخذ حيزا أكبر في الحركة الاحتجاجية خلال انتفاضة تشرين، وتجلى ذلك في الشعار الرئيسي للانتفاضة «نريد وطن».
  3. ويوضح ذلك أن الجماهير باتت تعي، بشكل جلي، أن سوء الخدمات وشظف العيش وغياب الأمن والاستقرار، كلها نتائج لفشل منظومة الحكم وآٍليات إدارة الدولة. إن هذا التحول في الوعي الجماهيري، وفهم طبيعة الأزمة ومسبباتها، يجعل من الجماهير لاعباً اساسياً في العملية السياسية.
  4. لقد عملت القوى السياسية النافذة، خلال السنوات الماضية، على فرض رؤيتها المرتبطة بمصالحها الضيقة على العراقيين. لكن واقع الحال لم يعد كذلك، فقد أدرك العراقيون حقيقة وأهمية مقولة «أن الحقوق لا تمنح.. بل تنتزع».
  5. إن التمسك بذات النهج الفاشل، وعدم تقديم حلول لما تراكم من أزمات، يرشّح استمرار اندفاع الجماهير إلى ميادين الاحتجاجات. ويجعل من الصعب تصور انتهاء تلك الحركات الساعية إلى التغيير. ويتوهم من يظن ان إرادة الشعب، بعد أن شدت عزمها نحو حياة كريمة، يمكن كسرها أو إضعافها، مهما أمتلك المتنفذون من نفوذ وقوة.

 تغيير موازين القوى.. والاصطفاف الواسع

  1. يرى حزبنا الشيوعي العراقي إن التغيير المطلوب لن يتحقق إلاّ عبر بناء منظومة بديل سياسي ومجتمعي يكسر احتكار السلطة المستندة إلى الهويات الفرعية وإعادة إنتاجها، ويؤسس لوعي اجتماعي جديد، وتوجه ثقافي يشكل نفيا لثقافة الفساد والاستبداد ولنزعات العودة إلى الماضي المناهضة للحداثة والتنوير، ويرسي الاعتراف بالآخر واحترام التنوع.
  2. ومن الواضح ان لا فكاك من نظام ودولة المكونات وانهاء المحاصصة الاّ بتغيير موازين القوى السياسية لصالح هذا المشروع ومن يتبناه ويدعمه ويناضل ويعمل من أجل تحقيقه. وهو ما يتطلب اصطفافا واسعا للقوى التي تنشد انقاذ البلد مما هو عليه وتدشين الاصلاح والتغيير المنشودين.
  3. وليس أفضل من البديل المدني الديمقراطي أداة لتحقيق ذلك، ولإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع والدولة على أسس جديدة، تجعلها دولة مواطنين أحرار وليس رعايا.
  4. وفي هذا السياق يتوجب على الشيوعيين والديمقراطيين وسائر أنصار الديمقراطية والحياة المدنية، وإخوتهم في تنسيقيات الحراك المدني والشعبي ونشطاء الانتفاضة، العمل المثابر على جمع وتوحيد الصفوف، والارتقاء إلى مستوى التحديات، ودفع الأمور إلى نهاياتها المرجوة، لإحداث إنعطافة في المشهد السياسي لمصلحة غالبية الشعب المكتوي بنار الأزمات، واسقاط الفاشلين والفاسدين سياسيا وقضائيا.
  5. وتأسيسا على هذه القناعة الراسخة أطلق حزبنا في 31 آذار 2021 نداءه إلى «الأحزاب والشخصيات المدنية والديمقراطية وقوى تشرين»، ليمد يده إلى كافة الداعين إلى قيام دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان، دولة المؤسسات والقانون، ويدعوهم إلى البدء فورا باللقاء والتشاور، وتجاوز حالة الفرقة والتشتت ولملمة الصفوف وصولاً إلى تحقيق الاصطفاف المدني الديمقراطي الواسع القادر على توفير مستلزمات البديل النوعي والكمي لإنجاز الإصلاح والتغيير.
  6. وسيواصل حزبنا الشيوعي السعي بمثابرة عبر مساهمته الفاعلة في الحراك الشعبي والجماهيري متعدد الأشكال، وعبر علاقاته مع مختلف الاوساط الاجتماعية والسياسية، إلى دفع عملية التغيير قدما حتى الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد وتحقيق الوحدة الوطنية، وتدشين مرحلة بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

الحزب.. تحديات وآفاق 

  1. تبنى حزبنا في مؤتمره الوطني العاشر مشروعا للتغيير والإصلاح، يهدف إلى عبور الطائفية السياسية، ونبذ المحاصصة الطائفية والاثنية، ومحاربة الفساد، وحصر السلاح بيد الدولة، وصيانة القرار الوطني العراقي المستقل، والتوازن والتكافؤ في العلاقات الخارجية، وضمان التمتع بالحريات الدستورية، وعدم التمييز بين المواطنين، والسير نحو تحقيق دولة المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية.
  2. وإزاء استمرار حالة الاستعصاء واستفحال الأزمة السياسية الخانقة في البلاد، وعجز القوى المتنفذة عن ايجاد الحلول والمخارج لها، أكد الحزب ان الطريق إلى التغيير الحقيقي وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية التي تكفل العدالة الاجتماعية، يتطلب نضالا متواصلا ومتراكما من أجل إحداث التغيير المطلوب في موازين القوى السياسية، عبر إقامة تحالفات واصطفافات وطنية، وحشد طيف واسع من القوى الداعمة للتغيير، وتعزيز دور القوى المدنية الديمقراطية، ومواصلة الضغط الجماهيري السلمي المنضبط والمنظم وتوسيع صفوفه.
  3. ولم تسجل الانتخابات التي جرت في 2018، التي خاضها الحزب ضمن تحالف سائرون، أي نجاح في كسر احتكار السلطة المستندة إلى الهويات الفرعية وإعادة إنتاجها وتقويض دعائم منظومة المحاصصة والفساد. وهو ما أدى إلى تنامي مشاعر السخط والرفض الشعبي للواقع القائم ولمنظومة الحكم وتصاعد الحراك الاحتجاجي ليتكلل بتفجير انتفاضة تشرين الباسلة التي شكلت منعطفا فارقا في حياة البلاد السياسية، وليضع التغيير والقطيعة مع نهج المحاصصة والطائفية السياسية على جدول أعمال المهمات الملحة أمام الشعب.
  4. وقد أعلن حزبنا انحيازه التام إلى الانتفاضة، مشاركا مع جماهيره فيها وداعما لمطالبها الوطنية المشروعة، واستشهد عدد من رفاقه واصدقائه وأصيب العديد منهم بجروح في مواجهة القمع الوحشي الذي استهدفها. وكان القوة السياسية المدنية المنظمة الوحيدة التي ساهمت في ساحات الانتفاضة منذ انطلاقها.
  5. وكشفت الانتفاضة، وجرائم القمع الدموي غير المسبوق التي راح ضحيتها أكثر من 700 من المحتجين السلميين والشباب المفعم بروح التحدي، على نحو صارخ أن قوى الطائفية السياسية لن تتردد في استخدام الأجهزة الأمنية للدولة والميليشيات التابعة لهذه القوى لإجهاض أي تحرك جدي نحو التغيير يهدد هيمنتها على السلطة. ان هذه الممارسات تُعد مؤشراً بالغ الخطورة على نزعة فاشية طائفية كامنة في نظام المحاصصة تطل برأسها القبيح كلما تصاعد النضال من أجل التغيير الحقيقي وانقاذ الشعب والوطن من الكارثة المحدقة به.
  6. واذ يتجسد جوهر الأزمة السياسية الخانقة في بلادنا اليوم في أزمة منظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد الحاكمة، والمحكوم عليها بالسقوط والانهيار، فان بديلها الذي يحمل مشروعا وطنيا ديمقراطيا لبناء دولة مواطنة وعدالة اجتماعية، دولة مدنية ديمقراطية تكفل إخراج البلاد من أزماتها وتضعها على طريق التقدم والازدهار، ما زال في حالة مخاض وصيرورة. وان مضمون التغيير المطلوب وكيفية تحقيق موازين القوى اللازمة لإنجازه، هما المحور الأساسي للصراع.
  7. وتؤشر معطيات الوضع الراهن بوضوح أن عملية الفرز الاجتماعي والطبقي الجارية تزداد عمقا، وتتنامى حدة التفاوتات الاجتماعية في الدخل والثروة، وتتضاعف أوضاع البؤس والفقر والتهميش. حيث ان شرائح وفئات واسعة تنضم إلى المهمشين والعاطلين عن العمل والباحثين عن لقمة العيش، فيما يحتدم الصراع على صعيد الدولة والمجتمع ويتخذ مظاهر وأشكالا متعددة ومتنوعة، بين المنظومة السياسية الماسكة بعتلات السلطة، والمالكة للمال والسلاح والإعلام، والمرتبطة في مصالحها بإدامة نهج المحاصصة الحاضن للفساد، من أجل تقاسم النفوذ ومغانم الدولة تحت عناوين تمثيل المكون الطائفي أو القومي.. وبين هذه المنظومة وغالبية شعبنا التي تشتد معاناتها وتتفاقم ظروفها المعيشية.
  8. وتؤكد التطورات الاخيرة وتجدد الحراك الشعبي بأشكال متنوعة ان العوامل التي أدت إلى تفجر الانتفاضة لا تزال قائمة وتتفاعل دون توقف، بغض النظر عن تصاعد وتراجع زخم أنشطتها.
  9. واذ تدرك القوى السياسية المتنفذة ان الانتخابات تعد احد أهم رافعات وآليات التغيير المنشود، فإنها تسعى دوما إلى تزويرها والتلاعب بنتائجها خشية من فقدان مواقعها، او تأجيلها بما يخدم مصالحها. ان عدم توفير الاستحقاقات والمستلزمات الأمنية والقانونية لانتخابات حرة نزيهة وذات صدقية من شأنه ان يقود إلى تفاقم السخط والتذمر الشعبي وتزايد أعداد المواطنين العازفين عن المشاركة في الانتخابات وعدم ثقتهم بها. وهو ما ينزع الشرعية السياسية والتمثيلية والأخلاقية عن المؤسسات الناتجة عنها. ولا يمكن تحقيق هذه المستلزمات لضمان نزاهة الانتخابات وعدالتها من دون مواصلة الاحتجاجات وتصعيد الضغط الجماهيري المتنوع، لإجبار المتنفذين على الخضوع للإرادة الشعبية.
  10. وحذر حزبنا من ان إغلاق الباب أمام إمكان التغيير السلمي الديمقراطي من شأنه أن يعرّض البلاد إلى مخاطر جسيمة، وهو ما ستتحمل مسؤوليته القوى المتنفذة.
  11. وتلقي كل هذه التحديات الجسيمة على عاتق حزبنا الشيوعي مسؤولية خاصة باعتباره حامل لواء التغيير الحقيقي والقوة الوطنية الجامعة المعوّل عليها لإنقاذ الشعب والوطن من الكارثة المحدقة بهما إذا استمرت هيمنة قوى الطائفية السياسية على السلطة واستهتارها بمصائر البلاد.
  12. ويتطلب ذلك من الشيوعيين الارتقاء إلى مستوى هذه التحديات عبر تعزيز دورهم ومبادراتهم في الحراك الشعبي، والمساهمة النشيطة في صياغة مطالبه وتطوير صيغ فاعلة لتوحيد قواه وتوفير قيادة سياسية لنضالاته، وإفشال مساعي القوى المتنفذة لضربه واحتوائه، كي تتحول هذه الحركة الشعبية إلى القوة الدافعة الأساسية للتغيير وتحقيق انعطاف جذري ينهي منظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد والدولة الفاشلة التي انتجتها، ليدشّن مرحلة جديدة ببناء دولة المواطنة، دولة المؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية، الدولة المدنية الديمقراطية.
  13. وفي ظروف النضال الوطني والمجتمعي الديمقراطي الذي يخوضه شعبنا بمختلف قطاعاته وطبقاته وفئاته وشرائحه الاجتماعية في هذه المرحلة الحاسمة من نضاله، تبرز الأهمية المحورية للعمل الجماهيري والحراك الاحتجاجي وضرورات المشاركة الواسعة في إطاره والتأثير على اتجاهاته الرئيسية، باعتباره أحد روافع النضال الأساسية.
  14. فالعمل الجماهيري والفعل الاحتجاجي يبقى في صدارة أولويات حزبنا الشيوعي. لذا لابد من تنشيط منظماته والارتقاء بدورها وأدائها الفكري والسياسي والتنظيمي، وتعزيز صلاتها بالجماهير وتبني مطالبها والدفاع عنها، والمشاركة الفاعلة في الفعاليات والتجمعات الجماهيرية، وأن تكون مبادرة اليها.
  15. وفي هذا السياق، يتعين مواصلة إعادة بناء التيار الديمقراطي واستنهاضه، وإطلاق مبادرات لتحقيق اوسع اصطفاف للقوى المدنية الديمقراطية الطامحة إلى التغيير، عبر تطوير العمل الميداني المشترك معها في سوح الحراك الشعبي والنضالات المطلبية وفي الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية.
  16. ومن أجل قطع الطريق على مخاطر صعود فاشية طائفية، ودحر النزعات الأكثر عداءً للديمقراطية في قوى الطائفية السياسية، التي تمثل خطراً داهماً على مصائر الشعب والوطن، يتوجب على القوى المدنية الديمقراطية، وفي مقدمتها حزبنا، أن تتفاعل مع القوى الوطنية التي لها مصلحة في التغيير وإنهاء نهج المحاصصة والفساد، وان تقيم علاقات معها لتشكيل أوسع اصطفاف وطني مناهض للطائفية السياسية وكافة أشكال التطرف والتعصب والإرهاب.
  17. كما يتوجب على الشيوعيين التوجه نحو تعزيز الصلات مع الشغيلة والكادحين والمثقفين والفئات الوسطى، وإيلاء اهتمام خاص للانفتاح على القوى الحية في المجتمع، من الشباب والطلبة والنساء، والعمل على تنمية الوعي الاجتماعي بحاجات ومطالب الناس وأهمية وضرورة عملية التغيير. والمساهمة النشيطة في النضال ضد كافة أشكال التسلط والاستبداد السياسي، والتمييز القومي والديني والطائفي، والتمييز ضد المرأة، ومصادرة الحقوق والحريات العامة أو الخاصة.

 التطورات في المنطقة والبلدان العربية

  1. شهدت منطقة الشرق الاوسط خلال السنوات الاخيرة الكثير من الأحداث المترابطة والمتداخلة مع مثيلتها على الصعيد الدولي، لتؤكد ان هذه المنطقة بما تتمتع به من مزايا وثروات هائلة تبقى موضع صراع وتقاطع مصالح دول عدة. واقترن تصعيد التوترات فيها بتزايد عنجهية إسرائيل، واستمرار التدخلات الخارجية في شؤون العديد من بلدانها بالضد من مصالح شعوبها، وتزايد الحروب العدوانية والنزاعات المسلحة ونشاط التنظيمات الإرهابية.
  2. وكانت هذه التطورات على صلة وثيقة بسياسة الامبريالية الامريكية وتنفيذ مخططاتها بالتنسيق مع حلفائها والرجعيات المحلية، كما تجلت على نحو صارخ في فترة إدارة ترامب، لإدامة الهيمنة على المنطقة والتحكم بثرواتها وتأجيج النزاعات على أسس طائفية واثنية ومناطقية، وحفز التفكك الداخلي لمجتمعاتها. وتقود هذه السياسات إلى زعزعة الاستقرار وضياع فرص التنمية والتقدم وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لشعوب الشرق الاوسط، وإلى تهيئة أرضية خصبة لنمو حركات يمينية متطرفة وفاشية وإرهابية، مما يهدد أيضا السلم العالمي.
  3. وكشفت قمة الرياض «العربية الاسلامية – الامريكية» في ايار 2017 عن مؤشرات على تبدل اولويات واشنطن تجاه القضايا الساخنة في المنطقة. ومهّدت لتأسيس تحالف دولي شرق أوسطي تحت شعار مواجهة «الإرهاب والتطرف»، لا يستثني مشاركة اسرائيل، معيداَ إلى الأذهان «مشروع الشرق الاوسط الكبير» وأهدافه ومراميه المريبة. كما تجاهلت تلك القمة القضية الفلسطينية وتمادي الاحتلال الإسرائيلي في ضرب مشروع السلام وحل الدولتين، وتسريعه بناء المستوطنات وتهويد مدينة القدس المحتلة.
  4. وأكدت التطورات في السنوات اللاحقة المخاوف آنذاك بأن الوجهة التي رسمتها قمة الرياض للصراع في المنطقة ستؤدي إلى تصعيد الاستقطاب والتوتر وسباق التسلح ومخاطر المواجهة العسكرية بدلاً من التهدئة واللجوء إلى الحوار والتقارب. وهو ما فتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية، التي لا تزال شعوب المنطقة وقودها وضحاياها ولا تخدم سوى المشاريع الإقليمية والدولية. وتجلى ذلك في أشكال مختلفة من التدخل المباشر وإدامة الحروب بالوكالة وتغذية النزاعات المحلية من قبل أمريكا وحلفائها والقوى الإقليمية، مثل إيران والسعودية وتركيا.
  5. وجاء في هذا السياق تصاعد التوتر بين امريكا وإيران بعد الغاء الاتفاق النووي من طرف إدارة ترامب وإعادة فرض العقوبات عليها في آب 2018، في خطوة أحادية ومن دون غطاء شرعي دولي. وأخذ التصعيد مداه في تهديدات متقابلة، منذرا باحتمال الانزلاق إلى صراع عسكري مهلك.
  6. وبعد هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية، أعلنت ادارة بايدن في مطلع 2021 قرارها إعادة تثبيت الاتفاق النووي مع إيران بالتنسيق مع حلفائها الاوربيين، وجرت مفاوضات بين أطراف الاتفاق في فيينا، بمشاركة امريكية غير مباشرة. ورغم جولات عدة من المفاوضات فإنها لم تنته بعد إلى اتفاق، ومن المقرر استئنافها بعد ان تشكلت حكومة ايرانية جديدة في اعقاب الانتخابات الرئاسية.
  7. إن تجارب فرض العقوبات الاقتصادية، ومنها ما تعرض له بلدنا العراق في التسعينيات، والتي يظن فارضوها انها عقوبات ضد الأنظمة تستهدف الضغط عليها لتغيير سياستها، تبيّن انها سرعان ما تتحول في الممارسة إلى عقوبات للشعب، ذات آثار وخيمة انسانيا واجتماعيا واقتصاديا، تشدد من معاناته وتفاقم صعوباته المعيشية، وتهدد نسيج المجتمع وأركان الدولة.
  8. ان شعوب المنطقة ومنها الشعب الإيراني تتطلع إلى اوضاع مستقرة تستطيع فيها توظيف مواردها وثرواتها لخير ابنائها ونحو بناء بلدانها، وإلى علاقات متكافئة مع الدول الأخرى تعتمد الشرعية والقوانين والأعراف الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد. ويبقى من حق هذه الشعوب ان تتمتع بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، وان تختار أنظمتها وفقا لإرادتها، من دون حروب وعقوبات اقتصادية وحصار ظالم .
  9. وفي هذا السياق، لابد من التأكيد مجددا أن لا مصلحة لبلادنا وشعبنا العراقي في تعمق الاستقطابات الإقليمية والدولية وعسكرة المنطقة، وان مصلحة الدولة العراقية ومؤسساتها تكمن في تجنب التخندقات أو الانخراط في سياسة المحاور، والحفاظ على علاقات حسن الجوار.
  10. وفي اعقاب قرار ترامب الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، في تنكر صارخ لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وفقا لقرارات الشرعية الدولية، جرى برعاية امريكية في آب وايلول 2020 توقيع اتفاقات تطبيع مذلة بين دولتي الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وبعدها خضعت السلطة الانتقالية في السودان للابتزاز الامريكي، ووافقت على مباشرة خطوات مماثلة نحو التطبيع مع إسرائيل، مقابل شطب السودان من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.
  11. وأكدت اتفاقات التطبيع انخراط هذه الأنظمة العربية في تنفيذ «صفقة القرن» سيئة الصيت، في إطار استراتيجية الإمبريالية الأمريكية لتعزيز هيمنتها على منطقة الشرق الاوسط من خلال إقامة تحالف إقليمي جديد بقيادة إسرائيل. وهي تمثل تتويجاً للمؤامرات والدسائس التي تهدف إلى تصفية قضية الشعب الفلسطيني، واقتلاعه من أرضه تماما وإنكار حقه في إقامة دولته الوطنية، وتحويله إلى مجموعة من اللاجئين والمشردين. ولقيت هذه الصفقة إدانة وشجبا واسعين من قبل القوى الوطنية والتقدمية في المنطقة التي اعتبرتها نسخة جديدة من وعد بلفور المشؤوم، ودعت إلى تعبئة الجهود والطاقات لوأدها ودفنها في مهدها.
  12. وفي ايار 2021، شهدت القدس المحتلة تصعيدا لجرائم القوات الاسرائيلية وعصابات المستوطنين في حي الشيخ جراح بهدف إفراغها من سكانها الاصليين الفلسطينيين وتهويدها. كما شنت قوات الاحتلال الصهيوني عدوانا همجيا على قطاع غزة استهدف الاحياء السكنية والمدنيين، ما أدى إلى سقوط أكثر من 120 شهيدا. وأطلقت أيضا الرصاص الحي على المتظاهرين في الضفة الغربية. وتصدى الشعب الفلسطيني لتلك الهجمة الشرسة وعمليات التوسع والضم والاحتلال بانتفاضة بطولية حظيت بتضامن عالمي غير مسبوق.
  13. وأكدت هذه التطورات مجددا ان أي اتفاق لا يقوم على أساس تطمين حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية وغير القابلة للتصرف في أرضه، ووضع نهاية للاحتلال الإسرائيلي، والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس، لا يمكن إلاّ أن يُعد اتفاق استسلام يتنكر بشكل صارخ للقضية العادلة للشعب الفلسطيني ولنضاله المفعم بالتضحيات من أجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي البغيض، ولن يجلب الأمن والاستقرار للمنطقة.
  14. وطالبت قوى اليسار الفلسطيني الحكومة بوقف انتهاك الحريات من قبل الأجهزة الأمنية في مناطق السلطة الوطنية. وفي هذا السياق، احتجاجاً على وضع الحريات، قرر حزب الشعب الفلسطيني الانسحاب من الحكومة الفلسطينية.
  15. وفي مقابل الموقف الخليجي والعربي الرسمي المنسجم مع الرغبات الامريكية والاسرائيلية، حظيت السعودية بدور رئيسي في المنطقة، وتزكية للتحالف العسكري الذي تقوده في اليمن، في مواجهة الحوثيين وإيران، رغم كل الاحتجاجات الدولية على الجرائم والانتهاكات الصارخة التي ارتكبها الطرفان في الحرب المستعرة هناك، ومن ضمنها استهداف المدنيين والبنى التحتية ومقتل المئات من الأطفال وتفاقم الحالة الانسانية المأساويةً، ومواصلة فرض حصار يهدد بأكبر مجاعة يشهدها العالم منذ عقود. إن مصلحة اليمن وشعوب المنطقة تكمن في ايقاف الحرب والاستجابة إلى جهود الأمم المتحدة والجلوس إلى طاولة المفاوضات، والوصول إلى تفاهمات تحمي اليمن من التفتت والضياع وتنقذ شعبه من المآسي والكوارث التي حلت به.
  16. وفي سوريا، بيّنت عشر سنوات من الصراع العسكري الدامي وما تسبب فيه من ضحايا بشرية ومشردين ولاجئين وخراب ودمار هائل، ومن جوع وفقر وآلام ودموع، إنه آن الأوان لشعبها أن يرى شيئا آخر. وأدت الهزائم المتلاحقة التي منيت بها داعش والتنظيمات المتطرفة، وفشل مخططات اردوغان التوسعية بذريعة ملء الفراغ وحماية أمن تركيا الوطني، إلى فتح آفاق أفضل للتوصل إلى حل سلمي يحظى بتوافق إقليمي ويتحقق عبر التفاوض بين الفرقاء السوريين من أجل وقف الحرب المدمرة وإنهاء معاناة الشعب السوري، والاستجابة لتطلعاته المشروعة إلى تحقيق السلم والحرية والتغيير الديمقراطي الوطني وفقاً لإرادته الحرة، ودون فرض أو وصاية، والحفاظ على وحدة بلاده واستقلالها وسيادتها الوطنية.
  17. ورغم الانتصارات العسكرية على داعش في العراق وسوريا، لم تتوقف التدخلات الخارجية وإدامة الأزمات الداخلية وإشعال حروب جديدة بالوكالة ومخططات التقسيم والتفتيت. وهو ما تجلى في لبنان حيث استمرت المحاولات لجره إلى دوامة صراعات جديدة وتدخلات لخدمة أجندات القوى الإقليمية والدولية، وفتح الباب أمام عدوان إسرائيلي جديد.
  18. وشهد لبنان في تشرين الأول 2019 انطلاق انتفاضة واحتجاجات شعبية ضد سياسات التجويع والإفقار والهدر والفساد والتبعية والتدخلات الخارجية، تطالب بالتغيير ودولة المواطنة المدنية الديمقراطية القائمة على العدالة الاجتماعية. وسلّطت كارثة الانفجار المروع في مرفأ بيروت في آب 2020 الضوء على المسؤولية التي يتحملها نظام الطائفية السياسية، الحاضن للفساد والفشل والمعبر عن مصالح الأوليغارشية المالية، المتحكمة بمصائر البلد. وتصاعدت الاحتجاجات الشعبية إثر قرار حاكم مصرف لبنان وقف دعم المحروقات بموافقة المجلس الأعلى للدفاع، ما يحمّل المواطنين اعباء هائلة ويفاقم مخاطر الانهيار الاقتصادي. وتشكلت حكومة جديدة مؤخراً، بعد اكثر من سنة على استقالة سابقتها، على وقع تسويات اقليمية دولية وعلى قاعدة المحاصصة الطائفية ومصالح الرأسمال اللبناني وتحديداً المصرفي.
  19. وفي السودان، تفجرت انتفاضة شعبية باسلة في 19 كانون الأول 2018 وتواصلت بسلمية رغم القمع الوحشي للمتظاهرين وسقوط عشرات الشهداء واعتقال المئات من المعارضين الوطنيين والناشطين الديمقراطيين، من ضمنهم أعداد كبيرة من اعضاء وكوادر الحزب الشيوعي السوداني. وتمكنت الانتفاضة من الاطاحة بنظام البشير الدكتاتوري الذي أدت سياساته في خدمة مصالح الفئات الطفيلية، وخضوعه لإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى إفقار الغالبية العظمى من السكان وتدمير البلاد. وطالبت قوى الانتفاضة بإقامة سلطة انتقالية تتصدى لقضايا عاجلة خلال فترة لا تتجاوز أربع سنوات، من ضمنها وضع مبادئ الدستور الدائم وإجراء انتخابات حرة نزيهة وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، من أجل بناء دولة المواطنة والقانون الوطنية الديمقراطية.
  20. وبعد ما يقرب من عامين على تشكيل هياكل السلطة الانتقالية في السودان، ما زالت البلاد تواجه الأزمات ذاتها، ويجري تقليص مساحة الحريات وتنتهك الحقوق، في محاولة لإفراغ شعارات الثورة من محتواها ومصادرة أدوات التغيير المتمثلة في المجلس التشريعي والحكم الشعبي المحلي، إلى جانب الإبطاء في تحقيق العدالة والاقتصاص للشهداء وفي التحقيق في جريمة فض الاعتصام، ومحاكمة رموز النظام السابق، مع الإبقاء على القوانين المقيدة للحريات. وتسعى قوى الثورة المضادة وبقايا النظام الدكتاتوري إلى التجمع من جديد والتآمر على وحدة الشعب ونسيجه الاجتماعي وضرب المكتسبات التي حققها الشعب،. وجاءت في هذا السياق محاولة انقلابية قام بها نفر من العسكريين في ايلول الماضي. ودعا الحزب الشيوعي السوداني إلى وحدة قوى «ثورة ديسمبر» حول مهامها المُعبّر عنها في إعلان ميثاق الحرية والتغيير والمجسدة في شعارها الجامع «حرية سلام وعدالة». كما طالب باستكمال هياكل السلطة بإعلان تشكيل المجلس التشريعي كخطوة مهمة في طريق تدعيم السلطة المدنية الكاملة، ومشاركة أوسع للمنتفضين في الرقابة وعملية صنع القرار وتنفيذه. وأخيرا، وكما حذرت القوى الوطنية والديمقراطية، نفذت قيادة الجيش انقلابا عسكريا مدعوما من قوى الثورة المضادة وبقايا نظام البشير الدكتاتوري لانهاء التحول الديمقراطي. وفي اثره أعلنت حالة الطوارئ وحل الحكومة وتعطيل المسار الانتقالي، وقوبل الانقلاب برفض وإدانة واسعتين، داخليا وخارجيا.

واعلن حزبنا ادانته للانقلاب وتضامنه الحار مع الشعب السوداني وقواه الديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوداني ومواصلة الدعم الثابت لنضالهم الصعب والمعقد.

  1. وفي الأردن وفي اعقاب الانتخابات النيابية في تشرين الثاني 2020 طالب ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية الأردني بسن قانون انتخاب جديد، يعتمد التمثيل النسبي والقوائم الوطنية المغلقة على المستوى الوطني. وأعلن انه في غياب قانون كهذا لا جدوى من المشاركة في أية انتخابات قادمة. وكان الائتلاف خاض الانتخابات المذكورة معتبرا «ذلك تلبية للاستحقاق الدستوري وخطوة على طريق النضال الوطني الديمقراطي». وشارك بـ 48 مرشحاً يمثلون أحزابه الستة في قائمة مشتركة حملت اسم «القائمة التقدمية». الاّ أن أياً من مرشحيه لم يتمكن من الوصول إلى البرلمان.
  2. وفي مصر، يستمر نضال قوى اليسار والحزب الشيوعي من أجل استكمال أهداف ثورة الشعب المصري بموجتيها، في كانون الثاني 2011 وحزيران 2013، بتحقيق ديمقراطية المشاركة الشعبية الحقيقية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة المصرية المدنية الحديثة وإنهاء التبعية.
  3. وفي تونس، في أعقاب أزمة سياسية شاملة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفشي الفساد وتصاعد الاغتيالات السياسية، وتفاقم الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كورونا وفشل الحكومة في التصدي لها، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد مكونات الائتلاف الحاكم، وفي مقدمتها حركة النهضة والحكومة، أعلن رئيس الجمهورية قرارات استثنائية تعني احتكاره السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، رغم تصريحاته بانها مؤقتة ، فيما اقدم أخيرا على تشكيل حكومة جديدة .
  4. وفي الوقت الذي حذرت فيه قوى اليسار في تونس من تعطيل مؤسسات الدولة وإدامة هذا الوضع الاستثنائي الذي يهدد الانتقال الديمقراطي الهش للبلاد، ومن العودة إلى الحكم الفردي المطلق، وإقحام المؤسسة العسكرية في الصراع بين أجنحة المنظومة الحاكمة، دعت الشعب إلى مواصلة التعبير عن مواقفه بالأساليب السلمية، واليقظة تجاه نوايا أنصار النظام القديم والدولة العميقة ومافيات المال والتهريب. ونبّهت إلى ضرورة احترام الحريات العامة والفردية والطابع المدني لمؤسسات الدولة واحترام دستور البلاد واستقلال القضاء. كما طالبت بمحاسبة الضالعين في الفساد والإرهاب والاغتيالات السياسية باعتباره مطلبا شعبيا من شأنه أن يعيد الثقة للمواطنين. وأكدت ان الشعب في حاجة ملحة إلى تغيير عميق ينتشل البلاد من الأزمة الخانقة، وأن مدنية الدولة وديمقراطية مؤسساتها وحماية منظومة الحقوق والحريات تعدّ مكاسب ناضل التونسيون من أجل إرسائها ويتوجب صونها والدفاع عنها.
  5. ولابد من الاشارة إلى قضية بالغة الاهمية شهدتها الكثير من البلدان العربية خلال هذه الفترة والمتمثلة بانسحاب الدولة من القيام بدورها التنموي وتحولها إلى دولة ريعية، وترك تطور الاقتصاد إلى عفوية السوق والياته الطليقة، وإهمال الجوانب الاجتماعية. وأدى ذلك إلى نتائج من بينها تدهور الانتاج الصناعي والزراعي من ناحية ونمو القطاعات الخدمية والسياحية والعقارية من ناحية اخرى، وتفاقم أزمة البطالة وتعاظم استقطاب الدخل والثروة. وهو ما يؤكد مجددا أن هذا النمط من «التطور الرث» يعيد إنتاج الاستقطاب الاجتماعي ويفاقم الثروة من جهة والفقر من جهة أخرى.
  6. والخلاصة انه وبعد مرحلة «التحرر الاقتصادي» الشكلي و»الانفتاح السياسي المحدود، أصبحت الدولة أكثر تسلطا عما كانت عليه، بحيث تغولت على المجتمع. كما ترعرعت مصالح الفئات البيروقراطية – الكمبرادورية - الطفيلية في ظل آليات الخصخصة والانفتاح الاقتصادي. وانفتح الباب على مصراعيه لسيطرة رأس المال الطفيلي والمضارب والكومبرادوري. كما استشرت ظاهرة الثراء المفاجئ غير المشروع؛ وتضخمت ظاهرة الفساد بكل أنواعه.
  7. وأثبتت التطورات الفعلية أن هامش الانفتاح السياسي في بعض هذه البلدان، والذي وصفه البعض بـ»الإصلاح الليبرالي» لم يكن سوى «إدارة لتناقضات المجتمع السياسي»، ولم تفقد أي نخبة حاكمة سيطرتها على السلطة، ولم تتغير إلاّ قواعد وأساليب ممارسة هذه السلطة. وفي هذا الإطار، وقفت حدود الديمقراطية عند مشهد فرز الأصوات الانتخابية بعد تزويرها لتتحول إلى مجرد تقنية لإبقاء الاستبداد وعدم المساس به.
  8. وفي بلدان اخرى في المنطقة، تواصل الشعوب وقواها الوطنية نضالاتها ضد القمع والاستبداد والإرهاب. وشهدت الأوضاع الداخلية في تركيا تفاقما متزايدا على خلفية سياسات اردوغان وحزبه الحاكم الاستبدادية، واستمرار مصادرة الديمقراطية وحقوق الشعب الكردي فيها، وتصاعد حملات الاعتقال ضد المعارضين. وكان لكوادر وأعضاء حزب الشعوب الديمقراطي اليساري الحصة الأكبر من الاعتقالات. واقترنت هذه السياسات بنزعة توسعية مفضوحة وتدخلات فظة متزايدة لنظام اردوغان في شؤون دول المنطقة، من ضمنها التدخلات العسكرية في ليبيا وسوريا والعراق، وفي النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، بالإضافة إلى نزاعه مع اليونان وقبرص بشأن عمليات البحث عن الغاز وإنتاجه في شرق البحر المتوسط، وخطواته الاستفزازية لعرقلة التوصل إلى تسوية سلمية للمشكلة القبرصية وانهاء الاحتلال التركي وإعادة توحيد الجزيرة.
  9. وفي إيران، مع تشديد العقوبات الأمريكية، وتفاقم الوضع الصحي جراء جائحة كورونا، إلى جانب ما يعلن عن فساد واسع وتقييد للحريات وحالة التمييز وعدم تكافؤ الفرص، اشتدت الأزمة الداخلية والاقتصادية في إيران وتزايدت صعوبات الحياة المعيشية فيها وخرجت احتجاجات في مدن عدة. وكان آخرها الاحتجاجات على شح المياه في جنوب البلاد بسبب الجفاف.
  10. واذ يتواصل نضال شعوب المنطقة بأشكال مختلفة، منها الحراك الشعبي والضغط الجماهيري والاضرابات والاعتصامات في سبيل الحقوق المدنية والديمقراطية، ومن أجل لقمة العيش والحياة الكريمة والحريات، فان حزبنا الشيوعي العراقي يدين كافة الممارسات القمعية ضد القوى الوطنية والديمقراطية، وضد قوى اليسار والتقدم والاشتراكية والشيوعية، ويجدد تضامنه معها في نضالها من أجل غد أفضل تستحقه شعوب المنطقة، التي عانت الكثير على ايدي الانظمة الدكتاتورية والرجعية.
  11. ان الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية، ومعها قوى اليسار والتقدم والديمقراطية في المنطقة، تواجه أكثر من أي وقت مضى مهمة تعزيز إسهامها في معركة التغيير السياسي الديمقراطي، وإعلاء شأن قيم التنوير والعقلانية والديمقراطية والحوار في المجتمع. ويتطلب مواجهة هذه التحديات والنهوض بالمهمات التاريخية الارتقاء بوحدة عملها، وتوسيع دائرة ائتلافاتها، لخلق موازين قوى مؤاتية لنضالها ولتحقيق مشروعها الوطني الديمقراطي.

 التطورات في العالم

  1. اتسم الوضع على الصعيد العالمي في السنوات الاخيرة باستمرار مساعي الولايات المتحدة مع حلفائها لتكريس هيمنتها الإمبريالية وإعادة العالم إلى أجواء الحرب الباردة وسباق التسلح، وممارسة سياسة القوة والتدخلات العسكرية المباشرة، واستخدام العقوبات الاقتصادية والسياسية على نطاق واسع، وتصدير السلاح، خصوصاً إلى المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، ومواصلة توتير الأجواء مع بلدان عدة من أبرزها الصين وروسيا. وهيأ هذا الوضع ارضية خصبة لنمو الحركات اليمينية المتطرفة والفاشية والإرهابية والشعبوية التي تهدد السلم والأمن العالميين. كما غذى النزاعات والحروب في مناطق كثيرة في العالم، خصوصاً الشرق الاوسط.
  2. في المقابل، تزايد النزوع العام إلى تحقيق انفراج دولي حقيقي وإطفاء بؤر التوتر، وتركيز الجهود على مجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه البشرية في تأمين الموارد الغذائية والبيئة الصالحة، ومعالجة شح المياه ومواجهة التغيرات المناخية الكونية والأمراض الوبائية وانتشار التطرف والإرهاب والنزعات القومية العنصرية المتطرفة. واثبت ذلك مجدداً أن الإمبريالية ليست مطلقة اليد في فرض أهدافها وهيمنتها، اذ يلقى هجومها ومخططاتها مقاومة من الشعوب وقوى اليسار، وبضمنها الأحزاب الشيوعية والحركات الاجتماعية، التي يمهد نضالها الطريق لبناء نظام دولي جديد يقوم على السلام والحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.
  3. وتميزت فترة إدارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، حتى نهاية 2020، بخطابها وسياستها العنجهية المتغطرسة واليمينيّة، والعودة إلى سياسة القوة الأكبر المهيمنة على الصعيد الدولي، رغم تضاؤل إمكانيات ممارسة هذا الدور لأسباب داخلية ومالية على وجه الخصوص، إضافة إلى المتغيرات على الصعيد العالمي ورغبة أغلبية دول العالم وشعوبها في شق طريق حياتها وتطورها الخاص بها. وساهم ذلك في إضعاف دور الأمم المتحدة وتقويض مساعيها للتوصل إلى حلول سياسية للأزمات والصراعات في ارجاء العالم، ومن ضمنها قضايا الشرق الاوسط، في إطار القانون الدولي الذي اُنتهك مراراً بشكل صارخ. وتجلى ذلك في التدخلات العسكرية المباشرة ومحاولات تغيير النظام في بلدان مختلفة، مثل بوليفيا وفنزويلا، وتشديد الحصار الجائر على كوبا، وتقويض مبادئ احترام السيادة الوطنية وسلامة أراضي الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
  4. وشهدت فترة حكم ترامب تصعيداً خطيراً لحرب اقتصادية تجارية مع الصين، بل وسعى إلى فرض تغييرات هيكلية في توجهاتها الاقتصادية. كما ادت سياساته إلى توتير علاقات بلاده مع بلدان تعد من الحلفاء التقليديين لأمريكا، خاصة الدول الأوربية التي طلب منها ترامب تحمل مسؤولية أكبر وتسديد التزاماتها المالية تجاه حلف الأطلسي، وأراد منها لعب دور أكبر في التصدي لـ»الخطر الروسي». وبفعل الضغط الامريكي وتساوقا معه تم فرض عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب الأزمة الاوكرانية وضم جزيرة القرم إلى روسيا.
  5. ولم تكن السياسة الخارجية لإدارة ترامب منفصلة عن سياساتها الداخلية في الولايات المتحدة. فقد كانت سياساتها تمثل مصالح الفئات الأكثر رجعية للرأسمال الكبير، وسعت لتفكيك مكاسب الحركة العمالية وحركة الحقوق المدنية. كما تجلت بوضوح الآثار الوخيمة لسياساتها على البيئة.
  6. وشكلت هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في أواخر 2020 ضربة مهمة للقوى اليمينية المتطرفة وذات النزعة الفاشية. وضمت الحركة المناهضة لترامب تحالفاً لقواعد شعبية ديمقراطية متعددة الأعراق من ملايين العاملين. وتميزت بتنوعها سياسياً وجغرافياً، وشملت النقابات وأهم المنظمات المدافعة عن الحقوق المدنية وحركة «حياة السود مهمة» و»أنا أيضا» والمطالبين بإنهاء عنف الشرطة، والعاملين في الخطوط الأمامية لمكافحة وباء كورونا، والحركات المدافعة عن البيئة، والمطالبين برعاية صحية للجميع. وحظي هذا التحالف الواسع بدعم غالبية اليسار الامريكي.
  7. وكان يتوقع ان لا تقتصر التأثيرات المهمة لهزيمة ترامب الانتخابية أمام منافسه جو بايدن على الولايات المتحدة بل وتمتد إلى الوضع الدولي ومناطق تشهد صراعات وتوترات خطرة، ومنها الشرق الاوسط. ورغم بعض الخطوات التي اتخذتها الإدارة الجديدة، مثل العودة إلى اتفاق باريس للمناخ وتخفيف حدّة النزاعات التجارية والسعي لإعادة تثبيت الاتفاق النووي مع إيران بالتنسيق مع حلفائها الاوربيين في مفاوضات فيينا والتسريع بإنهاء الوجود العسكري في افغانستان، لكنها تواصل على صعيد السياسة الخارجية نهج المواجهة الذي اتبعته الإدارة السابقة، رغم تباينات تكتيكية، ويجري تصعيده في مختلف الميادين. ومع شعار «عادت أمريكا» الذي أطلقه بايدن، لا تخفي إدارته فحسب بل تؤكد أيضا ان هدفها الرئيسي هو الدفاع عن هيمنة الإمبريالية الأمريكية على المستوى العالمي. فهي أعلنت أن التطور الاقتصادي والتكنولوجي للصين يشكل تهديدا لـ «أمن» الولايات المتحدة. كما تسعى إلى توحيد حلفائها في حلف الاطلسي والاتحاد الأوروبي وفي منطقة آسيا - المحيط الهادئ حول استراتيجيتها العدوانية. وهو ما اتضح في أول رحلة لبايدن إلى أوروبا بعد انتخابه.
  8. وجاء الاعلان في منتصف ايلول 2021 عن الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا، والمعروفة باسم «أوكوس»، ليمثل خطوة أخرى لتصعيد المواجهة مع الصين في منطقة آسيا - المحيط الهادئ. وبموجب هذا التحالف العسكري الجديد مُنحت استراليا تكنولوجيا لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية. وأعقب ذلك إعلان بايدن إحياء صيغة «الحوار الأمني الرباعي»، المعروفة بتحالف «كواد»، مع استراليا واليابان والهند. وأثارت هاتان الخطوتان مخاوف عميقة من تهديد السلم في منطقة جنوب شرق آسيا، وتصعيد سباق التسلح، والعودة إلى أجواء الحرب الباردة.
  9. ومنيت الولايات المتحدة مؤخراً بهزيمة كبيرة، سياسية وعسكرية، في افغانستان إثر قرار بايدن سحب القوات الامريكية تنفيذا لاتفاق الدوحة في شباط 2020 الذي كانت ادارة ترامب توصلت اليه مع طالبان. وانهار النظام الفاسد في وقت قياسي وتفكك جيشه الذي دعمته واشنطن وحلفاؤها بعد ان انفقت 2 تريليون دولار على حربها خلال 20 عاماً و88 مليار دولار لتمويل وتدريب قوات الأمن الأفغانية. ومرة أخرى، يدفع الشعب الأفغاني ثمناً باهظاً لسياسة التدخل العسكري المباشر و»تغيير الانظمة بالقوة»، والاحتلال بذريعة مكافحة الإرهاب، وخلق بؤر الفوضى والاضطراب، التي نفذت في بلدان عدة لخدمة مصالح الأمن القومي الامريكي.
  10. وفي مواجهة التحديات العالمية، ومن أبرزها قضايا الفقر والحروب وتغير المناخ والاوبئة والتغذية وإمدادات المياه وأمن الطاقة والعولمة الراسمالية المتوحشة، تبرز ضرورة تعزيز دور الأمم المتحدة ومؤسساتها، وانهاء تهميشها، واصلاحها بالعودة إلى ميثاقها كأساس. ولا تزال المهمة المركزية للمنظمة الدولية هي حماية السلام العالمي، أي درء النزاعات وتسويتها بشكل سلمي ومستدام على أساس القانون الدولي. فلا يمكن للانسانية أن تواجه التحديات العالمية المتزايدة الاّ بالطرق السلمية والحوار المتعدد الأطراف بالاستناد إلى إطار قانوني يستمر في التطور بالتوافق.

 جائحة كورونا

  1. وشهد العالم على نحو غير مسبوق أسوأ أزمة صحية عالمية منذ عقود، بعد انتشار فيروس كورونا المستجد «كوفيد -19» في نهاية عام 2019 في الصين وانتقاله إلى العديد من البلدان الاخرى، وتحوله إلى وباء يهدد حياة الملايين من البشر في أرجاء المعمورة، وراح ضحيته حتى الآن أكثر من 4,860 مليون شخص.
  2. ولم تعد جائحة كورونا مجرد أزمة صحية بل تحولت إلى أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية على الصعيد العالمي. وتواصلت تداعياتها بتفاوت ملحوظ ذي صلة وثيقة بطبيعة الأنظمة القائمة وهيمنة قوى السوق الرأسمالية، وتأثر النظم الصحية العامة بذلك، وقدرتها على مكافحة الوباء وتوفير وسائط الحماية والوقاية الضرورية لشعوبها، والتصدي للتحديات الجسيمة غير المسبوقة لهذه الأزمة الصحية العالمية. واعتبرت الأمم المتحدة الجائحة وتداعياتها أكبر تحدٍ يواجه العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
  3. واتضحت على نحو متزايد الآثار الكارثية، الاقتصادية والاجتماعية، لهذه الجائحة. فقد دخل الاقتصاد العالمي في ركود وأزمة مالية أسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية في 2008، وفقد الملايين فرص عملهم وترتبت عليها آثار اقتصادية وخيمة. كما كشفت حصيلة ضحايا الجائحة في الولايات المتحدة (616 ألف حالة وفاة) الوجه البشع للرأسمالية في أكبر اقتصاد عالمي، حيث لا يزال النظام الصحي فيها قائماً على الخصخصة والربح، بدلاً من جعل الرعاية الصحية أحد حقوق الإنسان الأساسية.
  4. وكما هو الحال دائماً في أزمات الرأسمالية، سعت احتكاراتها والحكومات والقوى السياسية التي تمثل مصالحها، إلى تحميل الشغيلة والشعوب أعباء الأزمة وحلها على حسابها، وتبرير ذلك بطرق دنيئة مستخدمة امكاناتها الدعائية والإعلامية الهائلة، ومسخّرة دولها وأجهزتها والمؤسسات المالية الدولية الخاضعة لهيمنتها من أجل تحقيق هذا الهدف، دون اكتراث لمصائر الشعوب وأرواح البشر. وأسفرت الرأسمالية واحتكاراتها بذلك، ومن جديد، عن الجوهر الاستغلالي لنظامها الذي كشفت عنه مراراً الحروب العدوانية التي أشعلتها والنزاعات المسلحة والتدخلات المكشوفة والمستترة التي تغذيها، لإدامة نظامها العالمي الجائر وهيمنتها وتحكمها بثروات العالم، ولتكثيف استغلال شعوبه في سعيها المحموم لتحقيق أقصى الأرباح.
  5. وإزاء التحديات الجسيمة التي أثارتها على نحو غير مسبوق هذه الأزمة الصحية العالمية ووباء كورونا، وتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دعت قوى اليسار والأحزاب الشيوعية والعمالية إلى خطوات عاجلة لتعزيز نظم الصحة العامة وقدراتها بتمويل من الدول، وتوفير وسائط الحماية والوقاية الضرورية، وحماية مداخيل وحقوق الشغيلة والفئات الشعبية المسحوقة، والتصدي لمحاولات التضييق على الحريات والحقوق الديمقراطية للشعوب تحت ستار مكافحة الوباء، وإنهاء العقوبات والحصار الاقتصادي الذي يعمق معاناة شعوب البلدان التي يُفرض عليها، ومنع كل ما يهدد صحتها وحياتها.
  6. لقد بيّن مسار هذه الأزمة وعمقها وتداعياتها أن هناك خللا بنيويا عميقا تعاني منه المنظومة الرأسماليّة العالمية، وأنها ليست عابرة وسيكون الخروج منها مكلفا. كما بيّن أن للأزمة الحالية تداعيات تتجاوز الجانب المالي لتطرح تساؤلات حادة حول البنية الاقتصادية التي أنتجتها. وكشفت الإجراءات التي اتخذتها القوى المسيطرة في قلاع رأس المال أن الرأسمالية ما زالت قادرة على إيجاد مخارج لأزماتها من خلال تغيير المسارات التي تسلكها وتعميم أعبائها على المتضررين منها بالأساس، خصوصاً الطبقات والفئات الكادحة. وهكذا يجري «تشريك الخسائر» في حال حدوث الأزمة، و»خصخصة الارباح» عند عبورها.

 اليمين المتطرف والشعبوي

  1. ومع استمرار وتعمق أزمة النظام الرأسمالي تتزايد المخاطر الناجمة عن مساعي القوى اليمينية المتطرفة لاستثمار الظروف الناجمة عن هذه الأزمة لتعزيز مواقعها في السلطة السياسية، وتلجأُ إلى تحقيق ذلك عبر وسائل انتخابية كما جرى في عدد من البلدان الاوروبية. ويمثل خطر اليمين المتطرف والشعبوي تحدياً كبيراً أمام قوى اليسار والأحزاب الشيوعية. ومن عناوينه البارزة الموقف المعادي للاجانب، وقضم الحريات والتوجه نحو بناء انظمة استبدادية، والتصدي للمحاولات المستترة لسلب الجماهير والشغيلة ما سبق ان انتزعت من مكتسبات بنضالها وتضحياتها، خاصة في مجالات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية وامتيازات التقاعد والعمر المحدد لذلك ومجانية التعليم وغيرها.
  2. وتتطلب مواجهة هذا الخطر رفع مستوى اليقظة وبذل جهود مضاعفة للتوصل إلى ارضية مشتركة من أجل بناء جبهة موحدة، وتعبئة القوى لفضح اليمين الشعبوي وخطابه الديماغوجي، المؤجج للنزعات العنصرية والقومانية المتطرفة، ولدحره في المجتمع وفي المعارك الانتخابية. كما يقتضي خوض صراع فكري ورفع مستوى الوعي السياسي، لمنع اليمين من تضليل فئات من الشغيلة وجعلها تدلي بأصواتها في الانتخابات بالضد من مصالحها.
  3. ولا ينفصل النضال ضد الفاشية والعسكرة والحرب، ومن أجل نزع السلاح والسلام، عن النضال الأوسع ضد الاستغلال الرأسمالي، ومن أجل التقدم الاجتماعي. فهو جزء لا يتجزأ من نضال الشغيلة من أجل مصالحهم الطبقية والنضال في جبهة اجتماعية واسعة تُبنى بتعبئة الطبقة العاملة وغيرها من الطبقات والفئات المناهضة للاحتكارات. ويمثل تعزيز هذه الجبهة مهمة أساسية. وفي خضم ديناميكية كهذه يشكل النضال من أجل أهداف ملموسة وآنية عاملاً أساسياً وضرورياً لمقاومة ايديولوجيا الطبقة الحاكمة، وللمضي قدماً في التغيير الثوري للمجتمع.

 اليسار وحركات الاحتجاج

  1. وساهمت قوى اليسار، ومن بينها الشيوعيون والحركات الاجتماعية، في كبح جماح النزوع العنصري الشعبوي المتطرف من خلال احتجاجات شعبية وإضرابات واسعة في فرنسا والمانيا وإيطاليا واسبانيا وبلدان اوربية أخرى. وكان من أبرزها حركة «السترات الصفر» في فرنسا ضد سياسات التقشف القاسي ومنح امتيازات ضريبية جديدة للشركات والأثرياء، وتقويض أنظمة الضمان الاجتماعي وفقاً لنهج الليبرالية الجديدة.
  2. وشهدت الهند في مطلع 2020 أكبر اضراب في تاريخها الحديث، شارك فيه 25 مليونا من الشغيلة والموظفين والعمال الزراعيين. وتصاعدت الاحتجاجات ضد حكومة مودي وسياساتها الاقتصادية والعنصرية المثيرة للانقسام الديني والإثني. كما تفجرت في أواخر 2020 تظاهرات ضخمة للفلاحين ضد قوانين زراعية سعت الحكومة لفرضها وتشديد القمع ضد الاحتجاجات السلمية.
  3. وفي أمريكا اللاتينية، رفضت قوى اليسار والشيوعيون والحركات الاجتماعية التسليم بما أحرزته قوى اليمين والليبرالية الجديدة من انتصارات انتخابية، وخاضت صراعا حادا من أجل تحقيق الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية ووقف التدخل الامبريالي الأمريكي. وشهدت بلدان عدة في امريكا اللاتينية انتصارات مهمة ومتلاحقة لقوى اليسار، شكلت مؤشرا على انتهاء سنوات التراجع وانقلابات اليمين المحلي المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها.
  4. وكان من أبرزها في الفترة الماضية فوز تحالف اليسار في الأرجنتين في الانتخابات الرئاسية التي جرت في تشرين الأول 2019. وأعقبه الانتصار الكبير الذي حققه اليسار في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في بوليفيا في تشرين الأول 2020 وعودته إلى سدة الحكم. فقد حصل حزب الرئيس السابق موراليس، الذي أجبره العسكر الانقلابيون قبل سنة على الاستقالة من منصبه، على الأغلبية في البرلمان ومجلس الشيوخ. وفي غويانا بأمريكا الجنوبية، عاد حزب الشعب التقدمي إلى السلطة بعد فوزه في الانتخابات في آب 2020. وجرى تنصيب مرشح الحزب رئيساً بعد حصوله على أعلى نسبة من الاصوات.
  5. وفي تشيلي، تمكنت حركة الاحتجاج الواسعة التي انطلقت في تشرين الأول 2019 واستمرت أكثر من عام، التي لعب فيها الشباب والطلبة دوراً متميزاً، من فرض اجراء استفتاء على اصدار دستور ديمقراطي جديد بديلا عن الدستور الموروث من حكومة بينوشيت الدكتاتورية الفاشية. وبموجب نتائج الاستفتاء جرى التصويت على انتخاب جمعية تأسيسية، تُمثل فيها النساء بنسبة 50 في المائة، لإقرار مشروع الدستور. وسيُقر الدستور الجديد في استفتاء في نيسان 2022. وفي بيرو، اُعلن رسميا في تموز الماضي فوز المرشح اليساري والقائد النقابي بيدرو كاستييو بالانتخابات الرئاسية.
  6. وأكدت الأحزاب الشيوعية والعمالية في العالم، ومنها حزبنا، في تموز 2021 تضامنها مع كوبا في مواجهة الاستفزازات العدوانية للولايات المتحدة وحلفائها، في أعقاب افعال قامت بها جماعات معادية للثورة لزعزعة الاستقرار، مستغلين المشاكل الناجمة عن تشديد الحصار الأمريكي الجائر والتي تفاقمت بسبب جائحة كورونا.
  7. إن حزبنا الشيوعي العراقي يجدد تضامنه مع نضال الشعوب وقواها الوطنية والديمقراطية واليسارية والشيوعية في العالم، من أجل حقها في تقرير مصير بلدانها بإرادتها الحرة، وفي سبيل انتصار قيم الديمقراطية والعدالة وبناء علاقات متكافئة وتوطيد السلم والأمن الدوليين.

***********

 

 

عرض مقالات: