اخر الاخبار

تابعنا ونتابع بكثير من القلق التطورات الاخيرة في بلادنا، خاصة ما يتعلق بانتخابات 10 تشرين الاول وبنتائجها الاولية المعلنة، وماعكست من حقائق ووجهت من رسائل في خصوص العديد من جوانب الوضع القائم في البلاد، وازماته المتنوعة المتفاقمة. 

وكان من بين الرسائل، تلك المتصلة بالنسبة الكبيرة للعزوف والمقاطعة للعملية الانتخابية، كذلك ما بيّنه حصاد الكتل المتنفذة من الاصوات والمقاعد، والتي جاءت في عمومها اقل كثيرا مما احرزت في الانتخابات السابقة. وفي مقابل ذلك نالت قوائم المرشحين المستقلين والتشرينيين من الأصوات ما فاق حصيلة كتل كبيرة نافذة. 

وقد عكس هذا كله وغيره، الرغبة العارمة للغالبية العظمى من أبناء شعبنا في التغيير، واستعدادهم للتعبير بوضوح ومن دون تردد عن الرفض لإعادة انتاج منظومة المحاصصة الطائفية والفساد، المسؤولة بنحو مباشر وكامل عما آلت اليه البلاد بعد ما يقرب من عقدين من الزمن، من اوضاع متردية ومتأزمة على كافة المستويات السياسية والامنية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. 

غير ان ما يثير بالغ القلق في اوساط شعبنا وقواه المخلصة، المدنية الديمقراطية والتشرينية والوطنية عموما، هو موقف بعض القوى السلبي من نتائج الانتخابات المعلنة ورفضها لها، وما يلوح من احتمالات لجوئها الى اساليب غير دستورية لتغيير النتائج، بما يعنيه ذلك من كشف لزيف ادعاءاتها التزام العملية السياسية وآلياتها الديمقراطية. 

ومعلوم ان هذا البعض هو نفسه الذي كان يعلن ويكرر في الفترة الماضية ان المخرج المقبول من الازمات المتوالية التي تئن البلاد تحت وطأتها، هو ما تأتي به الانتخابات. كما انه هو نفسه الذي شارك في صياغة قانون هذه الانتخابات وفي اختيار مفوضيتها. وها هو اليوم يحاول الالتفاف على مخرجات العملية الانتخابية، ويصر على العودة الى التوافق في تشكيل الحكومة الجديدة، والذي لا يعني سوى التحاصص الطائفي الاثني، وتقاسم السلطة والثروة والنفوذ بعيدا عن إرادة الناخبين وعامة الشعب. 

ومن اجل ذلك يلمح الى امكانية سلوك طرق منافية لما يقضي به الدستور والقانون.

وقد حدث هذا ولا يزال في إطار صراعات متواصلة ومتصاعدة بين هذه القوى ذاتها على الاصوات والمقاعد البرلمانية، وبعيدا عن هموم الناس ومعاناتهم المعيشية التي تتفاقم باضطراد وعن احتياجاتهم الحياتية الملحة. 

وذلك ما أكدته الاحداث اللاحقة المتمثلة في محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، والتداعيات الخطيرة التي يمكن ان تؤدي اليها إذا لم يتم التعامل بمسؤولية مع الوضع الناشئ عنها وفي اعقاب الانتخابات، وإذا لم يجر الاعتراف بنتائجها بعد حسم قضية الطعون بمهنية تامة من قبل المفوضية. 

وطبيعي ان محاولة الاغتيال لا يمكن حصرها باستهداف شخص رئيس الوزراء، وانما هي محاولة للحط من مكانة الدولة والاستهانة بقيم الحياة الديمقراطية، وفرض الهيمنة على مقدرات البلد وادخاله في دوامة الفوضى، وجعل العراق مسرحاً للتدخلات والصراعات الدولية.

لقد ادت هذه التطورات بمجملها الى توتير الاجواء وتصعيد مخاوف الناس مما قد ينجم عن الصراعات المتواصلة على المنافع والمواقع والامتيازات من مخاطر أمنية - سياسية على البلد في ظل التوازنات القلقة القائمة. 

وارتباطا بهذا تبرز الحاجة الى التوجه، حال انتهاء الاجراءات القانونية الخاصة بالنتائج النهائية للانتخابات، نحو تشكيل حكومة اغلبية سياسية بتمثيل وطني واسع.

ومما يلفت الاهتمام  هذا السعي المتواصل لأعادة تشكيل الحكومة وفق مقاسات البيوت الاثنية والمذهبية، وبما يبرر ويمهد لتقاسم السلطة على أساس نهج المحاصصة، الذي تدينه كل الكتل السياسية بما فيها تلك الداعية لتأسيس البيوت المذكورة التي تدعي تمثيل المكونات.

ان الحكومة القادمة مطالبة بوضع برنامج يتضمن خصوصاً:

• كشف قتلة المتظاهرين والنشطاء والاقتصاص العادل منهم.

• مكافحة البطالة وتوفير فرص العمل للشباب.

• التصدي للفساد المالي والإداري المستشري في مفاصل الدولة، وإطلاق حملة وطنية لمكافحة الفساد، ومحاسبة رؤوسه وسارقي المال العام واسترجاع الأموال المنهوبة.

• تحسين الخدمات العامة، وفي مقدمتها الصحة والتعليم، وبناء منظومة صحية حديثة وفق نظام صحي عادل وإصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في مختلف مراحلها. 

• استعادة هيبة الدولة وحصر السلاح بيد مؤسساتها وحل المليشيات على اختلاف مسمياتها، ووضع حد للنزاعات العشائرية وعبثها بحياة المواطنين، وتجريد الافراد من السلاح المنفلت.

• التصدي للإرهاب وتجفيف منابعه.

ولا بد هنا من التذكير بالدور الملقى على عاتق القوى المؤمنة بالتغيير وبضمنها التيار الديمقراطي في ادامة وتعزيز الحراك الجماهيري وربطه بعمل النواب المستقلين الجدد الساعين الى التغيير، والتنسيق المتبادل بينهما في الضغط لتشكيل الحكومة وفق قاعدة الأغلبية السياسية وبعيداً عن النهج المحاصصي المقيت.

وبالنسبة الينا تبرز الحاجة في هذا السياق الى الاستفادة من تجربة التيار الديمقراطي والتحالف المدني الديمقراطي، والى مواصلة وتكثيف التحضيرات لعقد المؤتمر الجديد للتيار الديمقراطي بما يحقق المضامين الجوهرية التي بني عليها التيار والعمل وفق الرؤية الشاملة لتعزيز الوحدة الوطنية، مع التشديد على ضرورة الجمع السليم في مهماته بين البعدين السياسي والاجتماعي - المعيشي ومسألة تأمين الاحتياجات الملحة لملايين المواطنين الذين يعانون العوز والفقر.

 

14 تشرين الثاني 2021