تثبت التجربة العالمية أن مقومات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وصلاحية البيئة للعيش والسكن تعتمد بالدرجة الأساسية على تطور قطاع النقل العام والخاص عبر شبكة من وسائط النقل تقدم خدماتها للمواطنين الساكنين في المدن الكبرى وفي العراق مثالها بغداد والبصرة والموصل وكركوك، لتلعب دورا حيويا في جوانب الحياة الحضرية الحديثة، ومن هذه الازمة يكتسب الاستثمار دوره في هذه المشكلة الكأداء التي تؤرق حياة العراقيين بصورة مستدامة من أجل المعالجة الجذرية لتأمين الاستقرار.
فتشير التقارير العالمية المتعلقة بالمناخ والتنمية في العراق أن قطاع النقل يسهم بنحو 13 في المائة من مجمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ويعد أكبر مصدر لتلوث الهواء في البلاد على مدى العقد الماضي، وأن انبعاثات قطاع النقل في العراق زادت بنسبة 80 في المائة نتيجة لزيادة عدد المركبات، وهذا النمو الهائل أدى إلى زيادة كميات انبعاث أول أوكسيد الكاربون من 364 إلى 1571 طنا يوميا خلال المدة نفسها، فضلا عن ذلك أن كميات انبعاث أوكسيد النيتروجين زادت من 28 إلى 127 والجسيمات الكتلية زادت من 5 إلى 24 ميكرو غراما لكل متر مكعب وثاني أوكسيد الكاربون من 6.068 إلى 27.382 طنا خلال الفترة نفسها، وان قطاع النقل يواجه تحديات كبيرة منها زيادة ملكية المركبات الخاصة بموازاة الافتقار إلى نظام للنقل العام في المناطق الحضرية والاعتماد على الشاحنات والمركبات الكبيرة بشكل كبير لنقل البضائع بدون الاستفادة من طرق السكك المطورة. ويستبان مما تقدم أن التوسع الحضري الكبير في العراق مع سرعة الانتقال إلى استخدام المركبات أدى إلى ارتفاع عددها من 5.66 ملايين إلى 6.44 ملايين مركبة بين عامي 2015 – 2020 بينما زاد عدد المركبات في العاصمة بغداد أكثر من ستة أضعاف بين عامي 2007—2020 ويشكل نحو 30 في المائة من أسطول المركبات في البلاد (تقرير البنك الدولي المنشور في 8 اذار من عام 2023).
إن الارتقاء بهذا القطاع والتخلص من هذه الأزمة الخانقة في تعداد وسائط النقل وآثارها الخطيرة يستلزم بلورة استراتيجية وطنية تتطلب التنسيق والتكامل بين مختلف جوانبه عبر تنظيم عمليات التطوير المستقبلي لهذا القطاع وبرمجتها محليا منذ الآن وصولا إلى المواقع الأكثر فاعلية ذات المردود الاقتصادي والاجتماعي وعدم الارتكان إلى ما ستنتجه بعض الأفكار السطحية التي لم تكن سوى أقراص مهدئة يدلي بها المستشارون المنتقون وفق أسس بعيدة عن المهنية والكفاءة والخبرة.
إن إعادة ملف مترو بغداد للدراسة والتمحيص الجدي لتكاليفه والمدد الزمنية المناسبة للتنفيذ وتحديد آليات تمويله عن طريق الموازنات الحكومية او عن طريق الاستثمار بعيدا عن النظرة التأملية سيكون كفيلا بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية التي أشرنا لها، وأن مشروع مترو بغداد سيتخطى كافة المعرقلات وسيكون أداة تنفيذ الاستراتيجية لأنه سيحل دفعة واحدة قائمة من المشاكل. فإذا أضيف اليه مشروع القطار المعلق الذي طرحه محافظ بغداد في دورة سابقة، فان الاختناقات المرورية في العاصمة بغداد ستخف كثيرا وستكون بغداد قبلة للسائحين، وفي فترة وجيزة سيستعيد تكاليفه في حال فرض أجور منطقية لا تثقل كاهل مستخدمي المترو كما مطبق في كافة العواصم، بل يمكن القول إن الايرادات التي تأتي من هذا المشروع ستكون واحدة من مصادر التمويل المهمة التي لا ينبغي ان تقتصر على الموارد البترولية على اختلافها. واسهاما في معالجة هذه الازمة نطرح المقترحات التالية:
- تحديد الخيارات بين أفضل طرق تحسين وسائل النقل والمفاضلة بينها والتي تتمثل في مشاريع المترو والترام والقطار المعلق ولسنا متأكدين من أن اختيار القطار المعلق الذي أعلن عنه مؤخرا كان الاختيار النهائي مع ضرورة وضع معايير وضوابط خاصة بالتنفيذ والتشغيل وكلف استخدامها بما يتناسب مع مستوى معيشة المواطنين سكنة مدينة بغداد.
- الارتقاء بالسيطرة النوعية على الطرق والجسور داخل المدن واستمرار أعمال الصيانة من خلال المتابعة المنتظمة وتوفير المختبرات اللازمة والكافية لإجراء الفحوصات المختبرية.