اخر الاخبار

الدگة مفردة عرفها العراقيون منذ زمن بعيد وجاءت بعدة معاني ودلالات، منها النقش او الوشم  الذي ينتشر بشكل واضح بين نساء وسط وجنوب مدن العراق. اذ كانت النساء قديما يستخدمن الدك كظاهرة للتزين وبديل عن الذهب حيث يقمن بالنقش على اكفهن وفي مواقع مختلفة من أجسادهن وحسب الفئة العمرية، ويتم عن طريق سلسلة من ضربات ووخز الابر لثقب الجلد حتى يتمكن اللون من اختراقه والاستقرار تحت طبقة الجلد ، ويختلف نوع الوشم من مدينة الى اخرى كما ان لكل قبيلة وشمها الذي تتميز به، فمثلا قبيلة خزاعة اختصت بالوشم الذي يكون على شكل نقاط عمودية ما بين الشفة السفلى والذقن وسمي بـ (الدكة الخزعلية) ويُنسب موضوع اغنية عراقية شهيرة الى هذا النوع من الوشم وهي:

يا دكة المحبوب دكة خزعليه

لا ريدهم ولا ريد جيتهم عليه

وعلى الرغم من الحكايات العديدة التي قيلت في دلالة (الدكة الخزعلية) الا ان الباحثين الكبار من امثال “عبود الشالجي “ في (موسوعته البغدادية) والرحالة “ ناجي جواد “ في كتابه «بغداد سيرة ومدينة»  أجمعوا على ان “الدكة الخزعلية “ ترتبط بنكبة (الشيخ خزعل الكعبي 1863 ــ 1936) امير المحمرة الذي رفض محاربة الانكليز مخالفا بذلك نداء مرجعيته الشيعية التي دعت الى محاربتهم الا ان الانكليز على الرغم من موقفه هذا قد غدروا به في مؤامرة دبرت بليل عام 1925 بالتحالف مع رضا شاه ايران وصارت هذه النكبة عنوانا محزنا للغدر والخيانة وموضوع الاغنية الشعبية المذكورة والتي قامت بأدائها في الثلاثينيات المطربة “بدرية انور” واعادت أداءها في الستينيات المطربة

“عفيفة اسكندر”.

 ولكن لمفردة  “ الدكة “ معنى اخر هو الفعل الدنيء البالغ السوء ومؤخرا شاعت هذه المفردة  للتعبير عن واحدة من مظاهر الانفلات الذي يشهده المجتمع العراقي متمثلة بـ (الدكة العشائرية) التي تشهدها بعض المدن العراقية وتسببت بالخسائر البشرية والتأثير على السلم الأهلي والمجتمعي .                  

والمرة الأولى التي سمعت فيها بـ (الدگة) كانت من أمي الحلاوية وذلك عندما سألتها يوما عن تاريخ ميلادها وكنت حينها صبيا لم يهتدي بعد الى قراءة التاريخ فأخبرتني انها جاءت الى الدنيا في يوم مشؤوم من ايام الحلة سمته وقتها (دكة عاكف) في 16 /11/ 1916  ولم تتركني حينها حائرا في معرفة تفاصيل تلك الواقعة انما راحت تروي لي كيف بطش قائد الجيش العثماني (عاكف بك)  وعن طريق المكر والخديعة بأهالي الحلة وبوحشية رهيبة وصل فيها عدد القتلى الى 1500 رجلا وذلك بسبب وقفتهم الشجاعة بوجه الظلم والاحتلال العثماني ، فالدكة هي ليست جريمة عادية انما جريمة بحق الانسانية وتعرف اليوم بالمصطلح الحديث (الابادة الجماعية) وعلى الرغم من مضي اكثر من قرن على تلك الواقعة الا انها احداثها وهمجية مرتكبيها ما تزال ماثلة امام اعين الحليين حتى انها شكلت علامة بارزة في تاريخ المدينة ، فهل يدرك من قام بدكة جسر الزيتون ودكة جسر السنك ان التاريخ يسجل والذاكرة لا تهرم عند الشعب . وقد جاء المعنى الثاني لمفردة “ الدكة “ في العديد من قصائد الشعراء ومن بينهم الشاعر عريان السيد خلف الذي يحكي في بيت دارمي موقف عائلة “ حسنة “ الذي قام الزعيم عبد الكريم قاسم برعايتها ومنحها دار سكن ولكن بعد حدوث الانقلاب الأسود في شباط 1963 ضد الزعيم كان شقيق حسنة الصغير يحمل غدارة بورسعيد ويركض أمام الإنقلابيين ويهتف بالموت للزعيم فخاطبه الشاعر الكبير عريان السيد خلف بهذا البيت من الدارمي :

لا بن زنه ولا حيض دگ دگتك هاي

بالبحر لو ذبوك يتنجس الماي

عرض مقالات: