حتى الآن، وبعد مرور ما يقارب شهرين على اجراء الانتخابات، لم تحسم نتائجها ويستمر الجدل في شأنها، وتبقى قضية تشكيل الحكومة قائمة، بينما تمس حاجة البلاد الى حسم الامور، كي يجري الالتفات الى القضايا الرئيسية الملحة، والبحث عن حلول حقيقية للمعضلات التي يعاني منها الملايين، وفي صدارتها بالطبع المعضلات المعيشية والاقتصادية.
وفي غضون ذلك يُسجل تصاعد في الجرائم الارهابية التي تقترفها داعش.
والسؤال الجوهري المطروح هو: هل أن هذه العوامل المعطِّلة لتشكيل الحكومة، ترتبط بمعاناة الناس وهمومهم؟ أم أنها ترتبط أساسا بالخلافات والنزاعات بين القوى السياسية المتنفذة، الباحثة عن تسويات تضمن مصالحها هي، ومشاركتها في تقاسم السلطة والنفوذ والامتيازات؟
ولا ريب ان هذا يجري، في غالب الأحيان، بعيدا عن الرسائل التي وجهتها العملية الانتخابية، متمثلة بنسبة العزوف والمقاطعة العالية، وحجب اصوات الكثير من الناس عن القوى المتنفذة لصالح المرشحين المستقلين. وهو ما يعني، من الناحية العملية، تجسيدا لرغبةٍ وارادةٍ حقيقيتين في التغيير، سواء في النهج السياسي او الشخوص.
وفي الأيام الأخيرة تكثفت اللقاءات السياسية حول فكرتي الحكومة التوافقية وحكومة الاغلبية. ومن الجليّ أن الفكرتين تعكسان ما كشفته انتفاضة تشرين، من ضرورة القطع مع طريقة تشكيل واقامة الحكومات السابقة، القائمة على نهج المحاصصة - الحاضن للفساد وسوء الادارة وفشل الدولة في اداء وظائفها ومهماتها.
ومن الواضح أن هناك محاولات لإفراغ المضامين والإبقاء على المحاصصة بمسميات جديدة. وهذا رغم ان أوضاع البلاد، وضرورة انتهاج طريق جديد لوضع القضايا الأساسية الملحة على سكة الحلول الحقيقية والاستجابة لمطالب الشعب، لا تحتمل المراوغة والاستمرار في النهج السابق وراء ستار من الاجراءات الشكلية والتعديلات السطحية.
إن ثقة الشعب بمؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية لا يمكن استعادتها أو تجسيرها، الا باعتماد نهج جديد جوهره تغيير حقيقي واصلاحات فعلية في أسس بنية الحكومة وتوجهاتها.
لذلك فان المطروح ليس مجرد تشكيل الحكومة، وانما هو ماهية الأسس التي تشكل عليها مثل هذه الحكومة، ومن هم شخوصها، وما هو برنامجها، وما مدى حرصها على مصالح الناس، وعكسها لمعاناتهم وهمومهم، وحلها لمشكلاتهم.
واذا كان من نافل القول ان القوى المتنفذة تضع مصالحها الضيقة دائما في المقدمة، وليس متوقعا منها أن تنتهج مسارا حقيقيا يعكس الارادة الشعبية، فان من الواجب اطلاق ضغط شعبي متعاظم، وتأكيد المطالب التي عبرت عنها انتفاضة تشرين والأشكال الاحتجاجية المتنوعة التي عبرت عن نفسها، اليوم، في الكثير من المفاصل والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
إن هذا الواقع يلقي على عاتق قوى التغيير، المتمثلة اساسا بالقوى المدنية والديمقراطية والحركات التشرينية، وسواها من قوى منتظمة في منظمات واتحادات نقابية واجتماعية، فضلا عن النواب الجدد المستقلين الذين يتبنون المطالب الشعبية وتطلعات قوى الانتفاضة والاحتجاج، وينشدون التغيير، يلقي على عاتقهم جميعا مهمة التنسيق وتوحيد الجهود والتوصل الى رؤى مشتركة، الى جانب العمل معا على التوعية بها وترجمتها الى واقع وفعل سياسي ملموس على مختف المستويات.