ان المواطنين لم يخرجوا محتجين ورافضين ومنتفضين الى الشوارع والساحات من اجل إجراءات جزئية هنا او هناك، او تبديل هذا المسؤول او ذاك، او القيام بإصلاحات ترقيعية ، بل ان مطالب الانتفاضة وعموم أبناء الشعب المكتوين بنار الازمة العامة الشاملة التي تعصف بالبلد، قد تعدت ذلك كثيرا وطرحت على جدول العمل تحديات عدة وعلى نحو مباشر الخلاص من منهج المحاصصة أيا كان اسمها او شكلٍ تجليها، ومن منظومة الفساد والسلاح المنفلت، والفاشلين الذين امسكوا بالقرار منذ 2003.
وإذ تتدافع اليوم الكتل السياسية على تشكيل الحكومة، تبرز أسئلة كبيرة هي بمثابة استحقاقات واجبة لها علاقة بنوعية الحكومة القادمة وبرنامجها واليات عملها، فماذا يريد المتنفذون، والى ماذا يتطلع عامة الناس؟
ان المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الذي انهى اعماله قبل أيام قلائل قد اكد بوضوح ان أساس البلاء في بلادنا يتجسد في منظومة المحاصصة والفساد، التي بنهجها وادارتها وتحكمها بمفاصل أساسية في الدولة، أدت إلى تشويه الديمقراطية وتخريب مؤسساتها واضعاف هيبة الدولة وقوة القانون وتكريس انفلات السلاح، وحمت الفاسدين والفاشلين، وحفزت على الترهل واللاأبالية والبيروقراطية والتجاوز على حقوق المواطنين وحرياتهم، وتأجيج الصراعات العبثية والنزعات البدائية، وفسحت في المجال لتدخلات خارجية فظة في شؤون بلادنا، كما ان هذه المنظومة قد عجزت عن تبني ستراتيجية اقتصادية وطنية وتنموية شامل، واطلقت العنان لاقتصاد السوق والخصخصة وتحجيم دور الدولة.
كل هذا وغيره ادى الى تفاقم التوترات الاجتماعية والطبقية واتساع الهوة بين اقلية حاكمة مترفهة، وغالبية عظمى مسحوقة تعاني شظف العيش وغياب الخدمات الأساسية العامة.
لذا فالمطلوب بالحاج فتح الطريق رحباً نحو وضع جديد مختلف تماما، وضع يضع البلد على سكة تغيير حقيقي يشمل المنهج والأداء والشخوص. وإذ ندرك جيدا، مع قوى التغيير الفاعلة، بان هذا الطريق يحتاج الى عمل نضالي تراكمي، سياسي ومجتمعي، وحشد طيف واسع من القوى الراغبة والعاملة حقا من اجل التغيير. فان هذا يوجب التصميم المقرون بالضغط الجماهيري المتصاعد لكسر الحلقة وفتح الافاق وفرض التراجع على المتنفذين المتشبثين بالمنهج الخاطيء وبدءا الان من تشكيل الحكومة الذي لابد ان يخضع لمطالب الناس والمنتفضين، وما وجهه المقاطعون والعازفون عن المشاركة في انتخابات تشرين الأول من رسائل بليغة هي رافضة للواقع الراهن ومتطلعة الى شيء اخرمختلف تستحقه الجماهير العراقية.
ليس مقبولا بعد كل هذا ان يأتي تشكيل الحكومة على وفق نمطية معتمدة منذ 2003 ولحد الان، وان يأتي تشكيلها حلا لمشاكل الكتل على اختلاف اسمائها، وان تكون فضفاضة، وبلا مشروع برنامجي واضح بسقوف زمنية للتنفيذ يستجيب لمصالح المواطنين وتطلعاتهم، ويشكل بداية للقطيعة مع نهج فاشل بامتياز.
واذا نشدد على ان التأخيرليس في مصلحة بلدنا، وكي نجنبه الاحتمالات الأسوء وحالة الفوضى، ولقطع الطريق على محاولات الالتفاف والمماطلة لابد من تصعيد الضغط بمختلف الاشكال لانتزاع الحقوق والمطالب وفرض إرادة شعبنا للسير في طريق بناء دولة المواطنة والمؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية.