أخيرا انعقدت الجلسة الأولى لمجلس النواب بدورته الخامسة، وانجزت مهمتها الدستورية في انتخاب رئيس المجلس ونائبيه. وعلى رغم ما جرى قبل الجلسة وخلالها من شد وجذب، فانها كسرت النمطية التي سار عليها المجلس في دوراته السابقة بإبقاء الجلسة الأولى مفتوحة، بحجة عدم تحديد الكتلة الأكبر وعدم حصول التوافقات .
ومن المفترض ان ما حصل سيمهد الطريق نحو انتخاب رئيس الجمهورية، وتكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، وعرض كابينته الوزارية وفق السياقات الدستورية على البرلمان.
وان من واجب مجلس النواب واعضائه التقيد بالمهمات المنصوص عليها دستورياً، كما بنظامه الداخلي، والتوجه الفعلي لتشريع القوانين التي تخدم مصالح الناس وحاجاتهم، وفي مقدمتها قوانين الضمان الاجتماعي، والمتعلقة بحقوق الانسان، وحق التعبير عن الرأي، ومكافحة العنف الاسري، وحماية حقوق الطفل، كذلك قانون النفط والغاز، وقانون المجلس الاتحادي وغيرها، وعدم السماح مرة اخرى بالتأجيل والمماطلة والتسويف، وما ادى اليه سابقا وتكرارا من فشل للمجلس في تمرير القوانين المهمة، لاسيما التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين وبتطمين مطالبهم وتطلعاتهم.
ومن المفترض ايضا الا يقتصر عمل النواب على الاستعراض الإعلامي، والا يتقيدوا باملاءات رؤساء الكتل ورغباتهم، بل عليهم التوجه بالفعل الملموس لتنفيذ واجباتهم الدستورية في تشريع القوانين، ومراقبة ومحاسبة الحكومة، وتشريع قانون الموازنة، والاستجابة لمطالب المواطنين العادلة .
وعندما يذكر ان هذا المجلس هو وليد انتفاضة تشرين الباسلة، فان ذلك يلزم النواب وفي مقدمتهم المستقلون ويلحّ عليهم، بمباشرة الكشف عمن تسببوا في قتل شهداء انتفاضة تشرين الباسلة، والنشطاء وأصحاب الرأي، ومن يقف خلف اولئك القتلة، وتقديمهم للعدالة. كذلك الكشف عن ناهبي قوت الشعب ومحاسبتهم واسترجاع الأموال المنهوبة. وهذه خطوات لا يفترض ان يكون فيها مكان للمجاملة والتريث، فعلى النواب تنفيذ ما وعدوا به الناس في حملاتهم الانتخابية، وإقران اقوالهم بالافعال بعيدا عن المصالح الشخصية والذاتية والفئوية.
وقد أطلقت في الأيام التالية للجلسة الاولى تصريحات لا يمكن القبول بها، وينبغي ان يختفي معها صوت التهديد والوعيد من أية جهة جاء، وان يمارس العمل السياسي سلميا وقانونيا وبعيدا عن قرقعة السلاح، وفسح المجال لعمل حكومة الأغلبية السياسية، التي يتعين عليها امتلاك برنامج يستجيب لحاجة البلد والشعب، ويتم تنفيذه بتوقيتات زمنية محددة. الى جانب تهيئة أجواء سليمة للكتل السياسة المعارضة، كي تراقب عمل الحكومة والمؤسسات التنفيذية كافة، وتسائلها بخصوص أي اخفاق او تقصير . ومن المهم ايضا تكييف النظام الداخلي لمجلس النواب، ليتيح للنواب المعارضين إمكانية المراقبة والحصول على المعلومات الكافية لعملهم.
كما ان من واجب المجلس الاصغاء جيدا لرأي المعارضة الشعبية الواسعة ونشطاء الاحتجاجات والمجتمع المدني، وعدم غض النظر عما يتعرضون له من انتهاكات جسيمة خارج السياقات الدستورية والقانونية.
ومن المفيد والضروري ايضا اشراك منظمات المجتمع المدني وجميع المعنيين والمختصين والرأي العام، في مراجعة مشاريع القوانين وابداء وجهات النظر فيها، والاخذ بملاحظاتهم والتعديلات التي يقترحونها، حتى لا تعاد الكرة وتُشرع قوانين غير مقبولة شعبياً.
ان مجلس النواب في دورته الجديدة سيكون على المحك، وسيحكم المواطنون على افعاله الملموسة وليس على الشعارات وما يغدق من وعود.