أُعلن أنّ مجلس النواب سيعقد جلسته يوم السبت ٢٦-٣-٢٠٢٢ لانتخاب رئيس الجمهورية، بما يمهّد الطريق لتسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة.
ومنذ إعلان نتائج انتخابات تشرين الأول ٢٠٢١، وحتى الان يجري صراع مستور ومعلن بين المتدافعين على مواقع الدولة والمسؤوليات فيها.
وخلال هذه الفترة انقسم من امسك بالسلطة والقرار فيها منذ ٢٠٠٥ الى فريقين كل منهما يعلن تمسّكه بنهج معين في تشكيل الحكومة القادمة؛ فالاول يعلن ان ظروف العراق لا تسمح بغير التوافقية. وعمليا تحوّل ذلك الى تقاسم للمناصب والمواقع على وفق المحاصصة، وإنْ جرى تبريره بكونه تمثيلاً للمكونات فإنه في نهاية المطاف غدا تمثيلا لاحزاب وشخصيات أعلنت احتكارها لتمثيل هذا المكون او ذاك، في حين أن نتائج الانتخابات الأخيرة لم تدعم الكثير من هذه الادعاءات. والفريق الثاني يريد الذهاب الى اغلبية وطنية، لكن هذه الدعوة وان هي تلتقي مع توجه شعبي يريد الخلاص من المنهج المحاصصاتي - المكوناتي الفاشل، لم تسعف بوضوح كافٍ، ولم تسند ببرنامج يحولها الى مشروع يلامس مطالب الناس وانتفاضة تشرين.
وبغض النظر فيما اذا اكتمل النصاب او لم يكتمل لانتخاب رئيس الجمهورية في جلسة ٢٦-٣-٢٠٢٢، فان المواطنين يبقون يتطلعون الى برنامج متكامل، يستخلص الدروس من السنوات العجاف، التي مضت، ويرسم توجها جديدا لانطلاق عهد جديد يشكل قطيعة مع المنهج المدمر المحاصصاتي، أسّ الأزمات وولّادها، ويدشن مرحلة بناء واعمار حقيقيين على مختلف الصعد.
فلا يكفي القول بالأخذ بالأغلبية الوطنية، على الرغم من ان هذا ضروري ومطلوب، ولكن يتوجب ان تكون اغلبية سياسية، وليست مكوناتية، تتبنى مشروعا واضحا ملموسا بسقوف زمنية للتنفيذ، يحقق الامن والسلام، ويطلق عملية تنمية مستدامة، ويوظف على نحو سليم موارد الدولة، ويتجه لبناء قطاعات منتجة وتخليص الاقتصاد الوطني من طابعه الريعي، ويتصدى بحزم للفاسدين وللسلاح المنفلت، ويحقق مطالب المنتفضين، ويحاكم من قتل الشهداء والناشطين، ويكشف عن المغيبين والمختطفين، ويعيد النازحين والمهجرين الى ديارهم، ويصون القرار الوطني المستقل والسيادة العراقية.. مشروعا يستهدف بناء دولة مؤسسات وقانون وحريات عامة وخاصة، وتُحترم فيها حقوق الانسان، وتُوفر الفرص المتكافئة لجميع العراقيين.
وأغلب الظن أن غالبية العراقيين يتطلعون الى مثل هذا المشروع، على ان يترافق مع حسن اختيار من ستوكل اليهم مهمة التنفيذ، وهم يفترض أن يكونوا بعيدين عن الفساد والفاسدين، وممن يمتلكون القدرة والكفاءة والإخلاص. وأن مثل هذا المشروع يمكنه أن يحقق اصطفافا واسعا، شعبيا وسياسيا.
إنّ المواطنين يريدون حلولا لمشاكل البلاد والشعب والتي تتفاقم يوما بعد يوم، وهم غير معنيين لا من بعيد ولا قريب باجتماعات الكتل والجولات المكوكية الخاصة بهم، البعيدة عن همومهم وتطلعاتهم.
ومن جانب اخر، فإن هذا التسويف والمماطلة والتعطيل وانتظار توافقات اللحظة الأخيرة، هو إضرار عمد بالمواطنين ومصالحهم، وإن صبر الناس له حدود هذا إنْ بقي شيء منه بفعل ما يتراكم كل يوم من كوارث ومآسٍ وجوع وفقر وبطالة وتبديد للمال العام وانتهاك للسيادة وحالة اللادولة.
المطلوب واضح هو وجود إرادة شعبية واسعة، تتطلع الى التغيير الشامل، وقبر المحاصصة ومخلفاتها. وكل خطوة جدية بهذا الاتجاه مرحّب بها، وفي ما عداها فإن من الصعب تصور كيف سينفجر هذا الاحتقان الاجتماعي والسياسي، وما هي مدياته.