اخر الاخبار

تعمل وزارة الموارد المائية على إحياء مشروع مرتبط بالعزلة الدولية والحصار الاقتصادي على العراق. كما أن للناس في محيطه قصة مأساوية معه؛ إذ تعرضوا بسببه الى النزوح والتهجير دون تعويض من قبل النظام السابق، وها هي الوزارة تعده اليوم «المشروع الاستراتيجي الاكبر بعد 2003»!

ووضع معنيون خطا أحمرَ تحت تصاميم المشروع: «الوزارة ليس لديها قدرة مالية وبشرية على إنجازه. كما أن لا فائدة مرجوة منه بسبب كلفته العالية، مكانه المليء بالكبريت، حاجته المستمرة للتحشية، طاقته التخزينية الضعيفة.. وغير ذلك».

ويؤكد المتحدثون ان 3 مليارات دولار المخصصة للمشروع, يمكن الاستفادة منها في انشاء سدود في اماكن اكثر حيوية, لكن «المحاصصة الطائفية لعبت دورا في اختيار المكان, بعيدا عن اراء المختصين».

مباشرة في التنفيذ

وباشرت ملاكات وزارة الموارد المائية مطلع الشهر الحالي من خلال شركاتها العامة في المرحلة الثانية من حفريات سد مكحول, بطاقة ثلاثة مليارات متر مكعب في شمال محافظة صلاح الدين، بالقرب من مصفى بيجي، بهدف تعزيز الامن المائي وتوليد الطاقة الكهربائية.

وحددت الوزارة مدة 4 اعوام لإنجاز المشروع الذي وصفته باكبر المشاريع الإستراتيجية بعد عام 2003, مبينة ان الغرض من انشاء السد جاء لتأمين خزن موجات المياه القادمة من نهر الزاب الاعلى، والسيطرة على المياه واستخدامها عند الحاجة خصوصا في مناطق وسط وجنوب البلاد. وفقا للمتحدث باسم الوزارة عوني ذياب.

وتتخوف الوزارة من انجاز تركيا، جميع اعمال مشاريع السدود والمشاريع الاروائية, ما يعني وصول كميات محدودة من المياه الى العراق، وبنوعيات غير جيدة, محذرا في حال عدم الوصول الى اتفاق مع تركيا, وسوريا وايران فإن العراق سوف يعاني من نقص بحدود 11 مليار متر مكعب من الوارد المائي الذي يصل إلى البلاد بحلول العام 2035.

ومنذ العام 2003، لم تفلح الجهود الدبلوماسية من الحكومات المتعاقبة، في التوصل إلى حلول ناجعة تضمن حصة العراق المائية، وتؤمن أنهاره من التراجع؛ إذ لا تزال التجاوزات من قبل دولتي المنبع والروافد (تركيا وإيران)، تعمل على تقليص الأراضي الزراعية، في مقابل اتساع دائرة التصحر، الامر الذي يتوقع معه مختصون بأن تدخل البلاد في العام 2040، وهي بلا رافدين.

ومؤخرا، أكدت وزارة الموارد المائية، تأجيل زيارة وفدها إلى طهران، للتباحث بشأن مشكلة المياه، بناء على طلب إيراني. بينما أكدت أنها سترسل وفدا فنياً الى أنقرة للتباحث مع الحكومة التركية، حول حصة العراق من الإطلاقات المائية.

وأكد وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، سلامة سد الموصل وتأمينه بشكل تام.

ولفت الحمداني خلال زيارته الى السد، يوم امس، الى أن «الحكومة ومن خلال وزارة الموارد المائية حريصة على استحصال حقوق العراق المائية عبر الحوار مع دول الجوار»، مبينا ان «هناك فريقا فنيا من الوزارة سيزور أنقرة خلال الأيام القليلة القادمة لتفعيل بروتوكولات التعاون ومناقشة حصة العراق المائية».

وأوضح أن «الجارة تركيا وعدت بتقاسم الضرر خلال هذه الفترة».

وزير أسبق يسجل اعتراضاته

بدوره, عارض وزير الموارد المائية الأسبق، حسن الجنابي، انشاء مشروع سد مكحول, كاشفا عن 10 أسباب لمعارضة المشروع.

وقال الجنابي في تدوينة على فيسبوك، تابعتها «طريق الشعب», ان «السد مشروع ملغى من قائمة المشاريع التي تعنى بها وزارة الموارد منذ عام 2003، وقد تم تأكيد الإلغاء في الأعوام اللاحقة، وآخرها في عام 2011، لعدة أسباب منها عدم صلاحية الموقع دون معالجات إضافية (مثل التحشية المستمرة كما يجري في موقع سد الموصل)، ووجود مكامن لمادة الكبريت», مضيفا ان «كلفته العالية البالغة (3) مليارات دولار في وضع مالي غير مناسب، ووجود أولويات أخرى لدى وزارة الموارد المائية غير بناء السدود الكبرى، ومنها تنفيذ مخرجات الدراسة الاستراتيجية لموارد المياه والأراضي، وتأهيل المنشآت القائمة وصيانة شبكات المبازل وتبطين آلاف الكيلومترات من القنوات، وتنفيذ مشاريع الاستصلاح وغيرها».

واضاف الجنابي, ان «لا فائدة من زيادة الخزين المائي اذا لم تعمل شبكات الإرواء والمبازل بصورة جيدة، نتيجة لانعدام الصيانة والتأهيل بسبب نقص التمويل أساساً», منوها الى «عدم إدراج مشروع سد مكحول ضمن قائمة المشاريع المطلوب تنفيذها حسب الدراسة الاستراتيجية للمياه والاراضي في العراق حتى عام 2035».

وبيّن, ان «العراق ليس في حاجة الى إضافة طاقة تخزينية إضافية, فمن المتوقع ان تكون سعة سد مكحول (3) مليارات متر مكعب وهي كمية قليلة قياساً الى الطاقة التخزينية الموجودة حالياً على حوض دجلة لوحده والبالغة حوالي (70) مليار متر مكعب، منها حوالي (30) مليارا في السدود القائمة وهي الموصل ودوكان ودربندخان والعظيم وحمرين، اضافة الى حوالي (40) مليارا هي الخزين الحي في بحيرة الثرثار. ولذلك تكون لدينا دائما فراغات خزنية كبيرة بسبب نقص الإيرادات».

مشروع السد بلا أمان

وأشار الوزير الاسبق إلى «عدم تحديث الدراسات التي انجزت سابقاً ومنها التحريات الجيولوجية والهيدرولوجية والهندسية الأخرى بما فيها تصاميم السد، وهي دراسات يزيد عمرها على العشرين عاماً، وقد أجريت في وقت العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية على العراق، وقد أثبتت تلك التحريات وجود مكامن وتكوينات جيولوجية قد تقلل من عوامل أمان وسلامة السد», محذرا من «إجبار الأهالي في القرى المنتشرة في المنطقة المتوقع أغمارها في حال انشاء السد على النزوح والمعاناة الإنسانية التي سيتكبدونها من خسارة منازلهم وأراضيهم حتى في حال التعويض المادي».

وكشف الجنابي, عن «وجود عشرات المواقع الأثرية في المنطقة التي سيجري بها تنفيذ السد واحتمالات إغراقها واتلافها ومنها موقع قلعة الشرقاط المسجلة على لائحة التراث العالمي منذ عام 2003. وقد سبق أن اعترضت منظمة اليونسكو على انشاء السد ثم رحبت بكتب رسمية بإلغاء الحكومة العراقية سابقاً للمشروع».

الأهوار في خطر

وأعرب الجنابي عن قلقه من «تأثير السدود الكبيرة على استدامة الأهوار العراقية المسجلة هي الأخرى على لائحة التراث العالمي. وكذلك التنوع الأحيائي في نهر دجلة».

وضمن إطار لائحة التراث العالمي، كشف عضو لجنة الزراعة والمياه علي البديري، عن خطر يستهدف الاهوار بسبب الدول المجاورة للعراق.

وقال البديري في تصريح صحفي تابعته «طريق الشعب» يوم أمس، إن «الأهوار في جنوب العراق والمدرجة على لائحة التراث العالمي تعاني من انخفاض كبير في مناسيب المياه، بسبب ما تقوم به الدول المتشاطئة مع العراق، من عدم إطلاق الحصص المائية المقررة».

وأضاف أنه «في جميع دول العالم تحصل أزمات وحروب وشكاوى دولية، في حال تعرضت بلاد ما إلى تهديدات تخص المياه»، مردفا أما في العراق فيبدو الامر مختلفا تماماً «الرئاسات الثلاث ترى ان ملف المياه ثانوي، وليس اساسيا لذلك لا يوجد تحرك جدي لحل الأزمة مع تركيا وايران».

الحاجة الى خزين استراتيجي

من جانبه, قال مدير معهد استراتيجيات المياه والطاقة رمضان حمزة لـ»طريق الشعب», إن «العراق بشكل عام يحتاج الى حزين استراتيجي, كون الخزين في  الثرثار والحبّانية لا فائدة منه بسبب الاملاح».

ويرى ان «اختيار مكان السد جاء لأسباب محاصصاتية لا فنية. كان على الحكومة اختيار موقع اخر لإنشاء السد مثل مواقع بادوش والبغدادي وبعض المواقع الاخرى في اقليم كردستان»، فهو كما الجنابي لا يعتقد أن المكان مناسبا في ظل «وجود اكبر خزين عالمي من الكبريت في المنطقة المراد فيها انشاء السد».

قرى مهددة بالزوال

في المقابل, كشف الناشط المدني احمد الجبوري عن وجود عشرات القرى «مهددة بالنزوح في حال بناء السد».

وقال الجبوري لـ»طريق الشعب», ان «اعدادا كبيرة من القرى مهددة بالزوال في حال انجاز السد»، محذرا من «تكرار تجربة ترحيل الاهالي في عهد النظام السابق، اثناء المباشرة في المشروع, حيث لم تصل مبالغ التعويضات الى 10 في المائة من قيمة الضرر الذي تعرض له المواطنون».