اعلنت وزارة الموارد المائية، اخيراً، عن الاتفاق مع الجانب التركي على زيارة العراق خلال عشرة أيام، للوقوف على بعض المواقع ووضع الأسس العملية لتنفيذ عدد من المشاريع، لا سيما الاروائية.
ويستغرب مختصون بالشأن المائي التعتيم الإعلامي الحكومي وعدم الافصاح عن المعلومات التي تتعلق بتفاصيل الاتفاقات ومذكرات التفاهم المبرمة مع الجانب التركي، معتقدين ان أية مشاريع لن تحقق للعراق مبتغاه في تحديد الحصص المائية وتقاسم المياه بصورة عادلة معه.
مشاريع عديدة
وفي هذا الصدد، قال وزير الموارد المائية عون ذياب في حديث صحفي: ان “الاجتماع الثاني للجنة المشتركة بين العراق وتركيا بشأن المياه، ناقش العديد من النقاط التي وجدت ضمن الاتفاقية الإطارية التي وقعت بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، خلال زيارته إلى بغداد”.
وأضاف، انه تم الاتفاق على أن “تزور لجنة خلال أسبوع أو عشرة أيام بعض المواقع ووضع الأسس العملية للتنفيذ”، مؤكدا “الحاجة إلى عمل كبير في إدارة الموارد المائية، وإلى معالجة الاختناقات في مواردنا المائية، وهناك توجه بهذا الصدد”.
وطبقا للوزير، فان المشاريع التي تعتزم الوزارة تنفيذها، تشمل مشاريع تنقية مياه الصرف الصحي ومشاريع المياه لأغراض الشرب والاستخدامات البشرية وبعض المشاريع الزراعية.
الاستثمار مقابل الماء
على صعيد متصل، قال الخبير المائي عادل المختار: ان المشكلة تكمن في ان “تركيا تعامل هذه الانهر من منطلق انهما نهران محليان عابران للحدود، ولم توقع معنا على اي اتفاق يشهد بذلك، وحتى بالنسبة للاتفاقات الدولية مثل مؤتمر هلسنكي واتفاقية 1997، واتفاقية استخدام مجاري الانهار غير الملاحية. لم توقع عليها حتى لا يتم الزامها دولياً بهذه الاتفاقيات”.
واضاف في حديثه مع “طريق الشعب”، بالقول “اننا لم نحسن استغلال واستثمار اوراق الضغط في ملفات الامن والاقتصاد والنفط، بينما تركيا زار وفدها رفيع المستوى بغداد وضمن مكتسباته ونحن خسرنا فرصة كانت متاحة لنا”.
وانتقد الخبير “عقلية الوزارة التي تفكر بمنح المقاولات لتركيا مقابل تزويدنا بالمياه؛ نعم، من الممكن ان يستمر ذلك لعام او عامين، لكن من المؤكد ان دوام الحال من المحال”.
وفي ما يخص زيارة اللجنة التركية المرتقبة اوضح ان “العراق سيضع امامها ملفات مشاريع اروائية مقابل تزويدنا المياه تحديداً لنهر الفرات الذي يعاني من العجز المائي الاكبر، على عكس وضع نهر دجلة المستقر، الذي وصل خزينه الى 20 مليار، بما يمكننا من اجتياز فصل الصيف بارتياح”.
وعلل المختار الاخفاق في ملف المياه والتقاعس عن المطالبة بحقوق العراق المائية بـ”المحاصصة وسوء الادارة، حيث نفتقد المواقف الجادة والصارمة ونغفل عن الكثير من الامور بما فيها تحديد حصصنا المائية وغيرها من عوامل اخرى”.
كتل سياسية متنفذة تضغط
الى ذلك، استغرب مصدر سياسي مطلع من التعتيم الاعلامي وغياب الشفافية في التعاطي مع ملف المياه في العراق، محذراً من الاذعان المطلق للجانب التركي.
وقال المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، انه يجهل تماماً “مذكرات التفاهم المائية الملحقة بالاتفاقية الاطارية مع تركيا، فهي غير معلنة”، متسائلا عن سبب “عدم الافصاح عن هذه التفاصيل للرأي العام؟ نحن لم نعرف حتى اللحظة سوى ان الاتراك مستعدون لتنفيذ مجموعة مشاريع في شمال العراق ووسطه وجنوبه، لكن ماذا عن تحديد حصصنا المائية التي لم يتم التطرق لها مثلاً؟”.
وتساءل قائلاً: “ما الذي يضطر الحكومة الى التعامل مع الشركات التركية لتنفيذ مثل هذه المشاريع، بينما نحن على ثقة تامة بان العراقيين قادرون على تنفيذ مثل هذه المشاريع، اذ لا تنقصنا الامكانية الفنية والبشرية ولا المعدات والاليات؟ هناك رضوخ من قبل الجانب العراقي في ملف الامن والاقتصاد وغيرها، وعند الوصول لمناقشة حصص العراق المائية في نهري دجلة والفرات، لا نجد حتى من يتحدث عن التفاصيل، وكل ما تتحدث عنه الوزارة من مشاريع ستنفذ وستشارك تركيا في تحديث ادارة الري في العراق. بينما تغيب تلك الاحاديث عن الحصص المائية وتقاسم المياه والضرر”.
ويبحث المصدر عن “تفسير معقول” لما يجري الان مع الجارة التركية بخصوص ملف المياه “الفائدة ستتحقق للجانب التركي وشركاته وستساهم هذه المشاريع الى حد ما في إنعاش الاقتصاد التركي، لكنها لن تحقق لنا اي فائدة!”.
واكد المصدر، ان الحكومة ترفض الكشف للإعلام او للمختصين عن المشاريع التي ستشترك فيها او ستنفذها تركيا، لكي نعرف ما الذي يعجز المختص العراقي او الجهات المعنية عن تنفيذه في مشاريع الري، حتى وان احتوت على تكنولوجيا متقدمة، فهي متاحة لدى كل دول العالم. وكل دول العالم ترحّب بالمشاركة”.
الكف عن سياسة القبول بالعطايا
وفي هذا الشأن، أكد عضو لجنة المياه والأهوار النيابية ثائر مخيف الجبوري أن الحكومة لم تُوقع أي اتفاقية مائية مع تركيا تضمن حصص العراق، مشيرًا إلى أن الزيارات المتبادلة لا تعني شيئًا إذا لم يتم توقيع اتفاقية تلزم الطرفين.
وقال الجبوري إنه “لا توجد أي وثيقة رسمية تحدد حصة العراق المائية، وهناك وعود من قبل أنقرة فقط. ولن تُلزم تركيا نفسها بتوقيع اتفاقيات مائية لأنها لا تريد خسارة ورقة الضغط التي تلعب بها مع العراق”.
وأضاف أن “تركيا تستخدم ملف المياه لتنفيذ أجندتها داخل البلاد على حساب الشعب العراقي، وفي مقدمة الأجندات هو محاربة حزب العمال الكردستاني. وما نراه اليوم من انتشار كبير للجيش التركي في قرى العراق الشمالية دليل على أن أنقرة لديها أطماع في البلاد”.
ودعا الجبوري “الحكومة إلى عقد اتفاقيات استراتيجية دائمة مع الجانب التركي، وأن لا تكون الاتفاقيات وقتية تقتصر على زيادة الحصة المائية لفترة معينة”.
وحمل الجبوري “الحكومات السابقة مسؤولية تدهور الملف المائي للعراق، لأنها لم تتعامل معه بجدية ولم تُدرك حجم الكارثة التي تحيط بالعراق. وهو ما سمح لتركيا بإقامة السدود الإروائية وحرف مسار الأنهار وغيرها من الممارسات غير القانونية التي أدت إلى تدهور الوضع المائي في البلاد”.