اخر الاخبار

يعد قطاع العقارات واحداً من اهم ماكنات غسل الأموال في البلاد، الامر الذي يُعريه بوضوح الارتفاع غير المنطقي في اسعار العقارات، لا سيما في العاصمة بغداد، حيث يتخذ الفساد في هذا القطاع أشكالًا متعددة، ويعتمد طرقا معقدة لإخفاء الأموال غير المشروعة في أصول عقارية تبدو كأنها شرعية.

والتجأ الفاسدون ممن راكموا ثرواتهم غير المشروعة الى هذا القطاع وبجانبه قطاعات ومجالات اخرى، كوسيلة لإخفاء هذه الأموال المتأتية من الفساد والجريمة المنظمة، فيما يسهم التراخي في تطبيق القوانين، والتواطؤ بين بعض المسؤولين، وضعف الرقابة وغياب الاتمتة الى تفاقم الفساد في هذا القطاع.

وتشير تقديرات أخرى إلى أن مليارات الدولارات تُغسل سنويًا في العراق عبر استثمارات عقارية مشبوهة.

وبحسب تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية، يُصنّف العراق ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، حيث يحتل مرتبة متدنية في مؤشر مدركات الفساد.

إجراءات البنك المركزي

وكشف البنك المركزي العراقي مؤخراً عن إجراءات جديدة تخص بيع وشراء العقارات للحد من عمليات غسل الأموال.

وقال معاون المدير العام لمكافحة غسل الأموال في البنك المركزي حسين علي: إن «سوق العقارات اعلى أساليب غسيل الأموال في العراق خلال الفترة السابقة، وان البنك المركزي ومجلس مكافحة غسل الأموال اتخذ قرارا بخصوص بيع وشراء العقارات من خلال القطاع المصرفي، حيث يكون سقف بيع وشراء العقارات لا يتجاوز 500 مليون دينار».

وأضاف، ان «هذا الاجراء سوف يسهل عملية الرقابة على الأموال التي تمول هذا القطاع، ومعرفة ملكية الأموال التي يتم تداولها في عملية بيع وشراء العقارات، كما سيسهل إجراءات التحقيق في الوصول إلى المستفيدين من عمليات بيع وشراء تلك العقارات».

وأشار إلى أن «كل من ارتكب جريمة وحصل على متحصلات وعمل على غسل الأموال في القطاع المصرفي سيتم تأشير ذلك عند بعض الجهات المعنية، وبالتالي تسهل عملية الجهات التحقيق في متابعته».

لكن مختصين اعتبروا هذا الاجراء غير كاف، ولن يسهم بشكل فعال وناجع في مكافحة غسل الاموال، مؤكدين ان هذه الجريمة ترتكب أيضا في قطاعات ومجالات عديدة ومختلفة، ما يعني الحاجة الى مجموعة اجراءات استراتيجية شاملة تبدأ بضرب رؤوس الفساد الكبيرة.

أضرار كبيرة للدولة والاقتصاد

المختص في تعزيز الشفافية ومجال مكافحة الفساد سعيد ياسين، قال: ان عملية تبييض الاموال، يتم التركيز فيها على الاسواق والسلع الاكثر رواجاً وضماناً. والعقارات من بين هذه الأسواق.

وأضاف ياسين في حديث خص به «طريق الشعب»، ان «العملية لا تتم فقط في العقارات. لدينا مثلاً بيع وشراء ارقام السيارات. بعض الارقام تصل أسعارها الى 300 أو 500 الف دولار وحتى مليون دولار. وبالتالي فهذه مساحة لتبييض الأموال القذرة. كذلك الحال بالنسبة لتجارة الذهب، حيث ان رصيد التاجر صفر، بينما نجد ان لديه مردودا يدخل سوق الاستيراد وسوق تجارة السلع مرة أخرى، وتصبح هذه الأموال نظيفة وكأن شيئاً لم يكن، بينما الأضرار الاقتصادية يتحملها المواطن والدولة.

وأكد ياسين انه «لا توجد أرقام دقيقة او حتى تخمينية عن حجم الأموال التي يتم غسلها، لكنها تقابل الأموال المنهوبة من الخزينة العامة».

ولاحظ المتحدث ارتفاع أسعار العقارات والأراضي، أخيراً، في ظل فرض العقوبات على المصارف العراقية في فترة حكومة السوداني، نتيجة مراقبة التحويلات الخارجية.

وعن سبل السيطرة على الارتفاع المستمر في أسعار العقارات، قال سعيد ياسين: «يفترض اعتماد خطة استراتيجية لإنشاء مدن سكنية في الضواحي كاملة الخدمة، وأن تكون بعيدة عن مراكز المدن، ومتاحة للجميع».

وفي ما يتعلق بمكافحة غسل الأموال، اكد على «تطوير وإعادة هيكلة هيئة الضرائب والتسجيل العقاري وأتمتة هذين القطاعين، ليكون هناك وضوح في المراقبة وتفعيل المساءلة وضبط الإيرادات».

ونوه الى ان «قطاع الجمارك حتى الآن غير مؤتمت، والكثير من السجلات تسرق والكثير من العقارات غير حقيقية وتباع مزورة. وفي جانب التحويل المالي نحن بحاجة الى تبسيط الإجراءات؛ فكلما كانت الإجراءات في هيأة الضرائب والتسجيل العقاري مبسطة، سنحد من الاستغلال والرشوة والابتزاز».

مكافحة الفساد خطوة أولى

من جانبه، عدّ الخبير الاقتصادي همام الشماع غياب الرقابة والتماهي في محاسبة الفاسدين، احد اهم الاسباب التي انعشت غسيل الاموال في البلاد.

واضاف قائلاً لـ»طريق الشعب»، ان «سياسة البنك المركزي المتمثلة بإيقاف عمليات التحويل المالي الخارجية، وحصرها باستيراد السلع والبضائع، سد الباب أمام خروج الاموال غير المشروعة، ما دفع الفاسدين الى التفكير بوسائل أخرى لغسل الأموال وتهريبها».

وقال ان «كبار الفاسدين في البلاد، اخترقوا قطاعات كثيرة ومهمة، وضخوا فيها هذه الأموال بهدف تبييضها وتحويلها الى أموال مشروعة، ونجحوا في ذلك. نحن تحدث عن قطاع الصحة والعقار وتجارة الذهب والمطاعم والمولات والمقاهي، التي شكلت فرصا ثمينة أمام هؤلاء لتبييض الأموال».

ولفت الشماع الى ان ما أسهم في تفاقم الوضع ووصولنا الى ما نحن عليه هو غياب مختلف اشكال الرقابة والمحاسبة وتطبيق القوانين، اضافة لتغول الفساد وتوغله في مختلف مؤسسات الدولة، مشيرا الى انه «من الصعب جداً الحديث عن احراز تقدم في مكافحة غسيل الاموال في قطاع العقارات وقطاعات اخرى، لان الفاسدين لهم اليد الطولى في صناعة القرار، كما ان لديهم القدرة في الالتفاف على اي قرار».

عرض مقالات: