اخر الاخبار

في نيسان الماضي انتعش هور أم الودع في قضاء كرمة بني سعيد جنوبي ذي قار، انتعاشاً رفع سقف تطلعات وآمال الأهالي إلى حد بدء التحضيرات لإعلان هذا الهور محمية طبيعية، لكن سرعان ما تبدى كل ذلك في ظرف شهرين، بعد ارتفاع درجات الحرارة وتبخرها.

هذا الحال ينسحب على كافة المسطحات المائية والاهوار في البلاد.

جفت بعد شهرين فقط

أهالي المنطقة أكدوا أن الأهوار جفّت بعد شهرين من ضخ الإطلاقات المائية. وبالتالي فان المعاناة مستمرة: نفوق عدد كبير من الأبقار والجاموس والطيور والأسماك، الأمر الذي اضطر الكثير من السكان الى النزوح نحو مناطق أخرى أقل ضررا.

من جانبه، قال مدير الموارد المائية رحيم كنو في محافظة ذي قار، إن «عدم وصول الإطلاقات المائية من المصب العام تسبب بالجفاف، إلى جانب ارتفاع الحرارة والتبخر»، مبيناً أن «هور أم الودع يتغذى على مشروع المصب العام وهناك شح مائي بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتبخر وقلة المناسيب».

حجم التبخر وصل إلى 70 في المائة

خبير السياسات المائية، رمضان حمزة قال: ان «الإمداد المائي مقنن من قبل تركيا وإيران، فالكميات التي تدخل مقنّنة قياساً بحجم الاستهلاك الكبير والاستخدام غير الكفوء بشكل فظيع».

وأضاف قائلا، ان «العراق معروف بطقسه، والأهوار هي مسطح مائي واسع، غير محيط او محصور بين تلال ومنطقة جبلية، بل منطقة مفتوحة وتمتد للصحراء»، مبينا ان «أيام انتعاش الأهوار والسياحة الإيجابية في فترة السبعينيات تعود إلى الإمدادات المائية التي كانت كبيرة، بل ان العراق كان يعاني من فيضانات، ويُشق طريق لهذا الفيضان عبر الثرثار ومن ثم الى نهر الفرات للتخلص من المياه الزائدة، ولكن اليوم الزمن قد اختلف، وتركيا وايران قامتا بإنشاء سدود، واصبح هناك تقنين مائي لديهما».

ولفت إلى ان «الوضع المناخي معروف، ودرجات الحرارة عالية جداً ولكن عمق المياه سابقاً كان اكبر وبالتالي لا يتأثر، فكان هناك غطاء نباتي وهور منتعش مفعم بالحياة، لان حجم المياه المتدفقة كان اكبر من حجم التبخر».

وأشار في سياق حديثه إلى «جانب مؤثر اخر يتمثل بتغير التكوين الطبيعي للهور بعد ان كان وحدة متكاملة ومتجانسة في توزيع المياه، بينما أصبح الآن عبارة عن أجزاء. وان قابلية الجزء للتبخر اكبر من قابلية المسطح المائي»، مبينا ان «حجم التبخر اليوم يصل الى 70 في المائة من المياه».

الشركات النفطية تحفر في الاهوار

وذكر حمزة ملاحظة مهمة تتعلق بقيام بعض شركات النفط بحفر مواقع الاهوار التي تتعرض للجفاف، بحثا عن المعادن، مردفا أن «انعاش الاهوار يبدو صعبا في ظل الظروف الحالية. نحن بحاجة الى حكومة وطنية وارادة قوية، والى تبني اليونسكو بنداً يلزم تركيا وايران باطلاقات مائية مناسبة للأهوار، على اعتبار انها ارث انساني لكل المنطقة. هذه الاهوار كانت ممرا عالميا للطيور المهاجرة من شمال القارة وجنوبها، وبالتالي نحن فقدنا اشياء ثمينة قد لا يدركها الكثير منا».

الخبير البيئي حيدر رشاد اقترح تغطية المسطحات المائية والبحيرات لكي تمنع عملية التبخر: «الكميات التي تتبخر اليوم هائلة وكبيرة جداً».

وقال لـ»طريق الشعب»، انه «في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وفقدان مليارات الامتار المكعبة سنوياً بسبب التبخر، فان حل التغطية سيكون مثاليا، لان درجة الحرارة تبقى مرتفعة خلال ستة اشهر، ما يعني فقداننا الكثير من المياه بدون فائدة».

وبين، ان «عملية تغطية هذه المسطحات تكون عبر نشر كرات تتكون من مادة كيميائية غير سامة على وجه المسطح المائي، إذ تمنع هذه الكرات التبخر بسبب عدم وصول اشعة الشمس الى الماء، او في بعض الدول تستخدم رقائق الفلين وبسمك معين لتغطية الاسطح بالمواسم التي تكون فيها عملية التبخير عالية».

وأدى الجفاف المتزايد إلى تدهور البيئة في الأهوار وارتفاع ملوحة المياه، مما أثر سلباً على الحياة النباتية والحيوانية فيها، أما تربية الجواميس، التي كانت تقليدية في هذه المناطق، أصبحت مهمة شاقة بسبب ملوحة المياه العالية التي تجعلها غير صالحة لشرب الحيوانات.

الخطة الخضراء

وفي تطور جديد، كشف النائب في البرلمان العراقي ثائر الجبوري، عن حراك نيابي يسمى بـ”الخطة الخضراء” لإنعاش 22 منطقة في الاهوار العراقية.

وقال الجبوري في تصريح صحفي، إن “الأهوار تشكل بيئة استثنائية موجودة في العراق منذ آلاف السنين وهي تشكل مأوى لعشرات الآلاف من الاهالي في عدة محافظات”، مضيفاً أن “هذا المأوى في وضع صعب بسبب مواسم الجفاف المتكررة وتاثيرها على الزراعة والصيد وتربية الحيوانات مثل الجاموس وغيرها”.

والخطة الجديدة، تهدف لانعاش مستدام لبيئة الاهوار ستشمل 22 منطقة على الأقل من خلال التعاون بين مختلف المنظمات الدولية والعراقية التي تضم خبراء لوضع مسارات خارطة طريق تضمن معالجة بيئية لازمات الاهوار العراقية خاصة في ملف المياه.

وبحسب منظمة الفاو فإن النقص الحاد في المياه وموجات الحرارة والجفاف في الأهوار قد عرضت مربي الجاموس والنظام البيئي بأكمله لخطر كبير، داعية لاتخاذ إجراءات عاجلة لضمان مستقبل مستدام لهذه المناطق.

وأدى هذا الوضع إلى نزوح العائلات من الأهوار بحثاً عن مناطق أفضل للعيش، حيث شهدت محافظة ذي قار، على سبيل المثال، مغادرة 1200 عائلة خلال الأشهر الستة الماضية بسبب الجفاف وارتفاع ملوحة المياه. هذه الهجرة القسرية تهدد التراث الثقافي والبيئي للمنطقة.

عرض مقالات: