اخر الاخبار

أكثر من 10 آلاف عائلة في منطقتي العنكور والمجر التابعتين إلى قضاء الحبانية في محافظة الأنبار، تعيش منذ أكثر من 3 سنوات حياة قاسية إثر جفاف بحيرة الحبانية، ما قطع سبل معيشتها بعد أن حرمها من مزاولة مهنتي الزراعة وصيد الأسماك.

وأجبر شبح الجفاف الكثيرين من سكان تلك المنطقتين، إضافة إلى منطقة الطاش المقاربة للبحيرة أيضا، على الهجرة نحو مناطق أخرى، بعد أن انقطعت بهم سبل المعيشة، وسط مطالبات بتدخل رئيس مجلس الوزراء شخصيا، لإنعاش البحيرة وإغاثة السكان القاطنين حولها.

ويواجه سكان المناطق المحيطة بالبحيرة، صعوبات حتى في الحصول على مياه الشرب، فضلا عن الاستخدامات الزراعية والحيوانية. وما يحصلون عليه من مياه، سواء التي يشترونها من السيارات الحوضية أم التي يسحبونها من بعض الآبار، غير معالج بشكل جيد، الأمر الذي يعرضهم لمخاطر صحية.

ووفقا لاختصاصيين في مجالي البيئة والموارد المائية، فإن مناطق أطراف الرمادي تعاني شح المياه لأسباب عديدة، أبرزها النمو السكاني المتسارع الذي يثقل كاهل الموارد المائية المتاحة، واتساع مدى الجفاف جراء آثار تغيّر المناخ، فضلاً عن سوء إدارة الموارد المائية، وضعف البنية التحتية الخاصة بها.

وإضافة إلى دورها في تأمين سبل معيشة أهالي المناطق القريبة منها، كانت بحيرة الحبانية في السابق وجهة سياحية مهمة لأبناء المحافظات القريبة، وحتى البعيدة، إلا انها لم تعد كذلك بفعل إهمال واقعها السياحي وجفافها.

هجرة داخلية

المواطن أبو أحمد، وهو من سكان منطقة العنكور، يقول في حديث صحفي أن “سكان المنطقة كانوا يعتاشون على الزراعة وصيد الأسماك في بحيرة الحبانية، لكن بعد شح المياه في البحيرة وجفافها، توقفت أعمال السكان ما تسبب في أزمة معيشية وهجرة داخلية إلى مناطق أخرى من الأنبار”.

ويطالب أبو أحمد وزارة الموارد المائية والجهات المعنية الأخرى، بإيجاد حل عاجل لأزمة المياه في المناطق المحيطة بالبحيرة.

أما الصياد أبو علي، الذي هجر منطقة العنكور بعد جفاف الحبانية، فلم يعد يمتلك في المنطقة سوى قارب مهجور، يواظب على تفقده بين حين وآخر.

ويتحدث أبو علي عن منطقته ومنطقة الطاش المجاورة لها، واللتين تقعان بين نهر الفرات وبحيرة الحبانية، مبينا في حديث صحفي أن المنطقتين كانتا إلى سنوات قريبة، عبارة عن مساحة خضراء محاطة بحقول القمح. فيما كان شاطئ البحيرة يكتظ بالعشرات من قوارب الصيد.

ويؤكد أن الجفاف تسبب في هجرة مئات العائلات نحو مناطق أخرى، بحثا عن سبل معيشة جديدة، مبينا أنه اضطر قبل عام إلى الانتقال وعائلته للسكن في مدينة الرمادي، وإلى تغيير مهنته من صيد الأسماك إلى البناء!

الإيرادات المائية لا تكفي

من جانبه، يقول مدير الموارد المائية في الأنبار جمال عودة، أنه “في العام 1988 كانت المياه في بحيرة الحبانية فائضة نتيجة قدوم إيرادات مائية تقدر بـ10 آلاف متر مكعب في الثانية، كما كانت تحصل فيضانات في عموم العراق. لذلك لم تكن هناك مشكلة لدى سكان المناطق المحيطة بالبحيرة، لا سيما منطقتا العنكور والمجر، وهما عبارة عن منخفض فيضاني”.

ويستدرك في حديث صحفي “لكن الإيرادات المائية التي يحصل عليها العراق حالياً لا تكفي لإنعاش بحيرة الحبانية التي خرجت عن الخدمة منذ أكثر من 3 سنوات”.

أما عن مياه الشرب، فيقول عودة “انها متوفرة. فهناك مجمّع للمياه يعمل لحين إكمال المشروع الجديد الذي تمت المباشرة به قبل شهرين لإيصال المياه من نهر الفرات عند مقدمة سدة الفلوجة إلى مناطق العنكور والمجر والرحالية”.

سياسة مائية تقليدية

تنقل وكالات أنباء عن خبراء في مجالي البيئة والموارد المائية، قولهم أن قلة الإطلاقات المائية من دول المنبع، ليست هي السبب الوحيد لشح مياه بحيرة الحبانية، بل أيضا الإجراءات الحكومية المتبعة في تنظيم تدفق الماء من “ناظم الورار” باتجاه البحيرة، ثم اعادته الى نهر الفرات.

وعن ذلك يوضح المهندس عمار العاني، خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية، أن “اعتماد مناطق العنكور والمجر والطاش على ما يصلها من مياه من ناظم الورار، سياسة تقليدية غير مجدية، لأنها مرهونة بفيضان الفرات”، مبينا في حديث صحفي أنه “في حال انحسار الأمطار وانخفاض الواردات المائية في نهر الفرات، تقل الاطلاقات الذاهبة الى البحيرة. وحسب الخطة المركزية لإدارة الموارد المائية فإن الأولوية تكون لتعزيز عمود النهر بين مناطق أعالي الفرات والفرات الأوسط”.

وناظم الورار، أحد أهم وأقدم النواظم في العراق. ويقع في مدينة الرمادي على نهر الفرات، وهو مشيد بالخرسان ويبلغ طوله نحو ٢٠٩ أمتار، وتوجد فيه ٢٤ بوابة، عرض الواحدة منها 6 امتار. وقد أنشئ الناظم عام ١٩٥٦ لغرض حجز المياه ورفع منسوبها وخزن الفائض منها في بحيرة الحبانية، ثم اعادتها الى نهر الفرات عند انخفاض مناسيبه.

ويرى العاني أن مشكلة المياه في العراق عموما ومحافظة الأنبار على وجه الخصوص “ليست في قلة الاطلاقات المائية فقط، إنما بسياسة إدارة المياه عبر النواظم والسدود التي لا زالت تركز على درء الفيضانات”.

عبور البحيرة مشيا على الأقدام!

كانت مدينة الحبانية تضم منتجعاً متكاملاً ووجهة سياحية مهمة لأهالي الأنبار والمحافظات الأخرى، وحتى دول المنطقة - وفق عضو مجلس محافظة الأنبار عدنان الكبيسي، الذي يبيّن في حديث صحفي أن “البحيرة كانت تمتد من الرمادي إلى الحبانية، وكانت سداً مهما بين الرمادي والمناطق الجنوبية، لكن حالياً يتم عبورها مشياً على الأقدام نتيجة جفافها”.

ويوضح ان “وزارة الموارد المائية أوقفت قبل عام ونصف العام الإطلاقات المائية باتجاه البحيرة، ما أدى إلى جفافها وخروج محطات المياه عن الخدمة، رغم أن البحيرة ليست للسياحة فقط، إنما يعتمد عليها السكان المحليون في الزراعة وصيد الأسماك”.

ويلفت الكبيسي إلى ان أن “هناك أكثر من 10 آلاف عائلة في العنكور والمجر تقطن اليوم بلا ماء. وتقوم حاليا بحفر الآبار بعد أن كانت تعتمد على مياه البحيرة في معيشتها. كما ان نحو 70 في المائة من السكان كانوا يعتاشون على الزراعة وصيد الأسماك، وهؤلاء اليوم بلا عمل”.

ويشير إلى ان “ملف المياه مركزي وليس لدينا صلاحيات فيه، وسيتم توجيه طلب رسمي إلى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني للتدخل بشكل مباشر في هذا الملف”.