يشكو مواطنون في بغداد والمحافظات من انتشار الكراجات العشوائية (مواقف سيارات غير نظامية) في المناطق التجارية والطبية وحتى السكنية. وفيما يشيرون الى أن هذه الظاهرة اتسعت كثيرا خلال السنوات الأخيرة، في ظل قلة الكراجات النظامية المرخّصة، ووصلت إلى درجة احتلال البعض أرصفة الشوارع او أجزاء منها، وتحويلها إلى أماكن لوقوف السيارات، يؤكد سائقون انهم يتعرضون للابتزاز من قبل القائمين على تلك الأماكن، الذين يفرضون عليهم أجورا مقابل وقوفهم بشكل مؤقت.
وباتت هذه الظاهرة تشوّه مظاهر المدن وتخطيطاتها العمرانية، وتشكل فوضى بصرية. إذ تصطف المركبات بشكل فوضوي في أماكن عامة، ما يعد تحديا حقيقيا أمام الحياة العصرية. وتتمثل الظاهرة في اتخاذ مجموعة من الأشخاص موقعاً أو مساحة من شارع معيّن أو من ساحة عامة، ليكون موقفاً مؤقتا للسيارات مقابل أجور محددة. وغالباً ما تكون هذه المواقف قريبة من التجمعات التجارية والمستشفيات وغيرها من المناطق التي يكثر إقبال الناس عليها، والتي تفتقر لوجود كراجات نظامية مرخّصة.
ويصف مواطنون هذه الظاهرة بأنها شكل من الابتزاز وفرض الاتاوات، مؤكدين أن الأمر ليس خافياً على الجهات الأمنية، وأن الكثيرين من المواطنين وأصحاب المحال التجارية والسائقين، وحتى أصحاب الكراجات الرسمية، قدموا شكاوى ضد أصحاب الكراجات العشوائية، لكن أحدا لم يستجب لهم!
استغلال المساحات العامة
على شارع متفرع من شارع رئيس في جانب الرصافة، استغلت مجموعة من الشباب جزءا تبلغ مساحته نحو 30 متراً، وباتت تفرض أجراً على كل من يركن سيارته فيه.
ويقول مثنى عبد الحافظ، أحد سكان المنطقة، انه سرعان ما وسّع الشباب عملهم ليفرضوا دفع الأجور على من يركن سيارته في أي جزء من الشارع، مبينا في حديث لوكالة أنباء "العربي الجديد"، أن "الشارع تنتشر فيه محال تجارية ومكاتب محامين وعيادات أطباء، ولا تهدأ الحركة فيه على مدار اليوم. لذلك يركن أصحاب المركبات سياراتهم على جانبي الشارع، الذي حين يزدحم أحيانا يلجأ الناس إلى ركن سياراتهم في الأزقة السكنية المجاورة".
ويضيف عبد الحافظ قائلا ان "نحو 5 شبان يديرون وقوف السيارات، ويفرضون أموالاً على أصحابها. وهم ييوحون دائماً بكونهم ينتمون إلى جهة مسلحة، لذلك يتحاشى الجميع الاصطدام بهم، فيما يجنون في اليوم الواحد ما لا يقل عن 800 ألف دينار"!
مهنة مربحة
تنقل وكالة أنباء "العربي الجديد" عن رجل أمن في بغداد، قوله أن "استغلال المساحات العامة وتحويلها إلى مواقف للسيارات، مهنة سهلة ومتاحة ومربحة، وشرطها أن تكون مدعوماً من جهة ما"، مبينا أن "هناك جهات مسلحة عديدة لديها سلطة تمنعنا من الاصطدام بها، أو منعها من ممارسة تلك المخالفات".
ويضيف رجل الأمن الذي حجبت وكالة الأنباء اسمه، قائلا: "دائماً ما نتحدث مع أشخاص يرتكبون مخالفات، سواء فرض أجور على أصحاب سيارات يركنونها على جوانب الطرق، أو ممارسة عمل ما في مكان غير مصرح به، فيبرزون لنا ما يدلل على ارتباطهم بجهة مسلحة، عندها نتجنب الصدام المباشر معهم، ونبلغ إداراتنا كي تتخذ الإجراء اللازم".
وكثيراً ما وقعت صدامات بين جهات أمنية رسمية وجماعات مسلحة داخل المدن، إثر قيام الجماعات أو أحد أفرادها بمخالفة ما، وفي بعض الصدامات سقط قتلى ومصابون من الجانبين. وليس غريباً في العراق أن تتجاوز جهة مسلحة ما أو قبيلة قوية، على القانون علناً، وعلى مرأى ومسمع الجهات الأمنية.
وتصل شكاوى كثيرة إلى الجهات الرسمية حول استغلال الشوارع وأزقة الأحياء السكنية وتحويلها إلى كراجات للتكسب غير الشرعي. وفي مطلع آب الماضي أعلنت أمانة بغدادإطلاق حملة، بدعم من وزارة الداخلية، لمحاسبة أصحاب الكراجات العشوائية، وقامت باعتقال العشرات منهم. وأيّد المواطنون هذه الحملة، وأكدوا ضرورة استمرارها، لكن كثيرين يرون أنها لن تكون كافية مع عدم وجود عقوبات رادعة.
فرض الـ"خاوة"!
من جانبه، يقول حيدر الحسناوي، وهو مصلح أجهزة تكييف، أن عمله يفرض عليه التنقل بين المناطق، ما يتطلب منه أن يركن سيارته في أماكن مختلفة.
ويوضح في حديث صحفي، أنه يواجه باستمرار أصحاب الكراجات غير النظامية، ويضطر إلى أن يدفع إليهم ما يسميها "خاوة" باللهجة المحلية.
ويضيف الحسناوي قوله انه "في إحدى المرات ركنت سيارتي في مكان، فظهر شابان، وطالباني بالمال، وقالا لي إنهما استأجرا المكان وحولاه إلى كراج. ولاحقاً، اكتشفت أن رجل المرور سجل مخالفة بحقي، ما يعني انني كنت أقف في مكان غير مسموح الوقوف فيه. ويبدو أن الشابين يمزقان أي وصل مخالفة يضعه رجال المرور على السيارات لضمان استمرار ابتزازهما السائقين".
فيما يقول عمر هادي، الذي يعمل سائق سيارة أجرة، انه "رحبنا بالحملة التي اطلقتها أمانة بغداد لمحاسبة أصحاب الكراجات العشوائية، لكني لا أعتقد أنها ستستمر وستكون مجدية، فليست هناك عقوبات رادعة، ما يعني أنه لن يكتب لهذه الحملة النجاح. كذلك أن هناك من هم فوق القانون، وهناك من يدعمون تلك المخالفات".