يشكل تصاعد معدلات الجريمة تحديا امنيا اخر يطفو على السطح، وسط التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجه البلاد. فمع ارتفاع معدلات البطالة، وتزايد الفجوة بين الفئات الاجتماعية، وانتشار شبكات الاتجار بالمخدرات والأسلحة، باتت الجريمة ظاهرة مقلقة تهدد الاستقرار العام.
احصائيات وارقام
ورغم إعلان وزارة الداخلية تراجع معدلات الجريمة المنظمة، تكشف الاحصاءات الخاصة بأعداد الجرائم في العراق عن ارتفاع حالات القتل الجنائية خلال الشهرين الأولين من العام الجاري 2024، مقارنة بالشهرين ذاتهما من العام الماضي 2023.
وبلغ عدد حوادث القتل في شهر كانون الثاني 2024، 46 حالة قتل، أما في شباط فبلغت حوادث القتل 44 حالة، وفقًا لبيانات تم تجميعها من مواقع مختصة.
وتأتي هذه الأرقام مقارنة بـ 34 حالة قتل فقط في تشرين الثاني 2023، و28 حالة قتل فقط في كانون الأول 2023.
وبحسب تقرير "BTI 2024" وتحليلات إحصائية من موقع "Statista" لعام 2024.
فقد شهد العراق استمرارًا في ارتفاع معدلات الجريمة، مع تسجيل زيادة ملحوظة في حالات القتل والخطف والسرقة المسلحة.
واكد التقرير، ان هذه الجرائم تعكس تحديات أمنية مستمرة، تتأثر بشكل كبير بالاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، مثل الفقر والبطالة.
انخفاض نسبي
الخبير الأمني سرمد البياتي قال: ان "الوضع الاقتصادي سبب رئيس في ارتفاع معدلات الجريمة في الدول، لأنه ينعكس على البطالة. وفي العراق نشكو من سوء الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة".
وأضاف قائلاً لـ "طريق الشعب"، أن "المخدرات تلعب دوراً كبيراً ايضاً، فقد اصبحت تسهم بشكل خطير في ارتفاع معدلات الجرائم، وحتى المعالجات تحتاج الى فترة طويلة في ظل الظروف بالوقت الحاضر".
واضاف البياتي بالإشارة الى ان "عدم تمكين العقوبات الرادعة مثل عقوبة الاعدام، يسهم ايضاً في هذا الارتفاع، سيما ان المجرم يفلت بعقوبته بعد التنازل وحسم الموضوع عشائرياً او بالرشوة، وهذه تعد عوامل مشجعة لذا فإن العقوبات الرادعة قادرة على ان تخفف مستوى الجريمة".
ونوه الى ان "وجود السلاح المنفلت واستسهال الحصول عليه، هو اخطر عامل يؤثر تأثيراً كبيراً"، مبينا ان اجراءات "وزارة الداخلية لم تكن ناجعة، فالعملية صعبة، ونحن بحاجة الى شدة في التطبيق ونزع السلاح المنفلت".
وخلص الى القول "اننا بحاجة الى سن قوانين تحد من الجريمة، ونؤيد بالنسبة لنا القوانين الرادعة والشديدة التي تضبط الشارع العراقي، ولنا في تجربة سنغافورة الناجحة مثال رائع. المطلوب اعداد دراسة نفسية للموضوع، وقبل كل شيء تهيئة الظروف قبل الشروع بالعمل".
المؤسسة القضائية تعمل لوحدها
أستاذة علم الاجتماع د. لاهاي عبد الحسين قالت انه "مما لا شك فيه ان هناك ارتفاعا كبيرا في معدل الجرائم سواء كانت جنائية ام منظمة، ولأسباب كثيرة وعديدة ساهمت في ارتفاع هذا المعدل دون وجود معالجات جادة وناجعة".
واوضحت في حديثها لـ"طريق الشعب"، ان "الجريمة في المجتمعات المتقدمة تعتبر مخالفة في القانون، لكنها في مجتمعنا ترتبط بالقانون والاخلاق ايضاً، بحكم الثقافة الاجتماعية السائدة. وعليه فأن مكافحة الجريمة في مجتمعنا تتطلب إجراءات كبيرة".
وتابعت عبد الحسين قائلة ان "اسباب الجريمة كثيرة ولا حصر لها، ولكن اهم هذه الاسباب هو الواقع الاقتصادي المر وارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب، والذي يعد احد اهم العوامل التي تؤدي الى ارتفاع معدلات الجريمة".
واكدت ان "التفكك القانوني في البلد، عامل مهم يسهم بشكل كبير في تفشي الجرائم. المؤسسة القضائية تعمل لوحدها وبالتالي لا تستطيع ان تؤدي دورها اذا كانت تعمل بمفردها فهي بحاجة الى ظهير، يتمثل بقوى متعددة مثل الاجهزة الامنية والباحث الاجتماعي".
وبينت استاذة علم الاجتماع، ان "خريجي علوم الاجتماع تمتصهم المؤسسات الحكومية في وظائف بغير اختصاصهم، علماً ان هناك قوانين في العراق تقضي بان يكون للباحث الاجتماعي حضور في مختلف المؤسسات، ليراجع ويكتب تحليلات مضيئة يمكن ان تعين صاحب القرار".
ونوهت الى ان "هؤلاء الباحثين الذين لم نستفد منهم، يمكن لهم ان يلعبوا دوراً مهماً في التوعية والثقافة العامة في المجتمع، حيث نلاحظ ان هناك غياب لدور الباحث الاجتماعي وضمور في عدد الندوات التثقيفية والتوعوية التي تساعد الناس على النظر لمختلف القضايا والتشاور بشأنها وحلها".
واكدت في سياق حديثها، ان "الارقام المعلنة لمعدلات الجرائم، تعبر عن انهيار الأمن القانوني، نتيجة عمل المؤسسة القضائية لوحدها، بينما يفترض ان يتم العمل مع اكثر من جهة، وبتنسيق مع الجهات الامنية والباحث الاجتماعي".
وخلصت الى القول ان "ارتفاع معدلات الجريمة يدل بشكل واضح على تفكك المنظومة القانونية. فالقانون بحاجة الى تطبيق، والتطبيق بحاجة الى اجهزة تعمل على الارض".