اخر الاخبار

مع تصاعد المخاوف الاقتصادية من انخفاض أسعار النفط، تبرز الأزمة المالية كأحد أبرز التحديات التي سيواجهها العراق في السنوات المقبلة.

وتتعرض الموازنة العامة للدولة لضغوط متزايدة نتيجة زيادة الانفاق غير المبرر وتراجع أسعار النفط، وهو المصدر الرئيس للإيرادات، ما يهدد الاستقرار المالي للبلاد.

وتحدث المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن المشهداني، عن التحديات التي تواجه العراق في هذا السياق، مقدّمين تحليلاً دقيقاً للوضع المالي ومقترحات للتعامل مع الأزمة.

ازمة في موازنة العام المقبل

وقال المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، إن العراق سيواجه أزمة في موازنة عام 2025 نتيجة لتراجع أسعار النفط، الذي يعد المصدر الرئيس لموازنة البلاد.

وأوضح صالح في حديث صحفي، أن الحكومة العراقية لا تتوقع مشكلات كبيرة في موازنة عام 2024، إلا أنها تحتاج إلى انضباط مالي صارم في عام 2025، مع ضرورة متابعة الصرفيات على مشاريع متعددة وضبط مسألة الهدر العام.

وأشار صالح إلى أن موازنة العراق للعام 2024 ارتفعت من 199 تريليون دينار في عام 2023 إلى 211 تريليون دينار، مع توقعات بعجز قدره 64 تريليون دينار.

وتابع، أن صرف الرواتب ومعاشات التقاعد في مواعيدها لا يزال على رأس الأولويات، مؤكداً أن الحكومة ستصرف رواتب الموظفين مهما كلفها الأمر. وتعكس المخاوف بشأن موازنة 2025 التحديات التي تواجه سوق النفط العالمية، حيث شهدت أسعار الخام انخفاضاً ملحوظاً منذ منتصف عام 2022، مع هبوط سعر خام برنت من 120 دولاراً للبرميل إلى أقل من 70 دولاراً.

وأوضح صالح، أن العراق يركز على زيادة الإيرادات غير النفطية من خلال تحسين تحصيل الضرائب ومعالجة المشكلات المتعلقة بها. وقدّر أن العراق يخسر ما يصل إلى 10 مليارات دولار سنوياً بسبب التهرب الضريبي والمشاكل الجمركية، مما يتطلب من الحكومة أن تكون أكثر صرامة في هذا المجال.

التوسع في الانفاق

من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن المشهداني، إن “ملامح الأزمة الاقتصادية في العراق مستمرة، والسبب الأساسي هو التوسع في الإنفاق التشغيلي الذي استحوذ في موازنة عام 2023 على أكثر من 196 تريليون دينار، بما يعادل تقريباً 163 مليار دولار”.

وأضاف، أن “الإنفاق في موازنة 2024 توسع أكثر ليصل إلى 211 تريليون دينار، مع استمرار العجز المزمن في بناء الموازنات الذي بلغ 64 تريليون دينار، أي حوالي 45 مليار دولار للسنتين 2023 ـ 2024، ويفترض أن يُنقل هذا العجز إلى عام 2025”.

وأوضح المشهداني، أن “هذا العجز التراكمي سيكون بحدود 190 ـ 200 تريليون دينار، أي بقدر بناء الموازنة الحالي”. وأشار إلى أن “السبب الآخر هو أن إمكانيات الاعتماد على النفط محدودة، والعراق مقيد بسقف الإنتاج الذي تم الاتفاق عليه في اجتماع أوبك+، وهو 3 ملايين و300 ألف برميل. وقد مضت أشهر والعراق يتجاوز هذا السقف من أجل تخفيف العجز الكبير في الموازنة العامة”.

وأكد المشهداني، أن “كل هذا سيلقي بظلاله على العام القادم إذا ما انخفضت أسعار النفط عن الـ 70 دولاراً، حيث إن العجز سيزداد، لأنه أصبح من الصعب على الحكومة اليوم تقليص نفقاتها التشغيلية”.

وبيّن أن “الرواتب والأجور والحماية الاجتماعية ورواتب المتقاعدين تشكل حوالي 50% من إجمالي الإنفاق التشغيلي، الذي يكاد يصل إلى 95 أو 98 تريليون دينار”، مشيراً إلى أن “كل الإيرادات النفطية إذا ما انخفضت إلى 70 دولاراً لا تكفي لسداد هذه الرواتب”.

وفيما يخص الإيرادات غير النفطية التي يمكن أن يعتمد عليها العراق لتقليص العجز، قال المشهداني إن “الإيرادات غير النفطية في موازنة 2024 كانت بحدود 27 تريليون دينار، وتشمل الإيرادات الضريبية والكمركية والرسوم وغيرها. لن تستطيع الحكومة في أحسن الأحوال أن تصل إلى 17 تريليون دينار، أي تقريباً 60%”. وأضاف أن “من الممكن أن تزداد هذه الإيرادات وتصل إلى 20 تريليون دينار، لكنها لن تكفي بالطبع؛ نحن نتحدث عن عجز في الموازنة قدره 64 تريليون دينار وعن انخفاض بعوائد النفط بحوالي 30 تريليون دينار”.

صعوبة ضبط الانفاق

وعن إمكانية ضبط الإنفاق الحكومي الصارم كما أوصى المستشار المالي لرئيس الوزراء، قال المشهداني إنه “من الصعب جداً ضبط الإنفاق، لأن هناك نفقات حاكمة تصل إلى 145 تريليون دينار، وتمثل رواتب وأجور الموظفين والمتقاعدين وشبكة الحماية الاجتماعية، ومن الصعب جداً التلاعب بها، خصوصاً وأن العام القادم هو عام انتخابات برلمانية جديدة”.

وأكد المشهداني، أن “سداد الديون (فوائد وأقساط الدين العام) وأيضاً تخصيصات البطاقة التموينية وشراء الغاز وكذلك أجور إنتاج النفط من الشركات الأجنبية، هذه كلها من النفقات الحاكمة واجبة الدفع، وهذه مجموعها 145 تريليون دينار، ومن الصعب ضبط الإنفاق في ظل هذا التوسع الهائل للإنفاق”.

واختتم بالقول، إن “الحكومة إذا ما واجهت أي أزمة، ستتجه إلى إيقاف الإنفاق الاستثماري، الذي يفترض أن يكون المحرك الأساسي للاقتصاد العراقي، وبالتالي ستتوقف استحداث فرص العمل وإمكانية تطوير الإنتاج وتعويض الاستيراد الذي يشكل عبئاً على الموازنة العامة”.

يُذكر أن سعر بيع خام البصرة بلغ 66.72 دولاراً، فيما وصل سعر خام البصرة المتوسط إلى 69.72 دولاراً، وهو أقل بكثير من السعر المقرر في الموازنة، الذي ارتفع من 70 دولاراً في موازنة العام الماضي إلى 80 دولاراً في موازنة العام الحالي.