تتجه أزمة السكن في العراق الى التفاقم برغم الخطط التي تتحدث عنها الحكومة لـ"تخفيفها" عبر القروض والمجمعات السكنية؛ فمع تزايد الحاجة إلى وحدات سكنية لتلبية الطلب المتنامي، تظل القروض المقدمة عاجزة عن تحقيق الهدف المنشود بسبب الشروط التعجيزية والمبالغ فيها، ما يجعل الوصول إليها أمراً صعب المنال للكثيرين.
وبينما ينتظر المواطنون حلولاً جذرية ومنصفة، تعمّ الفوضى في سوق العقارات، ما يزيد من تعقيد المشكلة ويعزز التفاوت الاجتماعي.
عوائق كثيرة
ووفقاً للإحصاءات، تشير التقديرات إلى أن العراق بحاجة إلى أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية لسد العجز الحالي. وعلى الرغم من وجود برامج حكومية لتقديم القروض السكنية، فإن الشروط المرتبطة بها، مثل الدفعة المقدمة العالية وأسعار الفائدة الكبيرة، تقف حاجزاً أمام الكثير من المواطنين، خاصة أولئك من ذوي الدخل المحدود.
وقد أظهرت استبيانات أن نسبة استفادة الفئات المستهدفة من القروض السكنية الحكومية لا تتجاوز 15 في المائة، بسبب العوائق، في وقت يسجل فيه السوق العقاري ارتفاعاً سنوياً في أسعار الوحدات السكنية بنسبة تصل إلى 20 في المائة، وسط دعوات لإعادة النظر في السياسات الإسكانية، وتبني خطط شاملة قادرة على تحقيق العدالة السكنية وضمان حصول الجميع على سكن ملائم.
غير كافية
وفي تصريح متلفز تابعته "طريق الشعب"، قال وزير الاعمار والاسكان بنكين ريكاني: ان القروض التي تسلمها الوزارة والتي كانت في السابق 30 مليون دينار، وارتفعت الى 50 و60 مليونا، لا تساهم بشكل ناجع في حل المشكلة.
وأضاف انه "برغم هذا الارتفاع، تعتبر هذه القروض قليلة وضعيفة بالنسبة لمعالجة ازمة السكن"، مبينا أن "صندوق الاسكان يمنح 8000 قرض في حين ان الحاجة الفعلية بحسب دراسة الوزارة هي 250 الف قرض سنوياً"، لافتا الى ان هناك "فرقا كبيرا بين الحاجة وبين ما يتم توفيره".
كم مواطن قادر على الاقتراض؟
وللحديث اكثر عن هذا الملف، أوضح المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي بان هناك "مشكلة وازمة سكن وحاجة متزايدة للوحدات السكنية. ما يتم تنفيذه من مشاريع سكنية وما يقدم من تسهيلات لا يغطي الحاجة المتزايدة للسكن"، مشيرا الى انه "وفق هذه المعطيات تبقى الاسعار مرتفعة وتبقى الحاجة قائمة لوحدات سكنية جديدة".
وعن سبل معالجة هذه المشكلة قال لـ"طريق الشعب"، ان "القروض وما شاكل ذلك، هي جزء من معالجة المشكلة. نعم هناك مواطنون بإمكانهم الحصول على القروض وبإمكانهم بناء وحدة سكنية؛ ولكن المهم هو كم عدد المواطنين الذين يحصلون على قروض سكنية؟ بكل تأكيد ليس الجميع على اعتبار ان الطلب كبير ولا يمكن تغطيته".
واردف بالقول: ان "بناء مدن واسعة متكاملة و وحدات سكنية كبيرة، ستغطي جزءا كبيرا من المشكلة، وستحل مساحة كبيرة من ازمة السكن، لكتها لن تحل كامل المشكلة ولا تسد حاجة الناس للإسكان".
وأشار الى انه سيتم بناء 16 مدينة سكنية في بغداد والمحافظات. وفي المراحل المقبلة سيكون هناك المزيد من المدن السكنية عبر الانفتاح على اطراف المدن.
وعن امكانية سد هذه المدن الحاجة الفعلية اوضح الهنداوي ان "حاجة البلد تقدر بما يتراوح بين 2_ 3 مليون وحدة سكنية، ولكن هذا يبقى رقما تقديريا، ومن خلال التعداد العام للسكان الذي سيجرى الشهر المقبل، سنكون امام رقم حقيقي يؤكد لنا كم هي نسبة العجز، وحجم الحاجة للوحدات السكنية، ولكن المدن الثلاث التي من المخطط تنفيذها ستوفر اكثر من 200 الف وحدة سكنية".
ليست حلاً
من جهته، قال المتحدث الرسمي لوزارة الاعمار والاسكان، نبيل الصفار، في مستهل حديثه: ان "القروض التي تمنحها المصارف تكون ذات فائدة عالية، ولا تناسب دخل المواطن ووضعه الاجتماعي وحاجته"، مبينا ان "القروض التي تقدمها الوزارة، تختلف عن باقي القروض التي تمنحها المصارف، على اعتبار انه لا توجد نسبة فائدة، وان فترة التسديد تمتد الى 15 عاما".
وأضاف الصفار في حديث مع "طريق الشعب"، ان هناك "معايير وضوابط يتم على اساسها توزيع القروض، وتأخذ هذه المعايير بنظر الاعتبار الحالة الاجتماعية للفرد والرعاية الاجتماعية وعدد افراد الاسرة، ومدى الاستفادة السابقة، سواء للزوج ام الزوجة من القروض".
ونوه في سياق حديثه الى ان "القروض التي تُمنح من الصندوق هي لغرض بناء وحدات سكنية او اضافة بناء حصراً. وهذا يختلف عن باقي القروض التي تقدمها المصارف لشراء وحدات سكنية"، موضحا أن "سياستنا تهدف الى زيادة الرصيد السكني الموجود في البلد".
وذكر الصفار ان "المبالغ الموجودة للقروض محددة، وان الصندوق من اجل أن يغطي اكبر قدر ممكن، فهو بحاجة الى زيادة الرصيد المالي الموجود لدى صندوق الاسكان".
واشار الى ان "قروض الاسكان، هي جزء من حل المشكلة، وليست الحل"، مبيناً أن "الحل الناجع والاكبر هو التوجه نحو المدن السكنية التي ستوفر آلاف الوحدات السكنية".
وزاد بالقول: ان "تخفيف الفجوة السكنية الموجودة، يكون من خلال اطلاق المدن السكنية الخمسة في بغداد والمحافظات"، مشيراً الى ان هناك مدنا اخرى سيتم الاعلان عنها بحسب رؤية الوزارة.
معقدة وغير مرنة
الى ذلك قال الخبير الاقتصادي شوفند كرواني: ان "القروض عادةً تمنح من المصارف ليس لأجل الحصول على وحدة سكنية فحسب، بل من اجل مسائل كثيرة وعديدة، على ان تكون ميسرة؛ فالغاية منها هي جذب المقترضين، ومنحها بما يتناسب مع حجم دخل المقترض من المصرف وبضمان الراتب مثلاً".
وأضاف "في العراق وبما ان القروض تمنحها مصارف حكومية، فانه يفترض ان يتم تحديد سعر فائدة قليل مع منح تسهيلات عديدة للمواطن، بما يناسب قدرته، وبشروط ميسرة ومرنة غير تعجيزية. لكن للأسف الاجراءات معقدة جداً، ولا تتسم بالانسيابية والمرونة، والكثير يمتنعون عن تسلمها". واكد شرواني لـ"طريق الشعب"، على "ضرورة ان تنظر الجهات المعنية الى هذه المسألة بواقعية؛ فمن الملاحظ أن هذه الاجراءات معقدة وشروطها تعجيزية ومبالغ فيها". ونبّه الى أن "القروض العقارية قد تكون مفيدة جدا لأغلب المحافظات، لكن ليس بالنسبة لبغداد، بسبب الارتفاع الكبير في اسعار العقارات وحتى المجمعات السكنية التي رفعت اسعار الوحدات وحددت الاستفادة من الوحدات السكنية". واكد ضرورة ان "تنظر الدولة بشكل جدي الى الاسعار المرتفعة جدا بالنسبة للعقارات في بغداد، حيث ان القروض التي تمنح لا تكون كافية لتوفير سكن للموظف او المواطن ذي الدخل المحدود او المتوسط"، مشيراً الى أن "الدولة يجب ان يكون لها دور في بناء المساكن للمواطن بشكل ميسر يراعي المواطن البسيط والفقراء التي تعد شريحة واسعة جداً في المجتمع العراقي، ولكن دور الدولة لا يزال ضعيفاً في هذا الجانب".