اخر الاخبار

يواجه القطاع الصحي في العراق تحديات كبيرة تتعلق بالاعتماد المفرط على استيراد الأدوية، ما يترتب عبء مالي ضخم على الميزانية الوطنية. هذا الاعتماد لا يقتصر على تأثيره الاقتصادي فحسب، بل يمتد ليشمل استدامة النظام الصحي وتوفير العلاجات اللازمة للمرضى.

وتتواصل الدعوات لإنشاء "المدن الدوائية" كحلول استراتيجية لتطوير الصناعة المحلية للأدوية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وفي 31 تشرين الاول الماضي، أكد رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، افتتاح مصنعين جديدين للمضادات الحيوية والمثبطات المناعية من قبل القطاع الخاص، مشددا على أهمية النهوض بالصناعة الدوائية لتحقيق الأمن الدوائي للعراق.

وجاء في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، أن السوداني أعلن ارتفاع مؤشر العقود الدوائية للقطاع الخاص، في إطار برنامج حكومي يهدف إلى توطين الصناعات الدوائية ضمن أولويات الحكومة.

وأشار السوداني إلى أن المصنعين الجديدين سيغطيان حوالي 25 في المائة من حاجة البلاد من المضادات الحيوية (السيفالوسبورينات)، التي تعد من الأدوية الأساسية المنقذة للحياة.

وأوضح، أن خط الإنتاج سيوفر ملايين الجرعات من الكبسولات والحبوب والمعلقات، إلى جانب الحقن العضلية والوريدية، ما يسهم في تلبية احتياجات المستشفيات وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال.

كما تم الكشف عن وجود خطة طموحة لإنشاء ثلاث مدن صناعية متخصصة في صناعة الأدوية بنظام الاستثمار، الذي تهتم به حوالي 12 إلى 15 دولة، ترغب في إقامة شراكات في هذا القطاع.

ما اهمية المدن الصناعية؟

وقال الصيدلي الممارس زيد شبيب، أن "إنشاء المدن الصناعية المتخصصة، خاصة في مجال الصناعات الدوائية، يحمل أهمية كبيرة على المستويين الطبي والاقتصادي في العراق. من الناحية الطبية، تسهم هذه المدن في تلبية احتياجات السوق المحلية من الأدوية والعلاجات الضرورية، ما يحدّ من الاعتماد على الأدوية المستوردة، ويساعد في تعزيز الأمن الدوائي. أما من الناحية الاقتصادية، فإن توطين صناعة الأدوية يسهم في تقليل خروج العملة الصعبة من البلاد، وهو ما يعتبر خطوة هامة لحماية الاقتصاد الوطني".

وأشار شبيب في حديث مع "طريق الشعب"، إلى أن "العراق كان يمتلك قاعدة متقدمة في مجال الصناعة الدوائية قبل عام 2003، حيث كانت المعامل المحلية تغطي جزءًا كبيرًا من احتياجات السوق المحلية والقطاعات الصحية الحكومية. إلا أن هذا القطاع تراجع بشكل ملحوظ بعد عام 2003، نتيجة البيروقراطية والإهمال وتراجع التقنيات. بالإضافة إلى ذلك، أدى نهج المحاصصة والفساد إلى ضعف التسويق للأدوية المحلية، ودفع الكثير من المستثمرين بعيدًا عن هذا القطاع بسبب العقبات المتعددة التي تواجههم".

وأكد شبيب أن "السوق المحلية في العراق اليوم غارقة بالأدوية الأجنبية المستوردة، سواء من الدول الإقليمية أو الأوروبية، وهو ما يخلق منافسة غير متكافئة مع المنتجات المحلية ويؤثر على قدرة الأدوية العراقية في الوصول إلى المستهلكين".

وأضاف، أن "استيراد الأدوية بهذه الكميات الهائلة يؤدي إلى تهريب العملة الصعبة خارج البلاد ويؤثر سلبًا على الاقتصاد، بينما كان بالإمكان تعزيز الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على المستورد".

وتحدث شبيب عن التحديات التي تواجه الصناعة الدوائية المحلية، مشيرًا إلى ضعف التسويق، حيث يعتمد معظم الأطباء على الأدوية الأجنبية نظرًا للترويج الكبير لها من قبل مكاتب الشركات الأجنبية، والتي غالباً ما ترتبط بالمصالح التجارية. ولفت إلى أن "بعض الشركات المحلية، مثل شركة “بايونير” والتي مقرها في السليمانية، بدأت بتحقيق حضور قوي في السوق بفضل جودة منتجاتها وجهودها في التسويق".

وبيّن شبيب، أن "هناك خطوات حكومية لدعم الشركات المحلية، حيث صدر توجيه يلزم المستشفيات الحكومية بتفضيل الشركات المحلية في حال توفر الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة، قبل اللجوء إلى الشركات الأجنبية".

الادوية الاجنبية اعلى سعراً من المحلية

من جهة أخرى، أوضح شبيب أن الأدوية الأجنبية غالبًا ما تكون أعلى سعراً من المحلية بسبب الامتيازات الحصرية للشركات المصنعة، لكن ضعف حماية الصناعة الوطنية يجعل بعض الأدوية المستوردة أرخص، مما يزيد من صعوبة المنافسة على المنتج المحلي.

 ودعا شبيب إلى دعم أسعار الأدوية المحلية، خصوصاً المتعلقة بالأمراض المزمنة، وتنظيم أسعار الأدوية لضمان حماية الصناعة الوطنية والحد من المضاربات في السوق.

واختتم شبيب بالتأكيد على ضرورة تعزيز إنتاج المستلزمات الطبية داخل العراق، مشيرًا إلى بدء إنتاج المحاليل الطبية محليًا، مما يسهم في تغطية احتياجات السوق ويقلل من الحاجة للاستيراد.

ويواجه العراق تحدياً كبيراً في القطاع الصحي نتيجة اعتماده الكبير على استيراد الأدوية، الأمر الذي يشكل عبئاً على الميزانية العامة ويضغط على الاقتصاد الوطني.

وطبقا لمريم حيدر، عضو نقابة الصيادلة العراقيين، فان استيراد الأدوية يعد أحد أبرز القضايا الاقتصادية والصحية في العراق، حيث تصل كلفة الأدوية المستوردة سنوياً إلى عدة مليارات من الدولارات، ما يؤثر سلباً على الميزانية الوطنية.

وتؤكد مريم أن الحلول الاستراتيجية تكمن في إنشاء "المدن الدوائية" التي تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي للأدوية. هذه المدن، بحسب مريم، تمثل خطوة هامة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاع الصحي، كما تساهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد من الخارج، عبر جمع الأنشطة المرتبطة بالصناعات الدوائية في أماكن متكاملة.

وفيما يخص الإنتاج المحلي، تشير مريم لـ "طريق الشعب"، إلى أن "العراق يمتلك الإمكانية لتطوير صناعة الأدوية عبر إنشاء معامل جديدة وخلق فرص استثمارية دولية لزيادة الإنتاج المحلي"، مشيرة الى وجود "صعوبات بيئية واستثمارية تتعلق بالبنى التحتية".

وبناءً على ذلك، تطالب مريم بوضع خطة استراتيجية محكمة تهدف إلى إنشاء المدن الدوائية وتعزيز صناعة الأدوية المحلية لضمان استدامة القطاع الصحي وتقليل الاعتماد على الاستيراد الباهظ.

ضرورة دعم القطاع

فيما يقول د. أسامة هادي حميد، المتحدث الرسمي باسم نقابة صيادلة العراق، أن القطاع الصحي في العراق يعاني من نقص في التخصيصات المالية اللازمة لتطوير خدمات الرعاية الصحية، مشددًا على ضرورة توفير الدعم المالي الكافي لمساندة وزارة الصحة في خططها لتأمين الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية". وأكد حميد، أن النقابة ترى أن هذه التخصيصات خطوة محورية لتلبية الاحتياجات الصحية المتنامية للمواطنين.

وأشار حميد لـ "طريق الشعب"، إلى أن "العراق يمتلك حاليًا 28 مصنعًا دوائيًا موزعة بين القطاعين الحكومي والخاص، تقدم طيفًا واسعًا من الأدوية، بدءًا من المسكنات والمضادات الحيوية وصولًا إلى أدوية الأمراض المزمنة والأورام. كما أن هناك مشاريع جديدة في مجال التصنيع الدوائي تنتظر التراخيص اللازمة، ما يعكس توجه الدولة الجاد نحو دعم هذا القطاع الحيوي".

وأشاد حميد بجهود المستثمرين المحليين ورغبتهم في المساهمة بتطوير القطاع الصحي، حيث تعمل نقابة الصيادلة بالتعاون مع الجهات الحكومية، مثل وزارتي الصحة والصناعة، لتقديم تسهيلات تساهم في دعم الإنتاج الوطني للدواء وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

وأشار حميد إلى أن دعم الحكومة للصناعة الدوائية من خلال التسهيلات المالية والإدارية من شأنه أن يسهم في تجاوز العقبات الروتينية وتسهيل الاستثمار في هذا القطاع. وأكد أن "مثل هذه الخطوات من المتوقع أن تُحدث طفرة نوعية في مستوى الإنتاج المحلي، مما ينعكس على استقرار السوق المحلية من خلال توفير الأدوية بأسعار مناسبة وتحسين الفرص الاقتصادية بتوفير وظائف جديدة للكفاءات العراقية".

وفي الختام، أوضح حميد أن "خطوة توطين الصناعة الدوائية في العراق ستعزز من الأمن الدوائي الوطني خلال السنوات الخمس المقبلة، مؤكدًا أن تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال يمثل نقلة نوعية لضمان استدامة الرعاية الصحية ورفع مستوى الصحة العامة.