يُحذر خبراء اقتصاد من خطورة استمرار تدهور قطاع الثروة السمكية في العراق، والذي يتواصل منذ نحو أربع سنوات بفعل شح المياه وتراجع مناسيب نهري دجلة والفرات إثر تقليل حصص البلاد المائية من بلدي المصب إيران وتركيا.
ودفعت هذه الأزمة، السلطات إلى إعلان حالة طوارئ مائية أفضت إلى ردم أكثر من 10 آلاف بحيرة صناعية على ضفاف الأنهر، مخصصة لتربية الأسماك المحلية.
ومطلع تشرين الثاني الحالي، نشرت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) تقريرا قالت فيه ان “العراق يخسر نحو 400 مليون دولار سنويًا بسبب تدهور الثروة السمكية”، مضيفة القول أن الوقت قد حان “لاتخاذ إجراءات فورية بشأن المناخ”.
وشددت على أهمية الحد من التدهور الحاصل في الثروة السمكية، داعيةً الحكومة إلى اتخاذ إجراءاتها بهدف الحد من هذه الخسائر.
وتشير الإحصائيات الرسمية، إلى أن العراق أنتج في العام 2021، نحو 84 ألف طن من الأسماك، لتنخفض الكمية في 2023 إلى 56 ألف طن، بنسبة تراجع بلغت نحو 35 في المائة. ولا توجد إحصائية رسمية لكمية الأسماك المُنتَجة خلال العام الجاري، إلا أن التوقعات تشير إلى انخفاضها بنسبة تتجاوز 50 في المائة.
المستورد يتصدر الأسواق
توفر السوق المحلية حاليا أسماكا مستوردة من دول عديدة، أغلبها آسيوية، بينما تساهم البصرة في توفير أنواع مختلفة من الأسماك البحرية، لكن تبقى أقل جودة من الأسماك النهرية المعروفة في دجلة والفرات – حسب ما يراه مواطنون.
وتستمر هذه التحديات نتيجةً لتراكم المشكلات البيئية، مثل التلوث والإفراط في الصيد، والتغيرات المناخية التي تؤثر على بيئة الأنهار والبحيرات.. هذه العوامل تساهم في تدهور إنتاج الأسماك، ما يزيد من الاعتماد على الواردات ويؤثر سلبًا على استدامة هذا القطاع.
إجراءات حكومية
للحد من الخسائر، اتخذت الحكومة خطوات عدة لتحسين وضع قطاع الأسماك، بما في ذلك إطلاق مشاريع تهدف إلى تحسين جودة المياه وتطوير ممارسات صيد أكثر استدامة.
ومنذ نهاية العام 2022، تم ردم وإزالة البحيرات المتجاوزة في بغداد والمحافظات والبالغ عددها نحو 10 آلاف بحيرة.
وفي السياق، قال مدير عام الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، وليد الزرفي، ان إجراءات ردم بحيرات تربية الأسماك المخالفة للقوانين والضوابط، والمتجاوزة على الحصص المائية، تسببت في تقليص حجم المعروض من الأسماك في السوق المحلية، ما أدى إلى خسائر اقتصادية.
وأوضح في حديث صحفي، أن وزارته تعمل على إدخال الأنظمة الحديثة والمتطورة في تربية الأسماك من خلال الأنظمة المغلقة التي لا تتسبب في هدر المياه، مشيرا إلى أن “هناك مربي أسماك لا يريدون التوجه الى الأنظمة الحديثة، خشية تحمل تكاليف مالية إضافية”.
وطالب الزرفي بـ “ضرورة محاسبة ومحاكمة المخالفين لتعليمات وضوابط وزارتي الزراعة والموارد المائية، لأنهم تسببوا في هدر المياه من خلال حفر آبار لتربية الأسماك، غير مُرخصة، ولم يحصلوا على إجازات من الجهات المعنية”.
وبيّن أن “العراق يعاني الجفاف والتصحّر بسبب تأثيرات التغير المناخي، ما يتطلب العمل الجاد والمتواصل من أجل الحد من عمليات هدر المياه وحفر الآبار بالطرق العشوائية”.
ولفت إلى ان “الوزارة مستمرة في دعم القطاع الزراعي، خاصة الثروة الحيوانية، لما لها من أهمية كبيرة في توفير المنتجات”، منوّها إلى أن “الوزارة قدمت لمربي الأسماك الذرة الصفراء العلفية بأسعار مدعومة، فضلا عن تشجيعها المربين على تبني طريقة النظام المغلق في تربية الأسماك، لأهميته الكبيرة”.
قوانين داعمة
من جانبها، قالت نائب رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار في البرلمان، زوزان كوجر، ان البرلمان أقر عددا من القوانين التي تدعم تحسين واقع الزراعة وتربية الثروة الحيوانية في البلاد، ومن بينها الثروة السمكية التي تعتبر من القطاعات المهمة للاقتصاد الوطني.
وأضافت في حديث صحفي، أن “تدهور واقع الثروة السمكية الذي يشهده العراق، انعكس على الوضع الاقتصادي والمعيشي للكثير من العائلات التي تعمل وتتخذ من صيد وتربية الأسماك وسيلة للعيش”، مشيرة إلى أن “تراجع مستوى إنتاج الأسماك أدى إلى قلة المعروض منها في الأسواق، وبالتالي ارتفعت أسعارها لأرقام قياسية، مقارنة بما كانت عليه في السنوات الماضية”. وأكدت كوجر أن “هناك تحديات اجتماعية واقتصادية رافقت تدهور واقع الثروة السمكية في عموم البلاد، في ظل عدم وجود دعم حكومي كاف لمواجهة هذه الأزمة”، موضحة أن “التحديات الاقتصادية الكبيرة أدت إلى تراجع فرص العمل وتزايد معدلات البطالة”.
فيما لفتت إلى ان لجنتها عملت بالتعاون مع الحكومة على توفير القروض الميسرة لمشاريع تربية الثروة السمكية، وتوفير الأعلاف بأسعار مدعومة، وتقليص التعقيدات البيروقراطية، واستخدام الطرق الحديثة في تربية الأسماك، والتي تقلل من هدر وتبخر المياه، والحث على الاستفادة من خبرات دول المنطقة في هذا الشأن.
تأثيرات اقتصادية سلبية
إلى ذلك، أكد الاختصاصي في الاقتصاد الزراعي خطاب الضامن، أن الثروة السمكية تعد أحد الفروع الحيوية في القطاع الزراعي، وان تدهور إنتاجها لأقل من 50 في المائة - وفقاً للتقديرات – يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية سلبية متعددة”.
وأوضح في حديث صحفي أن “من أهم التأثيرات، تقليل مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، ما يفاقم أزمة احادية الاقتصاد العراقي، ويزيد الاعتماد على النفط بما هو مصدر أساسي للدخل، فضلاً عن زيادة الواردات الغذائية، الأمر الذي يشكل ضغطاً إضافياً على العملة الصعبة وميزان المدفوعات العراقي”.
وأشار الضامن إلى أن “تراجع إنتاج الثروة السمكية يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بين العاملين في هذا القطاع. كما يؤدي إلى غلاء الأسماك، ما يضر بالقدرة الشرائية للمستهلكين”، مشددا على “أهمية التكيف مع التغيرات المناخية من خلال تبني استراتيجيات وطنية لتقليل تأثيرها على الموارد المائية، وتعزيز إدارة المياه وحماية الأنهار من الجفاف والتلوث، وتحسين وسائل الإنتاج السمكي من خلال الاستثمار في إنشاء مزارع سمكية حديثة بتقنيات تستهلك كميات اقل من المياه”.
كما شدد على “ضرورة تقديم الدعم الفني والمالي للصيادين والمزارعين لتحسين إنتاجيتهم، وحماية الموارد الطبيعية وتطبيق قوانين صارمة للحد من التجاوزات على الأنهار، والتعاون مع دول الجوار لإدارة الأنهار المشتركة بشكل عادل”.