اخر الاخبار

شح المشافي والأدوية وفحش الأسعار يضيّعان حياة المصابين

 

على الرغم من الموازنات الانفجارية التي أقرّت طوال السنوات الماضية، وحجم الانفاق العالي فيها، بقيت خدمات القطاع الصحي، بعمومه، دون المستوى المطلوب. ويبدو أن هذا التردي انعكس اولا على مرضى السرطان، الذين يقاسون غلاء أسعار الأدوية، وسوء خدمات المستشفيات الحكومية، في مقابل الجشع الذي يواجهونه في المستشفيات الأهلية.

معدلات الاصابة مقلقة

وبحسب ما يتداول بالإعلام، فإن أرقاما رسمية تؤكد أن معدلات الإصابة بأمراض السرطان تبلغ “2500 اصابة سنويا، ويمثل سرطان الثدي 20 في المائة منها”، وقد أسندت وكالات الأنباء هذه الاحصائية الى الناطق باسم وزارة الصحة، سيف البدر.

ويشكو المواطنون الذين يصارعون هذا المرض، شح الأدوية التي تسرب من المستشفيات الحكومية إلى الصيدليات الخاصة، بحسب قولهم، لغرض بيعها بأسعار كبيرة. 

ويقول الطبيب الاستشاري في الجراحة العامة، أمير فاضل، إن الحكومة “تخصص في كل موازنة مبالغ من أجل توفير العلاج، إلا أنه سرعان ما يختفي من مخازن وزارة الصحة”.

ويضيف الطبيب لـ”طريق الشعب”، أن “الجرعات الخاصة بمرضى السرطان باهظة الثمن، إذ أصبحت ضمن أهداف بعض الشخصيات المتنفذة الفاسدة، وبعض الجهات المسلحة التي حولتها إلى مصدر تجاري وبوابة للصفقات الرابحة على حساب حياة المواطنين”. 

 

البصرة والفلوجة في الصدارة

وبحسب تقارير رسمية، تتصدر مدينتا الفلوجة والبصرة، المناطق التي تسجل اصابات مرتفعة بأمراض السرطان، بسبب مخلفات الحروب التي عصفت بأبناء هذه المناطق.

وفي وقت سابق، أكد مكتب مفوضية حقوق الانسان في البصرة “تصدّر المحافظة، مدن البلاد بأعداد الإصابة بمرض السرطان”، مشيرا إلى أن “العلاج غير متوفر، بأغلب الأحيان، في مركز المعالجة، علما أن معدل الاصابات الشهرية لعام 2020 بلغ ما يقارب 600 إلى 700 إصابة”، وذلك بحسب مدير المكتب مهدي التميمي.

وتتحدث الطبيبة، خلود العلوان، إحدى الطبيبات العاملات في مستشفى الطفل المركزي، عن أعداد ضخمة للمصابين بالسرطان من الأطفال في شمال البصرة، مؤكدة أن “أكثر من 97 طفلا توفوا خلال عام 2020 نتيجة إصابتهم بالمرض، وعدم تمكنهم من تلقي العلاج”.

وتضيف الطبيبة في تصريح صحفي، أنه “في مستشفى الأمل لعلاج الأورام السرطانية، هناك مرضى من كل الأعمار وهم يعانون من نفس المشكلة، حيث لا يصلهم الدور احيانا في تلقي العلاج. وأحيانا تعتذر المستشفى عن استقبال المرضى، نتيجة لنقص الجرعات الخاصة بمرضى السرطان ووجود أعطال في الأجهزة، علما أنها قليلة ولا تسد حاجة كل المرضى”.

 

الجرعة بمليون دينار

وفي الشأن ذاته، يشكو المواطن عبد الله خالد، والد أحد الشباب المصابين بالسرطان في البصرة، غلاء كلف العلاج وصعوبة الحصول عليه.

ويضيف خالد خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، “نحن كعوائل نضطر في الكثير من الأحيان الى شراء الجرعة التي لا تتوفر في المستشفى. حيث أن سعر الجرعة الواحدة لا يقل عن النصف مليون دينار، ويصل احيانا إلى المليون”، والتي لا بد من أن يأخذها المريض كل ثلاثة أسابيع تقريبا لمرة واحدة.

وفي تقرير أصدره ديوان الرقابة المالية الاتحادي في العام 2018، لتقويم أداء سياسة وزارتي الصحة والبيئة، آنذاك، في توفير المستلزمات الضرورية للكشف المبكر عن الأمراض السرطانية، وردت إشارة إلى ارتفاع في معدّلات الإصابة بالسرطان، نظراً لعدم توفر المتطلبات الكافية للكشف المبكر عنه والحدّ منه. وكذلك بسبب قلّة عدد الكوادر الطبية والأجهزة المتخصصة، بالإضافة إلى عدم امتلاك الوزارة رؤية واضحة لتحديد المتطلبات التي تستوجبها الخدمة العامة في هذا المجال.

 

الروتين يغذي المرض

ومن بغداد، ينقل المواطن صلاح هاشم معاناته أثناء رحلته العلاجية لإنقاذ ابنته التي اصيبت بالسرطان، بعدما اكتشف وجود ورم خبيث في ساقها لم يكن شكله يوحي بهذه الخطورة. ويبيّن هاشم لـ”طريق الشعب”، أن التشخيص للحالة “اقتضى إجراء عملية بعد أن قررت اللجنة الطبية ذلك. ونجحت العملية فعلا، لكني بقيت أراجع لاحقا لغرض إكمال العلاج الكيمياوي، وبسبب الإهمال وتأخر وقت التشخيص والتخبط، عاد خطر المرض مجددا رغم أنه كان في مراحله الأولية”.

والان ستقوم ابنة هاشم بإجراء عملية أخرى.

وقال انه خلال فترة وجيزة “صرفت ملايين الدنانير ما بين العملية الأولى، والاستعداد للثانية، وكذلك على العلاج الذي قمت بشرائه، فضلا عن الكلف العالية للفحوصات والتحاليل التي نجبر دائما على اجرائها في العيادات الأهلية، رغم أني اعتاش على راتب ضئيل من الرعاية الاجتماعية”.

 

“أتحدى الإنسانية للطفولة”

وقبل أيام، طالبت منظمة (أتحدى الإنسانية للطفولة)، رئيس مجلس الوزراء، بتخصيص قطعة أرض لبناء مستشفى خاص لعلاج أطفال مرضى السرطان في العراق وبالمجان.

وخاطبت المنظمة، الكاظمي بكتاب رسمي، أطلعت عليه “طريق الشعب”، دعت فيه إلى “تخصيص قطعة أرض لبناء مستشفى خاص لعلاج أطفال مرضى السرطان في العراق بالمجان على غرار مستشفى مصر 5757، وذلك لازدياد عدد الأطفال المصابين بهذا المرض، وبسببه عجزت المستشفيات عن توفير مكان يسع لهذه الاعداد الكبيرة”. 

وأضافت ان “الأطفال اليوم بحاجة لالتفاتتكم الأبوية لانتشالهم مما هم فيه ونحن نناشدكم لدعم بناء أول مستشفى خاص في العراق لعلاج أطفال مرضى السرطان بالمجان”.

ويقول الطبيب المتخصص في أمراض الدم، حسن السعدي، إن أمراض السرطان “تنتشر في مختلف المحافظات بشكل كبير”.

 

نقص بنسبة 80 في المائة

ونقلت وكالات الأنباء عن السعدي قوله: “ما متوفر من مستشفيات مخصصة لعلاج السرطان، لا يسد سوى أقل من ٢٠ في المائة من الحاجة الفعلية”.

ويعد العراق من أكثر دول منطقة الشرق الأوسط انتشارا لمرض السرطان، إذ يقول المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، إن معدلات الإصابة بمرض السرطان في العراق، شهدت ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب تفاقم مشاكل التلوث البيئي، لا سيما في المحافظات الجنوبية.

 

#سرطان_الناصرية 

وفي أيلول الماضي، أطلق ناشطون وسم #سرطان_الناصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل ارتفاع نسبة أمراض السرطان في محافظة ذي قار، التي سجلت 7500 إصابة، وفق ما أكده ناشطو الحملة.

وبحسب الناشط الذي اشترك في الحملة الترويجية، علي الركابي، فإن “زيادة الأمراض السرطانية بشكل كبير، دعتنا كناشطين الى لفت انظار الجميع لحجم هذه المعاناة، وتنبيه الجهات الحكومية والنيابية لما يعاني منه أبناء وبنات المحافظة”.

وأوضح لـ”طريق الشعب”، ان محافظة ذي قار “تعاني نقصا حادا في المستشفيات، ومرضى السرطان في حيرة من أمرهم للأسف الشديد”.

 

المستورد أحد الاسباب

ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي، رأفت عزيز، أن للأزمة جانبا يتعلق بالاقتصاد والخلل الذي يشهده.

ويشير عزيز أثناء حديثه لـ”طريق الشعب” إلى أن “السكائر والأراگيل تدخل العراق بدون گمارگ كبيرة كبقية الدول، وتتوفر بأسعار رخيصة في الأسواق، ما تتسبب بانتشار أمراض السرطان بشكل واسع، وخصوصا بين شريحة الشباب”، مؤكدا أن “الكثير من منتجات اللحوم والدجاج فيها مواد ملوثة مسببة للسرطان، ويتم استيرادها بسبب الفساد، رغم الضوابط الصارمة التي تحددها الحكومة بهذا الشأن”.