قال رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، في حديث متلفز قبل أيام، خلال تعقليه على تطبيق البرنامج الحكومي خلال الفترة الماضية، قائلا ان الحكومة أخفقت في ملف توزيع قطع الأراضي على المواطنين. وفي عودة الى معالجة هذا الملف من قبل الحكومات المتعاقبة، يتضح ان التعامل مع هذا الملف لم يأخذ طابعا جديا، برغم أزمة السكن الكبيرة التي تؤرق العراقيين، حيث اُطلقت العديد من المبادرات والمشاريع في هذا الشأن، وانتهت من دون تنفيذها، وأبرزها مشروع "داري" الذي تبنته الحكومة السابقة.
وطبقا لوزارة الإعمار والإسكان، فان العراق بحاجة إلى نحو 3 ملايين وحدة سكنية لتقليل أو معالجة أزمة السكن الخانقة في البلاد.
مزاجيات تتحكم بالملف
نائب رئيس لجنة الاستراتيجي النيابية، محمد البلداوي، أشّر وجود إشكاليات متعددة في عملية توزيع قطع الأرض على المواطنين، لاسيما ما يتعلق في التعاطي معها من قبل المحافظين، فضلاً عن إشكالات تتعلق بتوفير الخدمات للمساحات التي يراد توزيعها والدعم المالي المقدم لتشييد المنازل.
وقال البلداوي لـ"طريق الشعب"، إن "الإشكالية في توزيع قطع الأراضي لا تتعلق فقط في عملية التوزيع، بل هناك مشاكل متشعبة، على رأسها إيجاد الأراضي المناسبة لإنشاء المجمعات السكنية"، مبينا أن "الإشكالية الأخرى تتعلق بالمحافظين وعملية تخصيص الأراضي، اذ غالبا ما تخضع للمزاجيات، وترافق هذه العملية مؤشرات سلبية على عدم توزيعها بالشكل الصحيح على المستفيدين المستحقين".
أعباء إضافية
وأضاف النائب ان "هناك إشكالات تتبع عملية توزيع قطع الأراضي لمستحقيها، تتعلق بكيفية بناء هذه الأراضي وتوفير الخدمات والبنى التحتية"، مبينا ان هناك "أعباء إضافية تأتي بعد عملية توزيع الأراضي، لاسيما في توفير التخصيصات المالية للمستفيدين، اذ يلجأ غالبيتهم الى بيعها او تقطيعها وبيع جزء منها لتشييد المساحة المتبقية، وهذا يؤدي الى تشويه الواجهات، والى تراجع في التطوير الحضري".
وأوضح البلداوي، ان "المستفيدين من قروض الإسكان غالبيتهم من الطبقات الهشة والضعيفة، وهؤلاء بحصولهم على الأموال يضطرون الى عدم تخصيصها لبناء الأراضي، كون الأموال لا تكفي لهذه العملية، فيلجؤون الى تشغيلها في مصلحة معينة او شراء سيارة أجرة والعيش من خلالها".
واطئة الكلفة
ودعا البلداوي، الحكومة الى تبني "مشروع استثماري لبناء مجمعات سكنية مختلفة التصنيفات، تشتمل على مساكن للميسورين وأخرى للمحتاجين"، مشيرا إلى ان "الحل الاخر من خلال بناء مجمعات واطئة الكلفة، وتكون عملية تسديدها بالأقساط من خلال الرواتب او عن طريق الكفلاء".
وأشار نائب رئيس لجنة التخطيط الى ان "الكثير من الاراضي التي منحت للاستثمار، كانت أسعار الشقق السكنية فيها مرتفعة، فضلا عن كونها أحدثت إشكالية في العاصمة بغداد، وأضافت أعباء كبيرة على امانة بغداد والدولة في ايجاد وتوفير الخدمات، حيث لا يستوعب التصميم الأساسي للعاصمة اعداد المواطنين والوحدات السكنية. وفي مقدمة هذه الإشكالات توفير الطاقة الكهربائية ومعالجة شبكات التصريف الصحي وتوفير المياه الصالحة للشرب".
أفكار غير صحيحة
من جانبه، قال الخبير والمهندس المعماري، موفق الطائي، ان "فكرة توزيع الأراضي، من الأساس، ليست صحيحة، ولا توجد دولة في العالم تقوم بتوزيع قطع الأراضي كما يجري الامر في العراق"، مبينا ان "الأراضي يجب ان توزع على الجمعيات والمؤسسات لبناء المساكن لصالح مستفيديها".
وأوضح، ان "هذا الأسلوب هو الأكثر نجاحا، فمن خلاله تتعرف الى التصميم المطلوب لانشاء المدن السكنية وتوزيع المساحة على المباني التي يراد تشييدها، ومن بينها المدارس وغيرها من البنى التي يحتاجها السكان".
استغلال انتخابي
ولفت الطائي، الى ان "هذا الملف يدخل فيه الجانب السياسي والانتخابات تحديدا، ويراد منه خلق جو من الترضيات لدى المواطنين".
وبيّن ان "العراق لديه تجربة مع عملية توزيع المساكن على الفقراء بعد ثورة 1958، ونتذكر الاحياء التي شيدت بأسماء الجمعيات والنقابات، وهي موجودة الى يومنا هذا، ومنها حي المعلمين والمهندسين والكثير من هذه التسميات".
وذكر الطائي، أن "سياسة الإسكان التي تم وضعها، في وقت سابق، جرى إهمالها. وكانت تركز على الأولويات ومن بينها طريقة التمويل، وحاليا الموضوع المتعلق بالاسكان خارج صلاحيات الهيئة العامة للاسكان نهائيا، وكذلك بعيدة عن وزارة التخطيط، والحكومات المحلية هي من اخذت على عاتقها هذا الدور، ولا داعي للقول ما هي الإشكالات في الحكومات المحلية".
ربع العراقيين بالإيجار
المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، اشار الى ان ربع العراقيين يسكنون الإيجار.
وذكر المركز ان "محافظة بغداد احتلت المرتبة الاولى في مؤشر العجز في الوحدات السكنية قياسا لنسبة السكان بنسبة 31% تلتها محافظة نينوى بنسبة 28% ومحافظة البصرة بنسبة 10%".
وقال، أن "نسبة العجز السكني من الوحدات السكنية لعامي 2023 _ 2024 بلغ 26% من مجموع سكان العراق البالغ عددهم 45 مليون حسب إحصائيات وزارة التخطيط."
واضاف أن "معدل ملكية المنازل في العراق بلغ نحو 74 بالمئة، أي أن 26 بالمئة أو أكثر من ربع العراقيين يسكنون في الإيجار أو في وحدات عشوائية".
وأشار إلى، أن "نسبة الحاجة للوحدات السكنية في المناطق الحضرية ستزيد بواقع 3% سنويا لغاية عام 2030". ووفقا لهذا المؤشر فان العراق بحاجة الى اربعة ملايين وحدة سكنية بحلول عام 2027.