في ظل التداعيات المستمرة للأزمة السورية، والتي ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة، تواجه العمالة السورية وكحال الكثير من العمالة الاجنبية تحديات عمل معقدة في العراق. وللوقوف على هذا الموضوع، أجرينا في "طريق الشعب" مقابلة مع الكاتب والباحث السوري محمد أرسلان، الذي تحدث بإسهاب عن واقع العمال السوريين في العراق، موضحًا طبيعة الصعوبات التي يواجهونها، بدءاً من الاستغلال في بيئات العمل، مرورا بمشكلات الإقامة والأوراق الرسمية، وصولا إلى غياب الدعم من الجهات الرسمية. كما قدم أرسلان رؤيته حول السبل الممكنة لتحسين أوضاع هؤلاء العمال في المستقبل.
"طريق الشعب": ماذا تقولون عن أوضاع العمال السوريين؟
أرسلان: من المعروف بأن سوريا البلد الوحيد، أو من بين دول قليلة، لديها نسبة مرتفعة من الاكتفاء الذاتي، وحالة متقدمة من العمالة، خاصة في المجال الصناعي والزراعي، تتمكن بها من منافسة بعض القوى الإقليمية. الاّ أن ما حل بسوريا بعد 2011 من أزمة حادة وغياب للاستقرار بشكل عام، وإعلان أغلب الأطراف او الفصائل المعارضة عن هدفها بالقيام بالثورة وإسقاط النظام، من الناحية الدعائية على الأقل، قد أضر كثيراً بالاقتصاد، لاسيما وإن ومعظم هجمات الفصائل استهدفت البنية التحتية، وتم تفكيك عدد كبير جداً من المعامل والمصانع ونقلها إلى تركيا او إلى بعض الدول الأخرى، خاصة من مدينة حلب، المعروفة في الجغرافيا السورية كمدينة للصناعة، وذلك خلال الفترة 2011 – 20014.
لقد استفادت تركيا بشكل كبير من هذه المصانع في تطوير صناعتها، إن كان إقليميا او دولياً، فيما تضررت سوريا ليس من سرقة هذه المنشآت بل وأيضاً من تهجير الكثير من أصحاب العقول ورؤوس الأموال والعمال الذين كانوا يعملون فيها، إضافة إلى تهجير ممنهج لباقي السوريين. وتمركزت العمالة والمستثمرين السوريين في تركيا، التي منحت حكومتها تسهيلات كبيرة جدا لهم واستفادت منهم لتطوير صناعتها. لقد تجاوز الاستثمار السوري في تركيا السبعة مليار دولار، وهو رقم كبير جدا مقارنة بالدول الأخرى التي نزح اليها السوريون، ماعدا مصر التي بلغ حجم الاستثمار السوري المهاجر لها 2-3 مليار دولار، ولعب دوراً في تحسين حياة قطاعات غير قليلة من المصريين. أما ما يتعلق بالعراق، فرغم إن نسبة الهجرة اليه قليلة جدا بالمقارنة مع الدول الاخرى وذلك لأن العراق بلد غير جاذب للعمالة، فقد جاء إلى هنا مستثمرون أغنياء جداً، نقلوا رؤوس أموالهم وافتتحوا بها بعض المعامل.
وفي الوقت الذي حظي فيه العمال والمستثمرون بمتابعة واهتمام حكومات تركيا ومصر وحصلوا على الكثير من التسهيلات في افتتاح المعامل والمصانع وحتى منحهم الأراضي بأسعار مخفضة وتبسيط إجراءات الاقامة، لم يقدم العراق لهم شيئاً وواجهوا مشاكل بيروقراطية ومالية في الحصول على الإقامة أو في تمشية قضاياهم وحل مشاكلهم.
للأسف أوضاع العمال السوريين في العراق ليست جيدة، حيث يتعرضون إلى أبشع أنواع الاستغلال والابتزاز والتهديد من قبل بعض أرباب العمل سواء عبر منحهم أجورا قليلة وساعات عمل طويلة وتهديدهم بالاستغناء عنهم وترحيلهم حال تقديمهم لشكوى ما. ولا يتعلق ذلك بالرجل فالعاملات السوريات يواجهن مصائب عمل أكبر حيث يتم ابتزازهن بشكل كبير جدا لاستغلالهن جنسيا والتجارة بهن ويتم منحهن أجور عمل أقل من الرجل. هذا كله، دون أن ترعى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية حالاتهم، ولا تعيرهم السفارة السورية في بغداد أي اهتمام هي الاخرى، لأن السفير هو ممثل للحكومة السورية التي لا أحد فيها يهتم بالشعب.
كما تشكل قضية الأوراق الرسمية مشكلة جدية للعمال السوريين في العراق، وعلى الرغم من تمتعهم نظرياً بالحق في الضمان الاجتماعي، فإن أغلبهم لا يحصل على ذلك، لنقص في الأوراق الرسمية أو الحاجة لمصاريف كبيرة من رسوم ونفقات إدارية. ويبدو أن الأمور ستشتد تعقيداً بعد مجيء هيئة تحرير الشام للحكم وإحراق هيئة الجوازات في دمشق، خاصة وإن البعض سوف لن يتمكن من تجديد أوراقه الثبوتية أو استصدار ما ينقصه منها.
"طريق الشعب": كيف تجد النظام الحالي في سوريا وهل تعّول عليه في تحسين واقع العمال وتوفير فرص عمل؟
أرسلان: هناك الكثير من الشكوك حول النظام الحالي، الذي يمتلك خلفية مرعبة متطرفة. الظروف الحالية التي تعيشها سوريا، ليس فيها بصيص أمل بتحسن الأوضاع، خاصة وأن البنى التحتية وجميع مؤسسات الإنتاج تم تخريبها وترحيل الكثير منها إلى خارج سوريا. ومع ذلك فبكل تأكيد يمتلك الشعب السوري من قوة الإرادة نحو التغيير للأفضل الشئ الكثير.
"طريق الشعب": هل توجد رغبة لدى السوريين في الخارج للعودة إلى بلدهم؟
أرسلان: البعض منهم عاد إلى سوريا، والأغلبية لم ترجع بعد. المواطن السوري يعيش حالة من التردد والتوجس من النظام الجديد، ولا تهمه التصريحات او البيانات الإعلامية وما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي. الذين عادوا ليسوا من العمالة بل من معسكرات اللجوء. لا يوجد شيء في سوريا اسمه صناعة حتى هذه اللحظة كي يعود العامل إلى مكان عمله او يعود ليعمل بعمل آخر، فالعامل وأصحاب رؤوس الأموال عندما يفكرون بالرجوع إلى سوريا، يريدون بنية تحتية فاعلة، فهل هناك كهرباء أو ماء؟ هذه غير مؤمنة في الوقت الحاضر أمام أبسط مشاريع الاستثمار. إن الذبح على الهوية وانتشار النزعات الطائفية والعرقية بالتدريج، مؤشرات خطيرة. هناك من يدعو بعض الأقليات او بعض المكونات إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم على الأقل ضد كل من يحاول ابتزازهم او استغلالهم او سرقتهم او ترهيبهم في المراحل الانتقالية، انا اعتقد، الكل مترقب ومتوجس ويعيش في شيء من الخوف.
"طريق الشعب": ما المطلوب من الحكومة العراقية تجاه المواطن السوري؟
أرسلان: ان ما تعيشه سوريا سبق وعاشه العراق قبل عقدين من الزمن. ولهذا فالعراقي أقدر على فهم الحالة النفسية للعامل السوري، ولذلك وكي لا تتكرر نفس المأساة والتراجيديا، ينبغي تفهم الحالة النفسية لهذا العامل، وعدم استغلاله او ابتزازه او تهديده، وتقديم بعض التسهيلات له حتى تعود الاوضاع آمنة في سوريا، كتخفيف الإجراءات البيروقراطية في الإقامة وإجراءات السفر إضافة إلى ضرورة ان تأخذ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية دورها في متابعة العمالة الأجنبية وخاصة العمال السوريين وتأمين شمولهم بالرعاية والضمان الاجتماعي.