في نيسان 2024، أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق أن عدد المشمولين برواتب الرعاية الاجتماعية ارتفع إلى سبعة ملايين و600 ألف شخص، ما يعادل حوالي 20% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 43 مليوناً، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط. هذا الرقم أثار جدلاً واسعاً، حيث يرى البعض أنه يشكل عبئاً على الموارد العامة التي يمكن استثمارها في مشاريع إنتاجية ودعم القطاع الخاص لتوفير فرص عمل تسهم في الحد من البطالة والفقر.
المشمولون في الرعاية الاجتماعية
ويقترح هؤلاء تقليص نطاق الإعانات الاجتماعية لتشمل الفئات الأكثر احتياجاً فقط، مع تشديد الرقابة على آليات منحها لضمان العدالة والكفاءة.
ويهدف برنامج الرعاية الاجتماعية، بحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إلى دعم الفئات الأكثر احتياجاً وفقاً لقانون الرعاية الاجتماعية رقم 11 لسنة 2024. ويشترط القانون أن يكون المستفيد عراقي الجنسية ومقيماً بشكل دائم، وألا يقل عمره عن 18 عاماً. كما يُشترط أن يكون عاطلاً عن العمل ولا يمتلك مصدر دخل ثابت، أو وظيفة حكومية، أو معاشاً، أو أصولاً عقارية، أو مشاريع، أو سيارات موديلها أحدث من 2014. وتشمل الفئات المستفيدة الأرامل، المطلقات، زوجات المفقودين، العازبات فوق 35 عاماً، المهجورات من أزواجهن، الأيتام، والعاجزين البالغين 60 عاماً فما فوق.
وتتفاوت رواتب الرعاية الاجتماعية وفقاً لحجم الأسرة، حيث يحصل رب الأسرة المكونة من أربعة أشخاص على 420 ألف دينار شهرياً، بينما يحصل المعيل لأسرة من ثلاثة أشخاص على 315 ألف دينار، ويبلغ راتب الفردين 210 آلاف دينار، أما المواطن بمفرده فيحصل على 105 آلاف دينار فقط.
ضبط نظام الإعانات
يقول الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أن "الإعانات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة تعد ضرورة أساسية لدعم الشرائح العاجزة عن العمل والإنتاج، كما هو الحال في العديد من دول العالم"، لكنه أشار إلى أن المشكلة في العراق تكمن في غياب التنظيم والرقابة في صرف هذه الإعانات للمستحقين.
وأوضح الهاشمي لـ"طريق الشعب"، أن "جزءًا من العاطلين عن العمل يستحقون هذه الإعانات، إلا أنه ينبغي تحديد سقف زمني للاستفادة منها، كأن تكون فترة تتراوح بين 6 إلى 9 أشهر، وخلالها يجب أن يتمكن المستفيد من العثور على عمل".
وأضاف، أنه "ليس من المنطقي معاملة الشباب القادرين على العمل وكأنهم غير مؤهلين أو عاجزين عن الإنتاج"، مشددا على أهمية ضبط نظام الإعانات عبر عمليات تنظيم دقيقة وفلترة للمستحقين، ما يضمن تخصيص الموارد لمن هم في أمس الحاجة إليها، مع إخراج الفئات القادرة على العمل وزجهم في سوق العمل.
وأشار الهاشمي، إلى أن "الدولة يمكنها استثمار هذه الفئة عبر التركيز على القطاع الخاص وقطاع الأعمال بدلاً من الاعتماد على التعيينات الحكومية، التي لا تشكل الخيار الأمثل في الوقت الحالي". وأكد أن "هذه الخطوة ستسهم في تقليص النفقات العامة غير الضرورية، وضبط الإنفاق الحكومي، وإعادة شريحة الشباب إلى سوق العمل، ما يعزز من إمكانيات السوق العراقية، ويحقق فوائد اقتصادية واجتماعية مستدامة".
واختتم الهاشمي بدعوة وزارة المالية لتبني سياسات أكثر صرامة في إدارة ملف الإعانات الاجتماعية، بما يحقق التوازن بين دعم المستحقين وتحفيز الشباب القادرين على المساهمة في القطاعات الاقتصادية والتنموية.
أداة لاستقطاب الناخبين
وفي السياق، يقول د. نوار السعدي، أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة بوخارست – رومانيا، أن رواتب الرعاية الاجتماعية في العراق تُعد أداة حيوية لدعم الفئات المستهدفة، كالعاطلين عن العمل، الأرامل، والأيتام، بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية وتقليل معدلات الفقر، مردفا "لكن هذه الرواتب تواجه تحديات كبيرة بسبب التجاوزات والفساد، حيث يستفيد منها غير المستحقين على حساب الفئات الأكثر احتياجًا".
وقال السعدي لـ "طريق الشعب"، أن هناك تقارير تشير إلى تدخل بعض القوى السياسية في توزيع المساعدات الاجتماعية، خاصة خلال فترات الانتخابات، ما يجعلها أداة سياسية تُستخدم لاستقطاب الناخبين أو تُوزع وفق الولاءات السياسية. هذا السلوك يضر بمبدأ العدالة الاجتماعية ويؤدي إلى تهميش الفئات الأشد احتياجًا".
وأضاف أن الهدف الأساسي من الرواتب الاجتماعية هو تقديم شبكة أمان للفئات الضعيفة، إلا أن سوء الإدارة واستغلال هذه الرواتب قد يحولها إلى وسيلة لاستغلال حاجة المواطنين، مشددا على ضرورة تعزيز الشفافية ووضع آليات رقابة صارمة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها الحقيقيين.
أما بشأن تأثير الرواتب الاجتماعية على الشباب، فيجد السعدي أنها يمكن أن تكون سلاحًا ذا حدين؛ فمن جانب، تخفف من الأعباء الاقتصادية على الشباب، ومن جانب آخر، قد تشجع البعض على الاتكالية بدلًا من الاندماج الفعلي في سوق العمل.
ويشير الى ان استمرار تقديمها للشباب دون ربطها ببرامج تدريب وتأهيل مهني قد يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة ويعيق جهود التنمية.
ويوصي السعدي بتطوير سياسات تهدف إلى الجمع بين تقديم الدعم المالي وتوفير فرص عمل حقيقية، لضمان تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، داعيا إلى إصلاح جذري لنظام الرعاية الاجتماعية في العراق، بحيث يتم تصميم برامج تتماشى مع احتياجات الفئات المستهدفة وتضمن توجيه الموارد بشكل عادل وفعال، بما يسهم في تعزيز التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
يعكس فشل الحكومات المتعاقبة
الناشط السياسي علي القيسي يقول أن "الارتفاع المستمر في أعداد المشمولين برواتب الرعاية الاجتماعية يكشف عن عمق الأزمة الاقتصادية في العراق، ويعكس فشل الحكومات المتعاقبة في وضع خطط تنموية حقيقية للحد من البطالة والفقر".
ويوضح القيسي لـ "طريق الشعب"، أن "زيادة أعداد المستفيدين من شبكة الرعاية الاجتماعية ليست مؤشرًا إيجابيًا، بل دليل على تفاقم البطالة وانتشار الفقر في البلاد"، مضيفا أن الاعتماد شبه الكامل على واردات النفط لتغطية الرواتب، دون دعم المشاريع الإنتاجية في القطاعين العام والخاص، يكرس أزمة الاقتصاد الاستهلاكي الذي يفتقر إلى صناعة قوية وزراعة مستدامة.
ويرى القيسي، أن "جزءًا كبيرًا من هذه الأزمة يعود إلى الفساد وسوء الإدارة"، مؤكدا أن "ضعف الرقابة، ووجود المحسوبية، وتعدد السلطات بين الأجهزة الأمنية والأحزاب والعشائر، فتح المجال لتجاوزات واسعة في شبكة الحماية الاجتماعية، حيث يحصل العديد من غير المستحقين، بمن فيهم الميسورون، على الرواتب".
ويلفت القيسي إلى أن بعض القوى السياسية تستغل برامج الرعاية الاجتماعية كأداة انتخابية، قائلاً: إن "العديد من المرشحين يستخدمون تسجيل المواطنين في برامج الرعاية الاجتماعية كوسيلة لاستقطاب أصوات الناخبين، وذلك بالتواطؤ مع موظفين فاسدين مرتبطين بأحزابهم".
ويشدد القيسي على ضرورة مراجعة نظام الرعاية الاجتماعية، وتوجيه الموارد المالية نحو دعم المشاريع الإنتاجية وخلق فرص عمل حقيقية. كما يطالب بضرورة تعزيز الرقابة والشفافية في توزيع المساعدات لضمان وصولها إلى مستحقيها.
وفي بيان صادر عن الوزارة العمل في 3 حزيران 2024، أعلنت أن حجم الإنفاق السنوي على المشمولين بالرعاية بلغ حوالي 6 تريليونات و117 مليار دينار، يشمل 730 مليار دينار كرواتب للمعين المتفرغ في هيئة رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة. ويبلغ متوسط راتب المعاق 170 ألف دينار، بإجمالي عدد مستفيدين يصل إلى 360 ألف شخص.