في محافظة ذي قار، تبرز قضية العشوائيات كأحد التحديات الكبرى التي تؤثر على واقع الحياة للمواطنين، حيث تنتشر العديد من المناطق العشوائية التي تفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية. وبرغم الوعود الحكومية التي تم الإعلان عنها لتحسين ظروف تلك المناطق، لا يزال العديد من سكان هذه المناطق يعانون من نقص في المياه والكهرباء والصرف الصحي.
اين تصرف الاموال
ويذكر ناشط من محافظة ذي قار، أن "مئات الملايين تدخل إلى المحافظة سنويًا، لكن لا أحد يعلم أين تُصرف هذه الأموال"، مشيرًا إلى أن العشوائيات في المحافظة، على الرغم من العديد من الوعود الحكومية بتحسين واقعها، لا تزال تفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء وشبكات الصرف الصحي.
ويقول الناشط الذي طلب حجب هويته في أثناء حديثه لـ "طريق الشعب"، أن الوضع لا يقتصر على العشوائيات فقط، بل حتى المناطق السكنية المنظمة حيث تُعاني من الإهمال، مستشهدًا بحي الشرقية الذي يقع في قلب المدينة. على الرغم من موقعه الحيوي، إلا أن الحي يعاني من غياب خدمات البنية التحتية الأساسية، مثل الشوارع المبلطة والمرافق العامة.
واكد أن ذلك " يعكس فشلًا واضحًا في توفير أبسط مقومات الحياة للمواطنين في هذه المنطقة من قبل الحكومة المحلية والمركزية".
فرق مختصة للفرز
يقول الحقوقي أحمد سليم، الناطق الرسمي باسم مجلس محافظة ذي قار، بأن هناك العديد من المناطق العشوائية التي تشكلت على أطراف المدن بعد عام 2003، ما أدى إلى تحديات كبيرة أمام بلدية الناصرية والبلديات الأخرى في المحافظة. وأوضح لـ "طريق الشعب"، أن "الحكومة المحلية تبنت تشكيل فرق متخصصة لفرز هذه العشوائيات وتقديم الخدمات اللازمة لها، مثل مد أنابيب الماء والخطوط الكهربائية".
وأشار سليم إلى أن "بعض المناطق العشوائية تقع على أراضٍ مخصصة لأغراض أخرى، مثل الصحة والتربية أو الرياضة، ما يشكل عائقًا أمام عملية تمليك تلك العشوائيات. ومع ذلك، أكد أن هناك جهودًا كبيرة من قبل الحكومة المحلية، وبالتعاون مع النواب، لتسهيل تمليك هذه الأراضي وفق ضوابط حددتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء. حيث يتم تمليك 200 متر مربع لكل مواطن في تلك المناطق".
وفيما يتعلق بالخدمات، أكد سليم أن الحكومة المحلية قامت بتوفير العديد من الخدمات الأساسية، بما في ذلك مد شبكات الماء والكهرباء، كما تم التعاون مع شركات مختلفة لإنجاز مشاريع جهد هندسي في مناطق العشوائيات، مما جعل العديد منها مخدومة الآن.
لا وجود لمقومات الحياة الكريمة
يقول نبيل الصفار، المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، أن "ظاهرة العشوائيات في العراق أصبحت من القضايا الملحة التي تؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة للمواطنين، حيث أن العشوائيات تعني تلك المناطق التي تحتوي على وحدات سكنية غير نظامية، تم بناؤها خارج الضوابط والقوانين، وتفتقر إلى مقومات الحياة الكريمة والخدمات الأساسية". وأضاف الصفار أن "تفاقم هذه الظاهرة يعود بشكل رئيسي إلى زيادة الحاجة إلى السكن في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد".
وأكد الصفار في حديث خص به "طريق الشعب"، أن "الحكومة قد اتخذت مجموعة من الإجراءات للتعامل مع ملف التجاوزات العشوائية، التي لا تقتصر فقط على المناطق التي تم بناء وحدات سكنية غير نظامية فيها، بل شملت أيضًا بعض المناطق التي تحتوي على وحدات سكنية مبنية بشكل نظامي لكن تجاوزت على أراضٍ تابعة للدولة، حيث يتم إطلاق اسم “العشوائيات” عليها نتيجة لتجاوزها على هذه الأراضي. وأوضح الصفار أن قانون العشوائيات، الذي مر عليه أربع دورات برلمانية ولم يُشرّع حتى الآن، يتطلب المزيد من الجهود لمعالجته بشكل شامل.
وأشار الصفار إلى أنه في الفترة الأخيرة، تم إصدار قرار من مجلس الوزراء يتعلق ببيع الوحدات السكنية للأشخاص المتجاوزين على الأراضي التابعة للمؤسسات البلديّة، على أن يتم البيع وفق قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 21 لسنة 2013. كما تم تحديد مجموعة من الشروط التي يجب أن يستوفيها المستفيدون من هذا القرار، مثل ضرورة أن يكون الشخص المتجاوز هو الشاغل الفعلي للوحدة السكنية، وألا يكون لديه أي عقار آخر يمتلكه هو أو عائلته.
كما تطرق الصفار إلى قرار 154 لسنة 2001 الذي ينص على فرض عقوبات على المتجاوزين على الأراضي التابعة للمؤسسات البلديّة، وقرار 320 الذي يتعلق بالأراضي الزراعية، مشيرًا إلى أن أمانة بغداد تعمل حاليًا على حصر هذه المناطق داخل العاصمة وتقييمها من أجل بيعها للمواطنين. وأوضح أن الحكومة تعمل على تمييز من يستحق فعلاً الاستفادة من هذه الوحدات السكنية ومن استغل الظروف لبناء مجمعات سكنية عشوائية على أراضٍ تابعة للدولة.
حلول مطروحة
وفي سياق الحلول المطروحة، أكد الصفار أن الحكومة تطمح إلى تقليل نسبة العشوائيات في العراق، التي تشير آخر الإحصائيات إلى أنها تشمل 9% من سكان العراق. وأوضح أن الحكومة تعمل على بناء مدن جديدة لزيادة الرصيد السكني، حيث أن العشوائيات لم تكن لتتفاقم لولا الحاجة السكنية المتزايدة. وأكد أن بعض المناطق التي تُعتبر عشوائيات قد دخلت في إطار الخدمات الهندسية وأصبحت مناطق سكنية شبه منظمة، إلا أنها ما زالت تفتقر لبعض الخدمات الأساسية.
وفيما يتعلق بكيفية تنظيم هذه المناطق، أشار الصفار إلى أن هناك جهودًا كبيرة لتحويل هذه المناطق إلى مناطق قانونية، من خلال تقنين أوضاعها وبيع الوحدات السكنية وفقًا لقانون بيع وإيجار أموال الدولة، بحيث يتم دفع 5% كدفعة أولى، مع تقسيط المبلغ المتبقي على مدار 20 سنة، بعد أن تقوم اللجان المشكلة بتقييم أسعار الوحدات السكنية بناءً على ظروف المنطقة والمحيط.
وختامًا، أكد الصفار أن الحكومة تواصل العمل على معالجة أزمة العشوائيات من خلال تشريعات وتنظيمات تهدف إلى تحقيق حلول إنسانية تراعي حقوق المواطنين الفقراء وذوي الدخل المحدود، الذين أجبرتهم الظروف على السكن في هذه المناطق، وتوفير السكن المناسب لهم في بيئات آمنة وصحية.
كشفت لجنة تمليك المتجاوزين في محافظة ذي قار عن آخر إحصائية تتعلق بتمليك العشوائيات في المحافظة، حيث أكدت أن عدد العشوائيات في المحافظة يقارب 70 منطقة عشوائية، بينها 42 منطقة في مدينة الناصرية، مركز المحافظة. وأضافت اللجنة أن عدد المسجلين بشكل أصولي وتم تسليمهم وصولات في مركز المحافظة بلغ 43 ألف متجاوز. وبعد زيارة رئيس الوزراء إلى المحافظة العام الماضي، تم الموافقة على تمديد فترة التسجيل حتى مطلع شهر تشرين الأول من عام 2024، حيث يُتوقع أن يصل عدد المتجاوزين إلى 50 ألف متجاوز.
وأوضحت اللجنة أن إجمالي عدد المتجاوزين على مستوى المحافظة يبلغ 135 ألف متجاوز، وأن بعض الأماكن التي يقطنونها تحولت إلى مناطق سكنية ضخمة. وبخصوص تسعيرة الدور السكنية للمتجاوزين، ذكرت أن التسعيرة ستكون بناءً على الموقع الجغرافي للدار السكنية.