اخر الاخبار

في أقل من أسبوعين خلال هذا الشهر، سجّلت محافظة البصرة مصرع وإصابة نحو 14 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، بانفجار ألغام أرضية في مناطق متفرقة من المحافظة.

وبينما يؤكد البصريون أن تلك المخلفات تعود إلى حرب الخليج الثانية والحرب العراقية - الإيرانية، يطالبون بمعالجتها حفاظا على سلامة المواطنين، لا سيما انها تنتشر في مناطق يتوجه إليها الناس للتنزه خلال فصلي الشتاء والربيع.

ويوم الجمعة الماضية لقي 3 أطفال مصرعهم بانفجار لغم أرضي جنوبي البصرة. وحسب ما نشرته وكالات أنباء فإن الضحايا كانوا يلعبون في ساحة ترابية في قضاء أبي الخصيب، فانفجر اللغم بهم وقتلوا على الفور. وفي يوم 11 من الشهر الجاري، أصيب 7 أشخاص، معظمهم من الأطفال، في انفجار مخلف حربي في قضاء القرنة شمالي المحافظة، يُرجح انه يعود إلى الحرب العراقية – الإيرانية. وقبل ذلك بـ3 أيام لقي أربعة أشخاص مصرعهم، فيما أصيب آخران، إثر انفجار لغم أرضي في مزارع الرميلة غربي المحافظة.

ونعت دائرة تربية ابي الخصيب، الأطفال الثلاثة، مبينة انهم تلاميذ في "مدرسة كوت الزين" الابتدائية.

وعلى إثر تلك الحوادث، طالب مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة، السبت الماضي، مجلس المحافظة بإدراج فقرة لمناقشة أسباب ازدياد اعداد ضحايا الالغام في المحافظة، ضمن برنامجه.

وكانت وزارة البيئة قد أعلنت في وقت سابق وضع خطة وطنية واسعة للتخلص من مشكلة الألغام والأجسام المتفجرة غير المنفلقة التي خلفتها الحروب والأزمات الأمنية التي ضربت البلاد منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، مؤكدة أن الخطة تهدف إلى إنهاء الأزمة بحلول عام 2028.

ضعف في إجراءات الإزالة

يُحمّل الناشط البيئي في البصرة، سالم الخزعلي، الحكومتين المحلية والمركزية مسؤولية ملف الالغام، مبينا في حديث صحفي أن "البصرة تعد من أكثر المحافظات تلوثا بالألغام والمخلفات الحربية العائدة إلى حربي الثمانينيات والتسعينيات، وأن هناك ضعفاً في خطط وإجراءات إزالة تلك المخلفات".

ويشير إلى ان "البصرة باتت اليوم تضم مئات المعاقين ممن بترت أطرافهم بسبب تلك المخلفات، فضلاً عن أعداد كبيرة من القتلى"، منوّها إلى أن "تلك المخلفات تشكل تهديدا واضحا وخطيرا لحياة الناس. لذلك يجب العمل بجد على إزالتها".

ويضيف قوله: "من الضروري على الأقل تحديد المناطق الملوثة بالألغام، ومنع الناس من الاقتراب منها في إجراء يسبق عمليات تطهيرها".

الأمر لا يتحمل تأجيلا

مركز العراق لحقوق الإنسان في البصرة، أفاد بوجود أكثر من 1600 كيلومتر مربع ملوثة بالمخلفات الحربية في المحافظة "ما يجعلها واحدة من أكثر المناطق تضررا في العراق، بل في العالم، وفق تقارير أممية".

وقال رئيس المركز علي العبادي في حديث صحفي، أن "ملف الألغام والمخلفات الحربية من أكثر الملفات تعقيدا في البصرة"، داعيا إلى "إطلاق حملة استثنائية على مستوى العراق لرفع المخلفات والألغام عبر تعزيز جهود الوزارات الأمنية والتشكيلات المتخصصة".

وأشار إلى أن "هذه المشكلة لم تعد تحتمل التأجيل. إذ تحولت البصرة من مدينة النخيل والنفط إلى مدينة محفوفة بالموت الكامن تحت الأرض"!

استراتيجية تطهير الأراضي الملوثة

من جهته، يؤكد المسؤول في دائرة شؤون الألغام في وزارة البيئة، عباس الشمري، أن وزارته تعمل مع جهات أخرى بشكل مكثف، على تنفيذ استراتيجية لتطهير الأراضي الملوثة بالألغام والمخلفات الحربية، مبيناً في حديث صحفي أن "الاستراتيجية التي وُضعَت تنتهي عام 2028 وأنها تشمل عموم محافظات البلاد".

ويلفت إلى ان "البصرة من المحافظات المهمة ضمن الخطة، خصوصاً أنها تضم مساحات كبيرة ملوثة بالألغام، وأن العمل متواصل لتطهيرها"، داعياً الأهالي إلى "إبعاد أبنائهم عن المناطق الملوثة، حفاظاً على أرواحهم. إذ إن المسؤولية مشتركة في هذا الملف، ونحن بحاجة إلى تعاون الأهالي والجهات المسؤولة الأخرى، التي يجب أن تمنع الوصول إلى المناطق الملوثة، خصوصاً بالنسبة للأطفال والرعاة".

وتفيد إحصاءات رسمية وغير رسمية بأنّ أكثر من 30 ألف شخص لقوا مصرعهم أو جُرحوا جرّاء انفجار ألغام ومخلفات حربية في البلاد، منذ عام 2003. ويُصنَّف العراق من الدول الأكثر تلوّثاً بالألغام والعبوات الناسفة، ويعود ذلك إلى الحروب التي شهدها منذ الثمانينيات، فضلا عمّا خلفه تنظيم داعش الإرهابي من  متفجرات.

وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد بيّنت في نيسان العام الماضي، أنّ الحجم الإجمالي للمساحة الملوّثة بالأسلحة والمخلفات الحربية في العراق تخطّى 6 آلاف كيلومتر مربّع بعد عام 2003، وقد طهِّر ما يصل إلى ثلثَيها بفضل جهود الحكومة بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجهات دولية أخرى. ولفتت إلى أنّ البصرة تُعَدّ من أكثر المناطق تلوّثاً في العالم. إذ تصل المساحة الملوّثة فيها إلى ألف و200 كيلومتر مربّع. وتتنوّع الملوّثات ما بين ألغام أرضية وذخائر عنقودية وغيرها من المواد القابلة للانفجار.

يشار إلى أن وزارة البيئة خصصت في أيار العام الماضي مبالغ مالية للتخلص من الألغام في المحافظات، على أن يتم ذلك بالتنسيق مع الوزارات والمنظمات الدولية والشركات النفطية في المناطق الجنوبية ومناطق أخرى.

ونقلت وكالات أنباء عن الوزارة قولها أن "الحكومة خصّصت مبلغاً جيداً من القرض البريطاني والموازنة العامة لبرنامج إزالة الألغام، بالإضافة إلى جهود الهندسة العسكرية والدفاع المدني في وزارة الدفاع، من أجل خلاص العراق من هذه الكارثة".