اخر الاخبار

في ظل التحديات الصحية المتزايدة التي تواجه المجتمع، تعيش النساء واقعاً صحياً مريراً يفاقمه ضعف الإمكانات الطبية في المستشفيات الحكومية وارتفاع تكاليف العلاج في القطاع الخاص.

ولا يقتصر هذا الأمر على الأمراض السرطانية، التي تسجل معدلات إنتشار مرتفعة، بل يمتد ليشمل تراجعاً بجودة الرعاية الصحية في العديد من الجوانب، بما في ذلك في فترة الحمل وعند الولادة. وما يزيد من المشكلة تفاقماً، نقص التوعية الصحية للناس وضعف الدعم الحكومي لهذا الجانب.

المواطنة داليا محمد (30 عامًا)، تعيش كابوساً دائماً بعد وفاة والدتها نتيجة اصابتها بمرض خبيث. تقول داليا لـ"طريق الشعب" إن والدتها خضعت لعمليتين جراحيتين وجلسات علاج كيميائي، بلغت تكاليفها أكثر من 30 مليون دينار خلال عام واحد، نظرا لعدم توفر العلاجات في المستشفيات الحكومية. وتؤكد أن قلة الأجهزة الطبية وصعوبة الحصول على العلاج، تجبر المرضى على التوجه للقطاع الخاص، الذي يفرض أسعارا خيالية دون رقابة حكومية.

أما المواطنة الهام القصاب فتواجه معاناة مستمرة بعد إصابتها بسرطان الثدي وخضوعها لعملية استئصال. تشير إلى أن بعض الأجهزة الضرورية كجهاز "PET-CT"  غير متوفر سوى في القطاع الخاص وبأسعار باهظة تصل إلى 700 دولار، ما يزيد من عبء تكاليف العلاج.  وتضيف أن تأمين الأدوية اللازمة يشكل تحدياً كبيراً، في ظل قلة العلاجات المتوفرة داخل المستشفيات الحكومية.

ضعف التوعية وقلة الإمكانيات الطبية

يُعاني مرضى السرطان من قلة الأجهزة الطبية وتدني جودة العلاجات التي توفرها وزارة الصحة، وهذا ما يؤكده د. إبراهيم عبد الله، المختص في علاج الأورام السرطانية لـ"طريق الشعب"، والذي يبيّن بأن الفحص المبكر يلعب دوراً أساسياً في تقليل التكاليف وإنقاذ حياة المرضى. إلا أن ضعف امكانيات الكثير من العوائل أدى إلى تزايد الحالات التي تصل للطبيب في مراحل متأخرة من المرض.

وعن نقص اجهزة الفحص الطبية، أشار إلى أن هذه المشكلة تعّد "واحدة من أكبر التحديات التي نواجهها"، موضحا أن "عدد الأجهزة المتوفرة في القطاع الحكومي محدود وغير كاف بالمقارنة مع الاعداد المتزايدة للاصابات سنويا".

من جانبها، أشارت د. رشا جبار، اختصاصية طب الأسرة، إلى أن غياب التوعية الصحية والفحوصات الدورية أدى إلى ارتفاع نسب الإصابة بأمراض السرطان بين النساء، خاصة سرطان الثدي والرحم، مؤكدة على أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وارتفاع تكاليف العلاج أسهما في تراجع الرعاية الصحية للنساء بعد عام 2003، مما زاد من معاناة النساء ذوات الدخل المحدود.

العنف وسوء المعاملة في صالات الولادة

لم تقتصر تراجع الرعاية الصحية على مرضى السرطان فقط، بل امتد إلى صالات الولادة الحكومية، حيث تعاني النساء من سوء المعاملة والإهمال.

 المواطنة رغد حامد تروي تجربتها المؤلمة أثناء ولادة طفلها الأول، حيث واجهت لامبالاة الكادر الطبي وابتزازا ماليا عبر طلب "الإكرامية". المواطنة جنان حميد (20 عاما)، تعرضت بدورها، لإهانة لفظية أثناء انتظارها عملية قيصرية، مما اضطرها للشكوى على الممرضة. وتقول لـ "طريق الشعب" رغم فتح تحقيق على ما تعرضت له في صالة الولادة، فإن التدخلات الشخصية والعشائرية غالبا ما تعيق اتخاذ الاجراءات القانونية بحق المقصرين، الأمر الذي جعل الفساد يهيمن على جميع المؤسسات الحكومية فصار ظاهرة أقوى من السلطة القانونية.

الأخطاء الطبية تهدد الأرواح

وتشهد المستشفيات العراقية تكرر حالات وفاة ناجمة عن أخطاء طبية، خصوصاً خلال العمليات الجراحية والتجميلية. ومن أبرز هذه الجراحات قص المعدة، التي أودت بحياة العديد من المرضى نتيجة الإهمال أو عدم اتباع الإجراءات الطبية السليمة.

وتتناقل مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخراً، خبراً عن وفاة امرأة بعقدها الرابع أثناء إجرائها عملية "تغيير مسار المعدة وشفط دهون" داخل احدى المستشفيات الأهلية بمنطقة الوزيرية في بغداد.

دعوات لإصلاح القطاع الصحي

الناشطة النسوية آلاء الفرطوسي تؤكد أن الحملات التوعوية التي تتبناها وزارة الصحة لا تزال دون المستوى المطلوب، خاصة في المناطق الجنوبية التي تسجل ارتفاعا ملحوظا في نسب التلوث والإصابة بالأمراض.

 وتشدد على الحاجة الملحة لتحسين الواقع الصحي للمرأة من خلال إنشاء مراكز فحص مبكر، وتوفير علاجات ذات جودة في المستشفيات الحكومية.

من جانبه، يرى الخبير القانوني محمد السامرائي أن انتشار الأخطاء الطبية يرتبط بالإهمال وغياب الرقابة. ويطالب بتشديد العقوبات على المخالفين والارتقاء بمستوى الخدمات الصحية في البلاد، لضمان حقوق المرضى.

ويقول ان "القطاع الصحي يعاني من تحديات جسيمة تشمل ضعف الإمكانيات، وتدني جودة الخدمات، وارتفاع تكاليف العلاج، مما يضاعف من معاناة المرضى، خاصة النساء، ويبقى الحل في نهضة شاملة تتبناها الحكومة لتحسين البنية التحتية الصحية، وتعزيز التوعية المجتمعية، وتوفير الرعاية الصحية المجانية لجميع المواطنين".