اخر الاخبار

أغلقت وزارة التربية في العراق أكثر من 100 مؤسسة تعليمية أهلية مخالفة خلال 2024، فيما أكد تربويون ومراقبون أن انتشار التعليم الأهلي دون ضوابط أدى لتدهور التعليم المجاني، واستغلاله كواجهة لغسيل الأموال.

وتحوّلت العملية التعليمية والتربوية إلى مشاريع غير سليمة، تستهدف الربح وترهق الناس، ما يستدعي تشديد الرقابة ودعم المدارس الحكومية.

وأفادت وزارة التربية في بيان اطلعت عليه "طريق الشعب"، بأن "إغلاق اكثر من 100 مؤسسة تربوية أهلية مخالفة للتعليمات والضوابط الوزارية الرامية يهدف للحفاظ على بيئة تعليمية آمنة وخاضعة لمعايير الجودة الشاملة".

وقالت ان "هذه الإجراءات شملت عددا من المعاهد والمدارس ورياض الأطفال غير المجازة رسميا في بادرة تهدف الى تحقيق استدامة تربوية متميزة مُعززة للأنظمة التعليمية الحديثة التي ترقى بالطلبة إلى درجات عليا من الإبداع الفكري والنفسي والاجتماعي دون منازع".

تحدثت سهاد الخطيب، مديرة مدرسة، عن التحديات التي يواجهها التعليم في العراق في ظل تزايد انتشار المدارس الأهلية دون ضوابط واضحة. ووفقًا لما ذكرته، فإن هذه الظاهرة تؤثر سلبًا على التعليم المجاني الذي يُعد حقًا من حقوق جميع العراقيين وفقًا للمادة 34 من الدستور.

وأكدت ضرورة وجود تشريعات وقوانين واضحة لضبط التعليم الأهلي، مشيرة إلى أهمية تطبيق الدستور الذي ينص على مجانية التعليم للجميع. كما أوضحت الخطيب أن معظم المدارس الأهلية تابعة لسياسيين وأحزاب متنفذة، وهو ما يعكس تأثيرات سلبية على جودة التعليم.

وأضافت، أن هذه المدارس، وكذلك الجامعات الخاصة، أصبحت مصدرًا للربح، ما يهدد توسع التعليم المجاني، مشددة على ضرورة زيادة ميزانية وزارة التربية والتعليم لضمان تحسين جودة التعليم في المدارس الحكومية، من حيث البنية التحتية والمعلمين وتوفير دورات تدريبية.

واجهة لمشاريع مشبوهة

ويرى المحلل السياسي، محمد زنكنة، أنّ "القطاع التعليمي في العراق لم يعد بمعزل عن الظواهر الخطرة التي تهدد مستقبل البلاد، وفي مقدمتها غسل الأموال وتبييضها".

ويقول زنكنة لـ "طريق الشعب"، أن "الأعمال التجارية اليوم في العراق لم تعد مقتصرة على التجارة التقليدية كالتصدير والاستيراد وبيع السلع، بل امتدت لتشمل التعليم الأهلي، الذي بات يُستخدم كواجهة لتغطية أنشطة مالية مشبوهة تتعلق بغسل الأموال"، مشيرا إلى ان هناك مستفيدين كبارًا من هذه الظاهرة، بينهم شخصيات سياسية نافذة ومسؤولون في الدولة يمتلكون جامعات وكليات أهلية معترف بها رسميًا.

ويضيف، أن هذا الأمر يمثل خللًا كبيرًا ينعكس سلبًا على مستوى التعليم في البلاد، فضلًا عن تحويل الجامعات الأهلية إلى إحدى ركائز غسل الأموال، حيث تُستغل أموال الطلبة في تمويل مشاريع أخرى، قد تكون غير قانونية، كالإتجار بالمخدرات أو السلاح.

ولا تتوقف آثار هذه الظاهرة عند الجانب المالي فقط، بل تمتد إلى جودة المخرجات التعليمية.

ويشير زنكنة إلى أن ضعف الرقابة والإشراف الأكاديمي على كثير من الجامعات الأهلية أدى إلى تخرج أعداد كبيرة من المهندسين والأطباء والمحامين من ذوي الكفاءة المتواضعة.

ويربط المتحدث ذلك بتصاميم إنشائية مهددة بالانهيار، وبأخطاء طبية جسيمة تشهدها المستشفيات.

الأهالي مجبرون

ويقول المشرف التربوي، حيدر كاظم، أن المدارس الأهلية في العراق باتت تشكل عبئًا ماليًا ثقيلًا على العائلات، في ظل غياب البدائل الحكومية ذات المستوى المقبول، مضيفا أن الأهالي يُجبرون على تسجيل أبنائهم في المدارس والمعاهد الأهلية بسبب تدهور واقع التعليم الحكومي، وارتفاع أعداد الطلبة في داخل الصفوف بالمدارس الحكومية، واعتماد الدوام المزدوج والثلاثي في العديد من تلك المدارس.

ويضيف كاظم، أن "وزارة التربية تواجه صعوبات جمة في ضبط عمل المدارس الأهلية، على الرغم من رصد مخالفات عديدة وصلت في بعض الحالات إلى حد الإغلاق، لكن سرعان ما تعود تلك المدارس للعمل بفضل الغطاء السياسي والحصانة الحزبية التي يحظى بها مستثمروها".

ويتحدث كاظم عن وجود ارتباط وثيق بين مستثمري هذه المدارس وبين الأحزاب السياسية، مؤكدًا أن "معظم أصحاب المدارس الأهلية هم من السياسيين أو المدعومين من جهات متنفذة، وهذا ما يوفر لهم الحماية من أي ملاحقة قانونية في حال حصول مخالفات"، مشيراً إلى انه "في أكثر من مناسبة، أغلقت الوزارة بعض المدارس الأهلية بسبب تجاوزات إدارية أو تعليمية، لكنها عادت للعمل بعد تدخلات سياسية، ما يرسخ واقعًا بأن هذه المؤسسات أصبحت فوق القانون".

سوق مفتوح للاستغلال

في السياق، أكدت الناشطة في مجال التعليم، أروين عزيز، أن العملية التعليمية في العراق فقدت جوهرها الحقيقي، وتحولت إلى مشروع استثماري يهدف إلى الربح، بعيدا عن رسالتها الأساسية في تنمية المعرفة وبناء الأفراد.

وقالت عزيز لـ "طريق الشعب"، إنّ "التعليم لم يعد وسيلة لتطوير العقل والمعرفة، بل أصبح مجرد وسيلة للحصول على شهادة تضمن وظيفة. وهذا التوجه جعل العائلات تستثمر في تعليم أبنائها باعتباره مشروعًا ماليًا مستقبليًا، وليس فرصة لبناء شخصية علمية ومجتمعية".

وأوضحت، أن هذه العقلية التجارية خلقت سوقًا مفتوحًا للاستغلال، قائلة: "شاهدنا اليوم انتشار المدارس والجامعات الأهلية، والدروس الخصوصية، والتعليم الإلكتروني المدفوع، فضلًا عن ظواهر غريبة مثل بيع بطاقات الاشتراك، والملازم الدراسية بأسعار باهظة، إذ قد تصل تكلفة ملازم مادة واحدة إلى 100 ألف دينار، ما يرهق كاهل العائلات العراقية". وحذرت عزيز من تصاعد نفوذ ما أسمتهم بـ"تجار التعليم"، الذين يحولون العملية التعليمية إلى سلعة تُباع وتشترى، وأضافت "أصبح الطالب وعائلته محاصرين من جميع الجهات، سواء في المدرسة أو الجامعة أو الدروس الخصوصية، فكل شيء أصبح بثمن. هذه الظاهرة خطيرة جدًا، لأنها تفرغ التعليم من محتواه، وتهدد مستقبل البلاد".

وتابعت: "من المؤلم أن نجد عائلة تقترض الأموال لتدريس ابنها في كلية أهلية، على أمل أن يحصل على وظيفة حكومية تعيد لها ما أنفقته. هذه النظرة الاستثمارية ضربت روح التعليم الحقيقي"، مشددة على ضرورة العودة إلى أسس التعليم الصحيح.

وقالت: "علينا أن نعيد الاعتبار للمدارس الحكومية، ونركز على جودة التعليم بدلًا من التجارة. المسؤولية لا تقع فقط على الحكومة، بل على العائلات والمجتمع بأسره"، مؤكدة ضرورة ان يكون للجهات الحكومية المعنية دور حقيقي في محاسبة المخالفين، وان لا تقتصر الإجراءات على العروض الإعلامية.