اخر الاخبار

لم تكن تشرين لحظة عابرة في حياة العراقيين، بل اعادت ترتيب موازين القوى من جديد داخل البلاد، وفرضت بقوتها احداثيات لم تكن موجودة على أرض الواقع السياسي العراقي. وكل ذلك جرى بأيادي شبان متمسكين بسلمتيهم، رافضين لنهج المحاصصة وطامحين لإنهاء وجود السلاح المنفلت، عبر سطوع مبهر للضمير الوطني أعاد الاعتبار لكلمة الوطن.  وأجرت “طريق الشعب”، في مناسبة الذكرى الثانية للانتفاضة استطلاع رأي مع مجموعة كبيرة من المشاركين في الانتفاضة. ووجهت لهم اسئلة عن دوافع مشاركتهم فيها، واهم اللحظات التي عاشوها، وعن مخرجات وآفاق الانتفاضة.

انتفاضة شعب

يقول المتظاهر التشريني من ذي قار، حسين وادي، أنها “كانت انتفاضة شعب لاستعادة ما تبقى له من كرامة”.

وأكد ان مشاركته فيها جاءت لاعتقاده بأن “افضل طرق التغيير يكون من خلال الشعب نفسه، لا من خارج الحدود”، مبيناً أن “الطرق السلمية هي خيارنا في الاحتجاج، رغم انه خيار يستغرق وقتاً طويلاً. ربما لا نكون على قيد الحياة لنلمس ثمار ذلك التغيير الذي نصبو إليه، لكن واجبنا الأخلاقي يحتم علينا تمهيد الطريق إلى الأجيال القادمة بقدر ما نستطيع”.

وأضاف أن “مجزرة جسر الزيتون ستبقى علاقة في الاذهان دائماً، واتذكر كيف كانت الناس تذبح بالشوارع ولا مغيث لهم، ولم ننس حرق خيم الحبوبي وقتل الشهيد اعبادي أمامنا. هذان الموقفان لن يغيبا عن بالي ما دمت حيا”.

وأوضح أن “أهمية هذا الحدث تكمن بأنها انتفاضة شعب كامل، فحتى الذي لم يشارك فيها، كان متعاطفا معها”. 

واختتم بقوله: ان “ثمار تشرين كثيرة لا مجال لعدها، لكن أهمها التغيير الاجتماعي والإيمان الحقيقي لدى الشباب بالتغيير”. 

رسالة للسياسيين الفاسدين 

أما الدكتورة طاهرة داخل من بغداد، فقد وصفت المنتفضين بأنهم يملكون “شجاعة التغيير السلمي ضد السلطات الفاسدة”، مبينةً أن مشاركتها جاءت لـ”ايمانها بالتغيير السلمي”، وثقتها بأن “الديمقراطية يجب ان تكون  منهجا سياسيا مدنيا للدولة”.  

وتابعت بقولها: ان الذكرى الثانية تستعيد في مخيلتي المحبة والتضامن والروح الوطنية العالية، ولحظات البكاء والفرح، وتستعيد ايضاً الخوف ورائحة الدخان والقمع والصراخ واصوات الرصاص وحركة “التكتك” وهو يمضي كسيارة اسعاف يحمل الجرحى والدماء تسيل منه. 

وترى الدكتورة أن الانتفاضة اسست فكريا لـ”منهج سياسي احتجاجي حرك عقول الشباب العراقي وسيصبح الاحتجاج وسيلة للتغيير مستقبلا لان عامل الخوف قد انتهى رغم القمع والاذى”. 

الشرارة الاولى للانتفاضة 

من جهته، علّق احمد ستار، على الذكرى السنوية الثانية لانتفاضة تشرين، قائلاً انها تعني الكثير بالنسبة ليّ، وسجلت اروع الملاحم البطولية للشباب وكافة المشاركين فيها.

وأضاف “أنني شاركت فيها بسبب الازمة المستفحلة للنظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية، الذي عجز عن توفير ابسط مقومات الحياة إلى شعبنا، وخصوصاً الشباب منهم الذين عانوا من بؤس شديد”، مشيراً إلى أن “قمع السلطة للشباب المتظاهرين من أصحاب الشهادات العليا كان شرارة انطلاقة انتفاضة تشرين”. 

ويستحضر ستار في ذهنه الكثير من المواقف، لكنه يؤكد على ضرورة “زيادة التكاتف والتنسيق وايجاد القيادة للاحتجاج التي من شأنها ان تعيد الدور المهم للاحتجاجات من أجل الوصول للتغيير الشامل”.

وتابع بقوله ان “ذاكرتي مليئة بكافة الشواهد منها اتذكر في يوم ٢٥ ـ ١٠ ـ ٢٠١٩ حيث خرجنا في البصرة امام مبنى المحافظة والتجمهر كان في ساحة البحرية. اتذكر ذلك المشهد الذي لا يغيب عن ذاكرتي وهو اربعة متظاهرين شباب قامت سيارة حكومية مكلفة بحماية مبنى المحافظة بدهس هؤلاء الشبان الاربعة، احدهم استشهد اسمه عباس الصيمري، وكان مصابا بمرض السرطان”. 

وأكد ان أهمية الانتفاضة بكونها “تمكنت من تصديع جدار المحاصصة الطائفية، وايضا زادت من وعي الناس، ونجد هذا الشيء متمثلا في شعار (نريد وطن)، الذي اختزل الكثير من المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية”. 

واشار ستار الى ان “ثمار تشرين كثيرة، منها خلق رأي عام كان يحسب له في اجهزة الدولة ومؤسساتها”، لافتاً إلى أن “اسباب قيامها لا تزال موجودة، لا سيما ان التذمر والسخط موجودان، بأية لحظة ربما تتجدد، لكن تحتاج الى ايجاد قيادة موحدة لها”. 

 “المشاركة كانت واجبا وطنيا”

فيما اعتبرت الناشطة في الاحتجاجات، منال جبار، انتفاضة تشرين ابرز حدث احتجاجي بعد 2003، مبينةً أن “من لم يشارك في الانتفاضة كان داعما معنويا وماديا بهدف الحفاظ على ديمومتها، وتحقيق مطالبها المشروعة”.

وقالت جبار “شاركت في اغلب الحركات الاحتجاجية، وانتفاضة تشرين هي واحدة من اهم التحركات الشعبية، كونها انطلقت بإرادة جماهيرية رافضة للمعاناة التي يعيشها المواطن، ومُطالبة بالتغيير وتحسين الوضع الامني والمعيشي لكل فئات الشعب، لذلك وجدت ان من واجبي المشاركة فيها، خاصة وان مشاركة المرأة في مثل هذا الحدث التاريخي مهم جدا، كونها ليست بمعزل عن المعاناة”. 

وأكدت ان “أول ما تستعيده ذاكرتي هو شهداء وجرحى الانتفاضة، واتذكر الحوارات التي نفتحها بشكل عفوي مع المتظاهرين المصابين اثناء تقديمنا الاسعافات الاولية لهم، حيث كانوا يتحدثون بروح وطنية وبإصرار على الاستمرار حتى لو كلف ذلك خسارة حياتهم”. 

تحول نوعي في مستوى الوعي

ومن النجف، عدّ أحمد الموسوي، أن “انتفاضة تشرين، لم تكن لحظة عابرة في حياة العراقيين، أو حدثاً هامشياً جرى خارج النسق العام للتجربة السياسية ما بعد 2003، بل كانت لحظة تاريخية توّجت سنوات طويلة من النضال المدني الوطني والحراك الاحتجاجي السلمي ضد نهج المحاصصة والفساد والطائفية”. 

وأضاف أنها “لحظة تحول نوعي بالوعي الاحتجاجي، ودفقة حيوية سرت في الحس الوطني الرافض لكل أشكال التجزئة والاقطاعيات الطائفية السياسية الفاسدة”، واصفاً تشرين بـ”لحظة سطوع مبهر للضمير الوطني الشعبي أعادت الاعتبار لكلمة الوطن، حينما هتف الجمهور بأصوات حرة (فوگ صوتك يا وطن ما يعله صوت)، وترجمتها بشعارها العظيم (نريد وطن) الذي اختزل كل المطالب واستحق أن يكون شعار الانتفاضة الأول ومعرّفها الأوضح”.

وأوضح إن “كل من يتقاطع مع نظام المحاصصة والفساد ويحفظ في صدره ضميراً وطنياً حراً، لا بد له أن يكون بين المنتفضين في تشرين. فلا يوجد للحياد موضعٌ في معركة الوطن ضد ناهبيه، فهي واحدةٌ من اثنتين، إما أن تكون في صف العراق أو ضده. لهذا لم يكن صعباً أن أكون بين الجماهير في غرة تشرين، نهتف معاً ويسند بعضنا البعض، ولن أنسى تلك الحماسة الأسطورية التي كان الشباب من المتظاهرين يواجهون بها رصاص السلطة القمعية، فيجمعون شتاتهم متراصين متناخين، ضاغطين على جراحهم، تحفزهم دماء رفاقهم الضحايا من الجرحى والشهداء الذين يسقطون بين أيديهم، ليعاودوا الكرًّ مراتٍ ومرات باتجاه مصدر النيران الغاشمة التي تحول بينهم وبين دخول ساحة ثورة العشرين، حيث اعتادوا التظاهر فيها سلمياً لسنوات مضت”.

وأشار الموسوي إلى أن “عراق ما قبل انتفاضة تشرين ليس هو ما بعدها بالتأكيد. هكذا يرى معي الكثيرون، لأن الانتفاضة فرضت على الخارطة السياسية احداثيات جديدة لا يمكن اغفالها، وغرست في الوعي الاجتماعي معادلات سياسية مختلفة تماماً عن تلك التي دأبت على اشاعتها الأحزاب الطائفية وسلطات الاحتلال التي أتت بها”، مبيناً انها “فتحت الأفق بأكمله أمام الحركة الاحتجاجية لتراكم عوامل ومسببات التغيير الشامل في الواقع الاجتماعي والسياسي”. 

احمد تاج من بغداد، محتج فاعل في حراك تشرين، قال وهو يستعد لاحياء الذكرى الثانية للانتفاضة: “كنا ننتظر حدث تشرين التاريخي، منذ سنين طوال حيث انه البوابة التي كنا نرى من خلالها عراقا مدنيا ديمقراطيا خاليا من هيمنة الطائفيين والفاسدين على السلطة، وشعرت أن هذا التاريخ هو يوم التعبير عن الإرادة الوطنية”. 

 وأضاف “أننا قبل تشرين كنا نلتقي كمجاميع، ونتكلم لماذا وصل البلد إلى هذا الحال، وماذا نحتاج، وماذا قدمت السلطة لنا حتى نطلب منها ما نحتاج. ووصلنا إلى قناعة اننا جميعا متضررون: ان هذه المنظومة يجب أن تنتهي. واجمع الكل على هدف التغيير”. 

وتابع تاج بقوله: “احمل في جعبتي الكثير من المواقف حيث تعرضت لمحاولتي اغتيال، أما ثالث موقف معي، فهو الاختطاف الذي تعرضت له لمدة 5 ايام وخرجت بأعجوبة، فضلاً عن فقداني للكثير من الأصدقاء، منهم من قتل واخر مغيب، واخرون معاقون، فضلاً عن المهاجرين الى خارج البلاد”. 

صراع مع الماسكين بالسلطة

زيد شبيب، الناشط في اتحاد الطلبة العام، قال إن “مشاركتي بالانتفاضة لم تكن ترفاً او من أجل خوض مغامرة ممتعة، بل هي نتيجة فشل أحزاب المحاصصة والفساد، أحزاب السلطة في بناء دولة مدنية ديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وصراعنا مع الماسكين بالسلطة هو صراع بين شعب أغلبيته من الكادحين والمعدمين، وبين أحزاب فاسدة تسيطر على مقدرات البلد”.

واستحضر شبيب “الوحدة التي خرج فيها العراقيون وهم يقولون لا، بوجه السلطة ومرتزقتها، والدور الكبير لاتحاد الطلبة العام ورابطة المرأة واتحاد الشبيبة الديمقراطي، في الساحات الاحتجاجية”.

ولفت الى أن “شعار نريد وطن، عبّر عن الغربة التي يشعر بها العراقيون وهم في وطنهم”، معتبراً أن “تشرين كانت وما زالت ناقوس خطر يؤشر على فشل الطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة في ادارة البلد، وتعمق الانسدادات في أن يحدث اصلاح من داخل هذه المنظومة الفاسدة، والدليل التفافها على مطالب الانتفاضة الحقة”.

واستدرك قائلاً إن “الانتفاضة مستمرة وهي تمتد أفقيا وعموديا، لتصيب مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية، بسبب أن طبيعة بنية نظام المحاصصة لن تحدث أي تغيير تطمح إليه الجماهير، بل مشاكل هذا النظام وانعكاسات صراعات أحزاب السلطة في ما بينها تنعكس سلبا على حياة الناس المعيشية، حتى زادت الازمات واضحت أكثر تعمقا. وبالتالي لا سبيل غير التغيير الشامل”.

تشرين.. صوت عراقي وطني

ومن بغداد قالت ايناس جبار، إن “انتفاضة تشرين حدث كبير ومهم ومختلف أيضا في تاريخ العراقيين في الالفية الثالثة، وأنها علمتنا الدروس والمعنى الحقيقي لحرية التعبير الرافضة لنهج الفساد والمحاصصة والسلاح المنفلت”، مؤكدةً ان “الانتفاضة كانت وما زالت الصوت العراقي الذي عبر عن إرادة شعب يحب وطنه، ويسعى الى ان يعود منعما بالحرية وخاليا من الفساد، ولغة العنف والسلاح والارهاب”.

وعن مشاركتها قالت إنها “جاءت من ايماني الحقيقي بأن اكون جزءاً من كل العراقيات والعراقيين الذين هبوا للمشاركة من اجل التغيير الكامل لكل السياسة الخاطئة التي تقود البلد والشعب الى الويلات والازمات”، موضحةً أنها شاركت لتعبر عن موقفها تجاه “فشل الاحزاب الحاكمة التي حطمت امالنا وسرقت احلام الملايين بسبب الفساد والتدهور المستمر الذي جعل بنات وابناء بلدي يعانون من الفقر والحرمان والعنف”.

وبيّنت أن “لانتفاضة تشرين لقطات لا تنسى وصورا ملهمة لتستمر. اتذكر تلك التضحية التي جسدها اصحاب التكتك الذين شاركوا بعفوية فقط لأنهم يريدون مساعدة وانقاذ من كانوا يتعرضون للقمع الوحشي بالرصاص الحي، وكانوا يسابقون الرصاص للوصول وانقاذ الجرحى برغم حتمية موتهم في أي لحظة. هذه اللقطة العظيمة خالدة في الذاكرة”.  

لحظة انطلاق عفوية

ظافر مردان من بابل، وصف تشرين بـ”أنها المحطة المهمة في تاريخ العراق، حيث كانت لحظة الانطلاق العفوية وتجمع العراقيين تحت يافطة رافضة لنظام المحاصصة والفساد، في غاية الدهشة”. 

وأكد أن “أول ما يتبادر لذهني هو خروج الطلبة من المدارس، وبما سمي في حينها المد الابيض الذي كان بشارة للنصر والتواصل للوصول الى ضفة النجاح”. 

ووصف مردان صمود الشباب في الاحتجاجات بوجه الرصاص والقتل والخطف بـ”الأسطوري”، مبيناً أن “هناك قدرة هائلة على تعرية النظام القاتل والفاسد وبصدور سلمية عارية”. 

وتابع أن “الانتفاضة اعطت بصلابتها ودعمها اللوجستي الجماهيري صفعة لوجه نظام المحاصصة ما زالت آثارها باقية حتى الان، حيث كان الوضع بعد تشرين مختلفا جدا لما كان قبلها، فسبل وتوسع وتنوع أساليب الحراك لم تتوقف، وعملية انطلاقها مرة ثانية ما زالت قائمة، فتحاول الان قوى الفساد ان تجهض على هذا الحراك الجماهيري بأساليب عدة حيث تمت الاستعانة بدول مجاورة واخرى اقليمية لإجهاض هذا المد الشعبي”. 

خلق جيل واع ومثقف

أما المتظاهر حسن المياحي من محافظة الديوانية، فقد قال إن “انتفاضة تشرين هي شعلة الضوء الى المستقبل، بعد كل هذا الخراب والدمار الذي خلفته قوى الطائفية والفساد منذ العام 2003”.

وأضاف أن مشاركته فيها جاءت “بهدف القضاء على منظومة المحاصصة في العراق، وانهاء توزيع المناصب المهمة في البلد على اسس طائفية، بالإضافة الى ان مشاركتنا كانت محاولة لاستعادة هيبة الدولة وانهاء وجود السلاح المنفلت، وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة التي غيبتها الهويات الفرعية”. 

واستحضر المياحي في ذهنه مجموعة مبادئ كانت حاضرة في تشرين منها “ثبات موقف المنتفضين على ان الشعب مصدر السلطات، ولا تستطيع اية سلطة فاسدة ان تقف في وجهه، مهما استخدمت من قمع وتهديد ووعيد”. 

وأشار الى أن “ثمار الانتفاضة كانت اسقاط كل الخطوط الحمر، وخلق جيل من الشباب الواعي والمثقف، لا يخشى الخوف والسكوت عن الظلم والمطالبة بحقوقه المشروعة”، داعياً الى ضرورة ان “تتبلور هذه التضحيات في تنظيم سياسي قوي، يكون ندا لأحزاب الاسلام السياسي الفاسد الذي جثم على صدور العراقيين، اكثر من 18 عاما”.