اخر الاخبار

تزامنا مع اليوم الدولي للمياه المصادف 22 من اذار من كل عام، يعاني العراق من نقص حاد في موارده المائية، جراء تقليص الامدادات المائية الواردة من دول المنبع الى نهري دجلة والفرات، وقطع روافد نهر دجلة، وسوء استخدام الموارد.

كل هذه العوامل ساهمت في عدم قدرة العراق على مواجهة موسم الجفاف في العام الماضي. وبسبب شح الامطار في فصل الشتاء الماضي، من المتوقع ان تشهد البلاد تفاقما للازمة تهدد ثروته الزراعية والحيوانية، ومن الممكن ان تتسبب في هجرة نحو المدن، على أثر خسارة محتملة للفلاحين جراء الجفاف.

أساس المشكلة 

ونتيجة لوجود نهري دجلة والفرات يعتبر العراق واحدا من اغنى الدول من حيث المصادر المائية، لكن العوامل الخارجية والداخلية عطشت العراقيين، حيث يعاني الملايين من عدم توفر الماء النظيف وارتفعت درجة الحرارة، بينما زحف التصحر على أجزاء كبيرة من البلد. 

ونظرا للأهمية القصوى للماء، فان لكل بلد سياسة وقوانين لإدارة المياه، ولديها كذلك اتفاقيات مائية واتفاقيات تنظيم الملاحة الدولية. ولأنه لا يتم مراعاة الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمياه والانهار في العراق والدول المتخلفة وليس هناك سياسة عامة بهذا الخصوص، لهذا تحولت مسألة المياه الى مشكلة خطيرة.

وتقول مؤسسة Chatham House للابحاث والاستشارات في العالم في تقرير لها بعنوان “لا تحل مشكلة المياه في العراق باستخدام سياسة قديمة”، ان واجب أي رئيس وزراء في العراق في المستقبل يجب ان يكون حل مشكلة المياه، لان الحكومات المتعاقبة ساهمت في تضخم المشكلة. وحسب جاتام هاوس فان العراق كان يتمتع بوضع مائي جيد لغاية سنة (1970) بسبب وجود نهري دجلة والفرات، ولكن بعد ذلك فقد البلد حوالي (40 في المائة) من مياهه. ويعود سبب ذلك جزئيا الى سياسات الدول المجاورة (خاصة تركيا) تجاه العراق. إضافة الى ذلك اثر ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسب سقوط الامطار على مخزونات العراق المائية، حيث يتبخر حوالي (8) مليار متر مكعب من المياه من الخزانات العراقية.

وبحسب (مركز الجزيرة للابحاث) فان قطع تصاريف المياه عن نهري دجلة والفرات من قبل تركيا، يعتبر العامل الرئيسي في نقص المياه الجارية في نهري دجلة والفرات، ويقر بذلك وزير الموارد المائية مهدي رشيد حيث يقول: ان التصريفات المائية القادمة من تركيا عن طريق نهري دجلة والفرات انخفضت بنسبة 

(50 في المائة). وان الروافد والانهار مثل سدة دربنديخان (في شمال العراق) وصلت بحدود الصفر. كما ان نهر الزاب في منطقة كركوك انخفضت مياهه بنسبة (70 في المائة). ولا يخفي الحمداني ان ايران غيرت مجرى كثير من الأنهار المهمة والتي كانت تصب في العراق مثل نهر سيروان والتي حاولت ايران باستمرار تجفيفها، كما ان ايران غيرت مجاري الأنهار في المناطق الحدودية في ديالى وخانقين الى داخل ايران.

فقدان المصادر

وحسب أبحاث معهد ميديتريانة للدراسات الإقليمية (www.mirs.co)، فان العراق يفقد القسم الأعظم من مصادر مياهه. وكانت تصريفات المياه الداخلة عن طريق نهر الفرات من تركيا وسوريا سنة (1933) تبلغ (30) مليار متر مكعب، لكن هذه التصريفات بلغت (9.5) مليار متر مكعب سنة (2021). اما نهر دجلة فقد كانت تصريفاته (20.5) مليار متر كعب وانخفض الى (9.7) مليار متر مكعب سنة (2021)، وهذا بسبب بناء سد اليسو من قبل تركيا. اما ايران فقد قامت بتجفيف (5) انهار عراقية، لقد جفت انهار (كنجان جم و كلال بدره و جنكيلات و كرخ و خوبين)، وادى التجفيف الى هجرة قاطني عشرات القرى الحدودية، وحصل تغيير جذري في النظام الحياتي والبيئي في المنطقة.

ويعتبر مشروع جنوب شرق الاناضول (GAP -Güneydou Anadolu Projesi)، واحدا من اهم مشاريع التنمية في جنوب الاناضول التي تبنتها تركيا. ويعتمد المشروع بنسبة (80 في المائة) على مياه نهر الفرات ونسبة (20 في المائة) على مياه نهر دجلة. 

مع ان العراق يملك (8) بحيرات، الا انها تعرضت لانخفاض شديد في مياهها وهناك خوف من جفافها بالكامل. واهم هذه البحيرات هي بحيرة الرزازة، وهي ثاني اكبر بحيرة في العراق، وتقع بين محافظتي الانبار وكربلاء، تبلغ مساحة البحيرة (1800) كيلومتر مربع. وقد جفت (90 في المائة) من مساحتها. وتعرضت الحياة المائية فيها للموت، فيما لم تسلم بحيرة ساوة التي يبلغ طولها (4.47) كيلومتر وعرضها (1.77) كيلومتر، هي الأخرى من الجفاف.

ورغم وجود تعهدات بين العرق وتركيا منذ عام 1947 حول مياه نهري دجلة والفرات تنص على عدم الحاق الضرر واتفاقات أخرى كلها لم تجدِ نفعا.

ولم يسلم العراق من الجار الاخر ايران حيث قطعت هي الأخرى المياه بشكل كامل عن العراق ولم تتقاسم الضرر معه، إذ أثر ذلك بشكل مباشر في المناطق الحيوية المهمة مثل ديالى وبدرة وجصان وهور الحويزة، إضافة إلى شط العرب بحسب مستشار وزارة الموارد المائية عون ذياب، الذي اكد ان “تصرفات طهران مخالفة للأعراف والمواثيق الدولية، وأهمها اتفاقية العام 1975، فضلا عن استغلالها لمياه أعالي الحوض وعدم مراعاة مصلحة مناطق المصب”، مبينا ان “استمرار انقطاع الواردات المائية عن البلاد، ربما سيؤدي إلى هجرة قسرية من جنوبها، لا سيما ضمن مناطق الأهوار المهددة بالجفاف”.

ديالى الأكثر تضررا

اما المهتم في الشأن الزراعي عيسى المعموري فيقول ان “محافظة ديالى فقدت أكثر من 50 -80 ألف دونم من بساتينها. وهذا يشكل خطرا حقيقيا خاصة وان المؤشرات تؤكد ان الصيف القادم سيكون اكثر جفافا من سابقة”، محذرا من جفاف وموت بساتين بهرز.

ويطالب المعموري الحكومة باخذ هذه المشاكل بعين الاعتبار وعدم الاكتفاء بالتفرج وترك الامر على عاتق وزارة الموارد المائية، كون الموضوع يتطلب تدخلا على اعلى المستويات”، مشددا على ضرورة ممارسة الضغط في مجالات التبادل التجاري على ايران وتركيا من اجل ضمان حصة العراق المائية من خلال توقيع اتفاقات ثنائية”. 

ويشير الى ان “مؤتمر المياه الدولي المنعقد في بغداد خلال هذا الشهر اكتفى بتوصية دول المنبع بمساعدة العراق على مواجهة أزمة المياه والتغيرات المناخية والتأكيد على ضرورة مبدأ تقاسم الضرر”، معتبرا ان هذا الامر غير ملزم للدول المتحكمة بمصير العراقيين.

اما الدكتور حيدر الربيعي، فيرى ان تلاعب دول الجوار بتصريف مياه نهري دجلة والفرات، يجعل العراق في مصاف الدول المهددة بالجفاف، مشيرا الى ان “ما يصدر عن المؤتمرات الدولية كلام لا يعوّل عليه لعدم اقترانه بنتائج ملموسة”.

ويضيف ان “العراق يعاني من سوء إدارة وتوزيع ثروته المائية حيث ان 3,5 فقط من الأراضي الزراعية مزودة بمنظومات ري حديثة”، مشيرا الى “الحاجة الى تطوير قطاع الزراعة والكف عن تلويث المياه من قبل المؤسسات الحكومية ورفع التجاوزات”. 

وينوه بان “نقص الامدادات المائية سيؤدي إلى كارثة فيما يتعلق بالتنوع الأحيائي من ناحية انقراض أحياء برية أو مائية، فضلا عن نقص الموئل وفقدان مكان استراحة الطيور المهاجرة”.

محنة الاهوار

أما مراسلة محطة PBSO ، سيمونا فولتين، فقد أشارت في تقرير لها الى أن أهوار بلاد ما بين النهرين، مهددة اليوم بسبب الجفاف. فبعد أن نقص متوسط هطول الأمطار السنوي خلال العشرين سنة الماضية بنسبة 10 في المائة مما كان عليه في العقود الثلاثة السابقة، إنخفضت مناسيب المياه وزادت الملوحة، وصارت المنطقة اقل ملاءمة لحياة الإنسان والحيوان والنبات على حد سواء. فيما اشتد الفقر، وصار دخل الفرد اليومي لا يزيد على 7.5 دولار في اليوم!

ونقلت فولتين عن سكان المنطقة قولهم بأنهم يعتمدون على الأنشطة الاقتصادية المائية وتربية الجاموس وحصاد القصب والأعشاب، وكلها ستختفي مع اختفاء الماء، حيث لم يبق من مساحات الأهوار اليوم سوى 2000 ميل مربع، وهو ما يشير الى خسارة 75 في المائة من حجمها الأصلي. كما خسرت العوائل هناك 80 في المائة من أعداد الجاموس الذي كانت معتادة على تربيه سابقاً، حسب المجلس النرويجي للاجئين. 

وتبلغ مساحة الأهوار ما يقارب 38 ألف متر مكعب وهي تمتد في محافظات البصرة وميسان وذي قار. ولا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد السكان الذين يعيشون في تلك المناطق والذين يعتمدون في حياتهم بشكل أساسي على المياه والقصب والحيوانات.

ويقول جاسب الغانمي (مربي جواميس من ميسان): ان “المياه المالحة كانت سببا في تسمم الجواميس وموتها، او توقفها عن انتاج الحليب”، مبينا ان “شح المياه سيجبرهم على هجرة ديارهم نحو المدن”.

ويضيف ان “الحكومة لا تقدم أي مساعدة لنا، وهي عاجزة عن حل مشكلة المياه، فما هو الحل سوى ترك ديارنا للمجهول!”.

توترات داخلية

ويبدو أن لنقص المياه تبعات داخلية تنذر بتوترات بين المحافظات على الحصص المائية، حيث سجلت محافظات العراق منذ بداية الصيف الماضي حوالي 25 نزاعا عشائريا بسبب التجاوزات على المياه، انتهت اغلبها بإطلاق النار وسقوط العشرات من القتلى والجرحى بحسب تقارير امنية حصلت عليها “طريق الشعب”.

ورغم حملات ردم الأنهر المتجاوزة التي شنتها ملاكات وزارة الموارد المائية رفقة القوات الأمنية نهاية تشرين الأول الماضي، لكن المشكلة لم تحل حتى الان، لكون عدد من المتجاوزين ينتمون الى جهات متنفذة تمنع إزالة تجاوزاتهم، بحسب مصدر مطلع في محافظة واسط، التي هي احد اكثر المحافظات تجاوزا على الحصص المائية.

ولتوضيح عمق الأزمة، فإنّ واردات المياه العراقية انخفضت بنسبة 40في المائة، في الوقت الذي كانت تمثل مجمل واردات العراق من المياه قرابة الـ70 مليار متر مكعب سنويا، لتنخفض في الوقت الحالي إلى ما يقارب الـ40 مليار متر مكعب فقط.

وتشير وزارة الموارد المائية إلى أنه بعد قرابة 13 عاما، ستنخفض واردات العراق 30في المائة إضافية، ليكون مجموع الانخفاض بواردات المياه العراقية بحلول العام 2035، قرابة الـ70في المائة، فيكون مجمل ما يرد للعراق من مياه لن يتجاوز الـ11 مليار متر مكعب، في الوقت الذي تبلغ حاجته لأكثر من 50 مليار متر مكعب، ما يعني أن نسبة واردات المياه حينها ستكون أقلّ من 20في المائة مقارنةً بالحاجة الاستهلاكية للبلاد، مع الأخذ بنظر الاعتبار تصاعد الحاجة للاستهلاك أكثر من 50 مليار متر مكعب، فضلًا عن تزايد عدد السكان لقرابة المليون نسمة سنويا.

مقترحات للحكومة

من جهته، يرى الخبير في مجال المياه رمضان حمزة، أن “موارد العراق المائية في تناقص مستمر في كمياتها وتردي نوعية وجودة هذه المياه بسبب فشل مشاريع البزل وزيادة الملوحة ورمي الفضلات بكافة أنواعها الى مجاري الأنهار بدلا من دخولها الحدود العراقية الى مصباتها في شط العرب”، مشيرا الى ان كلا من تركيا وإيران تعملان على تحقيق اكبر استغلال للمياه وعلى حساب الواردات المائية المتأتية للعراق.

ويضيف ان “إهمال الملف المائي حوّل انهار العراق الى مجاري مياه الصرف الصحي غير المعالجة، وقسم من انهاره كنهر (سيروان) حرمت من تدفق مياه الجريان البيئي واصبحت ذات تدفق صفري والتي تسببت في هلاك الثروة السمكية أيضاً”، منوها الى انه “رغم ما قيل عن انعاش الاهوار إلا انها لا تزال في غرفة الإنعاش بانتظار تركيا وايران ان تطلق جزءا من حصص العراق المائية التي استولت عليها”.

ويتابع ان “العراق يعتبر من اكثر الدول هشاشة في نظاميه المائي والبيئي، حيث تصنف حوالي 70 في المائة من مساحاته ضمن المساحات شبه الجافة  والجافة، وتعاني من تغيرات سلبية في المناخ، أدت الى تراجع كميات الأمطار بنسبة تتراوح اكثر من 10 في المائة مع الزيادة الواضحة في مستويات تذبذب كميات هذه الأمطار. ويؤثر تغير المناخ والمخاطر المناخية وندرة المياه وشحتها في استقرار القطاع الزراعي وإنتاجيته مما يعرض الأمن الغذائي الى مخاطر كبيرة”.

ويقول تقرير لمعهد “بروكينجز الامريكي” للأبحاث، أن تركيا تسيطر على اكثر من 90 في المائة من المياه التي تصب في نهر الفرات، و 44 في المائة منها في نهر دجلة، وهي تواجه اتهامات باستخدام المياه كسلاح في الصراعات المنخرطة كما في سوريا.