اخر الاخبار

عمدت الكتل السياسية المتنفذة إلى حل المشاكل العالقة في ما بينها، عبر اتفاقات سياسية، لكنها عادة ما تعود إلى الدخول في مشكلات أكبر، وسط عدم مبالاة بمعاناة الناس واحتياجاتهم.

ومن الواضح ان المتضرر الوحيد من هذا الامر هو المواطن، فقد عاد فتيل الازمة السياسية للاشتعال مجددا بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا، الأربعاء الماضي، بإلغاء كافة القرارات الخاصة بتحويل الأموال الشهرية إلى إقليم كردستان.

أزمة جديدة

ويبدو ان هذا القرار يمثل تهديدا جديا لتحالف ادارة الدولة الذي شكلت على أساسه الحكومة الحالية.

وكانت حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي قد أرسلت عدّة دفعات مالية بصورة شهرية إلى الإقليم خلال عامي 2021 و2022، وذلك بغية دفع حكومة الإقليم رواتب موظفيها، على أن يتم اقتطاعها لاحقًا من حصة الاقليم في الموازنة المالية العامة للدولة.

واتساقا مع حكومة الكاظمي، أعلن رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني في كانون الأول الماضي، إرسال دفعة جديدة بقيمة 400 مليار دينار (نحو 234 مليون دولار أميركي) لحكومة الإقليم.

وجاء قرار المحكمة الاتحادية على خلفية دعوى أقامها النائب مصطفى جبار سند، عضو اللجنة المالية النيابية، الذي قال في مؤتمره الصحفي: إن “القرار القضائي صدر بناءً على الدعوى التي أقمتها أمام المحكمة الاتحادية التي حكمت بعدم صحة 6 قرارات للحكومة السابقة بتحويل المبالغ للإقليم عام 2022، وهي قرارات مخالفة للنظام الداخلي والدستور وقانوني الموازنة العامة والإدارة المالية”.

ضغوط على القضاء

وتعليقا على القرار، قال نائب رئيس البرلمان شاخوان عبد الله، إن جهة تعد جزءاً من ائتلاف “إدارة الدولة” أمرت المحكمة الاتحادية بإيقاف صرف المستحقات المالية لإقليم كردستان، مشيراً إلى أن الجهة نفسها تسببت برفع سعر صرف الدولار.

وأضاف عبد الله في بيان طالعته “طريق الشعب”، أن “الجهة الذي وجهت وزيرة المالية بعدم تنفيذ قرار مجلس الوزراء المتعلق بإرسال 400 مليار دينار كمستحقات شعب كردستان، هي نفسها التي أمرت نائباً بتوقيع على دعوى ضد مستحقات الإقليم وتقديمه باسمه دون قراءة مضمونه”.

وأشار إلى أن “الجهة ذاتها التي أمرت المحكمة الاتحادية بأن يكون قرارها بقبول الدعوى ومنع إرسال مستحقات الإقليم دون أي وجه حق”.

وتابع عبد الله في بيانه “هي نفسها (الجهة) التي تسببت بارتفاع أسعار صرف الدولار من خلال تهريبه إلى خارج البلاد، وللأسف تلك الجهة نفسها التي أمرت المحكمة الاتحادية بإصدار قرار بالضد من مشروع قانون النفط والغاز في إقليم كوردستان”، ماضيا يقول: “الغريب من كل هذا أن أدوات هذه الجهة هي جزء من تحالف إدارة الدولة”.

وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا، توضيحا حول القرار، على لسان رئيسها جاسم عبود أنه “بموجب أحكام المادة 80 / ثالثا من الدستور، فإن الواجب على مجلس الوزراء هو إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين وليس بهدف مخالفتها إذ إن مشاريع القوانين واستنادا لأحكام المادة (60) من الدستور تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وعندما يصدر مجلس الوزراء قراراً مخالفا لقانون ما فإن ذلك يمثل خرقا للدستور”، وبالتالي فإن قرارات مجلس الوزراء التي قضت المحكمة بعدم صحتها مخالفة لقانون الموازنة الاتحادي لسنة 2021 ولقانون الإدارة المالية رقم (6)لسنة 2019”.

وأضاف عبود “يجب على الحكومة والجهات ذات العلاقة أن تبحث عن جميع السبل التي من شأنها تجعل موظفي إقليم كردستان متساوين من حيث مبلغ الراتب الشهري وموعد استلامه وأن عدم  تقيد جهة معينة بأحكام الدستور والقوانين النافذة يجب أن لا يخل بمبدأ المساواة ويجب العمل على توحيد رواتب الموظفين وكل ما يتعلق بهم في جميع أنحاء العراق وعدم جواز تأخير تسليم الرواتب عن موعدها لأي سبب كان”.

لا للعبث بحقوق الناس

اما الباحث في الشأن السياسي وسام المالكي فيتساءل: ان “المحكمة الاتحادية هي ذاتها كانت موجودة في اثناء فترة الحكومة السابقة فأين كانت من هذا القرار في الفترة الماضية؟”، مردفا أن “توقيت القرار يثير الشكوك ويعبر عن استهداف سياسي”، بحسب رأيه.

ويجد المالكي في حديث لـ”طريق الشعب”، ان هناك “انتقائية في تطبيق الدستور. والمحكمة الاتحادية ليست حصينة امام المزالق السياسية”، مستشهدا بـ”المادة 3 من الفقرة ثالثا من قانون المحكمة الاتحادية التي نصت على آلية تشكيل لجنة لترشيح رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية عن طريق رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء و رئيس البرلمان مع نوابهم”، ما يعني ان الاحزاب المتنفذة هي التي تقوم بترشيح اعضاء المحكمة الاتحادية بحسب الرغبة السياسية وضمن عملية التخادم المحاصصاتي”.

ويؤكد المالكي ان “مقدار الاموال التي يشملها هذا القرار ليس لها وزن امام صفقات الفساد، التي تنهبها الاحزاب المتنفذة”، موضحا ان “الاموال هي من حق شعبنا في الاقليم وليس السياسيين”.

شرعية القرار

بدوره، أشار القاضي رزكار أمين الى انه “ليس من حق المحكمة الاتحادية التدخل في مثل هذا القرار وهو عبارة عن اتفاق بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، واتساءل ما هو السند القانوني او الدستوري الذي اعتمدت عليه المحكمة لاصدار قرار ايقاف ارسال مستحقات الاقليم المالية؟ من الواضح ليس هناك اي سند دستوري”.

وأضاف القاضي، أن منع الموارد عن الشعب امر مرفوض وهذه حالة حصار ضد الكرد العراقيين، لا يجوز ان تضع شعبنا في وضع مساومة او صراعات او مزايدات سياسية، ولا يمكن استخدام الشعب وسيلة او ورقة للضغط السياسي”، مبينا ان “الكرد عراقيون، وثروات العراق للعراقيين، ولهم حق مثلما لأي عراقي آخر حقوقه في ثروات بلده ولا يمكن قطع الرواتب عن الموظفين والمتقاعدين، وهذا امر غير دستوري وغير انساني على الاطلاق”.

وفي السياق، اعربت كتلة الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب عن شديد أسفها للقرار، داعية الى ان تكون جميع مؤسسات الدولة وبما فيها القضاء “عوامل تقارب وتفاهم من اجل دعم الاستقرار السياسي في البلاد”.

وأشارت الكتلة في بيان صحفي الى ان المحكمة الاتحادية عليها دعم التفاهمات والالتزامات والبيئة الايجابية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم بقرار تراعى فيه حقوق جميع المكونات، لا ان يكون قرارا يستهدف قوت وارزاق المواطنين”.

تجويع الموظفين

وفي وقت سابق، اعتبر النائب عن تحالف إدارة الدولة علي المشكور، ان عدم ارسال مبالغ للاقليم و”تجويع الموظفين هناك” امر صعب، ولا بد من إيجاد حل من نوع ما لضمان استمرار ارسال الاموال الى الاقليم.

ودعا المشكور في حديث صحفي “الإقليم للجلوس الى طاولة الحوار للاتفاق على صيغة وسطية تضمن إرسال دفعات  مالية كرواتب، فضلا عن إرسال الإقليم لنفطه ليصدر عبر سومو”، مشددا على ضرورة اعطاء موظفي الاقليم رواتبهم.

ويصف وليد السهلاني النائب عن ائتلاف الفتح (أحد أبرز تشكيلات الإطار التنسيقي) المحكمة الاتحادية بأنها “صمام الأمان” للبلاد، وأنها المُحافظ على الديمقراطية ووحدة الشعب، مبينا أنها لا تتعامل بلغة المُجاملة، وإنما تتعاطى مع القرارات الصادرة برؤى مبنية على أسس قانونية.