اخر الاخبار

مع تردي الأوضاع في البلاد على مختلف المستويات، أضحى تأثير اللجان الاقتصادية التابعة لقوى السلطة المتنفذة واضحا في عرقلة قيام مؤسسات الدولة بواجباتها الصحيحة والمهام المناطة بها، التي لا تنسجم مع مصالح تلك القوى ولجانها التي تتولى مهمة تمويلها من المال العام.

تقارير دولية توثق ضررها

وكشف تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية في عام 2018، عن خضوع 65 في المائة من المؤسسات الحكومية لتدخلات مباشرة من هذه اللجان، ما أدى إلى انخفاض مستوى الأداء بنسبة تصل إلى 40 في المائة.

علاوة على ذلك، أفاد البنك الدولي في تقريره لعام 2020 بأن هذه التدخلات تسببت في خسائر اقتصادية تقدر بأكثر من 2.5 مليار دولار سنوياً، نتيجة للفساد وسوء الإدارة.

أحد أبرز الأمثلة على هذا التأثير السلبي هو قطاع الطاقة، مثلاً، حيث أشار تقرير لعام 2019 إلى أن تدخلات اللجان الاقتصادية في عقود النفط والكهرباء أدت إلى تأخير المشاريع الاستراتيجية بنسبة 30 في المائة وزيادة تكاليفها بنسبة 25 في المائة، كما أظهرت دراسة أخرى أن مستوى الرشاوى والعمولات في العقود الحكومية ارتفع بنسبة 50 المائة خلال السنوات الخمس الماضية.

الوزارات تستغيث 

في هذا الشأن، أقرت لجنة النزاهة النيابية بسيطرة "اللجان الاقتصادية" العائدة لبعض الكتل والأحزاب، على بعض الوزارات ما أدى الى فشل عملها.

وقال عضو اللجنة هادي السلامي في حديث صحافي، ان "هناك سيطرة من قبل اللجان الاقتصادية العائدة لبعض الكتل والأحزاب على بعض الوزارات، وهذا أدى الى فشل تلك الوزارات، خصوصاً هناك صراعات ما بين تلك الأحزاب على المشاريع والمقاولات في الوزارات".

وأضاف السلامي، ان "سبب عدم تحسن واقع الكهرباء مرتبط بملفات الفساد الكبيرة بهذه الوزارة. إذ أن الفساد المالي والإداري هو سبب اخفاق كل مؤسسات الدولة الخدمية"، مردفا أن "تطوير عمل هذه المؤسسات يكون من خلال إبعاد اللجان الاقتصادية الحزبية عنها".

محاباة واستغلال للسلطة

وقال سعيد ياسين، الناشط في مجال مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية: ان هذه اللجان اسست لغرض تمويل الأحزاب او الأطراف المرتبطة بها ـ ان كانت سياسية او مسلحة ـ، مبيناً ان هناك فجوات قانونية تسمح لهذه الأطراف بالاستمرار بالعمل.

وأضاف ياسين في حديث مع "طريق الشعب"، ان هذا "النمو جاء نتيجة استغلال النفوذ الاداري والسياسي، لان الوظيفة العامة في الوزارات والمراكز المهمة اسيرة المحاصصة السياسية. وبالنتيجة تذهب العقود الحكومية والمشتريات والمقاولات وما شابهها الى هذه الجهات النافذة".

وتابع، أن "الاطراف التي ترتبط بهذه اللجان تستغل الفجوات القانونية الموجودة مثل غياب قانون العقود الحكومية الذي يتضمن تأهيل الشركات على اساس الخبرة والكفاءة المالية والفنية، والوجود القانوني كأن تكون مسجلة. بالنتيجة يكون هنالك تضخم في الأسعار، ويستفيدون من الفرق في السعر الذي يذهب الى هذه اللجان".

من جانب اخر، ذكر ياسين ان "قانون الاحزاب نص على ان تكون الأمور المالية للأحزاب تحت تدقيق ديوان الرقابة المالية، وعلى الاحزاب ان تفصح عن التمويل المالي الخاص بها، لكن هذه الفقرة من القانون معلقة"، مشدداً على "أننا نحتاج الى الصرامة في تطبيق القانون على الجميع بدون استثناء. ومن الملاحظ مثلاً ان الكثير من ممتلكات الدولة وعقاراتها والمقاولات العامة تذهب الى جهات تدعم هذه الاحزاب".

وقال إن "صانع القرار يستخدم المحاباة مع هذا الطرف او ذاك سواء كان مسؤولاً كبيراً او جهة سياسية، وتستغل هذه الصلاحيات للاستيلاء على العقارات، فهذه ايضا تشكل جزءا من التمويل المالي".

سبل عديدة لتحييدها

ولفت الى أن هذه العملية "تطورت واصبحت هناك جرائم عابرة للحدود مثل تهريب النفط والاتجار بالبشر والمخدرات وغيرها من الجرائم، التي يجري اخفاؤها عبر تبييض الأموال المسروقة وغسلها في مشاريع محددة او من خلال استيراد السلع وما شابه، وهذا يضر أيضا بالاقتصاد العراقي".

واكد أن "الدولة يجب أن تعتمد مبدأ سيادة القانون وانفاذه على الجميع بلا تمييز او محاباة، وردم الفجوة القانونية في جانب العقود والمشتريات الحكومية والكف عن احالة العقود والمشتريات المقاولات الهندسية وما شابه، ومنح الاستثمارات وإجازات الاستثمار إلى أطراف غير كفوءة"، منوهاً بأن "قانون العقود ينظم عملية تأهيل الشركات بشكل قانوني. كذلك إفصاح الأحزاب عن المعلومات وكشف مصادر تمويلها بما فيها تمويل الانتخابات والدعاية والتعرف إلى امكانياتها المالية من خلال استخدام الممتلكات العامة والموارد العامة في عملية الدعاية الانتخابية".

واتم حديثه بالقول: "اننا بحاجة الى ابلاغ واخبار الجهات الرقابية عن تضخم الأموال؛ فهناك اناس كانوا لا يملكون شيئاً واليوم لديهم عقارات اصبحوا كارتلات مالية، ولديهم امكانات مالية كبيرة تؤثر على الاقتصاد العراقي، اضافة الى ان هذه الاموال تستخدم في استيراد السلع لتعطيل الاقتصاد الوطني الصناعي والزراعي".

تأثير سلبي وكبير

من جهته، قال الكاتب والباحث في الشأن الاقتصادي حمزة لؤي: ان هذه اللجان أخرجت الدولة والحكومة بشكل خاص عن حياديتها، لأن الحكومة هي نتاجات أحزاب سياسية ونتاجات القوى المتنفذة في العملية السياسية".

وأضاف، ان ذلك يصعّب عملية مكافحة عمل هذه اللجان؛ فالقوى المتنفذة المهيمنة على السلطة، هي من اوجدت هذه اللجان وهي طرف مستفيد، وبالتالي اصبحت مؤسسات الدولة رهينة هذه اللجان".

واشار في حديثه مع "طريق الشعب"، الى ان تداعيات عمل هذه اللجان اثر في الاقتصاد والعملية الاقتصادية بصورة عامة؛ ففي ادبيات إدارة الدولة تعتبر السياسة أحد اذرع الاقتصاد للوصول الى الهدف المنشود"، مضيفا ان "العملية هنا انعكست فاللجان الاقتصادية وظفت الاقتصاد كأداة سياسية للوصول للسلطة والفوز بالانتخابات. وكل الانشطة الحزبية اصبحت تدار باستخدام اموال الدولة، عن طريق الكسب غير المشروع".

وتابع لؤي، ان "عملية تحييد هذه اللجان وتقييدها ليست سهلة، لكنها ضرورية، وذلك عبر تقوية مؤسسات الدولة والتوجه الجاد نحو مكافحة الفساد، إذ ان اضعاف عمل هذه اللجان وتحقيق ما ذكر مرهون بقوة الدولة وقرارها، ورغبتها الحقيقية في حل المشكلة".

عرض مقالات: