بعد مرور أكثر من عقدين على عمر البرلمان العراقي في مرحلة ما بعد التغيير، يجد سياسيون ومراقبون أنّ السلطة التشريعية أخذت تبتعد يوما بعد آخر عن مصالح الناس وتطلعاتهم، بل راح من يسمون أنفسهم ممثلي الشعب نحو تكريس النزعات الطائفية والإثنية والحزبية في تشريع القوانين، وتحولوا الى أداة بيد القوى السياسية المتنفذة لمصادرة ما تبقى من الحريات والحقوق المشروعة للمواطنين.
سلطة لا يعول عليها
السياسي والقاضي المتقاعد الدكتور وائل عبد اللطيف قال ان "التلويح والتهديد بمقاضاة اي من ينتقد اداء السلطة التشريعية بحجة الاساءة مخالف لأحكام الدستور، الذي كفل حرية التعبير. الشعب مصدر السلطات واساس شرعيتها".
واكد ان محاولة "تكميم الافواه والتقييد، يعني ان هناك خللا واضحا يجب معالجته بدل تبني هذا النهج الدكتاتوري".
ووصف في حديثه مع "طريق الشعب"، الدورة النيابية الحالية بأنها "الأسوأ"، مبينا ان "اداء البرلمان تراجع كثيرا ابتداء من الدورة الثانية والثالثة والرابعة وبشكل كبير في الدورة الخامسة".
وتابع قائلاً: ان "هذا البرلمان بحسب ما نعايشه ونراه، مسيّر من قبل القوى السياسية المتنفذة، ولا يمكن ان يخرج عن اطار القوى السياسية او خانة الاهتمام بالمصالح الشخصية والاستحصال والاستحواذ على اكبر قد ممكن من المنافع".
واكد انه "بناءً على هذه المعطيات، لن يستطيع البرلمان تشريع قوانين ذات شأن مهم في هذه الدولة، ولا يستطيع أداء دور المراقب. وبالتالي فإن البرلمان بعيد جداً عن اداء دوره ومهامه المناطة به، واهمها الرقابة".
وقال عبد اللطيف، ان "معالجة الوضع الحالي تكمن في حل البرلمان والذهاب نحو انتخابات المبكرة. وانهاء نصف الوزارة المعطلة في هذا البلد تماما. هذا البرلمان غير صالح للعمل، لذا على القوى السياسية ان تعجل في حل هذا البرلمان لكي لا تنهار الامور، وتذهب الى نهايات غير طبيعية. غالبية الشعب غير راضين او مقتنعين بهذا البرلمان، نظراً لغياب المنجزات منذ ان تشكل والى اليوم".
وخلص الى القول: أنه "في ظل هذه الظروف وتفاقم المعاناة والازمات، كل شيء اصبح متوقعا وواردا، نظراً لأن معاناة الشعب مستمرة وتصاعدت على مختلف الصعد، بما معناه ان السلبيات كثيرة وكبيرة".
انتكاسة حقيقية
قال الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، انه "في الفترة الأخيرة لاحظنا أن هناك اطرافا بدأت تضيق على بعض الصحفيين والمراقبين السياسيين في موضوع الانتقادات التي توجه للسلطة التشريعية"، مشيرا الى ان "احد الصحفيين ومقدمي البرامج رفعت ضده دعوى قضائية، من قبل رئيس مجلس النواب بالإنابة النائب محسن المندلاوي، وهذا مؤشر سلبي".
وأضاف، أن "التهمة كانت الاساءة للسلطة التشريعية، باعتبار انه فتح ملف قضية تزوير الجداول الموازنة 2024. رغم ان هذه القضية مطروحة الآن امام القضاء من قبل عدد من النواب".
ووصف التميمي هذا النهج بأنه "محاولة للترهيب. ما يحصل بكل اسف هو انتكاسة كبيرة للسلطة التشريعية. هذه الدورة طالتها انتقادات من قبل اعضاء في البرلمان الحالي نفسه"، مبيناً ان "كل انتقاد للسلطة التشريعية، يُعتبر من قبل رئيس مجلس النواب بالإنابة إساءة شخصية له، باعتبار هو من يدير رئاسة مجلس النواب والسلطة التشريعية".
واشّر المتحدث "غيابا تاما للدور الرقابي، ودائماً ما نتساءل عن دور مجلس النواب في محاربة الفساد؟ أين دور المجلس في قضية سرقة القرن وغيرها؟".
وأوضح، ان "القوى المتنفذة قيّدت ودمّرت وأساءت للسلطة التشريعية، بسبب التوافقية المشوهة التي منعت السلطة التشريعية من ممارسة أعمالها الرقابية والتشريعية".
وتابع قائلاً: "نحن لا نعيب التوافقية، بل هي أمر طبيعي موجود في كل دول العالم، لكن ليس بهذا الشكل البشع والمشوّه. فما يحدث هو تقاسم للمغانم والسلطة، وليس توافقية. أكرر أن السلطة التشريعية خلفت هذا النهج المشوه. الكل مشترك في الحكومة، وبالتالي لم تكن هناك محاسبة على الرغم من ان حجم الفساد في العراق كبُر وتوسع بشكل كبير من دون ان تكون هناك اساليب رادعة".
ونوه الى ان "حل البرلمان والذهاب الى الانتخابات المبكرة مثبت في المنهاج الحكومي، وكان يفترض من الحكومة ان تقدم موعدا لإجراء انتخابات مبكرة، وهذه دعوة او طلب من قبل التيار الصدري، ولكن بعد ذلك سوّفت هذه القضية.
وذكر التميمي، ان "القضية يجب ان تحل عبر اجراء انتخابات مبكرة"، مردفا "لكن برأيي لن يكون هناك جديد، ما لم يكن هناك اتفاق على تغيير في المشروع السياسي ومغادرة التوافقية من قبل قوى السلطة، التي لا يمكن ان تستمر ولا يمكن ان تبني دولة، او ان تبني نظاماً برلمانياً حقيقياً".
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قال في لقاء مع مجموعة من المحللين السياسيين: انه لا يعارض اجراء الانتخابات، ولكن هذا يحتاج الى اجماع وموافقة الكتل من اجل حل البرلمان.
من سيّئ الى أسوأ
الى ذلك، قال المحلل السياسي، محمد سلمان انه "لم يمر علينا برلمان يمثل امال الشعب وتطلعاته وامنياته بالرفاه والاستقرار وتأمين السكن والنهوض بالواقع الصحفي وحفظ سيادة البلد والعديد من الامور الاخرى".
وأضاف ان "التشريعات ومقترحات تعديل القوانين، لم نجدها يوماً تصب في خدمة الناس، بل في خدمة النواب ورجالات الحكومة. ونتيجة لهذا لا نشعر بان هناك برلمانا حقيقيا او معطياتٍ تدعو للتفاؤل".
وتابع سلمان في حديث مع "طريق الشعب"، أن "الحال دائما من سيئ الى أسوأ، وخصوصا اليوم في ظل البرلمان الحالي، الذي اقترف غلطة اخلاقية كبيرة، حين رفع مخصصات البرلمانيين واعطى امتيازات كبيرة لهم، بينما يئن الشعب من الازمات وتردي الاوضاع".
وفي سياق حديثه اكد المحلل السياسي، انه "لا مبالغة في القول ان الدورة الخامسة، هي الأضعف والأسوأ بين الدورات الخمس. هذا البرلمان، وكل ذلك يفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة لعل أهمها: هل هذا البرلمان فعلا يمثل الشعب، وهل هو ما يتطلع اليه الناس، وهل هناك نية لهذا البرلمان في تمثيل الشعب، أم التغطية على السرقات والاهتمام بالامتيازات والمصالح الخاصة للقوى المتنفذة؟".