اخر الاخبار

مع انخفاض أسعار النفط الى اقل من 70 دولارا للبرميل، حذر مختصون اقتصاديون من تداعيات هذا التراجع التي قد تزيد من العجز المالي وتؤثر سلباً على تمويل رواتب الموظفين والمشاريع الاستثمارية.

وكان العديد من خبراء الاقتصاد، حذروا الحكومة وقت اعداد الموازنة الثلاثية من انخفاض أسعار النفط، وشددوا على خفض النفقات، لكنها بدلا من الاستجابة لتلك التحذيرات قررت رفع سعر برميل النفط التخميني الى 80 دولارا، مكرسة بذلك للسياسات الاقتصادية غير المجدية.

تأثير الانخفاض على الموازنة العامة

وتراجعت أسعار النفط إلى 70 دولاراً للبرميل، فيما انخفضت الصادرات العراقية بنسبة 3.3 في المائة. ويهدد هذا التراجع بتضخم العجز المالي الذي يبلغ حالياً نحو 49 مليار دولار.

وسيؤثر هذا الوضع كثيراً على تمويل المشاريع ويسهم في تفاقم أزمة البطالة وتباطؤ النمو الاقتصادي، فضلا عن المخاوف من تعثر تمويل رواتب الموظفين.

أسباب الانخفاض وتداعياته

وفي إطار تحليل أسباب هذا التراجع، أوضح المستشار المالي لرئيس الوزراء د. مظهر محمد صالح، أن السبب الرئيس يعود إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني.

وأضاف في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "الصين تعد واحدة من أكبر مستوردي النفط في العالم، فقد تقلصت احتياجاتها بسبب تراجع النمو الاقتصادي، حيث انخفضت نسبة النمو من 5.4 في المائة في بداية العام إلى حوالي 4.5 في المائة حالياً".

وبين ان "الصين من أكبر الاقتصادات العالمية التي تعتمد على النفط، حيث تستورد نحو 10 ملايين برميل نفط يومياً، والعراق يساهم بنسبة 10 في المائة من هذه الكمية"، مبينا ان "تباطؤ النمو الصيني أدى إلى تراجع الطلب على النفط، ما أثر بشكل مباشر على أسعار النفط في الأسواق العالمية، حيث انخفض سعر خام برنت إلى أقل من 74 دولاراً للبرميل".

تداعيات الانخفاض

وأشار صالح إلى أن الموازنة العامة الاتحادية للعام 2023 (الموازنة الثلاثية) تضمنت عجزاً افتراضياً يقارب 64 تريليون دينار. ومع هذا التراجع في الأسعار، قد تواجه السياسة المالية مخاطر انخفاض عوائد النفط، ما يستدعي اتخاذ إجراءات احترازية لضمان استدامة النفقات العامة.

وفي حزيران الماضي، أقر البرلمان جداول موازنة عام 2024 البالغة 161 مليار دولار أمريكي وبعجز بلغ حوالي 49 مليار دولار.

وبحسب وثائق الموازنة التي نشرها الموقع الرسمي للبرلمان، تبلغ قيمة الموازنة 211 تريليون دينار عراقي (نحو 161 مليار دولار أمريكي) فيما يبلغ العجز نحو 64 تريليون دينار (49 مليار دولار).

وأظهرت الوثائق أن الميزانية اعتمدت سعر برميل النفط بمقدار 80 دولارا أمريكيا للبرميل.

وأشارت الوثائق إلى أن ارتفاع أسعار النفط من 70 دولارا في موازنة عام 2023 إلى 80 دولارا في 2024 والقروض الخارجية والداخلية وبنود أخرى من شأنها تغطية عجز الموازنة.

تأثر الحركة الاقتصادية

من جهته، أكد عضو اللجنة المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي، أن الموازنة العامة تعتمد بنسبة 90 في المائة على الإيرادات النفطية، ما يجعلها عرضة لتقلبات أسعار النفط في السوق العالمية.

وأوضح الكرعاوي أن "أي تغيير في سعر النفط سيؤثر بشكل مباشر على الموازنة"، مضيفًا أنه "كلما انخفضت أسعار النفط العالمية، سيؤدي ذلك إلى حدوث عجز في نسبة الإنجاز للموازنة".

وأشار إلى أن "انخفاض أسعار النفط سيؤثر بشكل خاص على الموازنة الاستثمارية وكذلك على الموازنة التشغيلية المتعلقة بالقضايا السلعية والخدمية، حسب الأولويات التي حددتها الحكومة".

وأكد أن "الحركة الاقتصادية في العراق بشكل عام ستتأثر أيضًا". ورغم هذه المخاوف، أكد الكرعاوي أن "رواتب الموظفين لن تتأثر"، مشيرًا إلى أن "سقف الرواتب أقل بكثير من سقف الإنفاق المخصص في الموازنة".

التأثير على الموازنة الاستثمارية

الخبير الاقتصادي كوفند شرواني، قال أن انخفاض أسعار النفط كان قياسياً مقارنة بالشهور العشرة الماضية، حيث انخفض سعر خام برنت إلى حوالي 71 أو 72 دولاراً، فيما يباع النفط العراقي الخفيف بسعر يقل بـ3 أو 4 دولارات عن هذا الرقم.

وأوضح شرواني في حديث لـ"طريق الشعب"، أن استمرار هذا الانخفاض سيؤدي إلى بيع النفط العراقي بسعر يتراوح بين 67 و68 دولاراً للبرميل، وهو أقل من السعر المثبت في قانون الموازنة والبالغ 80 دولاراً للبرميل، منوها الى ان "هذا الفرق في السعر سيؤدي إلى نقص في التمويل وفروقات في الإيرادات، ما سيؤدي إلى تضخم العجز في الموازنة".

وأوضح شرواني أن العجز في الموازنة لهذا العام يبلغ حوالي 49 مليار دولار، وكل انخفاض ولو بدولار واحد في سعر البرميل يؤدي إلى تراجع الإيرادات بنحو 1.2 مليار دولار سنوياً، ما يزيد من العجز الموجود.

برامج الدولة والتحديات المالية

وشدد شرواني على أن ارتفاع العجز سيفرض ضغوطاً على وزارة المالية لسده. ورغم أنه قد لا يؤثر على الرواتب، إلا أنه سيؤدي إلى استقطاع جزء من الموازنة الاستثمارية، مما يعني تقليص الدعم للمشاريع الجديدة وتوفير فرص عمل.

وأكد أن الموازنة الاستثمارية تشكل أقل من 30 في المائة من الموازنة العامة، وأي تقليص فيها سيؤثر بشكل كبير على المشاريع التنموية، ما قد يؤدي إلى تفاقم أزمة البطالة، خصوصاً بين الخريجين والشباب الباحثين عن العمل.

توقعات بتأخر الرواتب

وفي السياق ذاته، توقع الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي تأخر صرف رواتب الموظفين خلال الشهرين المقبلين، في حال استمرار انخفاض أسعار النفط.

وكتب المرسومي في تدوينة أن انخفاض أسعار النفط إلى 70 دولاراً مع تراجع الصادرات العراقية النفطية إلى 3.3 مليون برميل يومياً سيؤدي إلى انخفاض الإيرادات الشهرية إلى 9 تريليونات دينار، منها 1 تريليون دينار تُخصص لتغطية نفقات شركات التراخيص النفطية.

وأوضح، أن المتبقي وهو 8 تريليونات دينار سيكفي بالكاد لتغطية الرواتب التي تبلغ 7.5 تريليون دينار شهرياً، فيما سيخصص نصف تريليون دينار لتمويل مفردات البطاقة التموينية.

وأشار المرسومي إلى أن باقي النفقات التشغيلية والاستثمارية سيتم تمويلها من الإيرادات غير النفطية الشحيحة والاقتراض الداخلي والخارجي. وتوقع أن ترتفع الضرائب والرسوم، وتزداد الديون، فيما ستبدأ الاحتياطات الأجنبية في البنك المركزي العراقي بالتراجع نظراً لغياب صندوق سيادي يحمي الاقتصاد من هذه الأزمات.

أما المختص الاقتصادي مصطفى حنتوش، فحذر من خطورة استمرار تراجع أسعار النفط على استقرار الموازنة العامة للعراق.

وأوضح، أن غياب صندوق سيادي يحمي الاقتصاد العراقي في مثل هذه الأزمات يجعل الاحتياطات الأجنبية في البنك المركزي هي الحائط الأخير للدفاع عن الاقتصاد.

عرض مقالات: