الصراع على كركوك محلياً وإقليمياً
نشر موقع واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مقالاً للكاتب مهند فارس حول الصراع الانتخابي والسياسي في كركوك، أكد فيه على أن مستقبل هذه المحافظة مرهون باتفاق القوى الفاعلة على مشاريع سياسية مشتركة، لاسيما بعد أن أثبتت هذه القوى قدرتها على إنتاج وإعادة إنتاج أزمات داخلية، طيلة سنوات من الإنسداد السياسي التي أعقبت 2003.
مدينة التنوع
وأشار المقال إلى وجود كركوك ضمن المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الإتحادية وحكومة إقليم كردستان، وخضوعها للمادة 140 من الدستور، والتي تنص على أن تنتقل مسؤولية إدارة المحافظة إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بعد إنجاز تطبيع سياسي وإحصائي ينتهي بإجراء استفتاء فيها إضافة إلى بقية المناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها. وذكّر المقال بإن بغداد قد استغلت إجراء حكومة الإقليم استفتاء على الاستقلال، لتفرض سيطرتها على المدينة، مما الحق خسائر سياسية بأربيل، لم يكن أقلها فقدان أحد أهم مصادر عائدات النفط.
كما أوضح الكاتب التنوع الإثني والديني والطائفي لمواطني هذه المحافظة الثرية، بحيث تبدو وكأنها نموذج مصغر للمجتمع والسياسة العراقية، يهتم بشؤونها جميع الفاعلين السياسيين في البلاد، ويخوضون بسببها صراعات ويدخلون في مساومات واتفاقيات، تمتد فيها أصابع إقليمية، وبشكل خاص من إيران وتركيا.
انتخابات تشدد الإنسداد
وذكر المقال بان انتخاب مجلس المحافظة في نهاية العام الماضي، والذي حدث بعد ما يقارب العقدين على آخر انتخابات، أسفر عن إنقسام كبير، حيث حققت الكتلتان الكرديتان 209 آلاف صوت (7 مقاعد) والأحزاب العربية 209 آلاف صوت أيضاً (6 مقاعد) والجبهة التركمانية 75 ألف صوت (مقعدين)، فيما حصل التكتل المسيحي على مقعد واحد. ولهذا فشلت كل الجهود لتشكيل حكومة محلية توافقية، بسبب مطالبة كل التكتلات بمنصب المحافظ، الأمر الذي دفع برئيس الحكومة الإتحادية التهديد بتكليف محافظ من خارج المجلس المنتخب.
وبسبب التهديد انقسم أعضاء المجلس إلى كتلتين، عابرتين ولأول مرة للعرقية والطائفية، تمكنت إحداهما من انتخاب محافظ كردي، بعد أن ضمنت دعم أكثرية الأعضاء له. غير أن هذه الممارسة، وإن بدت قانونية وفق قرار المحكمة الإتحادية، جرت معارضتها بقوة بسبب عدم اتساقها مع قاعدة التوافق السياسي وبالتالي إنتفاء صفة العدل عنها وفق رأي معارضيها، الذين اعتادوا على اللجوء إلى قاعدة التوافق حين يعجزون عن معالجة مشاكل البلاد، بعيداً عن عدد الأصوات.
وللجيران رأي مؤثر
وعلى الرغم من أن المشكلة تبدو داخلية بحتة، فقد أبدت القوى الإقليمية، وبشكل رئيسي تركيا وإيران، المتنافستان على النفوذ في المنطقة، إهتماماً كبيراً بها، ساعيتين لتحقيق حل يخدم طموحاتهما فيها، حسب رأي الكاتب، الذي أشار إلى أن تركيا تعتبر نفسها حامية للتركمان العراقيين، وترى في شمال العراق أمتداداً لدولتها، حيث سبق لرئيس تركيا الأسبق، تورغوت أوزال ولزعيم الحركة القومية التركية، دولت بهجلي، أن صرحا بأن الموصل وكركوك تركيتان فيما حذر الرئيس التركي الحالي، من التدخل في تغيير التركيبة الديمغرافية للمدينة، مشيراً إلى كونها مدينة التركمان. كما لا يقتصر اهتمام أنقرة بالسكان فقط، بل بما في كركوك من ثروة نفطية هائلة، يقدر إحتياطها بحوالي 13 مليار برميل، يُنتج منه 400 ألف برميل يومياً.
وكانت حقول كركوك النفطية، حسب المقال، محل أهتمام الجانب الإيراني، الذي استهدفت صواريخه منزل الرئيس التنفيذي لمجموعة كار للطاقة، فيما لم تعّد رغبتها في إستثمار خط أنابيب كركوك المتجهة إلى ميناء بانياس السوري مخفية على أحد، إضافة إلى موقع كركوك الإستراتيجي في مشروع خط الغاز الإيراني السوري، وهي قضايا تدفع أنقرة لإتهام طهران بدعم حزب العمال الكردستاني المعارض لها.
حلم الاستقرار
وأعرب كاتب المقال عن اعتقاده بأن الوضع غير المستقر قد يتواصل بسبب غياب توافق القوى السياسية في المحافظة واستمرار التدخل الخارجي متعدد الأشكال في الشؤون الداخلية للعراق، مما يستدعي حلاً سريعاً للمشكلة، اما بحكومة مركزية قوية أو بإقامة إقليم فيدرالي في المحافظة.