لا تزال عملية توزيع الدرجات الخاصة تتم عبر الصفقات السياسية والمحاصصات الطائفية والحزبية الضيقة، الأمر الذي عزز شبكات الفساد السياسي الممنهج والمتشابك.
ونتيجة لهذه الممارسات تم تعيين مسؤولين مغمورين مرتبطين بقوى متنفذة في مواقع حساسة، بهدف استغلال موارد الدولة لأهداف خاصة من دون مساءلة أو رقابة فعلية.
ماذا عن التغييرات الحكومية؟
ورغم ان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، جاء إلى السلطة محملا بوعود وتعهدات ارتاح لها الشعب العراقي، لا سيما ما يخص مكافحة الفساد وإجراء إصلاحات حقيقية، واعلان قوائم تغييرات للمسؤولين وتقييم أدائهم، الا ان الكثير من هذه الوعود لم تجد طريقها للتنفيذ،حيث لا يزال العديد من المتورطين في قضايا الفساد وهدر المال العام يحتفظون بمواقع نفوذهم وفي مناصب مهمة.
المعايير الحكومية
في هذا الصدد، قال عضو لجنة الاقتصاد النيابية ياسر الحسيني، إن "الدرجات الخاصة ودرجات المدراء العامين وحتى الأدنى من ذلك بالنسبة لمدراء الأقسام والشعب، في هذه الحكومة مبنية على المحاصصة اكثر من غيرها"، مشيراً إلى ان "الحكومة الحالية لم تراع معايير الكفاءة والتخصص والتحصيل الدراسي والنزاهة، بل كانت المحسوبية والقرب من الجهات السياسية المعيار الأساس في تنصيب هذه الدرجات".
وأضاف الحسيني في حديث مع "طريق الشعب"، ان "الحكومة لم تحقق أي تغيير في ما اعلنت عنه، بل سارت بنفس ركب سابقاتها واكثر من ذلك".
وفي ما يخص وكلاء الوزارات أوضح بالقول: إن عدم التقرب لهم "لا يعني انهم ناجحون، بل يعود السبب إلى عدم إمكانية استبدالهم، على اعتبار ان القوى السياسية الضاغطة هي التي أتت بهم، وهي الحامي الأول والرئيس لهم، وسط عدم قدرة رئيس الحكومة على ثني ارادة هذه القوى نهائياً".
واستبعد الحسيني ان يحصل تغيير في كابينة الدرجات الخاصة "لأن الحكومة اضعف من ذلك"، متهما إياها بتغليب "الجانب السياسي ومصلحة العائلة والقبيلة والحزب على حساب الكفاءات التي يمكن ان تخدم الشعب".
ونبّه النائب الى ان "الجميع متفق على عدم التغيير، كما ان المعارضة ليست قوية، الامر الذي جعل الاحزاب والمقربين من الحكومة يتمادون ويمعنون في المحاصصة".
مناصب رهينة المحاصصة
المحلل السياسي، هاشم الجبوري قال: ان "الدرجات الخاصة تخضع لمعادلة القرب من الحزب السياسي النافذ والمحاصصة الحزبية، ولا تخرج عن اطار هاتين المعادلتين اطلاقاً".
واضاف في حديثه مع "طريق الشعب"، إن "المحاصصة التي جرى ترسيخها كعرف سياسي، هي اعلى واقوى من الدستور نفسه، فإن تعارض العرف السياسي مع الدستور تذهب القوى النافذة لتخريجات بأسلوب واطر قانونية ظاهراً لكنها في الواقع لا تعدو كونها ترضيات سياسية".
ولفت في سياق حديثه الى ان "كل المناصب من اعلاها وحتى الادنى منها اصبحت تخضع لنهج المحاصصة التي تحكم معادلة توزيع وتقاسم المناصب"، مبيناً ان "هذا النهج خلف الفشل وسوء الادارة وفرض على الشخصية المختارة للمنصب تأدية التزامات مالية ووظيفية مرتبطة بالحزب السياسي النافذ، وولاء لا متناه لذلك الحزب".
وواصل الجبوري حديثه: "لا يوجد شيء في هذا البلد لا يخضع لسياسة ونهج المحاصصة، حتى وان حاول رؤساء الحكومات الخروج من عباءة المحاصصة، فأنهم سيجابهون بقوة وعنف من القوى والأحزاب المتنفذة".
وخلص الى القول إن "وكلاء الوزراء هم الوزراء الفعليون في الواقع العملي، وهي حصص حزبية مهمة يتم تقاسمها منذ سنوات طويلة، ولا يمكن ان يمس بها احد، ولن تتأثر حتى وان كانت الجهة النافذة خارج العملية السياسية او مقاطعة لها".
إزاحة المتنفذين
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان الاهلية، الدكتور مهند الجنابي، أن "أحد أهم أسباب عدم الاستقرار السياسي وإعادة بناء الدولة في العراق هو نهج المحاصصة الذي رافق العملية السياسية منذ تأسيسها".
وأضاف الجنابي، في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن "هذا النهج هو السبب الرئيس لجميع المشاكل السياسية والفساد والأزمات التي يعاني منها النظام السياسي العراقي".
وأشار إلى أن "المحكمة الاتحادية أصدرت قرارًا شجاعًا في عام 2019، اعتبرت فيه المحاصصة السياسية غير دستورية، ولا أساس لها في الدستور. وبالتالي، أرى أن القوى السياسية ملزمة بالامتثال لقرارات المحكمة. ومع ذلك، وكما هو الحال دائمًا، هذه القوى لا تلتزم بالعديد من مواد الدستور، فكيف يمكن أن نتوقع التزامها بقرار قضائي؟"
وشدد الجنابي على أن نهج المحاصصة "وضع آليات التغيير في العراق ضمن مسارات ضيقة للغاية، ولا أعتقد أن هناك فرصة حقيقية للتغيير إلا من خلال الآليات الدستورية، وذلك عبر المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات، وإزاحة القوى التقليدية عبر صناديق الاقتراع"، منوها الى ان "هذه القوى ستواصل نهج المحاصصة كوسيلة للحكم في حال عدم ازاحتها من قبل الشعب".