تعرضت عشرات آلاف الأراضي والعقارات في العراق، بفعل التلاعب والتزوير والاحتيال، الى عمليات استيلاء غير شرعية، من قبل عصابات سرقة العقارات العامة والخاصة، تارة بالتنسيق مع موظفين في دوائر التسجيل العقاري، وأخرى تحت تهديد السلاح المنفلت.
وشهدت العاصمة بغداد وغالبية المحافظات، خلال العقدين الأخيرين، عمليات استيلاء واسعة على عقارات الدولة، والمواطنين لاسيما المغتربين.
وأعربت النائبة سروة عبد الواحد، رئيس كتلة الجيل الجديد في مجلس النواب، وعضو لجنة النزاهة النيابية، عن استيائها بشأن وضع العقارات الحكومية منذ عام 2003 وحتى الآن، مشيرة إلى أن هذه العقارات أصبحت عرضة لاستغلال أصحاب النفوذ والسلطة.
وتطرقت عبد الواحد خلال حديثها لـ "طريق الشعب"، إلى مسألة القصور الرئاسية، سواء في البصرة أو الموصل، التي تم استغلالها مؤخراً تحت مسمى "الاستثمار"، متسائلة عن ماهية هذا الاستثمار وما إذا كانت هذه القصور، ستتحول إلى ملكية خاصة للمستثمرين أو ستظل أملاكاً للدولة.
وأكدت أن "لجنة النزاهة وجهت هذه التساؤلات إلى هيئة الاستثمار، والآن نحن بانتظار الرد". وفيما يتعلق بالقصور في الموصل، ذكرت أن "المحافظة قد أرسلت مخططات لاستثمار هذه القصور، إلا أن هيئة الاستثمار طلبت توضيحات إضافية، لأن المخططات المقدمة لم تكن واضحة".
وأصدرت هيئة النزاهة الاتحادية عام 2022 إحصائية تضمنت رصدها 31378 عقارا تابعا للدولة، مستولى أو متجاوزا عليها في عموم المحافظات، باستثناء التابعة لإقليم كردستان. وقد كانت لنينوى الحصة الكبرى منها بـ8585 عقارا، لم يسترجع منها سوى 35 عقارا فقط.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قد ألغت عام 2021، أحد النصوص القانونية، التي استغلتها الأحزاب المتنفذة، لابتلاع آلاف الأراضي والعقارات الحكومية، وسط تغاضي الحكومات المتعاقبة عن إعادة الأملاك إلى أصحابها، وسحب أملاك الدولة من الجهات المسيطرة عليها.
وينص القانون المعدل على منح البلدية المختصة صلاحية بيع الأراضي المخصصة للإسكان ببدل حقيقي وحسب الأسعار السائدة لمثيلاتها، بعد موافقة وزير البلديات والأشغال العامة وأمانة بغداد.
وأقرت وزارة العدل وجود عمليات تزوير وتلاعب تسببت بنقل ملكية الكثير من العقارات بطرق غير مشروعة، وتعهدت بمراجعة وتدقيق ملفات تلك الأملاك، والعمل على الحد من التجاوزات.
فساد العقارات في تزايد؟
وكان النائب ياسر الحسيني، وصف في حديث له، الفساد في ملف عقارات الدولة بـ"الكبير والخطر"، مشيرا الى ان هناك "جهات متنفذة متورطة بهذا الفساد".
وأضاف، أنه "طيلة السنوات الماضية لم نر أي فتح لملف عقارات الدولة لوجود تغطية سياسية لهذا الفساد، والذي زاد مؤخرا وسط صمت حكومي وسط تفرج الجهات الرقابية المختصة ".
وأضاف، أن "القصور وغيرها من عقارات الدولة ممكن ان تقدم كفرص استثمارية حقيقية، بدل الاستحواذ عليها من قبل المتنفذين، وهذا الملف الخطر ستكون لنا وقفة جادة بشأنه، داخل البرلمان قريباً".
مشاريع في خدمة المترفين
الاكاديمي والمحلل السياسي علاء مصطفى، قال إن أزمة التطاول على العقارات لم تعد مقتصرة على أملاك الدولة فحسب، بل امتدت أيضًا لتشمل عقارات المواطنين، في ظل تراجع واضح لفرض هيبة القانون، وانفاذه على الجميع.
وأضاف مصطفى، أنّ "المشاريع الاستثمارية، التي تشهد توسعًا كبيرًا في البلاد، تتركز بشكل رئيس في القطاعين التجاري والسكني الموجه للفئات المترفة، ما يجعل الادعاء بأنها تحل أزمة السكن غير دقيق".
وأوضح مصطفى لـ "طريق الشعب"، أن هذه المشاريع تقام على أراضٍ مميزة تعود ملكيتها للدولة، وتباع فيها الشقق بأسعار باهظة تصل إلى 250 ألف دولار للشقة الواحدة، أي ما يعادل 375 مليون دينار عراقي وفقًا لسعر السوق الموازي.
وتابع، انه "لا يوجد موظف قادر على شراء عقار بهذه الأسعار، خاصة وأن قروض المصارف لا تتجاوز 150 مليون دينار، وتحمل فوائد مرتفعة جدًا، ما يجعل من الصعب على المواطنين العاديين الاستفادة من هذه المشاريع".
وأكد أن "العديد من المستثمرين الذين حصلوا على هذه العقارات تربطهم علاقات سياسية مع أطراف نافذة في الحكومة الحالية، وبعضهم قد يخوض الانتخابات المقبلة بالتحالف مع هذه الأطراف". كما شدد على أن "هذه القضية لا تقتصر على مكون معين، بل تشمل أطرافًا سياسية من مختلف المكونات ".
ودعا مصطفى مجلس النواب إلى فتح هذا الملف بشكل جدي، خاصة في ما يتعلق بالاستثمار والاستثناءات الممنوحة لبعض المستثمرين الذين حصلوا على أراضٍ مميزة في قلب بغداد، بما في ذلك المنطقة الخضراء.
وطالب بمعرفة الفائدة التي تجنيها الدولة من هذه العقود، مؤكدًا أن هذه المشاريع التجارية والسكنية تحقق أرباحًا طائلة للمستثمرين، دون أن تقدم حلولًا حقيقية لمشكلة السكن.
وختم مصطفى حديثه بالدعوة إلى ضرورة مساءلة هيئة الاستثمار، والتأكد من أن الدولة تحصل على حقوقها من هذه العقود المبرمة، لضمان عدم استفادة فئة معينة على حساب المصلحة العامة.
نحو تثبيت دعائم الدولة
وفي السياق، قال المحلل السياسي علي البيدر أن "هناك أطرافا عديدة تستغل الوضع القائم لتحقيق أهداف سياسية وحزبية ضيقة"، مردفاً أن "النظرة نحو المال العام تغيّرت تدريجيًا لدى الكثير من الأطراف والفئات، حيث أصبحت مصلحية بحتة، ما أدى إلى تجاوزات مستمرة بحجة الاستثمار أو التنمية".
وأوضح، أن هذه التصرفات جعلت حرمة المال والممتلكات العامة في حالة هشّة، حيث يتعامل الجميع معها من منظور الربح والخسارة، لا من خلال مبدأ الحفاظ على الدولة ومصالحها.
ورغم تعمق هذه المشكلة، أكد البيدر أن "هذا الوضع هو حالة مؤقتة"، معربًا عن أمله في أن تأتي مرحلة إصلاحية تركز على تثبيت دعائم الدولة وترسيخ أسسها.
ليكن القانون أكثر ردعا
بدوره، قال القانوني مصطفى البياتي أن "عقارات الدولة تُعد من الأموال العامة التي تستوجب الحماية"، مشددًا على "ضرورة إصدار قانون يحدد بشكل واضح أحكام حفظ وإدارة هذه الأملاك".
وأضاف البياتي لـ "طريق الشعب"، أن "من القوانين والقرارات الرئيسية في هذا الصدد القرار رقم 154 لسنة 2001، الذي فرض عقوبات على المتجاوزين، بالإضافة إلى قانون إيجار عقارات الدولة رقم 21 لسنة 2013، وقوانين أخرى تفرض العقوبات على أي استغلال أو تجاوز على أملاك الدولة".
واشا إلى أن "المادة 27 من دستور 2005 تنص على حرمة الأموال العامة وتفرض على المواطنين والجهات المختصة واجب حمايتها. كما يشترط القرار 154 لسنة 2001 إزالة أي تجاوزات وقعت بعد نفاذه، وتتحمل الوزارات أو الجهات المختصة مسؤولية عدم إزالة هذه التجاوزات، مما يستدعي تدخل لجان خاصة لتطبيق القانون ومنع استمرار التجاوزات".
وبناءً على هذه النصوص، يؤكد البياتي أن "أي تجاوز على عقارات الدولة، سواء بالبناء أو استغلال الأراضي، يعد مخالفة إذا لم يتم وفقًا للموافقات الرسمية من الجهات المختصة، مثل البلديات وأمانة بغداد، وهو ما يؤكد ضرورة إعادة النظر في القوانين الحالية لتكون أكثر فعالية في حماية الأملاك العامة ومنع التجاوزات عليها".