بعد طول وقت، أعاد المرجع الديني الأعلى في العراق السيد علي السيستاني، تذكير منظومة الحكم في البلاد بكونها ترسخ أسباب الفشل في إدارة الدولة، وتتمسك بنهج المحاصصة، بدلا من اعتماد "مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسلّم مواقع المسؤولية".
وأشار الى ان العراقيين أمامهم "مسار طويل" من أجل اعلاء سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد.
يقول معنيون في الشأن السياسي، إنّ القوى المتنفذة والمسيطرة على مقاليد الحكم تتمسك بنهجها البعيد عن توجيهات المرجعية العليا وهي التي تدّعي صلتها بها، مؤكدين أنّ قوى السلطة تحاول تجاهل حديث المرجع عن الشأن الداخلي، وقد تأخذ منه ما يناسبها.
منع التدخلات الخارجية
وشدد السيد السيستاني، أمس الاثنين، على منع التدخلات الخارجية بـ"مختلف توجهاتها" في العراق، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد، معرباً عن أسفه لعجز المجتمع الدولي ومؤسساته عن فرض حلول ناجعة لإيقاف الحرب في لبنان وغزة.
وقد استقبل السيد السيستاني في مقر إقامته بمحافظة النجف، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) محمد الحسان والوفد المرافق معه.
وذكر بيان لمكتب المرجعية الدينية، أن "السيستاني رحّب بحضور الأمم المتحدة في العراق وتمنى لبعثتها التوفيق في القيام بمهامها"، مشيراً إلى "التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر وما يعانيه شعبه على أكثر من صعيد".
مسار طويل
وقال المرجع الديني الأعلى إنه "ينبغي للعراقيين، ولا سيما النخب الواعية، أن يأخذوا العِبر من التجارب التي مرّوا بها، ويبذلوا قصارى جهدهم في تجاوز إخفاقاتها، ويعملوا بجدّ في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم، ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار".
وأكد، أنّ "ذلك لا يتسنى من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد، اعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسلّم مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات"، مستدركاً "لكن يبدو أن هناك مساراً طويلاً أمام العراقيين إلى أن يصلوا إلى تحقيق ذلك".
وفي ما يخص الأوضاع في المنطقة، عبّر المرجع الديني عن "عميق تألّمه للمأساة المستمرة في لبنان وغزّة، وبالغ أسفه لعجز المجتمع الدولي ومؤسساته عن فرض حلول ناجعة لإيقافها أو في الحدّ الأدنى تحييد المدنيين من مآسي العدوانية الشرسة التي يمارسها الكيان الصهيوني".
قوى غير مؤهلة
في هذا الشأن، قال رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري، إن البيان هو "مؤشر على تقييم السيد السيستاني لمعادلة الإطار التنسيقي وحكومة السوداني، على اعتبار أنهم وعدوا بإحداث تغييرات وإصلاح سياسي ومكافحة الفساد واعتماد الكفاءات، ولكن يبدو أن حكومة السوداني لم تكن مؤهلة لتحقيق تغييرات ملموسة في واقع الشعب".
وأضاف الشمري في حديث مع "طريق الشعب" أن "هذا يعكس بوضوح تغييب الكفاءات الوطنية واعتماد مبدأ المحاصصة، واستقدام شخصيات غير كفوءة لإدارة الدولة. كما أن السيد السيستاني انتقد غياب التخطيط في إدارة الدولة، وهو ما يعد مؤشراً خطيراً للغاية؛ لأن الدولة التي لا تمتلك سياسات عامة وخططاً ستتجه حتماً نحو الفوضى".
واشار الى أن "شعار محاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة استمر حبرا على ورق فقط، برغم تضمينه في البرنامج الحكومي، وهذا يدل على إخفاق كبير جداً لحكومة الإطار"، مضيفا أن "السيد السيستاني يرى أن التدخلات الخارجية بلغت أعلى مستوياتها، لذا شدد على ضرورة وقف هذه التدخلات الخارجية، خصوصاً وأن بعض القوى، بل وحتى الحكومة، باتت تستمع لأطراف خارجية أكثر مما تراعي المصلحة العليا للبلاد".
إهمال جذور المشكلة
من جهته، أكد الصحفي أحمد الشيخ أن "بيان السيد السيستاني يحمل دلالة واضحة على ما حدث بعد انتفاضة تشرين، والانقلاب الكارثي الذي شهدته الساحة العراقية، حيث تم الالتفاف على نتائج الانتخابات، وتشكيل الحكومة من قبل قوى مسلحة، وعودة الخاسرين إلى البرلمان بطريقة كادت تؤدي إلى حرب أهلية على أبواب المنطقة الخضراء". وأضاف، أن "المحاولات مستمرة منذ عامين لتصوير مطالب العراقيين وكأنها تقتصر على بعض مشاريع الجسور أو تحسين الخدمات".
وذكر الشيخ في حديثه مع "طريق الشعب" أن بيان المرجعية يمثل "تذكيراً مستمراً بأن هذه الحكومة والقوى السياسية لم تتعامل مع جذور المشكلة العراقية، التي تتعلق بالفساد والسلاح والقانون واختيار الكفاءات".