أدخلت القوى المتنفذة، البلاد في أجواء صراع انتخابي بصورة مبكرة، في ظل الحراك السياسي لتعديل قانون الانتخابات، والتلميح لتحالفات جديدة، الامر الذي يثير القلق مجددا من استخدام النفوذ والسلطة في الحملات الانتخابية، بهدف إدامة وترسيخ هيمنة قوى السلطة.
ويرتبط هذا الحراك بالخوف من فقدان بوصلة الهيمنة على القرار السياسي ومقدرات البلد التي خضعت الى رغبات هذه القوى على مدى عقدين، ولم تنتج خلال تلك الفترة استقرارا على جميع المستويات، بل كرّست النهج النفعي والمصلحي، الذي نتجت عنه هيمنة الفساد والفشل، بحسب مراقبين.
لتعزيز النفوذ
وتحدث الأكاديمي والمحلل السياسي عصام فيلي، عن انه "مع قرب كل مرحلة انتخابية تحاول القوى السياسية التقليدية التي تحكم سطوتها على السلطة والمال، تفصيل قانون انتخابي جديد يتلاءم مع وجودها السياسي".
ويقول فيلي في حديث لـ"طريق الشعب"، ان تلك القوى لا تؤمن بفكرة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، انما تريد ان تبقى لأطول فترة ممكنة، وبالتالي ينحصر الصراع في ما بين من يدعي تمثيل المكونات".
ورأى فيلي، ان هذه الاشكالية ستبقى قائمة طالما بقيت هذه الكتل التي فشلت بتقديم منجز وطني، وهي تحاول ان تلعب على الوتر القومي والطائفي او المناطقي او الاجتماعي، ولذلك تريد إيجاد قانون يعزز وجودها".
ويشير الى ان القوى السياسية المتنفذة لا تعتمد على البرنامج الانتخابي ومستوى وعي الجماهير، انما تخلق الازمات لغرض تعزيز ووجودها ليس الا.
ما هي معايير النجاح؟
يقول هوكر جتو منسق شبكة شمس لمراقبة الانتخاب، ان انجاح العملية الانتخابية المقبلة، تتطلب مزيدا من الاستقلالية في ادارة مفوضية الانتخابات والابقاء على القضاة المنتدبين، وليس العودة الى تقسيم اعضاء مجلس المفوضين وفقاً لنهج المحاصصة الحزبية والطائفية.
واكد جتو في تصريح لـ"طريق الشعب"، "ضرورة التشديد على منع استثمار موارد الدولة واستخدامها في العملية الانتخابية، واهمية تنفيذ كامل لقانون الاحزاب وخصوصاً ما يمنع ترشيح القوى السياسية التي لديها اجنحة مسلحة" اذ جرى التغاضي عن ذلك في السابق، طبقا لحديث جتو.
وتابع، ان "قوى سياسية لديها أجهزة مسلحة لا تشترك في الانتخابات فقط، إنما تستغل موارد الدولة للسيطرة على المسار الانتخابي بشكل كامل".
ويرى الخبير الانتخابي، ان "مسألة سقف الانفاق ومراقبة تمويل الأحزاب والتشديد على الشفافية، تؤثر بشكل كبير على العملية الانتخابية"، ما لم يجر ضبطها وفق القانون.. على اعتبار أن الكثير من القوى السياسية تنفق أموالاً طائلة على الانتخابات دون وجود سقف معين للإنفاق وغياب المتابعة، او مراقبة الصرف.
وطالب هوكر، بمراقبة عملية شراء الأصوات، التي تؤثر على الناخبين، عبر المال السياسي. ويضيف، ان "هذه هي ابرز العيوب التي تواجه العملية الانتخابية، فضلاً عن عدم وجود قانون انتخابي غير عادل، وهذا لا ينسجم مع العدالة الانتخابية".
ويتحدث ايضاً عن رصد شبكات المراقبة "وجود ضغط على المنتسبين في الأجهزة الأمنية للمشاركة في الانتخابات والتصويت لجهات معينة".
وفق قياسات المسيطرين
من جهته، قال الخبير في الشأن الانتخابي، دريد توفيق، إن "موضوع تغيير قانون الانتخابات أصبح معتادًا في العراق، حيث يتم تغييره بعد كل دورة انتخابية، ويجري تفصيله بما يتناسب مع القوى الموجودة في مجلس النواب، وهو يحدث دائما وفق قياسات الأطراف السياسية المسيطرة".
وذكر توفيق خلال حديث لـ"طريق الشعب"، أن "من يدعو لتغيير قانون الانتخابات غالبًا ما يكون من المتضررين منه، لا سيما الذين يمتلكون قاعدة جماهيرية ضيّقة ومركزة في مناطق صغيرة، وهؤلاء يرغبون في العودة إلى نظام الدوائر المتعددة والصغيرة، حيث يستطيع الشيخ أو زعيم العشيرة الفوز بسهولة بسبب قاعدته المحلية دون الحاجة إلى دعم جهات سياسية أخرى".
وأشار الى ان "تغييرات قانون الانتخابات في العراق أصبحت أداة سياسية بيد الكتل الكبيرة، حيث تعمل على تعديله بما يضمن بقاءها في السلطة والحد من نفوذ المنافسين، وليس لتطوير العملية الديمقراطية أو لتحقيق المساواة التي ينص عليها الدستور.
المتنفذون وراء التغيير المستمر
المدرب الانتخابي، علاء الصفار قال ان "جميع أحزاب الإسلام السياسي تمتلك ماكينات انتخابية، والأخيرة هي من تقف وراء التغيير المستمر لقانون الانتخابات وعدم ثباته منذ عام 2005".
وتحدث الصفار لـ"طريق الشعب" عن وجود مقترح جديد لقانون الانتخابات يتضمن ان تكون 20 بالمئة من المقاعد موزعة على شكل دوائر انتخابية متعددة و80 بالمئة على شكل دائرة واحدة، وهو توزيع يختلف عن انتخابات عام 2021".
ونوه الصفار الى ان "الاحزاب المتنفذة تفضل النظام الانتخابي المقترح حاليا، من خلال جعل 80 بالمئة دائرة واحدة وبطريقة سانت ليغو، و20 بالمئة دوائر متعددة أو الفائز الأكبر في نفس الدائرة او المحافظة".
وبيّن ان "القيادات المتنفذة ستفضل الدخول الى الانتخابات بنظام الدائرة الواحدة وفق سانت ليغو، لضمان صعودها، وعلى سبيل المثال، فإن بغداد لديها 69 مقعدا ومسموح الدخول بضعف هذا العدد من المرشحين، أي 138 مرشحا وهؤلاء بمجملهم قد يوفرون المقعد الضامن لهذه القيادات، كون العزوف عن الانتخابات وعدم قناعة الناخب العراقي بالأحزاب الطائفية ورموزها، قد يتسبب بفشلها إذا كان النظام يعتمد الدوائر المتعددة او الفائز الأكبر".