حول مستقبل العلاقات
بين العراق والاتحاد الأوربي
نشر المعهد الفرنسي للأبحاث عن العراق مقالاً للكاتب بيير جان ليوزارد حول مستقبل العلاقات بين بغداد والإتحاد الأوربي، أكد فيه بأن نظام صدام وجيشه الذي لم ينس ما ضحى به لتوفير الطمأنينة للأنظمة النفطية العربية، ولتحقيق حلم القوى الغربية العظمى باحتواء حكومة طهران التي أسقطت الشاه، حليفها المدلل، قد وجد نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال، عقب انتهاء حرب الثماني سنوات مع إيران، إضافة إلى فشله في أن يتحول إلى قوة مهيمنة في منطقة الخليج، أو أن تتم مكافأته على التضحيات بمحو ما بذمته من ديون هائلة. ورغم الإعتراف الضمني بهذا “الفضل” فإن أوربا، وفرنسا التي لعبت دوراً محورياً في علاقة أوربا مع بغداد حينها، خشيت من ظهور “بروسيا” جديدة في العالم العربي، مما أدى إلى توافق بين الملكيات النفطية والدول الغربية على عدم مساعدة العراق، والتجاوب مع واشنطن التي أرادت منع نظام صدام حسين من الاستفادة من دوره في الصراع الإيراني العراقي.
وصاية أم هزيمة جديدة
وذكر الكاتب بأنه وفي مواجهة الضغوط المتزايدة من الكويت والمملكة العربية السعودية لسداد ديونها، وجد نظام صدام حسين نفسه مهدداً بالوصاية الدولية، فتحرك للإستيلاء على الإمارة الصغيرة والغنية الواقعة جنوب حدود بلاده مما أدى لتشكيل تحالف من كل الدول الإقليمية تقريباً والقوى الغربية ضده، ألحقت به هزيمة عسكرية في عام 1991. وقد اعتمدت الولايات المتحدة، التي قادت التحالف، على دعم الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا، ليس في ساحة الحرب فقط، بل وفي إبقاء نظام صدام الضعيف، بدلاً من المخاطرة بزعزعة استقرار البلاد على يد إيران، وهو ما قوض أي أمل في السيادة الكاملة لبلد، كان ذات يوم واحداً من أكثر الدول الواعدة في العالم العربي، بثرواته من الموارد البشرية والطبيعية، إضافة إلى بدء تفشي الفساد فيه بشكل لا سابق له.
تحول في السياسة
وأضاف الكاتب بأن التحول الدراماتيكي في السياسة الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول، خلق توتراً بين واشنطن وبعض أطراف الأتحاد الأوربي بشأن الموقف من العراق، وانقساماً واضحاً في مواقف هذا الأتحاد من بغداد. ورغم قيام إدارة بوش بإحتلال العراق بغياب الإجماع الغربي وضد القانون الدولي ومعارضة فرنسا وروسيا والصين، تمكنت واشنطن من إضفاء الشرعية على وجودها في العراق، بموافقة الدول الأوربية التي شاركت قوات سبع منها في الغزو.
الاحتلال والديمقراطية
وتطرق المقال إلى انهيار الدولة العراقية ككل بعد الإحتلال، وما واجهه الأمريكان من صعوبات في إعادة بناء دولة عراقية جديدة في ظل استبعاد الأمم المتحدة من العملية. ويبدو أن ضعف أو غياب الشرعية لم يشجع الاتحاد الأوروبي على تعزيز وجوده بأي شكل من الأشكال وبقيت مساهماته محدودة، قبل أن يتدخل في معالجة القضية الحساسة المتمثلة في تخفيض الدين العام العراقي بنسبة 80 في المائة. ثم جاءت فرصة أخرى حين وجد الإتحاد نفسه فاعلاً في التحالف الدولي ضد داعش، ودخلت قواته ومساعداته البلاد العام 2014. ولعل الأوربيين قد تأكدوا ثانية من عدم قدرة المحتلين على تحقيق تحول ديمقراطي سلمي في البلاد المحتلة.
هل سينسحبون
وذكر الكاتب بأنه ورغم اتفاق بغداد وواشنطن على انسحاب القوات الأجنبية من العراق، فإن البيت الأبيض يسعى لإيجاد قاعدة له في شمال العراق تنسحب اليها قواته المتبقية بعد رحيل الأغلبية من عساكره. وتوقع أنه مع تضاؤل الوجود الأمريكي في العراق، قد يسمح أي فراغ ينشأ من تقويض النفوذ الإيراني في البلاد، للاتحاد الأوروبي بالعثور على دور جديد نشط فيها، مستدركاً بالقول إن الهدف لن يكون استبدال الولايات المتحدة بالاتحاد الأوروبي، بل قد يكون فرصة لتحديد سياسة أوروبية مستقلة. ورغم أن الكاتب أبدى عدم تفاؤله من اكتساب الاتحاد الأوروبي لقوة كبيرة في العراق، فإنه توقع تحسن مواقع ونفوذ بعض بلدانه مثل فرنسا، التي كانت واحدة من البلدان الغربية القليلة التي حافظت على سمعتها الإيجابية بين جميع المجتمعات العراقية. كما توقع أن تلعب صفقة بيع معدات الدفاع الجوي (الرادارات والمروحيات)، والرغبة في مساعدة العراق على التحرك سلمياً بعيداً عن الطائفية السياسية دوراً في تعزيز هذه المكانة.