اخر الاخبار

واجهت سلسلة الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارة الاتصالات، والتي تضمنت حجب عدد من المواقع الإلكترونية المتخصصة بالسينما والعلوم والدراسات والتكنولوجيا والفنون، انتقادات واسعة وسخرية على منصات التواصل الاجتماعي، فيما بررت الوزارة هذه الخطوة بأنها تهدف إلى مواجهة “الإساءة للمجتمع العراقي” ومكافحة “المحتوى الهابط والإباحي”.

غير أن هذه الإجراءات، التي وُصفت بالمثيرة للجدل وتفتقر إلى الشفافية والمصداقية، أثارت تساؤلات حول مدى التزام الوزارة بالمعايير الدستورية والالتزامات الدولية التي تضمن حرية التعبير وحق الوصول إلى الإنترنت دون قيود.

ويرى كثيرون، أن هذه السياسة لا تعكس فقط تضييقاً متزايداً على حرية التعبير، بل تنذر بتوجه نحو مزيد من التشريعات القمعية.

المواقع المحجوبة

ومن بين المواقع المحجوبة موقع “المونيتور” (Al-Monitor)، الذي يُعرف بتغطيته للشؤون السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط، والذي تعرض للحجب سابقاً بسبب نشره مقالات تنتقد السياسات المحلية. كما شملت القائمة موقع Internet Archive، وهو مكتبة أرشيف عالمي تقدم موارد بحثية ودراسات مهمة للصحفيين وطلاب الدراسات العليا.

وأيضاً موقع IMDb) Internet Movie Database)، الذي يُعد قاعدة بيانات إلكترونية عالمية للأفلام والمسلسلات التلفزيونية وألعاب الفيديو.

ويوفر الموقع معلومات دقيقة عن الأعمال الفنية، بما في ذلك طاقم التمثيل، الإخراج، التقييمات، الجوائز، والتعليقات، دون أن يكون منصة لبث المحتوى. كما يقدم تصنيفات عمرية وتحذيرات تساعد المستخدمين في اختيار ما يناسبهم، ما يجعله بعيداً عن أية شبهة ترويج للمحتوى الهابط.

وشملت القرارات كذلك موقع Wallhaven، المتخصص في مشاركة وتحميل خلفيات وصور عالية الجودة، ويُعتبر من أبرز المنصات لعشاق الخلفيات المخصصة لأجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية. كما طال الحجب موقع B&H Photo Video، وهو متجر عالمي معروف في بيع المعدات التقنية والفنية، مثل الكاميرات وأجهزة التصوير والإلكترونيات الاحترافية، ويعد وجهة أساسية للمصورين المحترفين وصناع الأفلام.

هذه الخطوات دفعت بالمراقبين إلى التساؤل عن المعايير التي استندت إليها الوزارة في قراراتها، ومدى تأثيرها على حرية الوصول إلى المعلومات واستخدام الإنترنت في العراق. ويرى النقاد، أن مثل هذه الإجراءات تعكس نهجاً قمعياً يتعارض مع الحق في النشر والتعبير، ما يستدعي مراجعة شاملة لضمان توافقها مع القوانين الدستورية والمواثيق الدولية.

تصاعد التضييق على الحريات

وفي عام 2023، حصل العراق على 43 نقطة من 100 في مؤشر حرية الإنترنت، ما وضعه ضمن فئة “مقيد جزئياً”، إلا أن النقاط تراجعت في عام 2024 إلى 40 من 100، مما يعكس تصاعداً ملحوظاً في التشدد على حرية الإنترنت في البلاد.

وتفصيلياً، حصل العراق على 10 من 25 نقطة في فئة عوائق الوصول، و16 من 35 نقطة في حدود المحتوى، و14 من 40 نقطة في ما يتعلق بانتهاكات حقوق المستخدم.

ووصف رئيس شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية، الصحافي سامان نوح، الإجراءات الأخيرة لوزارة الاتصالات بأنها “غير منطقية ولا معقولة”، مشيراً إلى تناقضها مع مبدأ الحريات المكفولة دستورياً.

وفي حديثه لصحيفة “طريق الشعب”، أوضح نوح أن هذه الإجراءات تعكس غياب الفهم والمعرفة لدى الوزارة بطبيعة المواقع التي تم حجبها، والتي تقدم بحوثاً علمية وثقافية وخدمات مفيدة للجمهور.

وأضاف قائلاً: إن “طبيعة المواقع المحظورة تظهر أن المعنيين في الوزارة يفتقرون إلى خبراء قادرين على التمييز بين المواقع الرصينة، وتلك التي قد تحتوي على محتوى مرفوض. بالتالي، هذه الإجراءات تبدو غير مدروسة وغير مبنية على أسس علمية”.

الوزارة تجهل دورها الحقيقي؟

وأشار نوح إلى أن قرارات الحجب “لا يمكن أن تُتخذ عبر أوامر إدارية فقط؛ إذ إننا نعيش في عالم مفتوح. ورغم محاولات تقييد الوصول إلى هذه المواقع، إلا أن الراغبين سيجدون طرقاً للالتفاف على هذه القيود، وإن كان ذلك عبر إجراءات أكثر تعقيداً”.

وأضاف، أن “هذه الإجراءات تمثل خطوة واضحة نحو تضييق الحريات، وتكشف عن غياب إدراك الوزارة لدورها الحقيقي في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، بدلاً من تقييد حرياتهم”. وأكد نوح، أن “هذا التضييق يمثل بداية لسلسلة إجراءات أكثر تشدداً إذا لم يتم التصدي لها. لقد حذرنا من هذا سابقاً، إلا أن التدمير الممنهج للمجتمع المدني ووسائل الإعلام، وتحولها إلى أدوات حزبية تخدم أجندات بعض القوى السياسية المتنفذة، ما يجعل الأمور تتفاقم”.

دعوة لمواجهة التصعيد

ونوّه الصحافي إلى خطورة الوضع قائلاً: “نحن أمام مشكلة كبيرة تتطلب تحركاً فورياً. لكن ضعف المجتمع المدني والإعلام حالياً يجعل المواجهة صعبة”، مضيفا أن بعض المثقفين والناشطين يدرسون إنشاء مجموعات ضغط للتحرك ضد هذه الإجراءات التي تشكل انتهاكاً للدستور.

واختتم حديثه بدعوة الأحزاب السياسية التي تؤمن بالحريات والدستور إلى التصدي لهذه السياسات، مؤكداً أهمية تشكيل فريق قانوني لمواجهة الخروقات القانونية والطعن في الإجراءات التي تتبناها الوزارة، محذرا من أن استمرار الصمت قد يؤدي إلى تصعيد غير مسبوق يهدد الحريات الأساسية.

غياب الخبرة والتخصص

من جهته، انتقد المحلل السياسي رحيم الشمري الوضع القانوني والتقني في العراق، مشيراً إلى أن غياب التشريعات التي تواكب التقدم التكنولوجي.

وقال الشمري في حديث لـ”طريق الشعب”، ان “العراق يعاني من فوضى في اللوائح والتعليمات التي تصدرها وزارة الاتصالات، والتي غالباً ما تكون مخالفة للدستور، لا سيما المواد 37 و38 المتعلقة بالحريات”.

وأضاف، أن الفوضى تمتد إلى تنظيم الطيف الترددي من قبل هيئة الإعلام والاتصالات، حيث تُدار كلتا المؤسستين من قبل جهات تفتقر إلى الخبرة والتخصص، وتخضع للمحاصصة الحزبية وصفقات الفساد.

تصعيد مثير للقلق

رئيس مؤسسة “حق” لحقوق الإنسان عمر العلواني، يرى أن إجراءات وزارة الاتصالات الأخيرة تأتي في إطار نهج حكومي واضح لتقييد الحريات.

ويقول العلواني لـ”طريق الشعب”، ان “هذا التضييق ليس منعزلاً عما سبق من قرارات مثل حظر الاتحادات المهنية وحملة المحتوى الهابط، وهو مؤشر يثير القلق ويعكس جهل القائمين على الوزارة”.

ويضيف العلواني، أن هناك أولويات أخرى أكثر أهمية من حجب المواقع، ولو كانت الوزارة جادة في معالجة ما تصفه بالمخالفات، لكان من الممكن استخدام طرق وأساليب حديثة، بعيداً عن الحجب.

وأضاف، ان “الخوف هو المحرك الأساسي لهذه السياسات، والتي تبدو كذريعة لتشديد القيود على الحريات. العديد من المواقع المحظورة لا علاقة لها بالتبريرات الحكومية، بل هي مواقع معروفة وموثوقة”.

واختتم العلواني حديثه محذراً من خطورة توسيع قائمة الحظر، قائلاً: “الحكومة لا تمتلك أية حلول سوى اللجوء إلى الحجب. إذا كانت هناك رغبة في معالجة المشاكل أو نشر مفاهيم جديدة، فإن الطرق الحديثة أكثر فعالية من هذه الإجراءات العشوائية”.

تبريرات الوزارة

وبرّرت وزارة الاتصالات، في بيان رسمي، إجراءاتها الأخيرة المتعلقة بحجب عدد من المواقع الإلكترونية بأنها تأتي استناداً إلى قرارات رسمية من الجهات المختصة، وليست اجتهادات شخصية. وأكدت الوزارة أنها تنفذ قرارات المحكمة الاتحادية العليا ومجلس النواب بشأن حجب المواقع الإباحية. كما وصفت موجة الاعتراضات الناقدة لإجراءاتها بأنها “هجمة من المتصيدين بالماء العكر”.

البرلمان يستعد للاستجواب

من جهتها، أكدت رئيسة لجنة النقل والاتصالات النيابية، زهرة البجاري، عزم اللجنة استجواب وزيرة الاتصالات هيام الياسري على خلفية ما وصفته بـ”التخبط الكبير في العمل وعدم تقديم الخدمة المطلوبة للعراقيين”.

وأعربت البجاري عن “استغرابها من الأداء الحالي لوزارة الاتصالات، التي يُفترض أن تكون رائدة في تقديم الخدمات ومواكبة التطورات التقنية العالمية، مثل الذكاء الاصطناعي والحكومة الإلكترونية. ولكن، بدلاً من ذلك، ترد إلى اللجنة شكاوى متعددة حول سوء الأداء والفجوة الكبيرة بين ما تُصرّح به الوزيرة في الإعلام وما يجري على أرض الواقع”.

 وأشارت إلى أن “الوزارة أخفقت في التعامل مع ملف حجب بعض المواقع، حيث اتُّخذت قرارات اعتباطية بحجب مواقع دون سند قانوني واضح”، موضحة أن “وزيرة الاتصالات تسعى للعمل بعيداً عن القوانين المعمول بها، وهذا أمر مرفوض”.

 وأوضحت البجاري أن لجنتها تعمل حالياً على إعداد ملف استجواب وزيرة الاتصالات لمساءلتها بشأن الخروقات والشكاوى المقدمة.

وخلصت الى القول: “نحن ملتزمون بدورنا الرقابي لضمان تقديم أفضل الخدمات التقنية للمواطنين العراقيين وتحديث البنية التحتية بما يتناسب مع التطورات العالمية”.

عرض مقالات: