برغم تصريحات الحكومات العراقية المتعاقبة عن تحسين الأوضاع، يظل الجواز العراقي في أدنى المراتب عالميًا؛ ووفقا لتصنيف "Henley Passport" للربع الثاني من عام 2023، احتل العراق المرتبة الأخيرة عربيًا وقبل الأخيرة عالميًا، إذ يتيح لحامليه السفر دون تأشيرة إلى 29 وجهة فقط.
وفي عام 2024، تراجع تصنيفه ليصبح ثالث أسوأ جواز في العالم بعد أفغانستان وسوريا، بإمكانية الوصول إلى 31 وجهة فقط من أصل 227.
وتعكس هذه المرتبة الوضع السياسي والاقتصادي المتردي في البلاد، إلى جانب ضعف العلاقات الخارجية. ومع أن الجواز الدبلوماسي يُمنح فقط لمسؤولي الدولة وفق القانون، إلا أن التوسع غير المبرر في منحه لأسر النواب والشخصيات خارج السلك الدبلوماسي أثار مخاوف من تقليل قيمته دوليا.
إجراءات الحصول على الجواز العادي في العراق معقدة، حيث يواجه المواطنون طوابير طويلة في ظل ضعف البنية التحتية للدوائر الحكومية. ويرى الخبراء أن تحسين تصنيف الجواز العراقي يتطلب تحديث نسخ بايوميترية موثوقة، وتعزيز العلاقات الدولية، والحفاظ على سيادة البلاد لتغيير صورتها النمطية عالميًا.
معايير الجودة
يقول المحلل السياسي علي البيدر، أن "ترتيب الجواز العراقي المتدني عالميًا يعكس عدة عوامل تتعلق بالواقع الأمني والدبلوماسي للبلاد، إلى جانب مستوى الطلب العالمي على زيارة العراق".
ويضيف البيدر، أن "معايير جودة الجواز العالمي تعتمد على مدى رغبة مواطني الدول الأخرى بزيارة هذا البلد، وعدد الزائرين وأسباب زيارتهم"، مشيرا إلى أن "رغم المؤشرات الإيجابية التي تؤكد انتقال العراق من مرحلة الإغاثة إلى التنمية، وحالة الاستقرار النسبي التي تعيشها البلاد، إلا أن أعداد الزائرين للعراق ما زالت منخفضة مقارنة بما يفترض أن تكون عليه. ويرجع ذلك إلى أسباب منطقية وأخرى غير منطقية، منها استمرار المخاوف الأمنية".
ويشير البيدر في حديث لـ "طريق الشعب"، أنّ "وزارة الخارجية لم تقدم رسائل طمأنة ومبررات منطقية لدول العالم لتشجيعها على فتح الأبواب أمام العراقيين. وهذا يرتبط بدور الدبلوماسية الضعيفة في البلاد، والتي تأثرت بالمحاصصة السياسية، ما أدى إلى تعيين سفراء غير مؤهلين في كثير من الأحيان".
ويوضح البيدر، أن "الخروقات الأمنية المستمرة تمثل نقطة جوهرية تؤثر على صورة سيادة العراق أمام العالم. كما أن العراق بحاجة إلى التعامل وفق مبدأ المصالح المتبادلة مع الدول الأخرى، من خلال فرض إجراءات صارمة على دخول الزوار إلى البلاد، ما يمنح العراق هيبة دبلوماسية ويجبر الدول الأخرى على تخفيف قيودها تجاه العراقيين".
ويختتم البيدر حديثه بالإشارة إلى أن "الكثير من الشركات والشخصيات المؤثرة عالميًا ترغب في زيارة العراق، وإن تشديد الإجراءات على دخولهم قد يدفع دولهم إلى إعادة النظر في تعاملها مع المواطنين العراقيين. هذا من شأنه أن يعزز تقييم الجواز العراقي ويُحسّن مكانته عالميًا".
المعايير الأساسية
يقول د. مهند الجنابي، أستاذ الدبلوماسية والسياسات الخارجية في جامعة جيهان، أن "المعايير الأساسية التي تحدد تصنيف جوازات دول العالم لا تتعلق بشكل مباشر بالوضع العام للدولة أو مشكلاتها الداخلية، بل تركز بشكل أساسي على قدرة حامل الجواز على دخول أكبر عدد من الدول بدون الحاجة لتأشيرة".
ويضيف الجنابي في حديثه لـ "طريق الشعب"، أن "التصنيف يعتمد بشكل رئيسي على الاتفاقيات الدبلوماسية التي تعقدها الحكومات مع دول أخرى لإلغاء متطلبات التأشيرة"، مشيرا الى أن "هذا يعتمد على قدرة وزارة الخارجية على التفاوض مع دول العالم الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والصين، لتحقيق اتفاقيات تسمح لمواطني الدولة بدخول تلك الدول دون الحاجة إلى تأشيرات".
ويؤكد أن "الوضع الأمني أو المشاكل الداخلية في الدول قد يؤثر بشكل غير مباشر على هذه المفاوضات. فعلى سبيل المثال، قد تجد دولاً مثل العراق صعوبة في التفاوض على إلغاء التأشيرات بسبب الوضع الأمني، وهو ما قد يحد من قدرتها على التوصل إلى اتفاقات مع بعض الدول"، لافتا الى أن "التصنيف العالمي للجوازات يعتمد على عدد الدول التي يمكن لحامل الجواز دخولها بدون فيزا، على سبيل المثال، تتمتع جوازات دول مثل فنلندا والنرويج بتصنيف عالٍ، حيث يمكن لمواطنيها دخول أكثر من 90 دولة بدون تأشيرة، في حين أن الجواز العراقي يسمح بدخول خمس دول فقط بدون فيزا، وهو ما يعكس الفجوة الكبيرة في التصنيف".
ويخلص د. مهند الجنابي الى أن "التفاوض الدبلوماسي هو العنصر الأساسي في تحديد قدرة الدولة على إلغاء التأشيرات لمواطنيها، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على ترتيب تصنيف جوازاتها على مستوى العالم".
الحفاظ على سيادة البلاد
ويقول الناشط السياسي علي القيسي، إنّ السياسيين في الغالب لا يولون أهمية للتصنيفات الخاصة بالجوازات، حيث لا يرون فيها أي مشكلة، طالما أن العديد منهم يتنقلون باستخدام جوازات سفر دبلوماسية أو جوازات بلدانهم، مضيفا أن زيادة عدد الجوازات الدبلوماسية ومنحها لأشخاص غير مستحقين قد أسهم بشكل سلبي في تراجع سمعة الجواز العراقي.
ويضيف القيسي خلال حديثه مع "طريق الشعب"، أن "منح الجوازات الدبلوماسية يجب أن يكون محصورًا فقط بالموظفين الدبلوماسيين، محذرًا من استخدام المحسوبية في منح الجوازات لأفراد العائلة أو الأقارب.
ويلفت إلى أن ذلك قد يؤدي إلى فقدان جواز السفر العراقي قيمته، بل وربما يُرفض من بعض الدول في المستقبل، منبها الى إلى وجود جوازات خاصة بالوكلاء والوزراء، التي تتمتع بامتيازات أقل من الجواز الدبلوماسي.
ويواصل حديثه أن "هذه الجوازات قد تكون بديلاً مقبولًا. أن سمعة الدولة وقيمتها العالمية تتأثران بشكل مباشر بالأوضاع الاقتصادية والأمنية، وهو ما ينعكس بدوره على تصنيف الجواز العراقي".
ويجد القيسي أن "وزراء الخارجية في الحكومات المتعاقبة والحالية لم يقوموا بما يلزم لتحسين وضع الجواز العراقي، إذ أن الأموال التي تُنفق على حضور المؤتمرات والندوات الدولية أو سفر وزراء الخارجية لم تُثمر عن نتائج ملموسة لتحسين سمعة الجواز العراقي".
ويختتم حديثه بأن "الطريقة الوحيدة لتغيير تصنيف العراق يكون عبر الحفاظ على سيادته وبناء علاقات وثيقة مع مختلف الدول وتغيير واعتماد نسخ حديثة من الجواز البايومتري عالية الثقة والأمان وإن كان مكلفا.